أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاني عبد الفتاح - ابن الدبّاغ: فيلسوف الحب غير المشروط














المزيد.....

ابن الدبّاغ: فيلسوف الحب غير المشروط


هاني عبد الفتاح

الحوار المتمدن-العدد: 7013 - 2021 / 9 / 8 - 02:41
المحور: الادب والفن
    


يحفل التراث الإسلامي بالكثير من التآليف والمصنفات النثرية التي عنيت بالحب والعشق وأحوال العشاق والمحبين. بيد أن معظم هذه التصانيف ، إذا ما استثنينا منها "طوق الحمامة" لابن حزم، تسلك طريق سرد الأقوال ورصد الأشعار في المحبة والعشق، وذكر أحوال ومقامات المحبين، دون أن تكوّن نظرية في الجمال بشكل عام أو المحبة والحب بشكل خاص، كما هو الحال في "مشارق أنوار القلوب ومفاتيح أسرار الغيوب" لابن الدبّاغ الأنصاري [605هـ-696هـ].

ولعل كون "ابن الدباغ" ا من المتأخرين نسبيا، أكسبه اطلاعا واسعا على كثير من التآليف التي نسجت خيوطها حول المحبة والعشق، فاستفاد منها ، حتى إننا نرى بعض آثارٍ فلسفية أفلاطونية وأفلوطينة في كلامه عن الجمال والمحبة، فيتبنى مقولة أن الجمال الحقيقي في العالم العلوي، وأن هذا الجمال الأرضي ما هو إلا خيال للجمال العلوي، يحاذيه محاذاة الظل للجسم. ولعل اتخاذه هذا المسار هو ما أسفر عن تبنيه فكرة "الحب الأفلاطوني" أو الحب "غير المشروط" بتعبيرنا.

أما آخر، يمكن فهم وتفسير نظرية ابن الدباغ عن الحب غير المشروط، وهو تبنيه للنزعة الصوفية في مساوقة شديدة، لدرجة أننا لا نستطيع أن نفصل فصلا حادا، في نظرية عن الجمال، بين ما هو صوفي عن ماهو غير ذلك. الأمر الذي يقودنا في النهاية إلى القول بأن "الجمال" في الحقل الصوفي بشكل عام، له حضور واسع وعميق.

ففي البداية يعرّف ابن الدباغ الحبَ الذي يعبر عنه بـ"المحبة" بأنه «ابتهاج يحصل للنفس عن تصور حضرةِ ذات ما»[ص22]، بيد أنه مع ذلك لا يرى أن لفظ "ابتهاج" وافٍ لوصف معنى الحب بشكل دقيق، في إشارة منه أن اللغة بشكل عام قاصرة على وصف معنى تجربة الحب الشعورية، فيقول «ولو أننا وجدنا عبارة عن اللذة الحاصلة للمحب عن تصور حضرة محبوبه بلفظ أعظم من لفظ "الابتهاج"؛ لشرحنا به معنى الحب»[ص23]. ويستطرد في بيان سبب قصور اللغة عن إفصاح معنى الحب قائلا: « وهذا لأن المحبة ألطفُ الأشياء؛ فإذا كُسيت بالألفاظ؛ فقد كُثفت (أي خرجت من دلالتها المعنوية إلى الدلالة المادية)، وخرجت عن موضعها من اللطافة الذاتية لها»[ص21].

أما عن الحب ، فإن "ابن الدباغ" يقسّمه بشكل عام إلى قسمين، الأول ويسميه "الحب العرضي" وفيه لا يحب المحبوب لذاته، بل لغيره ، والثاني يسميه "الحب الذاتي"، وفيه يُحب المحبوب فيه لذاته، فالأول كمن يحب من أحسن إليه، وهي محبة ليست مقصودة في ذاتها، «إنما حاصلها يرجع إلى محبته لنفسه التي جُبل عليها ..لأجل ذلك كان المحسن محبوبا ومن قوله: جُبلت القلوب على حب من أحسن إليها»، وكذلك محبة الصديق من أجل جلب المنافع ودفع المضار، وكذلك محبة المعلِّم لإفادة من علمه، وكذلك محبة الطبيب لأنه معين على حفظ صحة الجسد ودفع المرض. فجميع ما في هذا المعنى هي محبة عرضية. «لأن من أحب شخصا لصفةٍ فيه تعود منه عليه؛ فما أحب على الحقيقة غير نفسه» [ص31]، وهذه إنما تُسمى محبة لا على الحقيقة، بل على المجاز.

أما القسم الثاني، وهو الحب غير المشروط والذي يسميه ابن الدباغ "الحب الذاتي" فهو أشرف من النوع الأول، لأنها محبة مرادة لذاتها لا لشيء عائد منها للمحب، فهو الآخر على نوعين: نوع معلوم سببه، وهو محبة "الكمال" و"الجمال" كقيمة في ذاتيها.

ويوضح "ابن الدبّاغ" العلاقة بين الكمال والجمال فيقول «الكمال مظهرٌ للجمال»[ص31]. أما النوع الثاني من "الحب الذاتي"، فيعجز "ابن الدباغ" عن أن يعرفه، أو يجد له سببا، فيصفه بأنه "ما لا يُعقل سببه"، وهو "ليس مما يتوصل إليه بسبب مُكتسب، أو رياضة أو طلب"، إنما هو سر خفي وضع كما يقول "في القسمة الأزلية" ويكأنه قدر من أقدار القلب.

ويبدو بهذا المنطلق أن ابن الدباغ من أصحاب اتجاه "الفن للفن"، أو الجمال للجمال، لا لشيء آخر يقبع وراءه، إنما الجمال عنده قيمة في ذاتها، ينبغي تذوّقها بغضّ النظر عن الفائدة من ورائها.

وهكذا نرى أن "ابن الدبّاغ" يرسم صورة لما يجب أن يكون عليها الحب المثالي، وهو الحب الكامل والأكثر دواما، لا مجرد شعور عرضي ، كما يصفه بأنه "أشرف أنواع المحبة وأدومها"، وذلك لأنه حبا غير مشروط بعائد أو بفائدة أو منفعة غير الانجذاب للجمال في ذاته.



#هاني_عبد_الفتاح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصوف: حفريات في النفس.
- هل يمكن أن يكون الصوفي وجوديًا
- ابن طفيل: الدين في حدود العقل وحده
- قراءة في محاولة اكتشاف العقل العلمي العربي
- بين الدين والعلم
- أزمة الحقيقة في حياة برتراند راسل
- نقد الفلسفات الحديثة والمعاصرة بمنطق الفلسفة الإسلامية:
- -العقل- فاعل، و-النص- مفعول:
- خدعة مفهوم الوطنية
- هل تغير مفهوم الإله في الفكر الغربي؟
- قراءة في مشروع زكي نجيب محمود الفكري


المزيد.....




- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاني عبد الفتاح - ابن الدبّاغ: فيلسوف الحب غير المشروط