أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد هادف - الإمارات، هابرماس والمثقف المغاربي















المزيد.....

الإمارات، هابرماس والمثقف المغاربي


سعيد هادف
(Said Hadef)


الحوار المتمدن-العدد: 6909 - 2021 / 5 / 25 - 16:11
المحور: القضية الفلسطينية
    


منذ القرن الثامن عشر، وفي سياق التحولات التي أفضت إلى تفكك الإمبراطوريا العثمانية وباقي الإمبراطوريات العتيقة؛ انعكس الطقس الغربي بتقلباته الأيديولوجية، السياسية والفكرية، على الأقاليم الناطقة باللسان العربي، فتبلبل ذلك اللسان في غمار نهضته التي مازالت تبحث عن فقه القول. من هناك تم إخراج الصراع بين بلدان وُصفت بالتقدمية والثورية وأخرى وُصفت بالرجعية. هل كان ذلك التصنيف مؤسسا على دراية وتبصر "الانتلجنسيا" الناطقة باللسان العربي؟ أم أنه تأسس وفق دراسة جدوى اقتضتها حاجة السوق الإمبريالية؟ وفي جميع الأحوال، ظلت إسرائيل ونتيجة ارتباطها الصريح بالغرب تمثل أضخم فزاعة وأجمل شماعة لدى الدول العربية التقدمية المرتبطة بدورها بالغرب ارتباطا ملتبسا وموغلا في السرية.

في الوقت الذي أصبحت أغلب الدول العربية مستقلة كانت الإمارات الخليجية تعمل سلميا للحصول على استقلالها، وما إن استقلت حتى بدأت تتمرن على الأوتونوميا والتدبير الأنجع في بناء الدولة، فاتحدت الإمارات السبع على خلفية دستور 1971، وأصبحت تسمى الإمارات العربية المتحدة. أما البلدان العربية التي حصلت على الاستقلال، فما إن حصلت عليه حتى دخلت في خلافات سياسية، بل بعضها دخل في حرب ضد بعض، وكانت ومازالت النخب المغاربية خير مثال في الرعونة والاستعلاء والمواقف الفانتازية.
ظلت البلدان الغربية ولاسيما الإدارة الأمريكية، فضلا عن قوى أممية أخرى مثل روسيا، وقوى إقليمية مثل إيران وتركيا تتدخل كلما توفرت الظروف، خاصة بعد ثورات 2011. وثورات 2011، لم تندلع خارج المقولات التي أفرزها السياق المشار إليه أعلاه: فمن رحم المسألتين الشرقية واليهودية، واتفاقية سايكس بيكو خرج مشروع الشرق الأوسط الكبير «Greater Middle East »، وهو مصطلح أطلقته إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على فضاء واسع يمتد من المغرب الكبير إلى آسيا الوسطى. وظهر المصطلح بشكل متقطع منذ سنوات 1950 تزامنا مع نشأة إسرائيل، وأصبح موضوعا في البحث النظري والفعل الميداني مع غزو العراق للكويت بداية التسعينيات ومسألة أسلحة الدمار الشامل، وتعاظم النشاط الإرهابي، حتى جاءت هجمات سبتمبر 2001 ولم تمض إلا شهور حتى كان المشروع قيد التداول السياسي، الفكري، الإعلامي والعسكري، وكان عام 2004 موعد ذيوعه وانتشاره سياسيا وإعلاميا. ثم جاءت ثورات 2011 لتعصف بكل الأوهام والأصنام.
لقد انتهت كل المشاريع العربية الثورية إلى عكس الشعارات التي رفعتها، وفي الوقت الذي انهارت دولٌ جراء تصلب أنساقها السياسية، صمدت دول أخرى بفضل مرونة سياساتها.
وهنا نتساءل: ألم تكن بلدان الخليج في تمثلها للزمن العربي-الغربي أكثر عقلانية وواقعية (وثورية) من باقي بلدان العالم الناطق باللسان العربي؟ ألم يكن في السياسات الموصوفة بالرجعية قسط وافر من الثورية والتقدمية؟ ألم يكن في السياسات الموصوفة بالتقدمية قسط وافر من الرجعية؟

أمام هذه التحولات التراجيدية، أصبحت أهتم بالظاهرة الخليجية بعيدا عن أي حكم أيديولوجي وبأكبر قدر من الموضوعية والحيادية.
كانت نظرتي إلى بلدان الخليج سلبية، بوصف دولها خاضعة للغرب الإمبريالي، ورجعية وما إلى ذلك من الأوصاف السيارة التي روج لها الخطاب التقدمي من جهة والإخواني من جهة أخرى. كان جهلا منّي أني تبنيت حكما لا أخلاقيا على أن الخليجيين بلا سيادة. شيوخنا في السياسة لم يشرفوا على تربيتنا بشكل جيد، ولم يزرعوا فينا ثقافة الاهتمام بشؤوننا وسيادتنا، لقد تم تخديرنا بالأوهام وشحننا بمشاعر الاستعلاء.

منذ أن أصدرت كتابي حول "الأزمة الخليجية" عام 2018، وبعد رحلة شاقة في أدغال التاريخ، تغيرت نظرتي ومواقفي دون أن تتغير مبادئي التي آمنت بها. لقد حاولت أن ألتزم أقصى الموضوعية، ومع ذلك وجدت نفسي قد أصدرت بعض الأحكام تحت تأثير ترسبات خلفيتي الأيديولوجية القديمة التي لم أتحرر من سحرها بما فيه الكفاية.
بخصوص الإمارات، يمكن القول أن الإمارات السبع، بعد حصولها سلميا على استقلالها، وبعد أن خرجت من النسق القبلي، اتحدت في نسق فيديرالي وهو من أرقى الأنساق السياسية في عالمنا المعاصر، على عكس دول تبنت نسقا مركزيا متخلفا ومتسلطا رغم شساعة مساحتها. ثم فتحت الإمارات المتحدة الناشئة أرضها إلى كل جنسيات العالم، وهذا يعني أنها تبنت مفهوم "الأمة المدنية" على خلاف أغلب البلدان العربية التي تبنت مفهوم "الأمة الإثنية" المنغلقة والمتقوقعة. وشرعت بكل تبصر تستفيد من كل الخبرات (من الجزائر والمغرب وموريتانيا ومصر .... ومن البلدان الغربية)، وعكفت على بناء مشاريع تنموية وتأثيث صحاريها بأجمل المدن والفضاءات، وأصبحت قوة إقليمية ملهمة لدى شركائها الخليجيين، ثم تمددت في بلاد الله الواسعة.

قد يقول قائل: ولكن.. نعم ولكن.. ويمكنك أن تسرد لائحة من النقائص، ومن الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، لكن في البداية قل لي أين تعيش؟
من المعلوم أن ملف الانتهاكات خرج إلى التداول الإعلامي مباشرة بعد الأزمة مع قطر عام 2017، غير أن الجريمة التي ارتكبتها الإمارات في نظر المناهضين للتطبيع هي تجاسرها على خرق هذا الطابو، مع العلم أن مناهضة التطبيع مرحلة استنفدت رصيدها ولم تنجب سوى دول فاسدة ونخب سياسية متعجرفة ومتطاحنة فيما بينها. أم أن الحقيقة تبقى حكرا على دعاة المناهضة؟ ثم أن التطبيع لا يعني نهاية الكون، ولم يأت ضد القضية الفلسطينية، ولا ضد أي قضية عادلة في هذا الفضاء المغاربي الملوث بكراهيته لذاته وللآخر، بل التطبيع يندرج ضمن سيرورة تاريخية تقتضي الكثير من الحكمة والشجاعة من خلال تطويرالكفاءة السياسية والقانونية والحقوقية.
ويحار المرء في مثقفينا المغاربيين "دعاة الحداثة" الذين تسللوا بما يشبه الخلسة إلى هيئات خليجية: ثقافية وعلمية وإعلامية، مستعينين بالحكمة الذهبية "استعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان"، ولإقناع محيطهم الحداثي صاغوا مبررات لا تختلف عن الفتاوى الدينية. والسؤال المطروح لماذا لم ينسحبوا في صمت مثلما التحقوا بتلك الهيئات في صمت؟ لماذا هذا كل هذا الاستعراض الملحمي والركوب على القضية الفلسطينية؟ لماذا لم ينسحبوا في صمت احتراما لتلك الهيئات التي اشتغلوا معها طوعا؟
أما هابرماس فلم يرفض الجائزة بل تراجع بعد القبول. فهل فيلسوف عقلانية التواصل خانته عقلانيته في التواصل مع هذا الحدث؟ لقد كان بإمكانه أن يأخذ وقته قبل القرار، وفلسفته التي أسسها على عقلانية التواصل تلزمه بذلك.
أعتقد، أنني أتفهم دافع هابرماس، ولكني أتفهم أكثر ردود فعل الابتهاج إزاء موقفه الزاهد في الجائزة. وفي جميع الأحوال يبقى فيلسوف التواصل بشرا يخطئ ويصيب، وكذلك تبقى الإمارت، وفي جميع الأحوال، فخطأ هابرماس لا يمس بمصداقيته، وتراجعه لا يقلل من مصداقية هيئة الجائزة ولا من شأن الإمارات.
سيبقى التاريخ البشري يسير وفق منطقه الخاص، منطق لا يتحكم فيه كما يشتهون حتى جبابرة العالم رغم كل ما يملكون من أسباب القوة المادية والعلمية، فكيف لمن أدمنوا الكسل واجترار شعارات من زخرف القول، لا هم لهم سوى الزج بالشعوب الرثة في طاحونة من الأوهام والأهواء؟



#سعيد_هادف (هاشتاغ)       Said_Hadef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية الفلسطينية في المتخيل المغاربي
- كمال القصير: كراهية الغرب هدْمٌ -للحاضر- بينما كراهية التراث ...
- كأس شاي: في صحة المغرب الكبير
- من كان وراء مجازر 8 مايو 1945 في الجزائر؟
- ابن باديس في ذكراه: قراءة من زاوية أخرى
- قضية سعيد ناشيد: غياب الحكمة وطغيان الأهواء
- الأسبوع المغاربي يحييكم
- الأسبوع المغاربي بعد عام
- اليأس مدخلا إلى الأمل
- اليوم العالمي للثورة السلمية
- الدستور: محالة للفهم
- منظمات المجتمع المدني في الجزائر: رسملة مشروع -مشوار وحوار-
- دور الإعلام في بناء مدينة مواطنة
- الأزمة الخليجية في ضوء التاريخ
- عاصفة الحزم: السياق والمقاصد
- الجزائر: الخطاب الأخير
- ليبيا: صراع الأجندات
- غيتوهات تندوف: الذهول عن المقاصد
- الجهوية الموسعة أساس الاتحاد المغاربي
- هل سيشهد المغرب نمطا جديدا من الاحتجاج؟


المزيد.....




- بالفيديو.. لحظة انبثاق النار المقدسة في كنيسة القيامة
- شاهد: إنقاذ 87 مهاجراً من الغرق قبالة سواحل ليبيا ونقلهم إلى ...
- الفطور أم العشاء؟ .. التوقيت الأمثل لتناول الكالسيوم لدرء خط ...
- صحيفة ألمانية: الحريق في مصنع -ديهل- لأنظمة الدفاع الجوي في ...
- مسؤول إسرائيلي: لن ننهي حرب غزة كجزء من صفقة الرهائن
- قناة ألمانية: الجيش الأوكراني يعاني من نقص حاد في قطع غيار ا ...
- تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل ...
- الطعام ليس المتهم الوحيد.. التوتر يسبب تراكم الدهون في البطن ...
- قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين
- -اللعب الخشن-.. نشاط صحي يضمن تطوير مهارات طفلك


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد هادف - الإمارات، هابرماس والمثقف المغاربي