أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عايدة الجوهري - نحن في حاجة إلى حكام يتوجعون














المزيد.....

نحن في حاجة إلى حكام يتوجعون


عايدة الجوهري

الحوار المتمدن-العدد: 7002 - 2021 / 8 / 28 - 00:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من علامات تحول الحاكم إلى طاغ صفيق هو إفتقاره إلى الشعور بالوجع، والندم، والذنب، وهذه المشاعر وغيرها من طينتها، هي التي تجعل الإنسان إنساناً، بالمعنى المعياري والأخلاقي والشعوري، وهي التي تردعه عن إرتكاب الموبقات والإساءات، وهي التي تخفف من جموح السلطة، والتسلط، فبأي نوعٍ من الحكام إبتلى اللبنانيين؟
بقدر ما يستفزنا، نحن اللبنانيين، الخراب الذي نشهده كشريط سينمائي مروع، ومعطوب ومشوش، تستفزنا صلافة الحكام اللبنانيين، ولا مبالاتهم، وسلبيتهم المفرطة، التي لا تعزى، بالضرورة، إلى "تركيبة النظام"، أي إلى أسباب خارجة عن أخلاقيات الحكام وطبائعهم وقراراتهم وإراداتهم.
تدار البلاد وكأنها شأن خاص، من دون مرجع قانوني، أو على الأقل أخلاقي، ويتلو غياب المرجع الأخلاقي، غياب الشعور بالمسؤولية، تلك المتوقعة من إنسان حر، يدرك صلاح فعله أو شره، ويدرك تبعاته. إن الواجب الأخلاقي يسبق السياسي ويعلو عليه.
الحق السياسي في لبنان هو حق فردي، سلطوي، علوي، وليس حقوقاً جمعية مشتركة. والخير الذاتي، هو السبيل إلى ملذات ومنافع شخصية، تدمر موضوعية الخير، فلا يتمايز الإيجابي عن السلبي، ويكونان سواء بسواء، وسيان.
هي أخلاق سياسية هدفها اللذة والمنفعة الذاتيتان، فطرية، تقرن الفطرة بالعقل، ولا تكترث لمستلزمات الإجتماع والمصلحة المشتركة، ولا تترتب عليها عواقب الألم، والأذى، اللاحق بالآخرين، هي شهوات تعمي الأبصار، وتصم الأسماع، وتعطل الأحاسيس.
إنها قضية أخلاقية أيضاً، ونحن بتنا نستصغر تناول الأفعال السياسية من باب الأخلاق، ونحيل، براغماتياً، الحلول التغييرية إلى ميزان القوة، ولا نجيز البحث في القيمي والرمزي، فيما الرمزي الأخلاقي كامن وراء أي سعي إلى التغيير، وتعديل موازين القوى، أي في الفعل المضاد.
إن غياب الموانع الذاتية التي تضبط الشهوات المنفلتة من عقالها، هو إعلان عن تلاشي "الضمير"، وهذه اللفظة يندر إستعمالها، حتى باتت تبدو "مهجورة المعنى" archaique، ولكن، لا بأس من نفض الغبار عنها، لأنها أضحت موضوع رهان ملح، بغياب الروادع الخارجية، القوانين، ومؤسسات المحاسبة، والإنتخابات الديموقراطية، والإعلام المحايد، إلخ.
يلخص مصطلح "الضمير" المنظومة الأخلاقية العامة للعدالة، ورديفها "الحق"، وهو "وعي أخلاقي" يجعل المرء يميز بين الشر العام، والخير العام، ويقوم على محاكمة الذات ومحاسبتها كقاض، ويغير السلوكات والنيات، وفق معايير الأخلاق والواجبات. ويتمظهر "الضمير" في ثواب زمني، هو رضى وشعور بالإبتهاج، وفي عقاب، هو تأنيب أو مسرة، وندم، أوشعور بالفشل، أو الخجل، وما إلى ذلك.
يوقظ الضمير، الصراع بين الواقع والمتوقع أخلاقياً، إنه "الأنا الأعلى"، في صراعها مع "الهو"، أو البحث عن اللذة والمتعة والمكاسب الإضافية، من دون قيد أو شرط.
في غياب "الأنا الأعلى"، أو الضمير، نحن أمام مخلوقات تحول خيرها إلى خير مطلق، غير خاضع للتقويم والمقارنة وإعادة النظر. أمام "وعي خاص" منفصل عن "وعي الجماعة". وعن الوعي العام. لعل هذه الظاهرة النفسية التي تضم الأنساق الإستبدادية، تعود إلى ما يسمى في علم النفس "مرض السلطة". نعم، ثمة مرض نفسي معترف به اسمه "مرض السلطة" يصيب الحكام والقادة، ويتسم بالنرجسية، والصلافة، والإدعاء، والأنانية، وعبادة الذات، والتلاعب بالآخرين، والكذب، وإحتقار الغير، والشعور بالعظمة، وفقدان القدرة على الإنصات للآخرين، إلخ.
نحن إذاً أمام أناس تبلد إحساسهم بالآخرين المحكومين، وغادرهم الشعور بالفشل والإيذاء، الذي يجلب الندم والتأنيب الذاتي والوجع. وإذا سرنا بالمنطق ذاته، هم أناس غادرهم الشعور بالرضى والإبتهاج المتأتيين عن التضامن مع الآخرين، والوعي بهم، وباتوا مصابين بداء السلطة، وداء العظمة، الذي يعطل سائر المشاعر، سوى مشاعر ملذات مريضة.
تحتاج الدول السوية إلى شعور حكامها بالمسؤولية، وإلى إدراكهم، إدراكاً عميقاً، حقوق الجماعة والوعي بها، إلى إدراك "العام" وتقديمه على الخاص، إلى حكام يرتقون من مرتبة الملذات الفطرية البدائية، إلى تلك المكتسبة، بفعل الوعي بالآخرين، المحكومين، واحتياجاتهم، واحتياجات الدفع بالعام نحو الأفضل.
إننا في حاجة إلى حكام يتوجعون ويحاسبون أنفسهم بوجود القوانين ومن دونها، لأن القوانين وحدها لا تضع المنظومات الأخلاقية. لكن هذه الأوجاع غريبة على "مرضى السلطة" الذين يحتاجون، على ما يبدو، إلى علاجات جراحية.



#عايدة_الجوهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حقوق الطوائف- كمشكلة أخلاقية وحقوقية
- القتل باسم الدين والبارانويا
- كان بكاءُ ردينة، ذات البضعة أشهر، وهي الطفلة الخامسة لعائلة ...
- في كراهية النساء
- دروس شهرزاد
- توقفوا عن تشويه مفهوم الدولة المدنية
- لا عزاء للسيدات إلا بقانون مدني للأحوال الشخصية
- غرام الثوار اللبنانيين بالعفوية
- الشعب اللبناني يريد إسقاط النظام
- برنامج الأنوثة
- عن الذي جمعني ونوال السعداوي في كتاب
- الجسد هو الذي يكتب
- النبوءة والفحولة
- عصاب الفحولة (1)
- رمزيّة الحجاب
- أرجل الرّجال
- المرأة التي تعشق جلادها
- أنا أغنّي، أنا أسمع الموسيقى، أنا أرقص، أنا حرّ، أنا حرّة
- هل أنتمي إلى أقليّة؟
- -يسار- عايدة الجوهري: مفهوم متحرّك للعدالة الإجتماعية


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عايدة الجوهري - نحن في حاجة إلى حكام يتوجعون