أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعيد لحدو - حكاية حفار القبور وابنه والوضع السوري














المزيد.....

حكاية حفار القبور وابنه والوضع السوري


سعيد لحدو

الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 30 - 21:45
المحور: كتابات ساخرة
    


الحكاية التي كان يرويها لنا الكبار عن حفار القبور، السيء الصيت، الذي كان كل قبر يحفره، يعيد نبشه بعد الدفن، ليسلب الميت ما حمله معه من ملابس، وإن وُجِدَت أحياناً ، بعض الخواتم أو الحلي التي كان يعزُّ على ذوي الميت نزعها منه. حيث كان حفار القبور هذا، يتلقى الإهانات والشتائم والتوبيخ من الأهالي الغاضبين بسبب انتهاكه حرمة الموتى، فيقول في سره: هي...هي... سأجعلكم تترحمون عليَّ بعد موتي.
عندما ورث الابن وظيفة أبيه كحفار للقبور، لم يكتفِ بسلب الميت ماحمله معه من أسمال إلى القبر، وإنما كان بعد أن ينتهي من عملية التشليح والتعفيش (وهذا مصطلح خاص بمسلحي الحرب السورية)، يدحش له خازوقاً، كتحية وداع أخيرة. وهكذا صدقت مقولة: "الابن سرُّ أبيه".
وإذا نظرنا اليوم إلى الوضع السوري، فلن نجد كبير اختلاف. فلقد جَعَلَنا بشارُ بن أبيه نترحَّم على أيام "الأب القائد"، الذي اكتفى بتعريتنا كمواطنين من كل شيء يميزنا كبشر، كالعزة، والكرامة ،والحرية ،ومحبة الوطن، والافتخار بالانتماء، والتعايش. إضافة إلى تجريدنا من ضروريات الحياة الأساسية، التي كانت في أيامه، أقصى ما يحلم به السوري ليتمكن من الاستمرار بالحياة. لكنه، والحق يُقال، لم يستخدم الخازوق إلا لمن حاول أن يرفع رأسه معانداً ظاناً، أن الحياة في عهد حفاري القبور أكثر من مسألة الأكل والشرب، بالرغم من صعوبة تأمينهما. وهؤلاء استثناء بالطبع.
لقد حاول الأب أن يحافظ على توازن دقيق على حافة الهاوية، فمن رضيَ عاشَ، كما يقول المثل. ومن عاند، لن يكلف الأجهزة الأمنية سوى دفعة بسيطة وينزلق إلى أعماق الهاوية أو "القبر". ولم تكن هذه السياسة بنت ساعتها بالنسبة للأب، وإنما بدأت مع أول خطوة خطاها أو فكر بها باتجاه السلطة، أو قل: مهنة "حفر القبور". فكانت "الفاتحة" الأولى التي قرأها على أرواح رفاقه وزملائه ومعاونيه وأبناء طائفته من أعضاء اللجنة العسكرية إياها منذ أوائل الستينات من القرن الماضي. ونهاية بـرئيس وزرائه الموهوم محمود الزعبي قبل التوريث ببضعة أيام. مروراً بالكثير الكثير من أهم القادة والرموز السوريين والفلسطينيين واللبنانيين ... وغيرهم، ممن وضعهم حظهم العاثر في طريق حفار القبور هذا.
بعد موت الأب، جاء وريث المهنة بوهم التحديث والتجديد والإصلاح، ليعطي السوريين، بناء على نصيحة مستشاريه المخضرمين، فترة تنفس وانتعاش قصيرة، ليرفعوا رؤوسهم فوق الماء قليلاً ويحصلوا على بعض الأوكسجين، قبل أن تبدأ مرحلة الغوص العميقة، والمعاناة الأشد في مواجهة متطلبات الأمر الواقع بكل جوانبه، المعيشية والإدارية والتمثيلية ومافيات الفساد، وحيتان السلب والنهب والتعدي الصارخ على حياة الناس وكرامتهم، وكل مثلهم وقيمهم الإنسانية والوطنية والاجتماعية والثقافية والدينية. ناهيك عن طفوليته وهلوسته في شؤون السياسة العالمية، ولعبة المَحاور الدقيقة، التي تحتاج لحنكة وحكمة وتجربة وعمق إدراك، لتلافي تبعاتها على مصير بلدٍ لاتنقصه مصائبُ ولا هلوسات الوَلدَنة لحاكم يلهو بمصير شعب ووطن علَّم البشرية الحرف، وأهداها أعظم قيم الحضارة.
إزاء الوضع السابق وصفه، وفي ظل غياب أي أمل بالتحديث والإصلاح، وبعد تجاهل الابن والصبيان المحيطين به من أبناء أصحاب ورفاق "الحفار الأول" الذين وجدوا أنفسهم بحكم الوراثة، في موقع القرار ممن اتصفوا على الدوام بانعدام الشعور الوطني وفقدان الإحساس بالمسؤولية، حين تجاهلوا واستهتروا بأية فكرة أو مقترح لإعادة النظام والمجتمع إلى جادة الصواب، انفجرت ثورة الكرامة قبل عشرة أعوام.
وبدلاً من أن تجبر تلك الثورة أولئك المستهترين، وفي مقدمتهم، وريث الصدفة، للعودة إلى جادة الصواب والعقلانية، والمصالحة مع شعب ماعاد قادراً على التحمُّل أكثر مما تحمَّل، انصرف هؤلاء إلى تحضير الخوازيق التي كانوا يجهزونها للشعب السوري، "ناكر النعمة الأسدية"، وتنادوا لاستقدام عشرات الجيوش والمجموعات المسلحة للأرض السورية، مفتتحين بها شعار "الأسد أو نحرق البلد". فكان لهم أن حافظوا على الأسد الذي يحضِّر نفسه اليوم لجولة "انتخابات" مضحكة جديدة، والتي ماهي مراسيم "انتحابات" للشعب السوري لسبعة سنين جديدة من التقتيل والتهجير والتشليح والتعفيش والتجويع والفساد المستشري لأمراء الحرب والسياسة. وفي الوقت ذاته حرق البلد بكل مافيه وما عليه، غير مبالين، لا بما بقي مِن ممتلكات من بقي بعد حياً على الأرض السورية، ولا بأرواحهم التي باتت رهينة لإرادة المسلحين المندفعين والمتنادين للنصر أو الشهادة من كل الاتجاهات والرواسب الدينية والطائفية والسياسية والمناطقية والعشائرية ومن ورائهم من القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لتنفيذ أجنداتها وتصفية حساباتها الخاصة على الأرض السورية بأيدي السوريين وبالدم السوري المستباح.
إنه الخازوق الأخير الذي يجهزه حفارو القبور الذين تكاثروا اليوم للاحتفال بتنصيب أو توضيب مسرحية "الانتحابات" السورية، وكأن الذي ورث العرش، والطريقة التي ورثه بها، قبل إحدى وعشرين سنة بحاجة لمسرحية هزلية كهذه ليؤكد حقه في وراثة المهنة والاستمرار في خوزقة (23 مليون) سوري من الموتى "الأحياء" في القيود الرسمية.



#سعيد_لحدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعارضة السورية وفقدان البوصلة
- أمير المؤمنين بشار بن أبيه يتحدث....
- الحرب العالمية الجديدة
- خطاب الكراهية وسبل مواجهته
- عودة الحاج رامي مخلوف
- عطب الذات أم عطب المنظومة...؟ قراءة في كتاب الدكتور برهان غل ...
- كردستان التي تأخرت مائة عام
- (غودو) الحل السوري
- الحرية طليقة والأحرار معتقلون
- العرس في فيينا والطبل في حرستا
- الدب الروسي في معرض الزجاج السوري
- قلق العالم هو مايقلق السوريين
- الخلافة وبناتها، الخليفة وإخوانه
- حكاية الإرهاب ومكافحيه
- وعند بثينة الخبر اليقين
- التدخل الأمريكي: درهم وقاية أم قنطار علاج؟
- داعشي حتى العظم مع وقف التنفيذ
- انتحابات في سوريا... مرة أخرى
- لسنا إرهابيين .... لكننا سنكون
- استعراض روماني في الساحة السورية


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعيد لحدو - حكاية حفار القبور وابنه والوضع السوري