أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن الشامي - النظرة الوحيدة.. قصة قصيرة















المزيد.....

النظرة الوحيدة.. قصة قصيرة


حسن الشامي

الحوار المتمدن-العدد: 6897 - 2021 / 5 / 13 - 20:15
المحور: الادب والفن
    


تأملها طويلا..
لم تعره التفاتا..
حدق فيها جيدا..
نظر إلى عينيها..
وجدهما بحرا عميق الأغوار.. غاص فيه..
أول مرة يحس أن للعوم فائدة كبيرة..
عيناها النجلاوان يحتاجان إلى سباح ماهر يسبر غورهما..
............

ظن نفسه يفهم لغة العيون.. إلا هاتين العينين..
لم يستطع أن يجد فيهما تعبيرا واحدا ينم عما يدور بذهنها..
تجرأ على النظر إليها بإمعان..
لم تعره التفاتا..
السيارة تنوء بحملها..
الركاب يتململون من الزحام.. إلا هو..
كان هناك بعيدا.. بعيدا.. في اللا نهاية..
............

عاود النظر إليها..
أحس براحة طائر شارد يعود إلى أليفه بعد طول عناء..
يذكر ما رآه في منامه أمس.. وقبل أمس..
كانت جميلة كما هي الآن.. رقيقة.. رائعة..
شغل ذهنه بها..
ترى فيما تفكر هي الآن ؟!!
............

رغم أنها لم تنظر إليه.. ولم تطرف بعينها نحوه.. إلا أنه ظنها مشغولة به!!
يا للروعة!! وهي تجلس أمامه.. وهو يحاول جهده أن يظل واقفا بجوارها.. رغم أن ذلك كلفه جهدا كبيرا في الحفاظ على مكانه في هذا الزحام الشديد..
............

عيناها.. عيناها..
وتذكر عيني والدته..
إن لأمه عينين جميلتين أيضا..
ولكن شتان.. شتان !!
شعر بالحنين إلى أمه..
كم مضى من الوقت وهو بعيد عنها ؟!!
وكيف حال أخواته البنات ؟؟
............

عاود النظر إليها.. يستمد الأمل والنجاة !!
حقا إنها الجمال ذاته..
قدها.. شعرها.. يداها..
ترى كيف يكون الحنان بين يديها ؟!!
............

هي جاراته حقا.. ولكن هل تعلم ذلك ؟!!
تذكرها وهي رائحة.. غادية.. أمامه..
رزينة.. أنيقة.. يشيع من حولها في كل مرة دلال نادر..
رآها تتبختر في مشيتها عدة مرات..
وهاهي الآن تجلس أمامه..
آه.. كم يحس بالراحة في وجودها !!..
............

الركاب حوله يتأففون وهو وحده السعيد..
تعساء هؤلاء الناس..
الجمال معهم ولا يحسون بوجوده..
مخطئون هم.. بل قل إنهم أغبياء.. لا يعرفون كيف يبحثون عن مصدر سعادتهم !!
رغم أنها حتى الآن لم تنظر إليه.. إلا أنه لم يحجم عن النظر إليها بإمعان..
كيف يترك كل هذا الجمال ويشرد بعيدا عنه لحظة واحدة ؟!! أهو غبي مثلهم ؟!!
............

توقفت السيارة عدة مرات..
هبط ركاب وصعد آخرون..
وهو لا يدري ولا يحس ما حوله..
لكزه المحصل.. لم يهتز..
نقده ورقة مالية دون أن يلتفت إليه..
أعطاه المحصل التذكرة والمبلغ الباقي وهو ينظر إليه بدهشة يعتريها غضب ظاهر..
............

غاص في أغوار عينيها..
كانت عيناها ثابتتين.. لا تتحركان نحوه..
تنظران من نافذة السيارة.. تتابع المرئيات أمامها.. وكأن أحدا لا يستحق مجرد نظرة منها..
............

اهتز الركاب في أماكنهم عندما توقفت السيارة فجأة لتفادي طفلا يعبر الطريق..
ضج الركاب بالضحك واللعنات.. ونظر بعضهم إلى بعض وتمتموا :
ـ يا ساتر.. يا ساتر..
إلا هي.. لم تتحرك.. بل أمسكت بظهر المقعد أمامها.. ولم يبدو عليها شئ من الفزع أو القلق !!
ولم تحاول النظر إليه..
مما جعله يتأكد في قرار نفسه أنها تتعمد ذلك لعلمها بوجوده واهتمامه بها..
............

وتوقفت السيارة..
وهبط بعض الركاب..
وصعد راكب مهندم..
شعره مصفف بعناية..
وحقيبته أنيقة..
نظارته بيضاء تظهر منها عيناه في وضوح وجمال..
............

لم يهتم بالراكب..
رغم أنه وقف بجواره..
ورغم نفاذ رائحته إلى خياشيمه..
ورغم فضوله الشديد لمعرفة صاحب هذا العطر..
فقد كان ذهنه معها.. وعيناه مركزتين عليها فقط..
............

"فماذا تساوي الدنيا كلها بدونك ؟!.. وأنت يا حبيبتي الدنيا كلها..
وأنت مرفأ أملي وشاطئ حبي.. عليه استرخي بعد رحلة شاقة في بحار المجهول..
وأنت يا حبيبتي دوحة الغناء أتفيء فيها إذا جارت علي الشمس بحرها..
وأنت يا حبيبتي نبع أطفأ فيه ظمأى !!
آه.. يا حبيبتي..
إن كياني يتزلزل حينما أراك !!
وقلبي يرفرف في سماء لا نهائية إذا تذكرتك..
وعيناي لا تريان سواك.. حتى لو كنت نائما..
وفؤادي يهفو إليك..
ويستدعيك خيالي حتى ولو كنت في قصرك المنيع ودونك الموت محققا"
............

لا يمكن أن يحدث هذا!!
أمعقول أن يصدق ما حدث ؟!!
ولم لا ؟ وقد رآها بعينيه وهي تنظر إلى هذا الراكب الأنيق..
رآها تصوب نظراتها بدقة بالغة ومحسوبة بعناية إلى وجه هذا الراكب الأنيق الواقف بجواره.. ثم تعيد نظرتها الوحيدة تلك مرة أخرى بنفس الدقة لتنظر من نافذة السيارة دون أن تطرف بعينها نحوه..
رغم أنها كانت نظرة وحيدة.. خاطفة.. إلا أنه كان يود لو كانت له.. حتى ولو جزء منها.. وهي تسحب نظرتها من على الراكب الأنيق في طريقها إلى النافذة مرة أخرى..
أحس بإحباط شديد.. وشعر كأنه يهوي من حالق.. وقد دكت عتقه وهان عليه الوجود..
............

في تلك اللحظة تجسدت أمام عينيه مشاعر الحرمان التي طالما أحس بها في مراحل مختلفة من حياته..
الحرمان الذي كان يشعر به عندما كان يسير في أيام العيد بين أبناء قريته الصغار وقد ارتدى كل منهم ملابسه الجديدة لأول مرة بينما هو يرتدي ملابس العام الماضي..
الحرمان الذي كان يشعر به إذا ما ذهب إلى المدرسة في العام التالي بنفس الحذاء القديم..
الحرمان الذي كان يشعر به عندما فقد والده ذات يوم في فترة مبكرة من حياته.. ولم يع إلا بوالدته تحمل عبء تربية أخواته البنات..
ولم يكن يبدد كل مشاعر الحرمان تلك إلا شئ ما كان يستقر في أعماقه.. يستعين به على الاحتمال..
ولكن مشاعر الحرمان تلك التي سرعان ما عادت من مكمنها فجأة.. لا يدري هل حقا يستطيع أن يتغلب عليها بذلك الشيء الكامن ؟!!
أحقا يستطيع أن يتناسى كل حبه لها وهيامه بها طوال الفترة الماضية ؟!!
............

آه.. كم أحبها..
في الصباح يراها..
وعند الظهر يستدعيها خياله..
ويشتاق إليها في المساء..
ويقضي ليله معها..
حتى يتسلمه صباح جديد يراها فيه..
............

والآن.. الآن.. يا حبيبتي..
نظرتك الوحيدة لم تكن لي..
مع أنني كنت لك.. وأظنك دوما لي..
الآن.. الآن.. يا حبيبتي..
ماذا تساوي الحياة بعدك..
وكيف يهوي الأمل ويتبدد الرجاء ؟!!
............

إلى هذا الحد تكون قسوتك ؟!!..
إلى هذا الحد تبخلين علي بنظرتك الوحيدة ؟!!
هل أستطيع الاحتمال ؟!!
أحقا أستطيع ؟!!
............



#حسن_الشامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات الحب الأول.. قصة قصيرة
- لحظة الوداع.. قصة قصيرة
- طالب دكتوراة.. قصة قصيرة
- زيارة منتصف الليل.. قصة قصيرة
- خطبة الجمعة.. قصة قصيرة
- مجرد إجراءات.. قصة قصيرة
- رؤية نقدية للمجموعة القصصية -مجرد إجراءات- للقاص / حسن الشام ...
- دور وسائل الإعلام والأسرة في تشكيل الوعي الاجتماعي
- رواية الضباب الجزء السادس والأخير
- رواية الضباب الجزء الخامس
- رواية الضباب الجزء الرابع
- رواية الضباب الجزء الثالث
- رواية الضباب الجزء الثاني
- رواية الضباب
- تقديم عبد العزيز شرف لرواية الضباب
- المشكلات التي تواجه العرب والمسلمين.. ما العمل؟
- زيادة التوعية المجتمعية بالديمقراطية في مصر
- الخبراء يتساءلون هل يمكن دمج الإخوان المسلمين في المجتمع الس ...
- تقرير لجنة التحقيق وتقصي الحقائق بشأن الأحداث التي واكبت ثور ...
- دور القطاع الخاص في دعم الديمقراطية.. مصر نموذجا


المزيد.....




- -من أم إلى أم-للمغربية هند برادي رواية عن الأمومة والعالم ال ...
- الناقد رامي أبو شهاب: الخطاب الغربي متواطئ في إنتاج المحرقة ...
- جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2023-2024 “صناعي وتجاري وصناع ...
- مسلسل المتوحش الحلقة 33 مدبلجة على قصة عشق ومترجمة على فوكس ...
- رئيسي : ندعو الكتّاب والفنانين الى تصوير الصراع بين الشرف وا ...
- أغاني حلوة وفيديوهات مضحكة.. تردد قناة وناسه على نايل وعرب س ...
- الإعلان الأول ح 160.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 160 على قصة ع ...
- لأفلام حصرية باستمرار.. ثبت تردد قناه روتانا سينما على الأقم ...
- فنون البلاغة العربية.. فلسفتها، ومتى يعد العرب النص فصيحا أو ...
- الرباط.. معرض الكتاب الدولي يستقبل زواره ويناقش -الرواية وعل ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن الشامي - النظرة الوحيدة.. قصة قصيرة