أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - خير الدين حسيب الغائب الحاضر














المزيد.....

خير الدين حسيب الغائب الحاضر


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 6850 - 2021 / 3 / 24 - 13:09
المحور: الادب والفن
    


خير الدين حسيب الغائب الحاضر


أخيراً رحل خير الدين حسيب بهدوء واطمئنان كاملين، فقد ترّجل هذا المفكر الإستثنائي الذي ربط الفكر بالممارسة "البراكسيس"، والحلم بالواقع، بعد أن ظلّ يحمل صليب العمل العربي المشترك والوحدة العربية التي أسّس لها مركزاً للدراسات منذ العام 1975 وحوّلّها من فكرة فنتازية أقرب إلى اليوتوبيا إلى فكرة عملية وعلمية، عبر دراسات وأبحاث وتجارب وحقول اختصاصات ومعرفة ونقد.
وكانت "دار الندوة" في بيروت قد أقامت له حفلاً تكريمياً شارك فيه (عبر نظام الزوم) عشرات من المثقفين والمفكرين والممارسين العرب من أقصى الوطن العربي إلى أقصاه، افتتحه بشارة مرهج، وكم كان صعباً عليّ أن أحضر حفلاً مهيباً، دون أن يكون خير الدين حسيب نفسه حاضراً !؟، بل إنّه كعادته سيسبقنا إلى الإحتفال وغالباً ما يكون أول المتحدّثين، وربّما سيدير هذا الاحتفال، فقد كان هو الذي يجمعنا مثلما جمعنا لوداعه، وهو الذي سيجمعنا في المستقبل أيضاً، لأنّه ما زال موجوداً بيننا.
عدد من الصفات التي امتاز بها حسيب ليكون بهذه المكانة، فقد كان شخصاً استثنائياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، في الفكر والعمل والإدارة، وفي الحلم والأمل والإرادة، وبقدر ما كان واقعيّاً، فقد كان مستقبليّاً أي رؤيويّا، إضافة إلى رياديته، فهو مبادر ومنتج وصاحب مشاريع حالمة في الوقت نفسه، ومنها مشروعه الباذخ الذي اشتغل عليه لعقدين من الزمان مثّل خلاصة تجربته واستشرافه للمستقبل وأعني بذلك "المشروع النهضوي العربي" الذي قام على ستة أركان متشابكة ومتداخلة ومتراكبة هي: الوحدة العربية، والتحرر السياسي، والتنمية المستقلّة والعدالة الاجتماعية والتجدّد الحضاري والديمقراطية.
وعمل حسيب على استقلالية المؤسسات العديدة التي أدارها رافعاً شعار "الخبز مع الكرامة" ونجح إلى حدود معيّنة بوضع مسافة بينها وبين الجهات الرسمية، الأمر الذي جنّبه العديد من المنزلقات متّخذاً من العقلانيّة وتنوّع المصادر أساساً في توجهه، لا سيّما في الدوائر الأساسية التي اشتغل عليها، وفي القلب منها الدائرة العروبية التي استطاع فيها ربط مثقفي الأمّة العربية من بلدان المشرق إلى بلدان المغرب، دون إهمال الدائرة الإسلامية، فقد بذل جهداً خاصّاً لبحث العلاقات العربية- الإيرانية والعلاقات العربية - التركية مخصّصاً حيّزاً من دراسات المركز ومجلتّه المعمّرة "المستقبل العربي" التي احتفلت نهاية العام الماضي بصدور العدد 500 منها دون توقّف أو تأخير، وذلك بهدف الوصول إلى صداقات محتملة وليس عداوات دائمة، الأمر الذي يحتاج إلى مشروع عربي ناهض بوصلته المستمرّة تأكيد احترام مبادئ السيّادة وعدم التدخّل بالشؤون الداخلية، لا سيّما في الموقف من القضية الفلسطينية التي تشكّل ركناً محوريّاً من فكرة العروبة الثقافية الجامعة كرابطة وجدانية وحقوقية، وصولاً للوحدة المنشودة.
أما الدائرة الإنسانية فإنّ شخصية حسيب ذات الأبعاد الجامعة مثّلت حضوراً لما قصده إدوارد سعيد بـ المثقف الكوني عازفاً سيمفونية الخلاص الإنسانيّ في سماء الأمّة العربية مثل شلال ضوء منبعثاً من نخيل العراق باسطاً شعاعه على غابات الزيتون في شمال أفريقيا، متطلّعاً للتضامن مع شعوب العالم كافة.
إذا كان الموت يتجوّل بيننا مثل ظلّنا ويترصّدنا مثل ذئب مخادع في ظلّ اجتياح وباء كورونا، إلّا أن موت الكبار له نكهة حزن إضافيّة لأنهم يتركون لنا رؤوس أقلام لمشاريع لم تنجز وموتهم بقدر ما يُحزننا فإنّه يُحرجنا، لأنّه يضع على عاتقنا مسؤوليّة إنجاز مشاريع المستقبل التي خططّوا لها، وكانت آخر رسالة وصلتني من حسيب ( 13 -1 2021) وعقبها حديث هاتفي ولقاء هو طلبه إنجاز كتاب عن "مأسسة العمل العربي الفكري المشترك".
وبقدر ما تعرّض حسيب إلى الأذى والإساءة والتعذيب، لكنّه مارس رياضة نفسية مع نفسه بالرغم من عمق جروحه والآمه، وبذلك انتصر على جلّاديه مبتعداً عن كل ما له علاقة بالثأر أو الانتقام أو الكراهية أو الكيدية، وبالطبع حين يأخذ المرء بثأره يتساوى مع عدوّه، لكن حين يسامحه يكون أفضل منه، فـ حتّى الشيطان يخجل من الحقيقة، على حدّ تعبير شكسبير .
وإذا كانت المعرفة قوّة بمعنى "سلطة" حسب تعبير الفيلسوف فرنسيس بيكون ، فإنّ قوّة مشروع حسيب كانت ثقافيةً وفكريةً بامتياز، وهو مشروع قام على العلم في مواجهة التبعية والتخلّف والاستغلال، وبالطبع فإنّ ذلك يحتاج إلى حامل إجتماعي كان حسيب يُمثّل ضميراً فيه حتى وإن كان فرداً لكنّه أقرب إلى عقل مجموع، وحسٌّ مطبوع، وشرعٌ مسموع.
وإذا كان حسيب صارماً لدرجة القسوة مع نفسه، فإنّه كان يريد من الآخرين الإلتزام بذات الضوابط، وهو الأمر الذي اختلف معه كثيرون، وبقدر ما كانت له خصومات عديدة بسبب الاجتهادات في الرؤى وأساليب العمل، فلم يكن له عدوٌّ واحد، بل إنّ الجميع يقدّرون سجاياه ومناقبه.
رحل حسيب عن دنيانا، ويقيناً أنّه رحل إلى المستقبل، حيث ما تزال شعلة الفكر وهّاجةً وقناديلها تزداد اتّقاداً، لذلك لا نقول وداعاً يا خير الدين حسيب، بل نقول اشتياقاً.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خير الدين حسيب - الرجل الذي رحل إلى المستقبل
- الجواهري وحكاية -طوق الكفاية الفكرية-
- مقدمة كتاب محمد السعدي: بيني وبين نفسي حكايات من الأرشيف الش ...
- محاضرة حول المستجدات الساسية في الشرق الأوسط
- دولوريس أو الشجرة الهلامية
- منذر الشاوي - ذاكرة جيل أكاديمي
- المجتمع المدني ... استلحاق أم استحقاق؟
- الوساطة والاّعنف
- هل كان ماركس ديمقراطيا
- عبد الغفار خان ...غاندي المسلم
- الإرهاب والجامعات
- الياس مرقص: المثقف الأول
- ستارت - 3
- ثقافة المواطنة وفكرة الدولة
- شجرة الذاكرة
- أزمة العراق سيادياً
- فريضة التسامح و فرضياته
- شطحات ماركس
- الكابيتول وصورة أمريكا
- الانتخابات العراقية وتدوير الزوايا


المزيد.....




- -الشاطر- فيلم أكشن مصري بهوية أميركية
- رحلتي الخريفية إصدار جديد لوصال زبيدات
- يوسف اللباد.. تضارب الروايات بشأن وفاة شاب سوري بعد توقيفه ف ...
- بصدر عار.. مغنية فرنسية تحتج على التحرش بها على المسرح
- مع حسن في غزة.. فيلم فلسطيني جديد يُعرض عالميا
- شراكة مع مؤسسة إسرائيلية.. الممثل العالمي ليوناردو دي كابريو ...
- -الألكسو- تُدرج صهاريج عدن التاريخية ضمن قائمة التراث العربي ...
- الطيور تمتلك -ثقافة- و-تراثا- تتناقله الأجيال
- الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم
- الممثل الإقليمي للفاو يوضح أن إيصال المساعدات إلى غزة يتطلب ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - خير الدين حسيب الغائب الحاضر