أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - بين الكولونيل بونديا ماركيز وملا عمر طالبان.. السرد الروائي وسرد الحياة














المزيد.....

بين الكولونيل بونديا ماركيز وملا عمر طالبان.. السرد الروائي وسرد الحياة


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 6991 - 2021 / 8 / 17 - 15:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنتُ قد كتبت مقالة خفيفة قبل عدة سنوات حين استولت طالبان على الحكم وطردت المليشيات الإسلامية المنافسة لها من العاصمة في 27 أيلول 1996، تطرقت فيها الى المصادفة العجيبة في كيفية تأسيس هذه الحركة وبين ما رواه غارثيا ماركيز في روايته الأشهر "مائة عام من العزلة" عن انطلاقة بطله أوريليانو بونديا وتأسيسه لقوة مسلحة من العدم تقريبا، وتحدثتُ فيها عن موضوع تلاقيات وتصاقبات سردية الواقع الحياتي الحقيقي مع الآخر المتخَيَّل الروائي. لم أعثر على المقالة الأصلية ولا أين نشرتها ولذلك سأحاول استعادتها من الذاكرة في النص أدناه مع التحديث اللازم، مع تسجيل أنني هنا لست في معرض الترويج أو النقد التشنيعي السياسي لأي طرف بل في معرض مقاربة أدبية إناسية اجتماعية لحادث عودة طالبان إلى الحكم بهد الانسحاب المذل للقوات الأميركية الغازية:
*حركة طالبان حركة مليشياوية أسسها طلاب المدارس الدينية (طالبان صيغة جمع في عدد من اللغات الشرقية كالفارسية والأوردية والكردية لكلمة طالب العربية). انبثقت من العدم تقريبا في مناخات العنف والحرب الأهلية سنة 1994 في مدينة قندهار جنوب أفغانستان التي تقطنها قومية الباشتون المؤلِفة لـ 45 بالمائة من السكان وهي المكون الأكبر. وكانت الحادثة التي دفعت الى انبثاقها عمليا هي قيام مليشيات مسلحة أخرى في المنطقة بمهاجمة قرية "سانج هيسار" واختطاف واغتصاب فتاتين منها. وحين علم الملا محمد عمر بالحادثة شكل مجموعة من ثلاثين شابا من طلاب المدارس الدينية وتسلحوا بأسلحة بدائية وبدأوا عملية مطاردة للمعتدين الذين اغتصبوا الفتاتين ونجحوا فعلا في إلقاء القبض عليهم وشنقوا قائدهم على شجرة.
*كانت هذه هي البداية لتأسيس حركة طالبان التي ولدتها حالة العنف المستشري والفلتان الأمني في تطبيق صريح وعفوي يذكرنا بنظرية المؤرخ الشهير آرنولد توينبي حول التحدي والاستجابة، والتي استلهمَها من عِلم النفس السلوكي ومؤسسه الأبرز كارل يونغ. فقد انجذبت الحركة لملء الفراغ الأمني والاجتماعي والسياسي في الريف الأفغاني، ثم انعزلت ضمن منطق ومسار النوع الثاني من الاستجابة للصدمة أي الاستجابة السلبية المحيلة المؤدية الى عزلة المصدوم. وسرعان ما تلقفتها المخابرات الباكستانية والأميركية لاحقا وسلحتها ومولتها حتى سيطرتها على العاصمة وأسست إمارتها الإسلامية بدعم أميركي استمر حتى وقعت هجمات 11 أيلول - سبتمبر 2001 التي أعلن تنظيم القاعدة حليف طالبان مسؤوليته عنها.
*في روايته مائة عام من العزلة، يروي لنا ماركيز قصة انطلاقة حركة العقيد أوريليانو بونديا كالتالي: في إحدى جولات الحرب الأهلية بين اللبراليين والمحافظين في كولومبيا، وصلت الى قرية بونديا قوة عسكرية حكومية وسيطرت عليها، وبدأت عمليات قمع واضطهاد شديدة: أعدمت القوة الحكومية طبيب القرية، وحين حاول رجل الدين الأب نيكانور التدخل للتهدئة ضربه أحد الجنود بعقب بندقية وشج رأسه. قام الجنود بعمليات تفتيش من بيت إلى آخر، ثم انتزعوا امرأة كانت تصرخ لأن كلبا مسعورا عضها من بيتها وقتلوها في الشارع ضربا بأعقاب البنادق ... حين سمع أورليانو بونديا بما حدث من فظاعات قرر أن يفعل شيئا فجاء الى صديقه خيرينيلدو وقال له: هيئ الشباب سندخل الحرب! فسأله صديقه: بأية أسلحة؟ فرد بونديا: بأسلحتهم! وفعلا جمع بونديا وصديقه واحدا وعشرين شابا وتسلحوا بسكاكين المطبخ والهراوات وباغتوا حامية الجنود عند منتصف الليل وسيطروا عليها وأعدموا الجنود الأربعة ومعهم قائدهم النقيب الذين قتلوا المرأة برصاص بنادقهم الحكومية. ثم قرر بونديا أن يمنح نفسه رتبة عقيد "كولنيل" ويطلق حركة مسلحة كان لها انتشارها ودويها الهائل في المنطقة.*رواية ماركيز مزيج رائع وفذ فنيا من الواقعي المستند الى قصة حياة جده الكولونيل الليبرالي نيكولاس ماركيز ميخِيَّا الذي صنع تجربته في بيئة الريف الكولومبي الجائشة بعنف الحرب الأهلية، ولهذا فهي مناسبة لتأمل وتبصر قصة حركة وأحداث التاريخ في مجرييه الحقيقي الواقعي والآخر المتخيل غير البعيد عن المجرى الآخر بل والمختلط به والمتداخل معه تداخل الحلم بالواقعي والحقيقي.
*من المرجح أن تأملا وتبصرا كهذين سيمنحان الإنسان المنصف والصانع لوعيه الخاص فسحة من العقلانية تنجيه من السقوط في مهاوي الأيديولوجيا والتحزب الأعمى لواحد منهما ومعاداة الاخر "عمياويا" أيضا، أو الانحباس في التكرار الببغاوي لما يقوله الآخر حول ما يحدث في أفغانستان؛ فأميركا التي دمرت أفغانستان طيلة عشرين عاما تخوِّف العالم، كما قال اليوم السفير الروسي ساخرا وبلغة قريبة - ويا للمصادفة - من لغة ماركيز "من أن طالبان ستأكل البنات ولكنهم فتحوا لهن المدارس"! ورغم أن كلام السفير الروسي قد يكون مبالغا فيه لأننا لا نعلم مدى صحته من مصادر مستقلة، ولكن الأكيد أن الحركة أصدرت عفوا عاما عن الموظفين الحكوميين من دولة اختفت من الوجود بمجرد انسحاب حاميها وبانيها الأميركي وهذه إشارة إلى أن حركة طالبان تتعلم من تجاربها في مدرسة التاريخ، التاريخ الحاوي للروايتين الواقعية الحياتية والأخرى المتخيلية.
*ترى، هل سيتعلم أولئك الذين وصلوا الى الحكم في العراق دون أن يكونوا جزءا من الروايتين الحياتية أو المتخيلة بل مجرد بيادق جمعها الغازي الأميركي من مقاهي المنافي في بلدان اللجوء وجعل منهم حكاما فاسدين مدمرين ومنفذين لمشروعه الاحتلالي في العراق؟ هل سيبادرون إلى تفكيك نظامهم المكوناتي الطائفي المتناقض مع طبيعة المجتمع العراقي التعددي المتنوع والذي لا نظام آخر يصلُح فيه غير النظام الديموقراطي المواطني والمساواتي، القائم على الهوية الرئيسية العراقية الوطنية وليس على الهويات الفرعية الطائفية والإثنية، أم أنهم سيواصلون السير نحو الهاوية والتي ستكون أقسى وأشدّ ألف مرة من الهاوية الأفغانية؟!



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفغانستان..للحقيقة أكثر من وجه وجوهر واحد
- اكتشاف معبد كنعاني في لخيش الفلسطينية : عن التضليل الصهيوتور ...
- الفرانكفونية؛ ماهي، ومتى نشأت ولماذا؟
- صحيفة أجنبية: الكاظمي يريد استبدال القوات الأميركية بقوات ال ...
- الراحل ميثم الجنابي: الغزارة النوعية للعقل النقدي التقدمي ال ...
- ج2/حضانة الأطفال في لبنان وإيران وبعض الدول الأوروبية والعرب ...
- حضانة الطفل ومشروع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية ...
- الجذور المشرقية لهوية الحضارة الأندلسية
- ج2/بابا الفاتيكان في أور السومرية: ما حقيقة الوعد الإلهي لإب ...
- هزيمة أميركا في أفغانستان ودلالاتها العراقية
- بالفيديو/ لماذا -تنجح- مشاريع الاستثمارات التي تقوم بها العت ...
- الحشد اليوم والأسئلة الصعبة
- من أكاذيب الطائفية السياسية والساسة الطائفيين في العراق
- لميعة عباس عمارة بين الجواهري والسياب والشريف الرضي
- ج2/ لماذا لم يُطبق حد الردة في زمن النبي والراشدين في هذه ال ...
- ج1:الرِّدة والتكفير كما يعرضهما باحث إسلامي رصين
- مسؤولية الزعامات الإقطاعية الكردية عن الكارثة التي حلت بالعر ...
- التحريض الطائفي يستهدف فقيه الثورات أبا حنيفة النعمان
- الحشد الشعبي لم يفتِ بقيامه السيستاني بل هو هبة شعبية دفاعية
- فتنة تمثال المنصور ببغداد: حقيقة العلاقة بين المنصور والصادق ...


المزيد.....




- -فايننشال تايمز-: الغرب يبحث خطة تتخلى سلطات كييف بموجبها عن ...
- في يومهم العالمي.. المعلمون والمعلمات أولاً
- أول تعليق من حزب الله على مصير هاشم صفي الدين خليفة نصرالله ...
- -إيران وإسرائيل في قبضة دائرة الانتقام-- فاينانشيال تايمز
- واشنطن بوست: جنديات إسرائيليات يؤكدن -نحن غير محميات- وهذا ...
- إحصاء: مواطنو بلدين عربيين في صدارة -غير المرغوب فيهم- بأورو ...
- أبرز ما يميز درونات -Cube- الانتحارية الروسية
- صواريخ كروز عراقية مطورة تضرب هدفين إسرائيليين في حيفا والجن ...
- استهدف طواقم الإسعاف.. القصف الإسرائيلي يوقف العمل بمستشفيات ...
- فقدان الاتصال مع هاشم صفي الدين وسط تقديرات إسرائيلية بمقتله ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - بين الكولونيل بونديا ماركيز وملا عمر طالبان.. السرد الروائي وسرد الحياة