أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد لحدو - عندما يغادرنا مبدعٌ كالموسيقار جورج جاجان















المزيد.....

عندما يغادرنا مبدعٌ كالموسيقار جورج جاجان


سعيد لحدو

الحوار المتمدن-العدد: 6898 - 2021 / 5 / 14 - 13:26
المحور: الادب والفن
    


تعود الموسيقا السريانية بجذورها إلى حضارة مابين النهرين وطقوسها الدينية والمهرجانات التي كانت تُقام في تلك المناسبات الطقسية والتي كان أبرزها عيد الأكيتو (رأس السنة اللآشورية البابلية) فقد كانت الاحتفالات به تدوم (12) يوما، حيث تسير مواكب الآلهة التي كان سكان مابين النهرين يتعبدونها آنذاك مترافقة على إيقاع الموسيقا والترانيم الدينية.
بعد سقوط الامبراطوريتين الآشورية ومن ثم البابلية في القرن السابع والسادس قبل الميلاد، استمرت تلك الاحتفالات مع ما كان يرافقها من موسيقا دينية وشعبية، على المستويين، الشعبي عامة وكذلك على المستوى الرسمي في الممالك شبه المستقلة التي قامت فيما بعد على أنقاض الامبراطوريات الغائبة، كمملكة حدياب والحضر والرها، وأيضاً في الممالك الآرامية الأخرى العديدة التي نشأت في سوريا وشمال مابين النهرين في الألف الأول قبل الميلاد.
مع بداية تحول سكان سوريا ومابين النهرين إلى المسيحية في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، لم تجد الأفكار الدينية الجديدة اختلافات كبيرة في المعتقدات الوثنية في هذه المنطقة لأن تلك المعتقدات كانت قد تطورت خلال الألف الأول قبل الميلاد إلى التثليث ومنها إلى الإله الأكبر الأوحد. وبناء على ذلك فقد مورست كثير من الطقوس الوثنية القديمة بغلاف مسيحي وبتعابير ومسميات مسيحية، ليشمل ذلك حتى أسماء المجموعات البشرية التي أبدعت وبنت أعظم وأقدم حضارة في التاريخ البشري. فتخلى الناس طواعية عن أسمائهم الأصلية مثل آشور وكلدو وأرام، واعتمدوا الاسم السرياني بدلالاته المسيحية، ولكن بدون أن يتخلوا عن موروثهم الحضاري التاريخي بمضامينه وتعبيراته الثقافية والفنية الإنسانية التي وجدوها متوافقة مع الدين المسيحي الجديد الذي اعتنقوه. وشكَّل ذلك التحول افتراقاً بالاسم واستمراراً بالمضمون.
لقد كانت الموسيقا من أبرز تلك الطقوس التي حملها السريان كإرث إنساني. ومن أهم دلالاتها تلك القيثارة السومرية التي تم اكتشافها في جنوب بلاد الرافدين، ويعود تاريخها للقرن الخامس والعشرين قبل الميلاد. فكان لابد من استمرار هذا النوع من التعابير الطقسية والإرث الشعبي، وهكذا سارت الموسيقا جنباً إلى جنب مع التعبير الديني الجديد. فجاء برديصان الفيلسوف والشاعر والموسيقار الأبرز وهوالحديابي الأصل المولود في الرها في أواسط القرن الثاني الميلادي، والدارس لعلم التنجيم في منبج ومن أوائل المؤمنين برسالة السيد المسيح، ليضع، ومن بعده أيضاً ابنه هرمونيوس، الألحان والأناشيد الدينية كي تُتلى في المناسبات الدينية والشعبية. وقد حازت تلك الأناشيد على شعبية كبيرة استمرت حتى القرن العاشر الميلادي، رغم محاربة الكنيسة له فيما بعد باعتباره مهرطقاً وخارجاً على تعاليمها.
استمر الإرث الموسيقي في الكنيسة السريانية في عهد القديس مار أفرام الذي أخذ ألحان أناشيد برديصان الحائزة على شعبية كبيرة واستبدل كلماتها بأشعار جديدة من تأليفه لتكون متوافقة مع المعتقدات الكنسية المتفق عليها. وهكذا استمرت تلك الألحان مع ألحان جديدة كثيرة أضافها مار أفرام نفسه وكذلك القديس يعقوب الرهاوي وغيره من آباء الكبيسة السريانية في القرون التالية.
مع نهاية القرن السابع الميلادي توقفت حركة التطوير والتجديد في الموسيقا السريانية لتنحصر في إطار التراتيل الكنسية بوجه عام. وقد استمر الحال هكذا، (باستثناء بعض الأغاني الفولكلورية)، حتى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين عندما بدأ أتباع الكنيسة الشرقية باستخدام الموسيقا لاحتفالاتهم ومناسباتهم المدنية أيضاً إلى جانب الكنسية، وتبعهم أبناء الكنيسة السريانية الغربية بعد ذلك مع دخول النصف الثاني من القرن العشرين عندما بدأت الأغاني ذات الكلمات التي احتوت على مضامين القومية والوطنية والكنيسة واللغة والطبيعة من أشعار الملفان نعوم فائق وآخرين غيره، لتتطور بعد سنوات قلائل إلى المفردات العاطفية وتمجيد الحب والجمال.
في هذه المرحلة برز الرواد الأوائل للأغنية السريانية الحديثة من كتَّاب مثل دنحو داود وأبروهوم لحدو ونينوس آحو، ومن ثم تبعهم جورج شمعون وشابو باهي. كما برز موسيقيون كان رائدهم الموسيقار الكبير كبرئيل أسعد ثم بول ميخائيل وجورج جاجان والموسيقار المبدع نوري اسكندر ونديم أطمجه من الأوائل في هذا المجال، إضافة إلى عائلة سلمون الموسيقية، ومطربين أسسوا للأغنية السريانية الحديثة منهم يوسف شمعون وأيفلين داود وجليل معيلو وجان كارات وحبيب موسى الذي لم يكن قد تجاوز الخامسة عشرة من عمره عندما غنى أغنية (شامو مر) عام 1968 التي اشتهرت كثيراً حينها. ثم صدرت في العام التالي مجموعة أغان جديدة من ألحان جورج جاجان. ثم صدر كاسيت آخر في العام التالي للمطرب جليل معيلو أيضاً من ألحان جورج جاجان.
في العام 1975 برع الموسيقار جورج جاجان مرة أخرى بتسجيل كاسيت جديد من ألحانه غنى فيه مجموعة من أشهر المطربين السريان في الجزيرة السورية بينهم جان كارات وفريد يوسف والياس ضوميط، الذي بدل اسمه لاحقاً ليصبح الياس كرم. وكان عمره آنذاك خمسة عشر عاماً بأغنيته الشهيرة (تدأو عابيرينا).
استمر الموسيقار جورج جاجان بإبداعاته الموسيقية بدون توقف وألف عشرين لحناً جديدأ ليتم تسجيلها بدعم وتمويل من المنظمة الآثورية الديمقراطية وصدرت عام 1988 بكاسيتين تم تسجيلهما بدمشق وغنى فيهما الياس كرم والياس كورية وعزيز صليبا. وقد اشتهر من بين تلك الأغاني (عاتق أو تانوريذَخ، وطاويعو إي شمشايو وعال ياد دقلث ولمَّت لي فوش بشلومو).
في الأعوام التالية لإصدار هذين الكاسيتين تحول الموسيقار جورج جاجان إلى الالتزام الديني وبدأ شغفه في الموسيقى يخبو شيئاً فشيئاً بسبب التوجه الديني الذي بات يقوى عنده وتوِّج ذلك برسامته كاهناً، وعندها توقف نهائياً عن التلحين. وباءت بالفشل كل المحاولات لإقناعه بالعودة إلى التأليف الموسيقي إلى جانب دوره ككاهن ، وذلك بغية الاستفادة من تلك الموهبة الخلاقة التي تميز بها في هذا المجال وبخاصة تلك الألحان العذبة التي لحنها خلال مسيرته الفنية السابقة والتي ارتكزت على الموسيقا الكنسية التي تشربها منذ الصغر كشماس في الكنيسة السريانية.
لقد خسر السريان بشكل خاص والموسيقا عامة مبدعاً فذاً ومؤلفاً موسيقياً من الطراز الرفيع برحيل الأستاذ والأب الروحي الموسيقار جورج جاجان الذي عمل طوال أكثر من ثلاثة عقود متواصلة على بناء قاعدة قوية ومتماسكة للأغنية السريانية الحديثة في سوريا نشأ على أنغامها الشجية جيل من الشباب والشابات المؤمنين بأمتهم وتراثها الحضاري وموسيقاها التي عبرت منذ بداية التاريخ البشري عن أحاسيس الإنسان ومكنوناته ومشاعره في كل مناسبة. وسيبقى عزاؤنا وأملنا الكبير بمن يعيش بيننا اليوم من موسيقيين سريان بارعين وملهمين من أمثال المبدع الكبير الأستاذ نوري اسكندر والموسيقار وعازف العود الفذ موسى الياس والدكتور أبروهوم لحدو....وغيرهم، ممن لا يزالون يعملون بكل حرص وجدية وحماس ليظلوا معطائين وخلاقين ومجددين في الموسيقا السريانية الحديثة.



#سعيد_لحدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة ورد غطاها
- حكاية حفار القبور وابنه والوضع السوري
- المعارضة السورية وفقدان البوصلة
- أمير المؤمنين بشار بن أبيه يتحدث....
- الحرب العالمية الجديدة
- خطاب الكراهية وسبل مواجهته
- عودة الحاج رامي مخلوف
- عطب الذات أم عطب المنظومة...؟ قراءة في كتاب الدكتور برهان غل ...
- كردستان التي تأخرت مائة عام
- (غودو) الحل السوري
- الحرية طليقة والأحرار معتقلون
- العرس في فيينا والطبل في حرستا
- الدب الروسي في معرض الزجاج السوري
- قلق العالم هو مايقلق السوريين
- الخلافة وبناتها، الخليفة وإخوانه
- حكاية الإرهاب ومكافحيه
- وعند بثينة الخبر اليقين
- التدخل الأمريكي: درهم وقاية أم قنطار علاج؟
- داعشي حتى العظم مع وقف التنفيذ
- انتحابات في سوريا... مرة أخرى


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد لحدو - عندما يغادرنا مبدعٌ كالموسيقار جورج جاجان