أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق سعيد أحمد - -صاحب السر- رواية لا تأمن لها ثالوث (الحياة - الإنسان– الموت)















المزيد.....

-صاحب السر- رواية لا تأمن لها ثالوث (الحياة - الإنسان– الموت)


طارق سعيد أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6952 - 2021 / 7 / 8 - 03:20
المحور: الادب والفن
    


"أفقت فوجدت نفسي في قبري" هي الجملة الأولى في رواية "صاحب السر" للروائي عمار علي حسن الصادرة حديثا عن دار "المصرية اللبنانية"

اعتدت على هذه الصدمة الأولى التي تلحق بي وتنفجر في ذهني بمجرد أن أثني ورقة الغلاف السميكة وأشرع في قراءة رواية جديدة للكاتب، فمنذ روايته "جبل الطير" وأنا استعد لهذه المفاجئة التي تقذفني في قلب عالمه الروائي دفعة واحدة حتى انتهي من قراءة النص.. يروق لي هذا
الموت..!
يقدمه لنا غلاف الرواية - قبل الكاتب- في رمزيته الأولى حيث نعش يغطيه من كل جوانبه توب من القماش الأبيض عالقا في فضاء اللون الأخضر.

وتبدأ أحداث الرواية بمجرد خروج "صاحب السر" من هذا النعش وانصراف الناس إلى قريتهم القابعة في محافظة المنيا، بعدما أغلقوا باب "المنامة" جيدا وأهالوا على بابها التراب والحجارة ليجد "مرزوق الحُر" نفسه في ظلام موحش وحيدا في قبر لا ونيس فيه سوى الهياكل العظمية منزوعة الرأس ما عدا واحدة وجثة شخص مازالت تتحلل على مهل

اعتمد الكاتب هنا ضمير المتكلم في سرد روايته، وهو اختيار جد موفق إلى أبعد مدى حيث أنه استطاع تحديد بؤرة الأحداث الدائرة بدقة في دواخل بطله المصدوم منذ إفاقته من الموت المزعوم، وما سوف تدور حوله من أحداث داخل القبر، وأيضا كثف من حضور الآنية ووطأتها وأثقل من مصداقيتها وأبعد عنها ما تثيره الضمائر الأخرى من احتمالات كانت من الممكن أن تصيب جوهر النص
بإشكالات الالتباس.. مثلا
يقول "صاحب السر":- "لم يرد على خاطري يومًا أن نهايتي ستكون على هذا النحو. أموت، وأقوم من موتي، ليس في العالم الآخر، إنما في هذا العالم الذي يظن كل من يعرفونني فيه أنني قد فارقته إلى الأبد. أقوم وروحي معي، لا تزال حبيسة داخل لحمي وعظمي المنهكين، أما جسدي فحبيس بين جدران صلدة قاسية باردة".

معللا ما حدث له على أنه قد يكون جريمة مكتملة الأركان دبرها له أعداءه قائلا:-
"ربما كان الذين دفنوني يدركون أن الحياة لا تزال تدب في
شراييني، لكنهم عجلوا بدفني، حتى تموت أسرارهم معي، ويموت
معها صبري الطويل عليهم، وظلال الحكمة التي كانت تكسوني كلما
نظروا إليَّ وأنصتوا إلى كلماتي القليلة التي كنت أنصحهم بها".





رغم أنه شاب انتصف كل شيء تقريبا! فهو الثلاثيني الذي لم يكمل دراسته في كلية الحقوق ومات والداه وعاش وحيدا في دار بسيط وحتى حبيبته "حميدة" لم يُكمل مشوار غرامه معها قبل أن تختفي من حياته ومن القرية بأكملها لتتزوج عنوة، كان يقابلها تحت شجرة الصفصاف يداعب جسدها ويُقبَل شفاها الموقدة بلهيب شوق كان يذوبان فيه سويا، قبل أن يغزو المرض كبده وينهش فيه من حيث شاء

_ حتى "حميدة" اكتفيت منها بشفتيها الساخنتين، ونهديها النافرين،
وحين خلا البيت لي بعد موت أبي وأمي، ورحيل أخي المستعار،
وتهيأت لي الدنيا، التي لم أدخلها، صرت، بعد أن سكنني المرض،
غير نافع لأي امرأة من اللاتي كنت أرى رغبتهن فيَّ"

رغم ذلك كله لم ترحمه الحياة ولم يشفق عليه أحد اللهم هي بضعة لحظات عاشها "مرزوق الحُر" تحت وطأة العشق الصاف بجوار الصفصافة مع "حميدة" حب عمره ولحظات أخرى عابرة حينما زارته في القبر!، وحاولت بأن تبقيه ليلقى الخلاص


قالت له: - "لماذا تعافر من أجل الخروج، مع أن الدخول إلى هنا خروج إلى البراح، والخروج من هنا دخول في الضيق الشديد؟!"


لم يأتي الموت بحال من الأحوال في معنى يميزه طوال السرد أو يضفي عليه صفات ما عن موت جذبه السياق لحدود دلالية أخرى، بل بالأحرى جاء مفهوم الموت بمستويات عدة اتسع لها السرد ليضع كل بناء دلالي للموت في مستواه السردي منفصلا في حد ذاته ومتصلا بالسياق العام للرواية بفواصل منطقية حالت بين التدفق الدلالي الآتي من كل المسارات السردية بسلاسة لغوية لعبت دور المرآة في عكس عميق المعنى على سلوك "مرزوق الحر / صاحب السر" داخل قبره

وهو يحارب خوفه وهواجسه والضبع الذي سد بأنفه المتطفل الثقب الذي حفره بعظمة نخره مدببه وهو أيضا يستعدي أجزاء من حياته السابقة، كثيرا ما أفاق من موت مؤقت كانت تدخله فيه غيبوبة كبدية عنيفة وكثيرا ما تمناه ليجد خلاصه من هذا الألم وتكراره المباغت، قال في ليلته الأولى في القبر

"فما كان يجري حولي لم يدع لي فرصة للتشكك في هذا من أي
باب. فقد رأيت بذور الزرع في حقول أهل قريتي وهي تنفلق تحت
التراب، وتشقه لتطل فوقه براعم صغيرة، ثم لا تلبث أن تملأ عين
الريح وعيوننا، خضراء قوية، وبعدها تصفر وتشيخ وتنكمش متأهبة
للحصاد، وهو موتها".

وكان الموت أيضا خيارا ألحت به عليه "حميدة" حينما تلامس طيفها يد حبيبها "مرزوق الحُر/ صاحب السر" داخل قبره، وهو يحاول أن يفتح طاقة يعبر منها إلى الدنيا من جديد، وكله عزم في فضح عمدة بلدته كشكل من أشكال الانتقام، حينما تأكد في ليلته الثالثة في القبر أنه هو من فعل به هذا منتهزا غيبوبة كبدية عابرة ليحولها إلى موت محقق له

تأتي رواية "عمار" في حوالي 200 صفحة من القطع المتوسط، تحبس بين دفتيها حدوته أخرى عن الصراع الدائر بين أطراف ثالوث "الحياة، الإنسان، الموت"، أطلقها الكاتب خارج حدود الزمن أو الحقب التاريخية بقصد تحرر الفكرة من تلك القيود وكذا ليضعها في سياقها الإنساني البحت، لكنه ألقى بها في إحدى القرى المصرية بمحافظة المنيا – مسقط رأس الكاتب-

وتنبثق الأحداث دون الوقوع في شرك ثنائية "الخير / الشر" وخارج سلطتها تماما، رغم توزيع مقدار من الخير والشر على متن الرواية بالقدر الذي يسمح بشحن الشخوص بدوافع وسلوكيات تحدد للقارئ المزاج العام للشخصية وكذا تفعيل خاصية التوقع للأحداث كآلية نشطة تضفي على العمل نسبة من الإثارة والتشويق

لاسيما أن شخوص الرواية أتت متخففه من حمولات الوصف وكذا من عقدة حشر مبررات الوجود وزخرفات السرد حولها، لهذا تحررت وشفت وبدت قابلة للترميز ومن ثم إسقاطها على الواقع النسبي

في الليلة الثانية في القبر وبعد أن تأكد تماما "صاحب السر" أنه مازال حيا يُرزق بنوبته الكبدية كسابق عهده، وأن كبده المتليف لم ينهار كليا وما لفظه منه منذ قليل دليلا قاطعا على الحياة، أصر على الحياة أكثر وتشبث


ضغط على مثانته بيده ليفرغ ما فيها من بول داخل الجمجمة الوحيدة هنا بعدما فصل فكها السفلي منها وأصبحت تصلُح كوعاء منطقي
قائلا:-
"في أي معركة كبرى هناك معارك صغيرة، معزولة ومنسية، لا تأتي
على ألسنة كبار الجنرالات وهم يروون، في زهو، حكاية انتصارهم.
معركتي الكبرى الآن هي أن أموت أو أحيا. بين الحالين هناك تفاصيل
لا يجب أن تسقط من ذاكرتي إن نجوت".

في اليوم الثالث والأخير وبين محاولات الخروج الفاشلة والتي لم تنتهي بعد ترسبت في أعماق "مرزوق الحر" الكثير من المعاني التي جمعت بين عالم الحياة وبرزخ عالم الموت أو بمعنى آخر أصبح هو نفسه رمز الحياة والموت أو بالأحرى انتصفهما




"أغمضت عينيَّ وقلت لنفسي في هدوء: "ما الموت سوى رحلة
بين دارين. هنا بحيث نعاني من سطوة الشهوات المعتقة، وهناك حيث
ندوسها ونحلق في الفضاء الفسيح، بلا قيود. وبلا رغبة في أي شيء
سوى الخلود".
ووخزني السؤال من جديد:
أي حياة تلك التي تخلو من الرغبات تمامًا؟"

وبهذا السؤال الأخير يفتح الكاتب أكبر أبواب الأسئلة على مصراعيها أمام قارئ أوشك على التوحد بينه وبين "صاحب السر"، ليضعه في الاختبار أو على شفى حفرة منه.. ومن منا لم يذق مرارة الاختبار! وسأل نفسه.. هل تخشى الموت؟ أم تخشى الحياة؟





عمار على حسن، روائي ومفكر صدرت له اثنتا عشرة رواية، وسبع مجموعات قصصية، وديوان شعر، وسيرة ذاتية سردية، ومتتاليتان قصصيتان، وقصة للأطفال، وستة وعشرون كتابا في الثقافة والاجتماع السياسي والتصوف. تعد حول أعماله الأدبية عشرون رسالة ماجستير ودكتوراه داخل مصر وخارجها، وكتب عنها دراسات ومقالات نقدية عديدة، وترجمت بعض كتاباته إلى لغات عدة، وحصلت على جوائز.



#طارق_سعيد_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد الكفراوي يكتب: «تسيالزم.. إخناتون يقول».. ديوان بالعامي ...
- تأويله
- دراسة سيميائية د.هدى توفيق تكتب: - تسيالزم إخناتون يقول-.. ل ...
- بالتزامن مع التطبيع العربي.. طارق سعيد أحمد يطالب بتغيير اسم ...
- غيبه
- تسيالزم اخناتون يقول.. الجنون بعينه
- لقاء
- عجائز البلدة- .. الأدب كتاب واسع لمعرفة تاريخ الريف المصري
- سرقة القرن.. المدعوة رامونا يحي تسطو على أكثر من 20 قصيدة من ...
- مع كتاب.. طارق سعيد أحمد: في التفاصيل لا تكمن الشياطين ولا ا ...
- حواري مع الشاعر حمزة قناوي
- انقذوا الشاعر الكبير رفعت سلام بيان للتوقيع
- مطرود
- حوار خاص
- تيوليب
- موسم الحصاد
- حلم
- تعاويذ
- اخرس
- مذكرات مجنون 2


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق سعيد أحمد - -صاحب السر- رواية لا تأمن لها ثالوث (الحياة - الإنسان– الموت)