أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني التهامي - مقتطفان من بيان الهايكو














المزيد.....

مقتطفان من بيان الهايكو


حسني التهامي

الحوار المتمدن-العدد: 6906 - 2021 / 5 / 22 - 01:38
المحور: الادب والفن
    


مقتطفان من بيان الهايكو:
روح الهايكو
عند سماع صوت الطبيعة والكائنات البسيطة والتفاصيل الكونية يستطيع شاعر الهايكو خلق نوع من التماهي والتعاطف مع الآخر، في ذات الآن يمكنه اكتشاف الذات والولوج إلى أعماق النفس للتعرف على حقيقتها وكوامنها، فمن خلال احتضان العالم وبالأخص تلك التفاصيل الدقيقة التي لم يتم التطرقُ لها والتعبير عنها بالشعر، يفتح الهايكو آفاقا جديدة لاكتشاف العالم المحسوس، وعبر تلك الكائنات والدقائق الكونية المكتشفة، يستحدث الهايكست تفاصيل جديدة في شعره، وينفذُ إلى المناطق الخبيئة في مجاهل ذاته.
يعطي الهايكو قيمة لأشكال الحياة سواء أكانت مرتبطة بالإنسان أو بالطبيعة والكون، لكي تنطلق رحلة الهايجن إلى عوالمه الداخلية عبورا بالعالم الخارجي واستكشاف كنهه وجوهره، فعلى الرغم من قصر هذا النمط الشعري، إلا أنه يحمل في طياته روحا تأملية من أجل الوصول إلى الكمال من خلال تماس ذواتنا مع جوهر الأشياء. يقول ماتسو باشو "إذا أردت أن تتعرف على الصنوبر، اذهب إليه"؛ فليس الهدف هنا فقط رؤية الشجرة وتصويرها من الخارج، بل علينا أن نتعرف على طبيعتها وجوهرها الحقيقي. ولو تأملنا رحلة سانتوكا تانيداSantoka Tanida (1882-1940) الشاعر الحداثي، نجد أنها رحلة بحث عن الذات مرورا بالتفاصيل الدقيقة في حياتنا اليومية التي ستقود حتما إلى المعرفة الحقيقة بالعالم والواقع الحياتي. إذن فروح الهايكو تعبير عن شعور المرء تجاه الطبيعة بشكل غير مباشر، هذه الروح الجمالية تتجاوز الشكل الياباني الكلاسيكي إلى أسلوب عام للحياة يسعى إلى توحد الذات مع الطبيعة، وامتزاجها مع العالم الخارجي بدلاً من محاولة السيطرة عليه.
مصبُ النهر-
أراهُ اليومَ أضْيقَ
بعيّْني شيخْ
(مزار الأقحوان ص 43)
يمثل هذا النص المختزل رحلة حياة ممتدة منذ الطفولة حتى مرحلة الشيخوخة لاستكشاف الذات عبر التفاصيل اليومية على ضفاف النهر. في هذه الرحلة لا يراوح النهر مكانه، لكن تتغير طبيعته عبر الزمن، فهو يرمز في التواءاته وتعرجاته إلى حياتنا المليئة بالتجارب العديدة المتنوعة، لذا تختلف نظرة الإنسان للأشياء من الطفولة إلى فترة الشيخوخة؛ فالطفل يرى الأشياء بعين المهابة والإجلال خاصة عند رؤيتها لأول مرة، وعلى عكس ذلك يرى الشيخ الأشياء الكبيرة صغيرة قياسا لتجاربه الحياتية؛ وعليه فالنهر انعكاس لحياة الشاعر وعيشها لحظة بلحظة، فعلى ضفافه الممتدة تنشأ علاقة حميمية بينهما ويتنامى الوعي باللحظة الزمنية عبر رحلة البحث والاستكشاف.
****
بساطة الهايكو
لعلّ ما يفسر سر انتشار الهايكو الذي يُعدّ درةَ الشعر الياباني، وتخطيه حدود الزمان والمكان عنصرُ البساطة وهو في الآن ذاته يمثّل مصدر الجمال الحقيقي، فقد استطاع الشعراء اليابانيون من خلال تلك الخاصية النفاذ إلى روح الهايكو عبر تصوير الجمال الطبيعي في الكون والاحتفاء بكل ما هو روحاني، لذا يعتمد شاعر الهايكو على حدسه في نقل الصورة بلغة بسيطة غاية في التكثيف والعمق.
تلخص الناقدة النمساوية جودرون م جرابرGudrun.M.Grabher ما يتطلبه الهايكو بشكل عام في هذه الكلمات المهمة: "لكي يأتي الهايكو إلى الوجود، يجب أن يكون الشاعر على اتصال بالعالم، من خلال أشياء وأحداث مشتركة، بسيطة وصغيرة، يستطيع رؤيتها وفهمها والتقاطها بلغة سلسلة ودقيقة وموجزة، من أجل مشاركة الآخرين الشعور الذي أثارته هذه اللحظة". يظل الهايكو تعبيرا عن لحظة جمالية تنقل تجربة إنسانية عميقة تبتعد كل البعد عن كلمات المشاعر المباشرة والتكلف في التعبير كاستخدام اللغة المجازية التي تُعد من أهم سمات الشعر بصفة عامة، فهي في الأساس لغة الخيال والجمال الشعري. لكنَّ هذه اللغة المفعمة بالخيال المجنح قد نالت من القيم الجمالية لنصوص الهايكو وأصبحت عبئا عليه، وإن كان لا محالة من الجنوح إلى المجاز، فعلى الشاعر أن يغمس فرشاته في ألوان اللغة المجازية المغرية غمسا خفيفا كي لا تصبح لوحته الشعرية ضبابية خالية من الجوهر الحقيقي للهايكو، وهو البساطة. كما يقدم لنا باشو تصورا حقيقيا للهايكو حين يصوره "كإصبع يشير إلى القمر، فكلما كان مرصعا بالجواهر، لن تستطيع رؤية القمر."
كتب باشو نصه الشهير عندما زار هيريزومي عام 1689، (محافظة إيواتي اليابانية حاليا):
أعشابُ الصيف-
من أحلام الجندي الشجاع
الجَزَّةُ الثانية.
لا شيء في ساحة المكان سوى أثر الدمار، مع ذلك تبدو حشائش الصيف يافعة في عنفوانها؛ فهي تمثل الأبدية ودورة الطبيعة، بينما كانت أحلام المحاربين بسيطة ومؤقتة. يقارن باشو بوضوح بين قوة الطبيعة الأبدية وبين الطموحات الزائلة للساسة وصناع الحروب، وقد استعار لغة رمزية تلمح إلى معان عميقة، مع ذلك لم تكن أداة إبهام تضيق زوايا الرؤية بالنص وتمنع إمكانية سبر أغواره واستكناه بهاء معناه.

تتميز قصيدة الهايكو عن أي لون شعري آخر بخصوصيتها في تناول المفردة اللغوية، "فليس ثمة حيزٌ لفعلٍ غير شعري لشدة الإيجاز اللغوي واقتصاده، وذلك يوجب على الشاعر الاختيار الدقيق لكل مفردة، وكل حرف والانتباه لمحوري الاختيار والتأليف معا انتباها بالغ الدقة ليكون المشهد المكثف التقاطة سريعة مكتنزة بفتنة البساطة"، (د.بشرى البستاني). على الرغم من ذلك فاللغةُ العربيةُ قادرةٌ- بعبقريتِها وخصوصيتِها وتنوع إيقاعاتها وبميزة الاشتقاق التي تهبها خصوصية وتفردا عن بقية اللغات- على أن تستوعبَ جماليات قصيدةِ الهايكو، بل وتُضفي عليها طابعاً عربيا آسراً ومميزاً. تلك اللغة المعروفة بقوتها وثراء مفرداتها التي مكّنت الشاعر العربي من أن يكتب نصوصا طويلة مفعمة بالخيال وأساليب البلاغة الجامحة، لقادرة على أن تروض نفسها وتكبح جماح المجاز المفرط الذي يحول دون بساطة الهايكو.



#حسني_التهامي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هايكو رمضاني ( أرجو التعديل ) ونشر النصوص الحالية
- هايكو رمضاني
- الآنية والموسمية في الهايكو
- تقنية -تضييق البؤرة- في الهايكو
- هايكو النهر
- الإبيجراما الشعرية
- قصيدة التانكا
- قراءة في نص للشاعرة الليبية : كريمة علي
- قصيدة السنريو/ قراءة في نص للشاعر العراقي طالب داخل
- عن الموت والحياة / نصوص مترجمة عن الإنجليزية
- الشاعر الأرجنتيني : خورخي ألبرتو جيالورنزي ( Jorge Alberto g ...
- نصف دقيقة لعناق طويل / نصوص هايكو
- الشاعر الغاني أدجيي أجيي باها Adjei Agyei-Baah
- متتاليات هايكو
- نوافذ ( نصوص هايكو)
- الغراب/ الشاعر الأمريكي إدجار آلان بو
- Silence Haiku هايكو السكون
- جوهر الهايكو
- نصوص هايكو
- العوالم الدقيقة عند شاعر الهايكو


المزيد.....




- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...
- مصر.. إحالة بدرية طلبة إلى -مجلس تأديب- بقرار من نقابة المهن ...
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس محمود عباس: الأزمة والمخرج!


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني التهامي - مقتطفان من بيان الهايكو