أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي كاكه يي - مكانة المرأة اليارسانية (2)















المزيد.....

مكانة المرأة اليارسانية (2)


مهدي كاكه يي

الحوار المتمدن-العدد: 6894 - 2021 / 5 / 10 - 17:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مكانة المرأة في الأديان الكوردية (15)

الشاعرات القدّيسات اليارسانيات

برزت شاعرات يارسانيات كثيرات عبر التاريخ اليارساني العريق. في هذه الحلقة سيتّم الحديث عن شاعرة واحدة من هذه الشاعرات وعن بعض الثورات التي قام بها اليارسانيون لِعلاقتها بالموضوع ولتبيان بعض الحقائق التاريخية المهمّة عن النضال المستمر لليارسانيين لتحرير شعب كوردستان وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية وللحفاظ على دينهم الأصيل. في الحلقات القادمة سنستمر في الحديث عن العديد من الشاعرات اليارسانيات اللواتي لعِبْنَ دوراً حيوياً في نشر الدين اليارساني وإثراء فلسفته.

1. الشاعِرة والقدّيسة (دايە تەورێزي هەورامي Daye Tewrêzî Hewramî)

قام المسلمون العرب بِغزو كوردستان وأرادوا القضاء على الدين الكوردي اليارساني والثقافة الكوردية المتجسدة في هذا الدين وقاموا بِقتل وأسْر الكثير من اليارسانيين. عندما سمِع القدّيس اليارساني (بابا سەرهەنگي دەوداني Baba Serhengî Dewdanî) أخبار قَتْل وأسْر اليارسانيين ومواطني كوردستان من قِبل العرب الغُزاة، توجّه الى جبال (هەورامان) وأعلن ثورةً ضد المُحتلّين، حيث تصدّى للغُزاة وحثّ اليارسيين على المقاومة والدفاع عن وطنهم ودينهم. خلال تلك الحرب التي إندلعت بين اليارسانيين والغُزاة، ضحّى هذا الثائر اليارساني بِحياته دفاعاً عن كوردستانه ودينه، حيث تمّ قتله. في هذين البيتَين من الشِعر الذي كتبه، يطلب هذا الثائر من اليارسانيين أن يواجهوا الغُزاة ويحثّهم على المقاومة ويخبرهم أنه سيلتحق بهم ويتصدى للمُحتلّين:

پەي ئامانتان، پەي ئامانتان
گرد ئامادەيان پەي ئامانتان
ئەز مەڵهەم مەنيە و ئەزامانتان
مەڕەسم وەهەق ئيمامانتان

المعنى
تهيئوا وإستعدوا للتصدّي للمحتلّين وأنا سأصل إليكم وسأنتقم لمقتل قادتكم المُلطّخين بِدمائهم.

لقد كانت الشاعرة (دايە تەورێزي هەورامي) إحدى صاحِبات القدّيس اليارساني (بابا سەرهەنگي دەوداني)، حيث أنها لبّت نداء هذا القدّيس، فإلتحقت بِجبهة المقاومة اليارسانية المسلحة وقاتلت الغُزاة ببسالة.

هذه الشاعرة القدّيسة مولودة في منطقة (هەورەمان Hewreman) في بداية القرن الرابع الهجري (بداية القرن العاشر الميلادي) ومتوفية في أواسط القرن الرابع الهجري (أواسط القرن العاشر الميلادي) في منطقة (هەورامان) وأنها مدفونة هناك. مزار هذه الشاعرة اليارسانية موجودة في مدينة (توێڵە Twêłe) الواقعة في محافظة السليمانية بجنوب كوردستان [1].

كانت (دايە تەورێزي هەورامي) شاعرة ذات إحساس رقيق و في نفس الوقت عازفة آلة الطنبور، حيث كانت تعزف على هذه الآلة خلال تلاوتها للكتاب اليارساني المقدس (سەرەنجام Serencam). كانت (دايە تەورێز) أولى إمرأة كُتِبتْ أشعارها في الكتاب اليارساني المقدّس (سەرەنجام). تركت هذه الشاعرة اليارسانية المُبدِعة مجموعة من الأشعار الجميلة التي كتبتها على شكل أبيات ثنائية في الكتاب اليارساني المقدّس (دەورەي بابا سەرهەنگ) أي (عَهْد بابا سەرهەنگ). هنا نقتطف بعض الأبيات من أشعارِها:

ڕازەن پياڵەم، ڕازەن پياڵەم
سەرسامم نەبەزم ڕازەن پياڵەم
بادەي پياڵەم ياوا وەناڵەم
چمكە ناڵەكەم بەرز بي نەعالەم

المعنى
لقد أُعطيَ لي قدح شرابٍ من الغيبِ. أنا مُندهِشةٌ من العبادة التي تتم في الاجتماع الديني اليارساني (جەم Cem). في الحقيقة أنّ الشَراب الذي كان في القدحِ، أنقذني لأنّ آهات وشُعلة نيران روحي قد إرتفعتْ الى أعالي السماءِ، فأوعَتْ الجميع، وثمّ بعد شُرب ذلك الشراب المُسكّر، هدأت روحي قليلاً.

في هذَين البيتَين تُعبّر (دايە تەورێز) عن فلسفة يارسانية عميقة، تُريد أن تقول أنّها تلقّتْ من الغيبِ قدحاً من الشراب فأسْكرَها. في سُكرها أصبحتْ مُتيّمة مراسم الاجتماع الديني اليارساني (جەم Cem). هناك عُشّاق هذا الدين الذين يلمّون بأسرار الحقيقة. لقد إحترقتْ روحها بِنار عشق قدحِ يزدان (الإله) وأنّ آهاتها وصرخاتها قد ملأتْ الكون للحصول على القدح المملوء بالشراب والذي بِشُربه هدأ إهتياجها ومشاعرها الهيّاجة. "الشراب" تعني به الشاعرة "العقيدة اليارسانية".

بالنسبة الى الثورات اليارسانية ضد المحتلين المسلمين العرب الذين كانوا يريدون فرض الدين الإسلامي على اليارسانيين، من المفيد أن نُشير هنا الى ثورة الثائر اليارساني (به‌هزادان Behzadan) الذي أطلق عليه العرب إسم (أبو مُسلم الخُراساني)، لأهمية هذه الثورة. الإسم الكامل لهذا الثائر هو (به‌هزادان وينداد هورمزد Behzadan Wîndad Hurmizd) المولود في سنة (719 ميلادية) وكان يارسانياً، حيث أنّ الكاتب الإيراني الدكتور (عبد الحسين زه‌ڕين كوب) يذكر في صفحة (110) من كتابه (دوو قرن سكوب) أنّ (به‌هزادان) كان من المؤمنين بِتناسخ الأرواح وهذا أحد الأدلة لِيارسانية هذا الثائر الكوردي. ويُقال أنه من أحفاد الملِك الساساني (يەزدكورد Yezdkurd) الثالث [2].

كان (به‌هزادان) قد خطّط لثورته أن تكون لِمرحلتَين، في المرحلة الأولى أن يقوم بإسقاط الدولة الأموية التي كانت تنتهج نهجاً عروبياً، حيث أنهم على سبيل المثال ألغوا اللغة الكوردية كلغة رسمية للبلاد في زمن الخليفة الأموي عبد الملِك بن مروان وأحلّوا اللغة العربية محلها. المرحلة الثانية التي كان قد خطّط لها (به‌هزادان) كانت إسقاط الحُكم العباسي وبناء دولة كوردستان، يكون الدين اليارساني الدين الرسمي لها. هكذا في معركة جرت في المنطقة الواقعة بين مدينة أربيل ومدينة الموصل، إنتصرت قوات (به‌هزادان) على القوات الأموية وذلك في سنة (750) ميلادية، فهرَب (مروان بن محمد ) الذي كان آخر ملوك بني أميّة إلى مصر وقُتل هناك وبذلك سقطت الدولة الأموية وإختفت [3] وتأسست على أنقاضها الدولة العباسية.

بعد قيام الدولة العباسية، ارتفعت مكانة (به‌هزادان) وكان محبوباً من أتباعه ومُعظّماً بينهم، حيث بنى (به‌هزادان) نفوذه الكبير على حبّ الناس وتعلقهم بِفكرة العدالة التي كان يُنادي بها ويناضل من أجل تحقيقها، فخشي منه الخليفة أبو جعفر المنصور، فدبّر له مؤامرة لقتله بعد أن أمّنه، حيث أنه دعاه الى زيارته في مدينة المدائن في سنة (755) ميلادية وقام بِقتل هذا الثائر الكوردستاني، وعلى إثره قام اليارسانيون بِثورة عارمة في مناطق (خُراسان) و(لورّستان) و(كرماشان) و(هَمَدان) و(جنوب كوردستان)، إلا أنه تمّ القضاء على هذه الثورة و تفرّق شمل اليارسانيين. قال (أبو جعفر المنصور) للثائرين عند ثورتهم بعد مقتل (به‌هزادان) قولته المشهورة:

"أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية ولا تسروا غش الأئمة".

كما أنّ الشاعر (أبو قتادة) هجا (به‌هزادان) بعد مقتله قائلاً:

أبا مجرمٍ ما غيّر الله نعمتهُ على عبدٍ حتى يُغيّره العبدُ
ففي دولة المهدي أردتَ غدرها إلا أنّ أهل الغدرِ من آبائِك الكورد.

من خلال بيت الشِعر أعلاه، تتأكد أيضاً كوردية هذا القائد.

من خلال هذا السرد، يمكن الإستنتاج بأن (به‌هزادان) إعتقد أنه لا يستطيع السيطرة على الحُكم مباشرةً بعد إسقاط الدولة الأموية ولذلك أنه يكون قد فكّر بتنظيم قواته وتهيئة الظروف المطلوبة للقضاء على الدولة العبّاسية التي كانت دولة فتية ضعيفة آنذاك، إلا أن العبّاسيين لابد أنهم قد إكتشفوا خطته أو أنهم قد خافوا من نفوذه الكبير، فقتلوه قبل تنفيذ المرحلة الثانية من خطته التي كانت تهدف القضاء على الدولة العباسية. لو كان (به‌هزادان) قد نجح في إسقاط الدولة العباسية، لَكانت خريطة الشرق الأوسط مُغايرة تماماً لَما نراها اليوم ولَكانت كوردستان الآن الدولة الأكبر والأقوى في المنطقة ولَكان الدين اليارساني هو الدين الرسمي لِكوردستان ولَكانت الغالبية العظمى من المواطنين الكوردستانيين يعتنقون دينهم الأصيل.

في مقالٍ سابق لي، إنتقدتُ (به‌هزادان) المُسمّى عربياً ب(أبو مسلم الخراساني) لِإسقاطه الدولة الأموية وتسليم الحُكم الى العبّاسيين بدلاً من قيامه بتأسيس دولة كوردستان. في الآونة الأخيرة إطلعتُ على بعض المصادر التي تقول أنه كان قد خطّط لإسقاط الدولة العباسية وبناء دولة له، الا أنّ العباسيين أفشلوا خطته، حيث قاموا بِقتله قبل تنفيذ خطته. هكذا فشل (به‌هزادان) في تأسيس دولة كوردستان.

لم يستسلم أصحاب الدين اليارساني للقتل والإضطهاد والمظالم التي كانوا يتعرضون لها، بل إستمروا في نضالهم من أجل حرية شعبهم الكوردستاني والحفاظ على عقيدتهم اليارسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث أنه بعد مقتل (به‌هزادان) إستمرت الجماهير الكوردستانية اليارسانية في ثوراتها التي كانت ذات توجّه اجتماعي قومي ديني، وكانت أكبر وأقوى هذه الثورات هي ثورة (بابَك الخورامي) الذي ثار ضد الخليفة العباسي (المأمون ابن الرشيد)، إذ كانت ثورته تُنادي بالعدالة الاجتماعية المتمثلة بِمشاعية الموارد، ومنع اكتناز الثروة، وتقسيم الإنتاج حسب حاجة الإنسان. إستمرت ثورة (بابَك) لمدة (22) (سنة 816 – 837 ميلادية) وساهمت هذه الثورة بشكلٍ كبير في إضعاف الدولة العباسية وإسقاطها [4] [5] [6]. من الجدير بالذكر أنّ إسم (الخوراميين) متأتي من الكلمة الكوردية (خۆر) التي تعني (الشمس)، حيث أنّهم كانوا يارسانيين يُقدّسون الشمس. اليارسانيون لا يزالون يُقدّسون الشمس.



#مهدي_كاكه_يي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (13)
- مكانة المرأة في الدين اليارساني (1)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (12)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (11)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (10)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (9)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (8)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (7)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (6)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (5)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (4)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (3)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (2)
- الجذور الكوردية لِبعض الكلمات العربية (1)
- مكانة المرأة في الحضارة الساسانية (4 – 4)
- مكانة المرأة في الحضارة الساسانية (3 – 4)
- مكانة المرأة في الحضارة الساسانية (2 – 3)
- مكانة المرأة في الحضارة الساسانية (1 – 3)
- مكانة المرأة في الحضارة الميدية
- مكانة المرأة في الحضارة الهيتية (الحثية) (3 – 3)


المزيد.....




- مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي
- آخر تطورات الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمري ...
- محمد بن سلمان يستقبل بلينكن في الرياض.. والخارجية الأمريكية ...
- -كيف يُمكن تبرير الدعم السياسي الأمريكي لحكومة إسرائيلية وتب ...
- انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في غزة .. ما مصير عملية رفح؟ ...
- منتج لذيذ يعزز الطاقة لدينا
- إسرائيل تقرر انتظار رد -حماس- قبل إرسال وفدها للتفاوض في الق ...
- محامي ترامب السابق يحصد الأموال من -تيك توك- (صورة + فيديو) ...
- محللون يشيرون إلى عوامل ضعف النفوذ الأمريكي في القارة السمرا ...
- القوات الأوكرانية تكشف تفاصيل جديدة عن عسكري قتل في ألمانيا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي كاكه يي - مكانة المرأة اليارسانية (2)