أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايدة نصرالله - شهوة اللحم














المزيد.....

شهوة اللحم


عايدة نصرالله

الحوار المتمدن-العدد: 1632 - 2006 / 8 / 4 - 06:53
المحور: الادب والفن
    


في الطائرة المسافرة من ميلانو إلى كازبلانكا تسربت إلي رائحة.... وكلبؤة تتبعت الرائحة.
هو... هو بلونه الرملي.... وتنتابني شهوة اللحم.
خطر ببالي أن أصيح:
آه يا محمد.. سي محمد... كم أشتاقك. حاولت عمري لأتقن رسم لونك البني.
هل هو بني؟
لا ... إنه وهج الصحراء ... له فُضَِت بكارة روحي.
يومها أحسست ما معنى اللمسة الأولى، القبلة الأولى، الشهقة الأولى ونشيج الروح.

يا محمد.. سي محمد

وتنهدت الأرض
شهوة اللحم تغطي المسافات، الغيم تحتي تحول فجأة إلى لونك البرونزي .. لحن بربري..
تكورت الصحراء لتشكل حبات عنبي.

"عويناتك زوينات"
"كنحبك بزاف بزاف"

آخ يا محمد .. كيف هو لونك ، لحنك الآن؟!
اليوم هو اكتمال سني الخمسين. هل تكون هديتي لأكتمل؟!
هل أولد من جديد في حياة ثالثة؟!
قلت لي "سنبدأ حياتنا الثالثة"
"كيف"؟! سألتك
قلت لي "الحياة الأولى يوم التحمنا، الحياة الثانية يوم صمتنا والحياة الثالثة هي العودة... وأنت عائدة "
منذ أن كنت غطائي مرت على هدبي حروب ، جثث، دول تروح وتجيء ... تجيء وتروح وأنا أحلم بك.
هل نلتقي يوما؟!
نعم سنلتقي. كنت اسأل نفسي وأجيبها على مدار العمر.
أختي قالت لي "قبل أن تدخلي الطائرة، وعلى أول درجة قولي أشهد أن لا اله إلا الله لكي تموتي مسلمة"
أمي قالت لي "عسى أن تعودي من عند مليكة محجبة"
وضحكنا....
الرائحة بدأت تنفث إلى روحي.... اختلجت زوايا القلب... أوردتي كعادتها استنفرت لاستدعاء لهيب الصحراء.
نظرت أسفل الطائرة: "ترى أين هي مكناس"؟!

هو هناك... وأشم شهوة اللحم الغائبة عني منذ عمر.
صحرااااااااااااااااااااااااء وينبت الرمل على جلدي دبيب نمل.
لماذا الآن... لمااااااااااااااذا؟!

وتنهدت الأرض.
"يجعل لك في كل طريق ضيق صديق وفي كل مقعد رفيق"
قالت لي أمي وهي تودعني.. وفعلا، ها أنا لي رفيقة في الطائرة خرساء طرشاء .. تقول لي بلغة الشفاه مع صوت كطبلة خربة "يدرائيل جنج جنج ، ماروكو بو بو"
ولم أفهم سوى أن إسرائيل جنغ جنغ والمغرب جميلة.. وقبلت شفاهها بالهواء للدلالة على جمال المغرب.
فأجبتها بالإشارات " يسرائيل بم بم... ماروكو سفا سفا، بيا بيا".
كان حوارنا أشبه بالمقولة :" عورة تحفف مجنونة والطرشة تنصت على الأبواب"
نظرت للغيم تحتي ففقصت آلاف العيون التي حدقت بي ... عيون سافرت إلى السماء..أطفال ، شيوخ.. نساء..واستحال الغيم إلى أشلاء لحم متناثرة.
لماذا تلاحقني هذه الأشلاء... ألتقتل حلمي؟!
أريد أن أشمه هو... فقط هو.. ألا يحق لي"؟!
صحراااااااااااااااااااااء... آه يا محمد

العيون تصر على اغتصاب الحلم مني ، أحاول صدها بكل ما أملك..أستعين بالشاب الذي يجلس جانبي لكي أستعيد لونك لمجرد سماعه يهدر باللهجة المغربية.
ويحبو النمل مرة أخرى على جلدي
"عويناتك زوينات، كنحبك بزاف بزاف"
"وأنا ... كنحمق عليك بزاف بزاف".

ها نحن على وشك الوصول.
هل أنحني على تراب المغرب أقبله؟ لا...لا ..هذه ستكون لقطة عادية إلى درجة الابتذال. لا يمكن للانحناء أن يعبر عن لحظة عشق اللغة، عشق الرمل.. ولونه البني الذي التهمني عمراَ بحاله.
رأيت صورته عبر النت.
"ياااااااااااه، الشامة في مكانها، فضة زينت شعره فأصبح أجمل . كم جميل هذا الغجري - البربري- الأمازيغي- الشيلح.... المغربي.. وليكن ما يكون.
محمد ..سي محمد...لك عمري كله.
منذ تركت نفسي فيك يوم أن التقيتك واستحلت ضفيرة مشدودة في الحياة الثالثة.
نظرت للغيم مرة أخرى... العيون المحدقة..أشلاء الجثث..حيفا..غزة...لبنان... فراشات تحترق.
وأنا أينني؟!
وتنهدت الأرض.
شهوة الأرض تعبر المسافات بدءا من أميمة حجو التي بلع ظهرها الصغير القذيفة إلى كل تلك القطع اللحمية التي تصر على تنغيص وقتي عبر الغيم.
هي شهوة اللحم
الأرض تنهدت... أرضه.. أرضي
محمد..آخ وآه يا محمد
وأخرق الحلال في الطائرة كي أهرب من العيون التي تصر أن تحيل رحلتي جحيما.
“Can I get a cup of white wine, please”?
جرعت الكأس دفعة واحدة لتكف عينا أميمة عن ملاحقتي ولتكف جثة إسماعيل عن ارتكاب حماقاتها في اقتحام مخيلتي.
أغمضت عيني استعدادا للهزيمة. نظرت جانبي لأشم محمد من خلال المغربي الجالس في الطائرة.
"محمد ..سي محمد...أسرع لإنقاذي من العيون النائمة على وجه السماء"

لكن العيون كثيرة كثييييييييييرة.. كثيييييييييييييرة

وصلنا كازبلانكا..نفضت رأسي الصغيرة ، نظرت للسماء.. ابتسمت للأرض.. لكن العيون قفزت فجأة من السماء ودخلت إلى حيث النمل يحبو في عروقي.

18-7-2006



#عايدة_نصرالله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة أولية في مسرحية -ليس عشاءنا الأخير لقاسم مطرود
- حيرة في فراغ الكلام
- ثلاث قصص قصيرة
- الخرامخصي - أو شيء كهذا
- قصص قصيرة جدا
- الذي سافر في غفوة
- البطل الافتراضي
- -شاعر القصيدة التي تبتلع قراؤها-
- شهقة الموت السريري
- قلبي على الحافتين
- -العطش-: استلاب الجسد المكان والصبو للعبور
- الجارزة السوداء
- أنين المقاهي
- رجل يهتك ليل الأسئلة
- مقطوعة شعر
- مقطوعة شعر بعنوان -زارا رحلة التجلي في هوس النقاء
- كطيف كونته مخيلتي
- زارا: رحلة المبتغى في هوس النقاء
- خصلة شعر


المزيد.....




- التحديات التي تواجه الهويات الثقافية والدينية في المنطقة
- الذاكرة السينما في رحاب السينما تظاهرة سينما في سيدي بلعباس
- “قصة الانتقام والشجاعة” رسمياً موعد عرض فيلم قاتل الشياطين D ...
- فنان يعيش في عالم الرسوم حتى الجنون ويجني الملايين
- -فتى الكاراتيه: الأساطير-.. مزيج من الفنون القتالية وتألُق ج ...
- مسرحية -أشلاء- صرخة من بشاعة الحرب وتأثيرها النفسي
- الجمعة.. انطلاق نادي السينمائيين الجدد في الرياض
- غدا.. اجتماع اللجنة الفنية للسياحة العربية بمقر الجامعة العر ...
- “مبروك لجميع الطلاب ” رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ...
- مذكرة تفاهم رباعية لضمان التمثيل القانوني المبكر للأحداث بين ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايدة نصرالله - شهوة اللحم