أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناهد بدوي - ميشيل كيلو وفارس الخوري















المزيد.....

ميشيل كيلو وفارس الخوري


ناهد بدوي

الحوار المتمدن-العدد: 6877 - 2021 / 4 / 23 - 19:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنا طلابا بالجامعة نتهجى الحروف الأولى للسياسة، عندما تداولنا بالسر الكاسيت المسجل للمثقفين السوريين الشجعان الذين انتقدوا النظام الاستبدادي بكل جرأة وعمق، وكان ميشيل كيلو واحداً منهم. كان ذلك أول تعرفي على اسمه، وأول تأثير له على خياري للعمل السياسي المعارض للاستبداد.

نحن ننتمي إلى الجيل الذي انخرط في العمل السياسي المعارض في أواخر السبعينات، وكان ميشيل كيلو أحد المساهمين بتشكيل وعينا آنذاك. ففي مطلع عام 1980 نظم نظام البعث الحاكم في سوريا مؤتمراً للأدباء والصحافيين السوريين، بغية كسب تأييدهم تحت شعار "رصّ الصفوف إزاء خطر الإخوان المسلمين" فتحول اللقاء إلى محاكمة للنظام عبّرت عن أصدق مشاعر السوريين ونقدهم لهذا النظام القمعي والفاسد والكاذب. وكان هناك من سجل كل مداخلات المثقفين سراً على "كاسيت"، وتم تداوله بين السوريين على نحو واسع.

المحطة الثانية أتت في أواخر الثمانينات عندما قرأت كتابا من ترجمته عن الديمقراطية الأوروبية. والمترجم هو مؤلف أيضا كما أعتقد ويعتقد كثيرون، ليس لأنه اختار وصاغ وقدم فحسب، بل في حالة ميشيل كيلو، كانت ترجماته جزءاً من مشروعه السياسي الذي كرس حياته كمثقف له. وقد شكل الكتاب منعطفا كبيرا في قناعاتي السياسية والفكرية، ونقلة باتجاه تجذير الوعي بالديمقراطية، التي كانت تنحصر عندي حينذاك بالحرية السياسة والانتخابات. بينما أدركت عبر هذا الكتاب أن الشعوب الأوروبية كانت قد توصلت إلى حكم نفسها بنفسها، عبر نضالاتها الطويلة وتضحياتها المتنوعة التي قادتها حركاتها السياسية والنقابية.

المحطة الثالثة كانت عندما رافقنا ميشيل كيلو في ربيع دمشق، فقد كان أحد المثقفين الأساسيين المساهمين بانطلاقه عبر بيان 99 مثقفا. ذلك الربيع الذي أطلقه المثقفون، ثم لحقت بهم وعلى نحو متأخر حطام الأحزاب ذات المفاصل المتيبسة، التي تبقت بعد عقود التصحير السياسي المنظم التي مرت على سوريا.

كان ميشيل كيلو سورياً قبل كل انتماء آخر، ولم يكن هناك أية شبهة طائفية في سلوكه حتى ولو كانت بسيطة كالتي من الممكن أن نلحظها عند أغلبنا

المحطة الرابعة من معرفتي به كانت في الثورة التي انحاز لها مباشرة وكان فرحاً بها كحلم تحقق بعد طول انتظار. كان ميشيل كيلو سورياً قبل كل انتماء آخر، ولم يكن هناك أية شبهة طائفية في سلوكه حتى ولو كانت بسيطة كالتي من الممكن أن نلحظها عند أغلبنا بحكم الوسط المحيط والتربية. فقد كان وسطه فعلا هو كل السوريين.

في أوائل أيام الثورة أعلن في اللقاءات التلفزيونية أن هذه الثورة ثورة شعب من أجل الديمقراطية، واستعمال المتظاهرين لكلمة الله أكبر لا يغير شيئا من هذه الحقيقة. وصار يكرر الله أكبر، الله أكبر.. تذكر كثير من السوريين حينذاك فارس الخوري عندما أعلن عن أولوية سوريته على منبر الجامع الأموي قائلا: إذا كان الاستعمار الفرنسي يقول إنه أتى إلى سوريا لحماية المسيحين من المسلمين، فأنا أرد عليهم من هنا بقولي: أشهد أن لا إله إلا الله.

أعتقد أنه يليق بميشيل كيلو تشبيهه بفارس الخوري كسياسي كبير، ولكنه يزيد عنه بأنه مثقف ولديه إنتاج صحفي وفكري. وإذا كنا نأخذ عليه أخطاءه، فنحن لا يمكننا أن نتكهن ماهي الممارسات الخاطئة التي كان من الممكن أن يقع بها هذا الرمز الوطني السوري الكبير، فارس الخوري فيما لو خاض السياسة في الرمال المتحركة السورية التي سادت بعد ثورة الحرية. وهذا ليس تبريرا للأخطاء بالمرة.

في اللقاء التأبيني الذي انعقد على نحو عفوي عند لحظة انتشار خبر وفاته على "الكلوب هاوس" دخل الشبيحة والذباب الإلكتروني فوراً، وعلى نحو بذيء، للتشويش على اللقاء. لم يكن ذلك غريبا فقد أوجع ميشيل كيلو النظام فعلاً، لأن انحيازه الحاسم للثورة منذ اللحظة الأولى كان كاشفاً مهماً لكذب النظام وادعاءاته بطائفية الثورة التي أطلقها منذ أول صرخة حرية في الشارع.

بالتأكيد الموت لا يجبّ أخطاء المتوفي، ولكن من لم يخطئ في السياسة السورية بعد الثورة فليرجمه بحجر. والرجم المعنوي طريقة سائدة في أجوائنا السورية الحالية من قبل الخطائين أولا. والرجم طريقة مذمومة على كل الأحوال وتزيد الطين بلة، حتى ولو كان ضد أعدائنا، فما بالك إذا كانت ضد أحد أعلام التاريخ السوري.

إن ما يليق بقامة ميشيل الكبيرة وبمكانته الكبيرة، هو محاولة دراسة ما أنتجه ميشيل كيلو من فكر وممارسات سياسية، دراسة علمية نقدية تستطيع الأجيال المقبلة الاستفادة منها.

إن ما يليق بقامة ميشيل الكبيرة وبمكانته الكبيرة، هو محاولة دراسة ما أنتجه ميشيل كيلو من فكر وممارسات سياسية، دراسة علمية نقدية تستطيع الأجيال المقبلة الاستفادة منها. إن العمل على مثل هذا النقد ضمن حوارية معرفيه وموضوعية ونقدية مع إنتاجه وممارسته يمكن أن يغني الفكر السياسي السوري في المستقبل.

الميزة الأساسية لميشيل أنه لم يتوقف أبدا عن العمل من أجل حلمه في سوريا حرة وديمقراطية. وكان لديه دائما مبادرات جديدة على طريق هذا الحلم. ربما أخذ عليه كثيرون بأنه لم يستطع الاستمرار في مشاريعه التي بادر بها إلى النهاية. ولكن السؤال هنا يمكن أن يوجه إلى كل من يأخذ عليه هذا المأخذ المحق، لماذا لم تتابع أنت وتكمل إذا كانت لديك القدرة على المتابعة على عكس ميشيل كيلو؟ وهل من المفترض أن يكون ميشيل كيلو سوبرماننا كي ينجو من النقد؟ بالتأكيد هو بشر يصيب ويخطئ ونقده مشروع، ولكن يكفيه أنه كان لديه القدرة في كل مرحلة من المراحل السورية على إمساك الحلقة الأساسية التي ينبغي العمل عليها من أجل الديمقراطية في سوريا، وكان يطلق مبادراته في هذا الاتجاه.

أخيرا سأصل إلى الجانب الاستثنائي عند ميشيل كيلو وهو عمله الصحفي، إذ لم يغن أحد الصحافة السورية كما أغناها هو في عمره الصحفي الذي يزيد عن نصف قرن، فقد كان الأكثر موهبة بين الصحفيين. ولم يكن بارعا بالتقنيات الصحفية فحسب، بل كان بارعا في الوقت ذاته بقدرته على الوصول إلى كل الناس بكل مستوياتهم الثقافية والفكرية. كانت مادته الصحفية تعبر تماما عن شخصيته الاجتماعية الاستثنائية.

ميشيل كيلو استطاع أن يكسر الحاجز بين المثقف والناس. فقد جمع على نحو متوازٍ بين شخصية المثقف ثقافة واسعة، وبين الشخصية الشعبية ذات الكاريزما التي تشد كل مستمع له، وعبر طريقة صياغته لأفكاره، وطريقة كلامه، وحضوره القوي والآسر، كان يستطيع الوصول إلى قلوب كل الناس على تنوع مشاربهم.



#ناهد_بدوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا حصل منذ عشر سنوات في سورية؟ تعددية الأجوبة وفرجة الممكن
- في العنف معكوساً
- مكان النازح - مكان لا يمكن أن يملأه أحد
- تقاطع القمع السياسي مع الجندر
- ساحة باريس السورية
- طوبى للهجين-عربي المستقبل- والتحرر من سطوة الصورة النمطية
- رزان ليست أسطورة ياسيد زهران ولكن ؟
- آه ياماريا.. كم نحتاج إلى الحرية
- شهادة عن الاعتقال السياسي في سورية
- لماذا يحمل ترافق اسمي رزان وسميرة رمزية قوية؟
- جنيف الثاني وصفقة تبادل الأسرى والطائف
- لماذا لم يجدي كذب النظام السوري هذه المرة؟
- هل هذا الغباء هو من واجه الثورة السورية؟
- ومضة..حطام ماقبل الثورة
- الأقليات بين الهامش والمتن - عودة إلى فرانز فانون
- هجاء الطائفية
- أبونا باولو ومشاعرنا الطائفية وبوسطن
- مشاعر البرامسيوم
- الثورة السورية: مقابلة من الداخل
- لماذا الفلسفة النسوية الآن؟


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناهد بدوي - ميشيل كيلو وفارس الخوري