أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - التنمية وفايروس التمييز














المزيد.....

التنمية وفايروس التمييز


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 6923 - 2021 / 6 / 9 - 16:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ع. الحسين شعبان
ما تزال مجتمعاتنا تعاني من آفات خطيرة مثل التخلّف والجهل والأمّيّة والفقر والمرض. وهذه تحتاج لمواجهتها إلى المعرفة والعلم والتكنولوجيا والقيم الإنسانية، ولا سيّما قيم الحرية والسلام والتسامح والمساواة والعدالة والمشاركة والشراكة، إذْ لا يمكن بناء المجتمعات وإنجاز مشاريع التنمية بزعم أفضليات هذا الدين أو ذاك، أو أحقّية هذه الطائفة أو تلك، فلن يتحقّق التقدّم المطلوب بالإقصاء أو التهميش الأيديولوجي، سواءً باسم الدين أو القومية أو مصالح الكادحين، خصوصاً بإدعاء امتلاك الحقيقة، بل والحق في احتكارها، ولعل كلّ جهة أو جماعةٍ أو طائفةٍ تصوّر نفسها، وكأنها الفرقة الناجية "المبشّرة بالجنّة" حسب تعبير المؤمنين، أو الطليعة المقدامة حسب الأيديولوجيا السياسية اليسارية.
لقد صرفت مجتمعاتنا سنوات طويلة، ولا سيّما بعد إحرازها على الاستقلالات في معارك داخلية محتدِمة، تارةً باسم حقوق "الأغلبية" السائدة، وأخرى باسم "الأقلية" المهضومة، وثالثة بدعوى "الأيديولوجيا"، ورابعة تحت عنوان اختيار "طريق التنمية". واحتربت القوى والتيارات السياسية فيما بينها، مرّة بين "الملكيين" و"الجمهوريين"، وأخرى بين القوميين والشيوعيين وثالثة بين الدينيين والعلمانيين. كما شهد العالم العربي صراعاً دينياً وطائفياً، مرّة لإقصاء المسيحيين أو تهميشهم، وشمل الأمر بقية المجموعات الثقافية التي تسمّى مجازاً بـ "الأقليّات"، ومرّة ثانية بين "الشيعة" و"السنّة"، ومرّة ثالثة بين مجموعات إثنية أو لغوية أو سلالية، وجميعها تتعلق بهدر الحقوق وعدم تحقيق المواطنة المتساوية من دون تمييز أو استعلاء.
وفي المجتمعات المتعددة الثقافات، دينياً وقومياً وإثنياً، ولغوياً، ومنها بلداننا العربية وبعض البلدان الإسلامية، أكّدت التجربة أنه لا يمكن تحقيق التنمية المنشودة والنهوض بهذه المجتمعات والبلدان من واقع التخلّف إلى واقع التقدم، إلا بالتعاون بين مختلف التكوينات. فالأوطان تُبنى بالسلام والاستقرار والتعايش. وكان دستور اليونسكو قد أكّد: "لما كانت الحروب تتولّد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام"، والأمر يحتاج إلى حوار وتفاهم لحل المشكلات الوطنية والاجتماعية، وتوافق وطني في ظل سيادة القانون.
ولعلّ بلداً صغيراً نسبياً ومتخلّفاً مثل ماليزيا تمكّن وخلال ثلاثة عقود من الزمان، التحوّل إلى دولة صناعية قادرة على المنافسة في السوق العالمية، بفعل قيم التسامح والسلام والعيش المشترك بين المجموعات الثقافية المختلفة المسلمة والبوذية والمسيحية والهندوسية وأتباع ديانات قديمة أخرى.
لم يكن وصول بلد مثل ماليزيا إلى النجاح المطلوب عبر فتاوى تكفّر هذه المجموعة الدينية على حساب تلك أو تعلّي هذه الطائفة على حساب طائفة أخرى، بل كان بالتوجه - وعلى نحو صارم - لوضع مسافة واحدة من الجميع، ولم يكن ذلك من دون عناء أو أخطاء أو حتى شبهات فساد، لكن المشروعية القانونية كانت هي الضامن للنجاح وللشرعية السياسية.
كما لم تكن لدولة كبرى مثل الصين أن تحقّق القفزة النوعية الهائلة في التقدّم بالكتاب الأحمر لـ ماوتسي تونغ ووصاياه، بل كان الانصراف إلى العلم والتكنولوجيا وتعديل شروط الإنتاج وعلاقاته بالقوى المنتجة، هو الذي ساهم في تحقيق التراكم المطلوب، فضلاً عن نظام إدارة سليم، وإرادة سياسية فاعلة.
وهكذا فإن التساوق مع منجزات العلم والتكنولوجيا وتوظيفها بشكل صحيح وعلمي هو الذي حقق المنجز التنموي.
لقد أكّدت التجارب التنموية أن إحراز التقدّم يتطلب علماء في الفيزياء والكيمياء والهندسة والطب، وليس تكديس أعداد من خريجي المدارس الدينية هم أقرب إلى العاطلين عن العمل منهم إلى منتجين، كما ليست حاجة المجتمع إلى كوادر تتخرّج من المدارس الحزبية لا عمل لها سوى الأوامرية البيروقراطية، وهؤلاء وأولئك دائماً ما يميلون إلى التعصّب ووليدِه التطرّف. والأخير يصبح عنفاً إذا صار سلوكاً وانتقل من التفكير إلى التنفيذ. فما بالك حين تتبنّاه الدولة، سواء باسم "الثورة الثقافية" أو الإيمانية المُؤدلجة، باسم "التكفير والهجرة" أو "ولاية الفقيه" أو "العودة إلى السلف الصالح" حسب داعش وأخواتها، فإن تأثيراته السلبية تكون كبيرة على المجتمع، لا سيّما إذا تم ضخّه عبر التربية والتعليم والإعلام والثقافة السائدة، ناهيك عن القوانين الناظمة للاجتماع السياسي.
يقول مهاتير محمد عن تجربة ماليزيا: "لقد قررنا أن نعبر المستقبل بمباركة كل المكوّنات العرقية والدينية والثقافية من دون الالتفات إلى عذابات ومعارك الماضي، فنحن أبناء اليوم... ومن حقّنا أن نتمتّع بخيرات هذا الوطن".
أما الصينيون فبعد وفاة الزعيم ماوتسي تونغ 1976، وانتهاء "الثورة الثقافية"، ذات البعد الأيديولوجي الدموي، فإنهم توجّهوا إلى بناء القدرات بإرادة قوية وطموح كبير، وخلال أربعة عقود من الزمان نافست الصين الولايات المتحدة القوة الأكبر والأكثر تقدماً في العالم.
وفي الحالتين الماليزية والصينية، لم يكن الاعتبار سوى للعلم والتكنولوجيا وهما ما نحتاج إليه في بلداننا العربية والبلدان الإسلامية، خارج دوائر التزمت والتشدّد والغلو الديني والطائفي، الذي ضرب فايروسه بلادنا بالصميم أكثر من فايروس كورونا، وأحدث تمزّقاً وتفتّتاً في بنية مجتمعاتنا، ونحن لما نكن قد شفينا بعد، من فايروس الأيديولوجيا الذي هيمن علينا وتوغّل فينا لسنوات طويلة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العروبة والقومية
- تقارير التنمية الثقافيّة: وقفةُ مُراجَعة
- عن الإرهاب كظاهرة
- القدس قضية -القضية-
- حوار مع د. شعبان إعادة قراءة فكرية للربيع العربي بعد عشر سنو ...
- الحزبية والحزبوية
- دكتاتورية السوق
- كوبا أمام مفترق طرق
- مع د. شعبان في خصوصياته
- القدس في اليونسكو
- رسالة إلى شهيد/وريقات من غصن الذاكرة
- الصحة والأمان
- روسيا والسيناريو الجورجي في أوكرانيا
- القطبية ومنظومة ويستفاليا
- بابا الفاتيكان في العراق: أي رسائل؟
- العدالة الإجتماعية في الإقتصاد الرقمي
- خير الدين حسيب الغائب الحاضر
- خير الدين حسيب - الرجل الذي رحل إلى المستقبل
- الجواهري وحكاية -طوق الكفاية الفكرية-
- مقدمة كتاب محمد السعدي: بيني وبين نفسي حكايات من الأرشيف الش ...


المزيد.....




- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - التنمية وفايروس التمييز