أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عبد الحسين شعبان - تهذيب السياسة














المزيد.....

تهذيب السياسة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 6939 - 2021 / 6 / 25 - 13:58
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


على الرغم من سعيّ الإنسان لتحقيق السلام والأمن، إلاّ أن التناقضات المجتمعية والدولية قادته إلى الانخراط في حروب ونزاعات وصراعات لا حدود لها، وكان التغوّل وما يزال عملة متداولة بكثرة في التعامل السياسي، وقد ساهمت وسائل الاتصال الحديثة والثورة العلمية - التقنية، وتكنولوجيا الإعلام والاتصالات والمواصلات في ظل الطور الرابع من الثورة الصناعية في عصر العولمة من تعميم نماذج مختلفة وغير مألوفة للذوق السياسي والأخلاقي في التعبير عن أمور عديدة.
ولعل ما استوقفني على هذا الصعيد مؤخراً هو الصفعة التي تلّقاها رئيس جمهورية فرنسا إيمانوئيل ماكرون وردود فعله الهادئة والباردة والقانونية والأخلاقية إزاءها. وإعلامياً كنتُ أتابع بعض رسامي الكاريكاتير أو بعض محاوريّ البرامج المتلفزة على استخدام تعابير نابيّة أو مسيئة للكرامة على نحو أحمق وأخرق وخال من الذوق، بهدف الحصول على أكبر عدد من المتابعين، والأمر لا علاقة له بالسخرية كفّن من الفنون ووسيلة تحريض وتعبئة، وهي جزء من هدف سامٍ أحياناً، غرضها التبخيس بالعدو أو الخصم وإظهار قبح أفعاله وسوء تصرفاته.
لقد تجدد قاموس الإهانات واكتسب بعداّ جديداّ منذ أن قذف الصحافي العراقي منتظر الزيدي جورج دبليو بوش بحذائه في بغداد تعبيراً عن استيائه من احتلال بلده. ليس هذا فحسب، بل إن الرئيس جو بايدن قال عن غريمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل لقائه في جنيف بأنه قاتل وفاشل، والقائمة تطول بمن استخدم عبارات مقززة أحيانا وصولاً إلى الرئيس البرازيلي جايير بولسنارو الذي ضرب رقماً قياسيّاً مسجلاً سابقة باستخدام الكلمات المشينة والمُخجلة، مثلما فعل قبل ذلك ضد القوى اليسارية، فذهب إلى السخرية من ماكرون وزوجته ومظهرها وسنّها، وهي طريقة غير لائقة وغير دبلوماسية، بل خارجة عن أدبيات التخاطب، وذلك في معرض الجدل حول سياسات البرازيل البيئية وعدم الالتزام بالوعود التي قدمتها خلال قمة المناخ العالمية. وبالمقابل، أبدى ماكرون أسفه من أن يكون الشعب البرازيلي تحت قيادة رئاسة بهذا المستوى على الرغم من أن وصولها كان ترجمة لإرادة صندوق الاقتراع.
وإذا كان ثمة مشتركات بين الفاشية القديمة والنازية الإيديولوجية فإن هناك تعارضات بينها وبين الشعبوية العنصرية الإستعلائية الجديدة، فالأولى اعتمدت "الانضباط" حتى وإن كان مصطنعاً بزعم الالتزام بتعاليم الكنيسة كمرجعية أخلاقية، وهو ما عبّر عنه بحزم الجنرال فرانكو الذي حكم إسبانيا بالحديد والنار قرابة أربعة عقود من الزمن.
قد يستسيغ البعض منّا، لدرجة الاستمتاع، حين يسمع كلاماً بذيئاً أو جارحاً أو تعريضاً نابياً أو تشهيراً صادماً أو فضيحة مدوّية، أو اتهاما خارقاً لعدوه أو خصمه، ولا يهم إن كان مثل هذا السلوك أو التصرف خارج دائرة القيم التي يدعو إليها والمبادئ التي يروّج لها من قبيل احترام الرأيّ والرأيّ الآخر، والتعددية والتنوع، والحوار الموضوعي وحتى خارج دائرة الأخلاق والعقلانية التي يتشدّق بها، طالما أنها تستهدف الآخر/الضد بهدف إقصائه من المجال العام عبر شيطنته وتشويه صورته بحديث غير لائق وشتائم رخيصة وألفاظ محقِرّة، دون أن يدرك من يقوم بمثل هذا الفعل الشنيع أنه ينتزع جزءًا من إنسانيته ويبتر قطعة من ضميره.
السلوك السياسي السويّ والأخلاقي غالباً ما يكون منطقياً وموضوعياً ورزيناً وهو ما يقدّره الجمهور في نهاية المطاف، أما الازدراء والاحتقار والتسقيط والنبّذ بهدف النيل من الآخر أو الإساءة إليه أو تزوير الحقائق أو الدعاية السوداء وأساليب التضليل فإنها في أيّ دولة يكون القضاء فيها محترماً ومستقلاً، نزيهاً وعادلاً، يعرّض أصحابها للمساءلة، بل قد يكون رادعاً لها وخصوصاً في الدفاع عن القيم الإنسانية، فثمة فوارق جوهرية بين حرية التعبير-وهو حق من حقوق الإنسان لا جدال فيه- وبين ممارسة التشهير كصفة ذميمة غير محمودة.
لقد أصبحت بعض الفظاظات السياسية وانفلات اللسان أو القلم طريقة جذّابة ومُغرية لبعض النخب طالما أنها تستهوي الجماعة المحتزبة، أو مستوياتها الدنيّا، ويلجأ البعض إلى ذلك كأسلوب محبّب للتفكّه والتنّدر ويسميّه دون وعيّ حريّة التعبير، بل يطالب أحياناً من تلحقه الإساءة بالرد عليها كي تستمر لعبة التشهير. ويكفي أن نراقب بعض المحطات التلفزيونية أو بعض مواقع التواصل الاجتماعي لنرى ما يُبثّ وينشر فيها من غثّ وسمين، حيث يتم التراشق والتنابز والتفاضل والتفاخر إلى درك تشويه الخصم ونعته بأقذع النعوت وانساب كل ما هو قبيح وسيئ له، واعتبار كل ما هو جميل وخيّر حكراً على دينه أو طائفته أو قوميته أو حزبه أو جماعته أو دولته.
ويصبح لزاماً على المعنيين من صنّاع القرار من تربويين وجامعيين وفعاليات سياسية وثقافية ودينية ومدنية والمسؤولين عن مواقع التواصل الاجتماعي أن يضيفوا إلى برامجهم "علم الأخلاق" و"علم الجمال" و"حقوق الإنسان" كي يتم تنزيه السياسة وتهذيبها بالمعنى النبيل الذي قال به أرسطو بـ"أنها الخير العام"، وهو ما واصله مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بايدن - بوتين وألغام الحرب الباردة
- التنمية وفايروس التمييز
- العروبة والقومية
- تقارير التنمية الثقافيّة: وقفةُ مُراجَعة
- عن الإرهاب كظاهرة
- القدس قضية -القضية-
- حوار مع د. شعبان إعادة قراءة فكرية للربيع العربي بعد عشر سنو ...
- الحزبية والحزبوية
- دكتاتورية السوق
- كوبا أمام مفترق طرق
- مع د. شعبان في خصوصياته
- القدس في اليونسكو
- رسالة إلى شهيد/وريقات من غصن الذاكرة
- الصحة والأمان
- روسيا والسيناريو الجورجي في أوكرانيا
- القطبية ومنظومة ويستفاليا
- بابا الفاتيكان في العراق: أي رسائل؟
- العدالة الإجتماعية في الإقتصاد الرقمي
- خير الدين حسيب الغائب الحاضر
- خير الدين حسيب - الرجل الذي رحل إلى المستقبل


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عبد الحسين شعبان - تهذيب السياسة