أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - اسـمـاعــيــــل يـــس .. الــطــيــبــــة والـــــفـــــن














المزيد.....

اسـمـاعــيــــل يـــس .. الــطــيــبــــة والـــــفـــــن


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6887 - 2021 / 5 / 3 - 23:40
المحور: الادب والفن
    


رأيت الفنان الكبير اسماعيل يس مرة واحدة بالمصادفة، كان ذلك عام 1964، في شارع طلعت حرب. رأيته من جانب داخل محل سجائر ومشروبات ضيق ومستطيل. كان واقفا ببالطو كموني طويل، صامتا ينتظر شيئا من البائع. ولم تفارقني صورة وجهه إلى الآن. أكاد أراه أمامي الآن وأنا أكتب. كان يرزح تحت جبل من الحزن، مثل إنسان وحيد، بلا أمل. ظللت واقفا أتأمله من خارج المحل مذهولا: أيعقل أن كل الضحكات التي أطلقها على مدى خمسين عاما قد انقلبت دمعا سيالا داخله؟. تذكرت ذلك حين استهزأ مؤخرا أحد الممثلين باسماعيل يس داخل عمل درامي. قفزت إلى ذهني قصيدة الشاعر أمين حداد التي يقول فيها : " زينات صدقي تزغرط.. وترد الزغاريط .. عالم عبيط .. عبيط وماله؟ ماهو ده جماله .. يغور الكون بحاله .. ويحيا اسماعيل يس". الجاهل الذي أهان الفنان الكبير أهان قلوبنا جميعا، وطفولتنا، وصبانا، وذكرياتنا وأهان الفن الجميل أيضا. في الأعوام ما بين 1952 – 1955 كان سمعة يمثل ستة عشر فيلما في العام الواحد من شدة ما كان الناس يتلهفون على رؤيته! وكان أول من تبرع للمجهود الحربي عام 1956، وآخر من نال تكريما. قدم معظم أعماله مع زميل رحلته أبو السعود الابياري. وفي الستينيات بدأ نجوم جدد في الظهور: فؤاد المهندس، وأمين الهنيدي، وثلاثي أضواء المسرح، بينما كان الإبياري يواصل لأفلام اسماعيل يس كتابة نفس المواضيع المكرورة التي تجاوزها الواقع الاجتماعي، فلم يمثل سمعة ما بين 1963 و1965 سوى فيلمين " المجانين في نعيم"، و" العقل والمال"، وتعثر في فخ التكرار، وبدأت الأضواء تنحسر عنه وحلت لحظة الغروب التي تحل على كل الفنانين والأدباء العظام. في تلك اللحظة رأيت سمعة واقفا، صامتا، عليه جبال من الحزن الأخرس، والعجز، والألم المكتوم. علامتان رئيسيتان امتاز بهما ذلك الفنان الكبير: أنه في كل أعماله السينمائية أو المسرحية كان يسخر من نفسه وليس من الآخرين، من فمه الواسع، من عبطه، من ضعف حيلته، ولن تجد عنده مشهدا واحدا يصفع فيه أحدا على قفاه ليثير الضحك الرخيص كما فعل معظم نجوم الكوميديا ما عدا الريحاني. العلامة الثانية المهمة عند سمعة أنه طيب، كان يترك ذلك الانطباع بقوه، فهل للطيبة علاقة بالفن؟! نعم. بل وعلاقة وثيقة جدا. لأننا إذا حاولنا أن نفسر الطيبة في الفن سنجد أنها أقرب إلى موقف الفنان من الحياة والبشر، إنه لا يحاكم أحدا، لا يدين أحدا، إنه طيب، والفن الذي يقدمه لا يحاسب، ولا يقسو، لكنه يحتضن جراح الآخرين. ربما لهذا تحديدا قال شارلي شابلن عام 1940 في فيلم الديكتاتور : " ذكاؤنا صار وحشيا قاسيا.. إننا بحاجة إلى الطيبة والإنسانية أكثرمن حاجتنا إلى العبقرية والذكاء". وللدقة فنحن بحاجة الى أن تكون الطيبة ركيزة للعبقرية، وأظن أن هذا ما قصده شابلن، وقد كانت ملامح اسماعيل يس وروحه تفيض بكل ذلك. وقد اتصلت رحلة عطاء سمعة ثلاثين عاما من 1935 حتى 1965، وتألق منذ أن بدأ أول بطولة مطلقة له مع ماجدة في فيلم " الناصح" عام 1939، وقدم خلال رحلته الطويلة 400 فيلم، و300 مونولوج، وستين مسرحية! وحين غربت شمسه اضطر للعودة إلى العمل في كباريهات صغيرة، وحينذاك صرح لإحدى المجلات قائلا: " أنا أربعين سنة شغل وتعب.. كنت عامل زي الدواء للانسان المهموم عشان أضحكه.. أنا أربعين سنه جهد ماخدتش شهادة تقدير ولا حتى ميداليه صفيح". في 24 مايو الحالي تكون قد مرت على وفاة ذلك الفنان الكبير تسع وأربعون سنة، ومازال قادرا على أن يحرك الابتسامة وأن يبعث السعادة الغامرة في القلوب، أما الممثلون الذين خرجوا من صناديق التدهور الفكري والفني فلن يتذكرهم أحد إلا بصفتهم علامة على الجهل، والقبح، والفظاظة. أردد مع أخي أمين حداد: " عبيط .. عبيط وماله؟ ماهو ده جماله.. يغور الكون بحاله .. ويحيا اسماعيل يس".



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكان وأفغان
- النيل في خطر
- يا ملطشة القلوب
- اللغة والحقيقة .. تجميل أم تدجيل ؟
- د. شاكر عبد الحميد .. الأسس النفسية للإبداع
- دينيس سميث .. الأجندة الخفية للعولمة
- عندما تعيش على أنك مصطفى وأنت إبراهيم
- شخصيات مشهورة .. أصل وصورة
- المجلات الثقافية المصرية .. الرسالة والأزمة
- اسرق قصيدة .. تصبح أديبا
- كورونا .. تجارة الحياة والموت
- فــرانــز بــارتــل .. الاســتــثــنـــائـــي فــي الأدب
- عبوات معدنية صغيرة
- سلافوي جيجك .. كوفيد 19 الذي هز العالم
- شخصية ترامب عند نجيب محفوظ
- رانيا وعفاف وقصة تحرير العبيد
- فتاة عصبية - قصة قصيرة
- حكايات صغيرة لليلة رأس السنة
- لغة الأدب في اليوم العالمي للعربية
- يحيي حقي .. الجميل الذي لا يتكرر


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - اسـمـاعــيــــل يـــس .. الــطــيــبــــة والـــــفـــــن