أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - شجرة الذاكرة














المزيد.....

شجرة الذاكرة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 6801 - 2021 / 1 / 28 - 15:07
المحور: الادب والفن
    


لا تترك جائحة «كورونا» شيئاً إلاّ واستفزّته، حتى لكأنها تعيد البديهي من الأشياء، ولأنها لا تستثني أحداً، الغني والفقير والرئيس والمرؤوس والمريض والطبيب، فقد أعادت التفكير بالمساواة والتعاون بين البشر لمواجهة هذا الخطر الغامض والداهم، وكأنها تذكّرنا بقانون الطبيعة، حيث خُلق الناس بأشكالهم وألوانهم وأجناسهم وألسنتهم وأديانهم وعروقهم وانحداراتهم الاجتماعية متساوين ومختلفين في آن، الأمر الذي يقتضي تعاونهم، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه ومدني بفطرته، وهو ما شاع على لسان أرسطو ومن بعده عبد الرحمن بن خلدون الذي أضاف تميزّه بالعقل.
لم يدع الفيروس لحظة تهرب من بين أصابعنا؛ لأن عكسها سيعني الاستسلام، وهكذا تتحوّل الطاقة الإيجابية التي يحملها الإنسان إلى الضد منها، فكان لا بدّ من الاستعانة بالذاكرة للتدوين والكتابة، على الرغم من أنها أحياناً تمطر وحشةً وغموضاً بقدر ما يفوح منها عطرٌ وأمل، ولكل شخص ذاكرته التي تشبهه، وبقدر ما هي واقعية فأحياناً يدخل عليها عنصر التخيّل لإعادة تأثيثها.
وكلام الحجر الذي لا يزال يجثم فوق الصدور تتزاحم فيه الأيام والليالي، بل والسويعات، بعضها بحزن شديد وبعضها بلا مبالاة أحياناً حدّ الضجر، أو بأمل مستنفر، حين يبدأ الحوار مع الذات التي تحتاج إلى كشف بعض مكنوناتها في لحظة مصارحةٍ، ليس لماضيها فحسب، بل لحاضرها ومستقبلها أيضاً، فالذاكرة مستودع كبير لكثير من الحكايات والأسرار والمعلومات، فما بالك حين تُقدّم بحبكة درامية لتجارب مريرة ومثيرة تعكس ثقافة صاحبها وعمق أفكاره، وهذه تحتاج بالطبع إلى محفزّات لفكّ ألغازها وفتح أقفال خزائنها.
في هذه الأجواء قرأت رواية «الشجرة الهلامية» لعبد السلام بو طيب، الحقوقي المغربي ومنظم مهرجان الناضور السينمائي، التي تتحدث عن رجل يتم حجره 100 يوم في باريس، ولم يبقَ أمامه سوى حوار مع الشجرة التي تنتصب أمام بيته، حيث يأتيه صوتها خفيفاً متموجاً يشبه الأثير في مدينة الجن والملائكة، في لغة غامضة لا يفهمها إلاّ هو وصديقته الشجرة التي يغنّجها ب «دولوريس»، والتي تذكرّه بالشجرة الهلامية في منطقة الريف، فيتبادل طرفا الحوار المواقع: هو والشجرة، ويتقاسمان الأصوات لدرجة أنك لا تفرق بينه وبينها أحياناً، حيث تختلط الصور والأصوات والآراء.
باستعادة ذاكرته السجينة، يقول إن كل شيء هناك يتغير: الزمن والعادات والأشياء؛ لذلك عليك أن تستعيد توازنك، باستذكار نيلسون مانديلا، الذي كان طوال سنوات سجنه التي استمرت 27 عاماً يزرع أشجاراً في قنينات الزيت الفارغة من سعة 5 لترات، ويعتبرها الوحيدة الحرة، أي من صديقاته وأصدقائه الأحرار.
كان الوطن في الحجر يعني لعبد السلام «وسادته الحبيبة» التي افتقدها، والوطن حسب محمود درويش «هو هذا الاغتراب الذي يفترسك»، وهكذا قدّم بو طيب في سرديته الزمن من خلال وسادته، التي ظلّت خالية ووحيدة تذكّرنا «بالوسادة الخالية» وهي رواية كتبها إحسان عبد القدوس وقدّمها المخرج صلاح أبو سيف في العام 1957 في فيلم من بطولة عبد الحليم حافظ ولبنى عبد العزيز.
يتعاشق في ذاكرة بو طيب سجن الماضي ورحابة الحاضر، بما فيها فترة الحجر، فالذاكرة يمكن أن تحوّل الإنسان إلى رهينة لها أو حتى ضحية، في حين أن الصفح والغفران والمقصود التسامح يحولها إلى شيء إيجابي دون أن يعني نسيان الماضي، وهو ما يذكّر بالطاهر بن جلّون الذي فتح صندوق خزانته ليعرض في سرديته ألمه النفسي، بعد عقود من الزمان في روايته «تلك العتمة الباهرة»، التي استكملها بروايته «العقاب»، وهي إحدى روائع أدب السجون.
علينا التمييز بين أربعة أنواع من الذاكرة:
النوع الأول- الذاكرة الانفعالية، وهي ذاكرةٌ إرادوية يتم إسقاطها على الواقع.
الثاني- الذاكرة الحسّية، أي استعادة الأحوال والأهوال كوقائع ومفردات وتفاصيل يمكن تكييفها حسب قراءة الروائي والمؤرخ والشاهد والمشارك.
الثالث- الذاكرة المنظّمة، وهذه تقوم على استذكار واستخلاص المعاني والدروس والعبر التي تنتظم الذكريات في إطارها، استناداً إلى المادة الأولية (الخام)، وصولاً إلى الدلالة بفعل التحقّق، مع إضافة التفسيرات والتأويلات على النص أو الحدث أو الواقع المعيش.
الرابع- الذاكرة المحفّزة، وتبدأ مع الذاكرة الأولى، وفيها حنين (نستولوجيا) لاستذكار الزمن، وإعادة قراءته على نحو جديد، لا سيّما بعد تجارب عديدة، بما فيها ما هو ناجح وفاشل.
بهذه الصورة أرّخ بو طيب لذاكرته بروح شفيفةٍ وحساسية إنسانيةٍ، ولغةٍ رشيقة، وموسيقى جذّابة، بكتابةٍ وصور سينمائية وبصرية باهرة، كل ذلك لمواجهة فيروس «كورونا».



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة العراق سيادياً
- فريضة التسامح و فرضياته
- شطحات ماركس
- الكابيتول وصورة أمريكا
- الانتخابات العراقية وتدوير الزوايا
- شعبان: السلام العربي فرض عين وليس فرض كفاية فحسب
- عبد الحسين شعبان: حوار عن اللجوء واللاجئين
- جائحة الدينار
- كتاب وحكاية: مذكّرات صهيوني يوميّات إيغون ريدليخ في معسكر تي ...
- مقدّمة كتاب د. محمد الزين محمد السودان - الطريق إلى الدولة ا ...
- بايدن والأمن السيبراني
- عن فلسفة التسامح
- جذور الاتحاد ورهاناته اللّاحقة
- في معنى أن تكون -ماركسياً- 2/2 هل توقفت -الماركسية- عن التطو ...
- بهاء الدين نوري... و-ألم- تشيخوف
- -أنسنة- الإنسان
- اللحظة الصينية: أهي واقع أو يوتوبيا؟
- بايدن واللحظة الدولية 
- في معنى أن تكون -ماركسياً- 1/2 ماركس الحلقة الذهبية الأولى ف ...
- -جرائم- المعلوماتية والمادة - 19


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - شجرة الذاكرة