أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامر أبوالقاسم - التأطير التربوي الديني في ظل المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي3















المزيد.....

التأطير التربوي الديني في ظل المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي3


سامر أبوالقاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1644 - 2006 / 8 / 16 - 11:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هناك توافق بين مختلف المشارب الفكرية والسياسية والاجتماعية حول مدى الارتباط القائم بين عملية التنشئة الاجتماعية والظروف والسياقات التي تجري فيها عملية التحول المجتمعي بشكل عام، وعلى هذا الأساس كان الرهان بالنسبة لوزارة التربية الوطنية، حسب الاختيارات والتوجهات العامة المعلنة، هو تحضير الظروف والشروط «لتكوين تلميذ من نوع جديد يعيش عصره، ويخوض في قضايا زمانه، ويشارك أبناء جيله الاهتمام والانشغالات الأساسية. ومن هنا كان التركيز على إعادة الاعتبار لكل المواد التي تنمي الحس النقدي لديه، وتقوي تربيته على المواطنة وثقافة حقوق الإنسان والاهتمام الإيكولوجي والعلمي والعقلاني...» (6).
وبالنسبة لمادة التربية الإسلامية، في الفترة الأخيرة، غالبا ما كان وضعها في النظام التربوي التعليمي ينعت بالعزلة والتهميش، سواء من حيث الإسناد أو المعامل أو الحصص أو البرامج أو العلاقة بالمواد الأخرى. وغالبا ما كانت برامج التعليم الأصيل توصف بالجمود والعزلة عن واقع الأمة المعيش، لكن وفي المقابل، غالبا ما كانت الرؤى والتصورات والمواقف تختلف، من حيث تحديد الأسباب وتفسير العوامل، باختلاف مشارب المهتمين الثقافية والاجتماعية والسياسية. والمجموعات المتدينة، المغالية والمتشددة، غالبا ما تنهل وتستقي رؤاها من بعض المرجعيات التراثية المنتصرة للنظرة الماضوية والمتشددة بخصوص تدريس هذه المادة، وتتغاضى عن باقي المرجعيات التراثية المنفتحة على العصر والمحيط وخصائص المتعلمين.
فأبو حامد الغزالي، على سبيل المثال، جاءت آراؤه في التربية شديدة الارتباط بآرائه الفلسفية العامة، خاصة إذا ما استحضرنا إيمانه بفضائل التصوف والزهد، الذي أدى به إلى قضاء الكثير من أوقاته في العبادة ومجاهدة النفس وقهرها، فهو يرى أن الغاية من التربية هي الاستعداد للحياة الأخروية، لذلك كان من دعاة تربية الطفل تربية دينية خلقية متشددة، قوامها الاخشوشان والتقشف والابتعاد عن ملذات الدنيا، بما في ذلك الابتعاد عن الطعام الجيد واللباس الجميل والمفرش الوثير، ولذلك كان اعتقاده راسخا في أن إعداد الناشئ للدنيا يؤدي للتحاسد والتباغض والهلاك، وهو ما ترجمه في رسالته "أيها الولد" وكتابه "إحياء علوم الدين".
وخلافا لذلك نجد ابن خلدون قد تأثر تأثيرا خاصا بالعلوم الفلسفية، حيث اعتبر أن الصواب في التعليم إنما يكون بمراعاة عقل المتعلم واستعداده، فقال بوجوب التدرج والسير معه من السهل إلى الصعب. كما قال بالانطلاق مع المتعلم من استقراء الأمثال الحسية، واعتماد المحاورة والمناظرة لا كثرة الحفظ، وذلك لإدراكه أن العقل ينتقل من المحسوسات إلى المعقولات. ولاعتقاده أن القهر يذهب بالنشاط ويفسد معاني الإنسانية في الأشخاص والجماعات والأمم، فقد قال بضرورة معاملة الأطفال بالرفق وعدم الشدة، وذلك على عكس ما ذهب إليه الغزالي، وهو ما ترجمه في الباب السادس من أبواب مقدمته.
وهنا تكمن أهمية موقف الجابري حين قال:« بإمكان بعض الناس أن يشككوا في منطق العصر، ولكن، بما أنهم لا يستطيعون الوقوف عند حدود نوع من أنواع "المنطق القديم"، لأنهم يعيشون بأبدانهم، على الأقل، في عصر يختلف جذريا عن جميع العصور "الماضية"، فإنهم يجهدون أنفسهم، بدون طائل، في إيجاد صيغة ما من صيغ التوفيق التي "تجمع" بين الماضي والحاضر » (7).
ولقد عرف المغرب في الآونة الأخيرة موجة التبني لشعار "إحياء التراث والثقافة الإسلامية" لدى بعض الحركات، التي ساهمت في العمل على نشر روح الغلو والتطرف والتكفير الديني داخل صفوف العديد من الفئات والشرائح الاجتماعية، حتى أصبح من باب الاستحالة فرز الحدود الفاصلة بين خطي الاعتدال والتطرف لدى "دعاة" الهوية الإسلامية، خاصة بعد أحداث 16 ماي، على اعتبار أن هذه الموجة التكفيرية امتدت لترى في المنظومة التربوية المغربية مجرد "مجال للتغريب" و "إبعاد الأجيال عن دينها"، وإطار لـ "إبعاد الفكر الإسلامي عن عقول الناشئة المغربية"، و "وعاء لتفريخ أعداء الهوية الإسلامية للمغرب والمغاربة".
وهنا لا يسعنا سوى التساؤل مع الجابري على الصيغة التالية:« من ذا الذي يستطيع أن يدعي أنه قادر على تحرير نفسه من دوافع الحاجات الآنية، وتوجيهات المعطيات الراهنة، الخفية منها والظاهرة، عندما "يسجن نفسه" في التراث؟... ثم من ذا الذي يستطيع الادعاء بأنه قادر على أن ينصرف إلى العصر "بكليته"، منسلخا "كل الانسلاخ" من التراث المنقول إليه بألف طريقة، متجردا من كل تأثير مباشر أو غير مباشر من جانب المجتمع الذي لا يخلو في أي زمان أو مكان مما يحمله الماضي إلى الحاضر...؟ » (8). فالمسألة التعليمية، كما في باقي الأقطار المشابهة، ظلت بؤرة توتر سياسي قوي بالمغرب، واتخذت لنفسها العديد من التمظهرات والتجليات، وهو ما يجعلنا نستخلص بأن أي توافق في الموضوع قد يؤدي، في غياب اليقظة السياسية الضرورية، إلى نوع من الاستقالة .. تحت تأثير المقاربة ...
لذلك فأساس المشكل يكمن في مدى ما أحدثه الحاضر من ثقل على كاهل المجتمع من ناحية، ومدى عجز البعض عن مواجهة هذا الحاضر المليء بجوانب التحول والتغير من ناحية ثانية، ومدى إرادته في تبني حقيقة معطيات الحاضر واستشراف آفاق المستقبل من ناحية ثالثة، ومدى قدرته على المساهمة في تغيير معطيات الحاضر وتجاوز إكراهاته من جهة رابعة.
فمن لا يقوى على العيش في المشاكل الراهنة والهموم اليومية، ومن لا يستطيع التعرف عن أسبابها والعوامل المؤدية إليها، لا يمكنه بتاتا أن يكون مساهما في بلورة شروط وظروف أفضل للعيش في الحاضر، ولا في استشراف آفاق مجتمعه المستقبلية، بل ولا يمكنه حتى أن يكون مواكبا لعصره. والمساهمة الفاعلة في العصر لا يمكنها أن تتم – في نظرنا – إلا بضرورة إعادة النظر واستئنافه في مناهج الاجتهاد، بما يلبي طموح الاستجابة لحاجات الاجتهاد الفقهي المتجدد. لذلك لا يسعنا القول بهذا المجال إلا ما جاء على لسان الأستاذ الجابري: « يجب أن نعيش حاضرنا، نغيره ونعيد بناءه، غير خائفين من "ضياع" "أصالتنا"» (9).
وقد نجزم - بهذا الخصوص – بأن الإشكال ينبغي أن يعالج من زاوية إعطاء الأهمية القصوى لقضية تجديد طبيعة وشكل التفكير الإسلامي وما يتفرع عنه من استفهامات مرتبطة بالأصالة والمعاصرة والعقلانية وقراءة النص الديني والتأويل والحرية الفكرية ... على قاعدة إيلاء الاهتمام للتطبيقات الاجتماعية للاجتهادات الفقهية الممكنة، وهو ما يعني الاستجابة لمستجدات الحياة، والانتباه لطبيعة وشكل العلاقات القائمة بين العلوم الشرعية وكافة العلوم الإنسانية.
ومثل هذه القضايا – في اعتقادنا – تطرح إشكالات مرتبطة ببناء المناهج ذات الصلة بالتعامل المباشر مع النص الشرعي لتجاوز مكامن الانشداد القوي إلى المنطق الماضوي في التفسير والتأويل من جهة أولى، وبالتعامل المثمر مع التراث الثقافي الإسلامي لتجاوز الارتباط الشديد بالمنطق التقليدي في القراءة والفهم من جهة ثانية، وبالتعامل المتفاعل مع التراث الإنساني المعاصر لتجاوز الارتباط السلبي بمنطق الانغلاق والتقوقع على الذات، وإتاحة الفرص الممكنة والمتاحة للتواصل مع الفكر والحضارة الإنسانيتين، والمساهمة – إن أمكن – في تجاوز أنواع القصور والأزمات التي تعرفهما من جهة ثالثة.



#سامر_أبوالقاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأطير التربوي الديني في ظل المشروع المجتمعي الديمقراطي الح ...
- التأطير التربوي الديني في ظل المشروع المجتمعي الديمقراطي الح ...
- التأطير التربوي الديني في ظل المشروع المجتمعي الديمقراطي الح ...
- التأطير التربوي الديني في ظل المشروع المجتمعي الديمقراطي الح ...
- العقيدة الأشعرية ومفهوم الإرادة الإنسانية
- أهمية إجراء دراسات مقارنة بين المذاهب المختلفة
- ضريبة اختيار الدعوة إلى التجديد والانفتاح
- التجديد الفقهي ومنافع الحرية والاختلاف في المرجعية والاجتهاد
- التشريع بين:التنميط والتجديد
- -الخلاص- في التجديد لا في التنديد
- الاجتهاد الفقهي ومنطق الافتراض
- علاقة الإيمان بالله بمفاهيم العلم والاجتماع
- الجبر والاختيار
- مادة التربية الإسلامية
- منزلق نعت المخالفين ب-الخوارج- عن المذهب المالكي
- بعض العوامل المؤدية إلى إنماء شروط الغلو والتطرف
- المواصفات والكفايات مدخل أساسي لتجديد التفكير الإسلامي
- السياسة فعل يهدف التقرب إلى معاني الصلاح
- المنظومة القيمية المغربية بين: الحاجات الشخصية والحاجات المج ...
- الفهم الساذج للهوية معيق للبناء المجتمعي وتحديثه


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامر أبوالقاسم - التأطير التربوي الديني في ظل المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي3