أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - ..ملامح الوجَع..في قصيدة الشاعر التونسي القدير جلال باباي ( منحنيا على الأرض مثل المزارعين )














المزيد.....

..ملامح الوجَع..في قصيدة الشاعر التونسي القدير جلال باباي ( منحنيا على الأرض مثل المزارعين )


محمد المحسن
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 6946 - 2021 / 7 / 2 - 17:33
المحور: الادب والفن
    


لم يستطع الشاعر منذ نشأته حتى الآن،أن ينفصلَ عن ذاته ويعيش في أبراج عاجية،ينظم من خلالها كلمات تتناسب وحقيقة الفن الشعري،الذي يذهب بمدلولاته الأولى،إلى أحاسيس مرهفة ومعان حساسة،تعكس حقيقة الشخصية الشاعرة،تلك الشخصية التي يشكلها الشعور المفعم بالحس،والمتناغم مع الطبيعة الشاعرية وحساسيتها.
وهكذا فإن الشعر على امتداد زمانه،لم يخل من لواعج الألم والحسرة،التي تعتصر ذات الشاعر،وتولد فيه أحاسيس تقودنا إلى عالمه الداخلي،ليجلو لنا ما فيه من صراعات وعذابات، قولبها بقالب أضفى عليها من الجمال والروعة،ما عمق معناها وضخم وقعها على الآذان.
يتناص الحزن والألم في قصيدة الشاعر التونسي القدير جلال باباي ( منحنيا على الأرض مثل المزارعين) بحثاً عن أشياء حميمة وأزمنة مفتقدة،لم يبق منها سوى نثار من الذكريات والأحلام الموجعة.
فالألم محض جوع للشفاء،لكن كيف يشكل قناعاً للشعر والشاعر معاً؟
تعي الذات الشاعرة أبعاد هذا السؤال الشائك،فلا تتعامل مع الألم كمجرد انفعال باطني ووجود افتراضي،يلعب على سطحه الشاعر (جلال باباي)،إنما تستند عليه كشكل من أشكال المعرفة،توسع به خبرتها بالوجود وتكتسب من خلال تداعياته حيواتٍ جديدة،طارحة تحت قناعه أسئلتها الخاصة عن واقعها الشخصي الذاتي،وهواجسها عن الإنسان والكون والحياة،وأيضاً عن مأزق واقعها الاجتماعي المأزوم، وهو ما يطالعنا على هذه النحو:
يتآكل عمودي الفقري مع الأيام كما يتآكل قلبي بمرور السنين/
يقول لي الطبيب: هذا ضريبة أن تكون بشرياً، /
أن تمشي بدل الأربع على اثنين /
قلت: هرمنا أضحى تنقّلنا في البيت على أربعٍ كالمزارعين /
تسخر منٌي حبيبتي التي تمشي على أربع منذ زمن السبعين/
وتقول: ستعتاد على ذلك، لا تجزع...
..إن لم تفلح بالرقص على اثنين ربما تجيده على خشبة الفلٌين/
يقول الطبيب :
لا تقلق، عش حياتك بشكل طبيعي
فقط لا تحمل أكثر من كيلوغرامين/
بتٌ،أزنُ كل الأشياء التي أحملها،الكتب،هاتفي،طبق التفاح مرٌتين/
من حبيبتي أكتفي بحمل كلٌ الديون/
مصاب بتآكل عمودي الفقري..!
تُظهر صور الأشعة ثقلاً زائداً فوق الكتفين/
هذه ضريبة أن تكون إنساناً ممحونا /
أعاني سيرا في الشارع الأمرٌين/
لمٌا تحلُّ العتمة،أتخبٌط كالمسعور
فوق حريقين/
يخفُّ وزن النور في عينيٌ
قلبي يتآكل بعشقين/
تقول معذٌبتي:
لا تقلق، سنُعلّم طفلنا الرابع المشي على أربع حتى تلين!!
قصيدة تحلق في عوالم من الجمال والسحر،هي بمثابة ترنيمة غنائية لما فيها من عذوبة حس، وموسيقى دافئة،وأناقة مفردات،وفيض من الشجن الخفي،وبساطة تخرج من قلب طفل،ولقد كان -جلال-وهو يتحدى المواجع والأحزان بالفعل طفلاً كبيراً،ضاعت منه في خضم تناقضات الحياة،وفي زمن مزخرف بالليل أشياء كثيرة ولم يتبق له غير أحزان خفية هي التي شكلت قوام القصيدة.
وهنا أضيف:
أشعار وشذرات الشاعر التونسي السامق جلال باباي،هي نصوص هائمة في ملكوت الأدب، والفلسفة،والروح،والجمال،تُعنى بتناقضات الحياة،هي أناشيد للألم،والبؤس،والأوجاع،والموت، والفرح،والسرور،والسعادة، فالحياة،بحسب شاعرنا جديرة بالعيش رغم قسوتها،ومرارتها،وقد جعل من قصائده مضاداً حيوياً يسري في وريد جسد الحياة المعتل..
وإذن؟
هي نصوص إذا،بعمق فلسفي،تعبر عن موقف عالق ومتأرجح للشاعر بين أمنياته،وواقع الحياة المزخرف بالمواجع والآلام..
ختاما أتساءل: هل فعلاً الشعر حقيقة مؤلمة،لا بأس بذلك،لكن علينا أن نتذكر أن ألم هذه الحقيقة،يشد الإنسان دائماً إلى روحانيته،إلى نوره الخاص،ليعيشَ الحياةَ كما يحب ويشتهي، رغم قسوة الواقع وظلمه وانحطاطه...
هذه هي الخلاصة التي خرجت بها من قراءة هذه القصيدة المتميزة بألمها والتي نالت مني كلماتها في نخاع العظم..



#محمد_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يؤسس الشعراء لروح الإنتصار عبر لغة تستكشف كنوز البيان وخ ...
- حين تنسج الكاتبة التونسية القديرة فوزية ضيف الله من -خيوط ال ...
- حتى نؤسس لإعلام جهوي واعد..يوازن بين الحرية و المسؤولية،وفق ...
- رسالة مفتوحة إلى ساسة بلادي : كل الذين دأبوا على الإبحار على ...
- إشراقات الوطن..على ربى الإبداع الشعري للشاعر التونسي القدير ...
- الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي نحات ماهر في الرسم بالكلمات ...
- إشراقات الثورة..في الخطاب الشعري الحديث
- هوذا الشاعر التونسي الفذ جلال باباي كما أراه..وكما أصغي إلى ...
- لغة الترميز والإيحاء والتكثيف في الحدث السردي لدى الروائي وا ...
- قراءة-تأملية-في قصيدة الشاعر القدير-د-طاهر مشي (عزف..على وتر ...
- الروائي التونسي القدير محسن بن هنية يتحدّث عن تجليات الإبداع ...
- الثورةالتونسية المجيدة.. هي نشيد الجماعة ومرآتها..وليس الفرد ...
- تجليات السرد الروائي..وإشرقات الإبداع التجريبي.. لدى الروائي ...
- هل آن الأوان لوقف انتشار ثقافات التسطيح واستسهال الأمور..وال ...
- على العرب أن يعوا: -ليس من السهل الارتداد بحركة التاريخ التي ...
- على هامش ملحمة غزة البطولية : سلام هي فلسطين
- حتى نستردّ كرامتنا المهدورة.. لكل عربي يعيش من المحيط إلى ال ...
- حين يواصل الأدباء والفنانون والمفكرون - عمل الآلهة في الخلق” ...
- هل بإمكاننا القطع مع النمطية و»إعلام الزعيم» والتأسيس لإعلام ...
- كيف يمكن مواجهة الإختراق الثقافي الكوني في ظل راهن يتعولم إق ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - ..ملامح الوجَع..في قصيدة الشاعر التونسي القدير جلال باباي ( منحنيا على الأرض مثل المزارعين )