|
تلخيص موجز للاطروحة الفلسفية - في التناقض - (اغسطس -آب - 1937 م ) للمعلم البروليتاري ماوتسي تونغ
أحمد الشركت
الحوار المتمدن-العدد: 6851 - 2021 / 3 / 27 - 21:08
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تلخيص موجز للاطروحة الفلسفية - في التناقض - (اغسطس -آب - 1937 م ) للمعلم البروليتاري ماوتسي تونغ
أحمد الشركت
كلمة لابد منها
هذه المقالة الفلسفية العلمية الثورية - في التناقض - كتبها المعلم الشيوعي الثوري ماو تسي تونغ ، عام 1937 م ، بعد بحثه " في الممارسة العملية " لمهمة أساسية في تلك المرحلة ، وهذه المهمة تتجلى في مواجهة واستئصال التفكير المتسم بالجمود العقائدي ، الذي كان رائجا في صفوف الحزب الشيوعي الصيني . ولقد ألقي هذا البحث الفلسفي الثوري ، كمحاضرة في الكلية الحربية والسياسية المناهضة لليابان في يانان ، وقد أدخل المؤلف عليه بعض التعديلات والتنقيحات عند ضمه إلى " المؤلفات المختارة " لماو تسي تونغ . المجلد الأول ، باللغة العربية : من الصفحة 453 إلى الصفحة 503
=============================================== تقديم
لقد اعتبر لينين ، قانون التناقض في الأشياء ، قانون وحدة الضدين ، هو القانون الأساسي الأول في الديالكتيك المادي ، فقد سماه { لُب الديالكتيك ، جوهر الديالكتيك } . إذ يقول لينين :{ إن الديالكتيك ، بمعناه الأصلي ، هو دراسة التناقض في صميم جوهر الأشياء } فبهذا القانون ترتبط عدة قضايا فلسفية ، وإذا استطعنا فهمها حق الفهم ، استطعنا أن نفهم الديالكتيك المادي من حيث الأساس . وهذه المسائل هي :
النظرتان إلى العالم عمومية التناقض خاصية التناقض التناقض الرئيسي والطرف الرئيسي للتناقض الوحدة والصراع بين طرفي التناقض مركز التعادي في التناقض
الهدف الرئيسي من هذه الدراسة ، هي استئصال التفكير المتسم بالجمود العقائدي .
===============================================
نظرتان إلى العالم
توجد رؤيتنا متضادتين حول قوانين تطور العالم : هذا ما يوجد وتوصل له تاريخ المعرفة الإنسانية ككل . وجهة النظر الميتافيزيقية وجهة النظر الديالكتيكية يقول لينين { إن وجهتي النظر الأساسيتين ( أو الممكنتين ؟ أو المشاهدتين تاريخيا ؟ ) عن تطور ( الارتقاء ) هما : التطور كنقصان وازدياد ، كتكرار . والتطور كوحدة الضدين ( انقسام الواحد إلى ضدين متعارضين تربط بينهما علاقة متبادلة ) إن ما يقصده لينين هنا هو هاتان النظرتان المختلفتان إلى العالم .
النظرة المادية الجدلية / الديالكتيكية تعتبر النظرة المادية الجدلية أن : أساس تطور الشيئ ، راجع إلى الأسباب الباطنية ، وأما الأسباب الخارجية ، فهي عامل ثانوي ، بل حتى العوامل الخارجية تفعل فعلها على طريق الأسباب الباطنية القائمة فيه .
النظرة المثالية / الميتافيزيقية تعتبر النظرة المثالية أن : أساس تطور الشيئ ، راجع إلى الأسباب الخارجية ، وليس إلى تناقضات الباطنية للشيئ . إن أسلوب التفكير الميتافيزيقي / المثالي ، ينظر إلى العالم بصورة منعزلة جامدة وحيدة الجانب .
فأسباب التطور الاجتماعي ، بالنسبة للميتافيزيقيون / المثاليون ، هي العوامل الخارجية ، أي يفتشون بسذاجة خارج الأشياء نفسها عن أسباب تطورها ، وينكرون النظرية التي يقدمها الديالكتيك المادي والتي تقول أن التناقضات الكامنة في باطن الأشياء هي التي تسبب تطورها . { إن جيشين يلتحمان في معركة ، فينتصر أحدهما وينهزم الآخر ، والنصر والهزيمة على حد سواء تقررهما أسباب باطنية }
{ إن التصور المادي الجدلي ، يعلم الانسان بصورة أساسية كيف يلاحظ ويحلل بصورة صحيحة حركة التناقض في مختلف الأشياء وكيف يستنبط على أساس هذا التحليل حلولا للتناقضات } 2 . عمومية التناقض
إن عمومية التناقض تكمن بالضبط في خاصية التناقض . إن عمومية التناقض أو صفته المطلقة ذات معنى مزدوج : أولا : توجد التناقضات في عملية تطور جميع الأشياء . ثانيا : توجد حركة التناقض في عملية تطور كل شيئ منذ البداية حتى النهاية . يقول فريدريك إنجلز { إن الحركة نفسها هي تناقض } إن التناقض هو أساس الأشكال البسيطة للحركة ، وهو أيضا أساس الأشكال المعقدة للحركة . وقد أوضح إنجلز ، عمومية التناقض بالعبارة التالية { … إن الحياة تعني بالتحديد وقبل كل شيئ : إن الشيئ الحي هو ، في كل لحظة ، ذاته ، ولكنه في نفس الوقت شيئ آخر أيضا .} إن التناقض يوجد في عملية تطور جميع الأشياء ، وهو يتخلل عملية تطور كل شيئ من البداية حتى النهاية . هذان هما عمومية التناقض وصفته المطلقة . وقد أوضح لينين عمومية التناقض كما يلي : { في الرياضيات : +و- ، التفاضل والتكامل . في للميكانيكا : الفعل ورد الفعل في الفزياء : الكهرباء الموجبة والسالبة في الكيمياء اتحاد المرات وتفككها في العلوم الاجتماعية : الصراع الطبقي } إن الهجوم والدفاع في الحرب ، التقدم والانسحاب ، النصر والهزيمة ، كلها مظاهر متناقضة . ولا يمكن لأحد منها أن يبقى بدون نقيضه ، وهذان الجانبان متصارعان ومتحدان في وقت واحد ، يؤلفان بذلك الوحدة الكلية للحرب ، ويدفعان الحرب إلى التطور ، ويحلان مشكلاتها .
3. خاصية التناقض
لدينا عمومية التناقض وصفته المطلقة ، ولدينا خاصية التناقض وصفته النسبية . إن للتناقض في كل شكل من أشكال حركة المادة صفته الخاصة ، وملاحظة هذه السمة الخاصة هي التي تشكل أساس معرفتنا بالأشياء ، أي ملاحظة الاختلاف الجوهري الذي بينه وبين الأشكال الأخرى . وهذا ينطبق على الطبيعة والمجتمع والفكر على حد سواء . بدون فهم عمومية التناقض ، لا نستطيع أن نفهم الأسباب العامة أو الأسس العامة لحركة الأشياء وتطورها ، وأيضا إذا لم نستوعب خاصية التناقض ، فلن نستطيع أن نحدد الجوهر الخاص الذي يميز شيئا عن الأشياء الأخرى ، ولن نستطيع أن نكتشف الأسباب الخاصة أو الأسس الخاصة لحركة الأشياء أو تطورها . توجد عمليتان في المعرفة وهما : من الخاص إلى العام من العام إلى الخاص وتتطور المعرفة البشرية على الدوام بإعادة هاتين العمليتين بشكل دائري ، ويمكنها مع كل دورة ( إذا طبقت الطريقة العلمية بدقة ) أن ترتفع لدرجة أعلى وأن تتعمق بإستمرار . إذ هناك ترابط جدلي بين عمليتي المعرفة الانسانية من الخاص إلى العام ثم من العام إلى الخاص . وهكذا دواليك تتعمق المعرفة باستمرار . { إن التناقضات المختلفة من حيث طبيعتها لا يمكن أن تحل إلا بطرق مختلفة طبيعيا } مثال على ذلك ( أن التناقض بين جماهير الشعب الغفيرة والنظام الاقطاعي يحل بطريقة الثورة الديمقراطية ، والتناقض داخل الحزب الشيوعي يحل بطريقة النقد والنقد الذاتي ، … إلخ ) فإستتخدام الطرق المختلفة لحل التناقضات المختلفة ، هو مبدأ يجب على الماركسيين اللينينيين أن يراعوه مراعاة دقيقة . كما أنه لكشف اللثام عن جوهر عملية تطور الشيئ ، ينبغي لنا أن نكشف اللثام عن خاصية طرفي كل تناقض من التناقضات في هذه العملية ، وإلا تعذر الكشف عن جوهر العملية . ونقصد بدراسة طرفي كل تناقض ، فهم المركز الخاص الذي يحتله كل طرف ، والشكل المحدد الذي به يعتمد كل طرف على الآخر في البقاء ويتناقض معه في آن واحد ، والوسائل المحددة التي يناضل بها ضد نقيضه عندما يكون كل منهما معتمدا على الآخر في البقاء ويكون متناقضا معه في الوقت ذاته أو عندما ينفصم هذا الاعتماد المتبادل . وقد عبر لينين عن هذه الفكرة بالظبط حين قال { إن التحليل المحدد للظروف المحددة هو الشيئ الجوهري الأول في الماركسية وهو روحها الحية } فكما قال سون تزو حول العلوم العسكرية { إذا كنت على بينة من أمر عدوك وأمر نفسك فلن تنهزم في أي معركة تخوضها } وهو يقصد هنا معرفة أحوال كلا الطرفين المتقاتلين : طرفي التناقض . للدراسة أي قضية معينة ، ينبغي أن نبعد أنفسنا عن ثلاثة مسائل أساسية :
النظرة الذاتية النظرة الوحيدة الجانب النظرة السطحية فالنظرة الذاتية ، تعني العجز عن دراسة القضايا دراسة موضوعية . أما النظرة الوحيدة الجانب ، تعني العجز عن دراسة القضايا من جميع الجوانب ، أي فهم الجزء وحده من دون الكل ، أو فهم النضال السلمي وحده من دون النضال العنيف ، أو فهم النضال العلني وحده بدون النضال السري ، … الخ . خلاصة القول ، عدم فهم خاصية كل طرف من طرفي تناقض ما . لقد قال لينين { لكي نعرف موضوعا ما معرفة حقيقية ، علينا أن نلم وندرس جميع جوانبه وروابطه " ووسائطه " ، } وبالرغم من أننا لن نتمكن من تحقيق ذلك بصورة تامة ، إلا أن حرصنا على دراسة القضايا من جميع الجوانب سيقينا شر الأخطاء والجمود . أما النظرة السطحية ، فهي تعني أن المرء لا يأخذ بعين الاعتبار خاصية تناقض ما في مجموعه ، ولا خاصية كل طرف من طرفي التناقض ، وتعني أن المرء ينكر ضرورة التعمق في شيئ ودراسة خاصية التناقض القائم فيه بدقة . إن النظرة الوحيدة الجانب ، والنظرة السطحية هما في نفس الوقت نظرة ذاتية ، ذلك لأن جميع الأشياء الموضوعية هي في الحقيقة مرتبطة بعضها ببعض ، ولها قوانينها الباطنية . إن العلاقة بين عمومية التناقض وخاصيتها هي العلاقة بين الصفة المشتركة والصفة الفردية للتناقض ، وإننا نعني بالصفة المشتركة أن التناقض يوجد في جميع العمليات ويسري فيها من البداية حتى النهاية ، فالحركة ، والأشياء ، العمليات ، والتفكير ، كلها تناقضات . وأن نكران التناقض في الأشياء هو نكران كل شيئ ، هذا مبدأ عمومي ينطبق على جميع الأزمان وجميع الأماكن بدون استثناء ، ومن هنا جاءت الصفة المشتركة أي الصفة المطلقة للتناقض . لكن هذه الصفة المشتركة كائنة في كل صفة فردية ، وبدون صفة فرديةلت توجد صفة مشتركة ، فإذا أبعدنا جميع الصفات الفردية فهل تبقى هناك أي صفة مشتركة ؟ والصفات الفردية للتناقضات ناتجة عن كوّن كل تناقض ذَا صفة خاصة تختلف عن صفات غيره من التناقضات . وأن جميع الصفات الفردية موجودة بصورة مشروطة ومؤقتة ، فهي لذلك نسبية . الصفة المشتركة للتناقض : مطلق الصفة الفردية للتناقض : نسبية المطلق في النسبي ، وبالعكس ، النسبي في المطلق هذا المبدأ ، مبدأ الصفة المشتركة والصفة الفردية ، والمطلق والنسبي ، هو جوهر قضية التناقض في الأشياء ، وإن عدم فهمها معناه نبذ الديالكتيك .
4- التناقض الرئيسي والطرف الرئيسي للتناقض
في قضية خاصية التناقض يوجد جانبان آخران ينبغي أن يخضعان للتحليل هما : التناقض الرئيسي والطرف الرئيسي للتناقض . توجد في كل عملية تطور معقدة لشيئ ما تناقضات عديدة ، ولا بد أن يكون أحدهما هو التناقض الرئيسي الذي يقرر وجوده وتطوره ، وجود وتطور التناقضات الأخرى أو يؤثر في وجودها وتطورها . مثلا ، في البلدان شبه مستعمرة ،{ تظهر العلاقة بين التناقض الرئيسي والتناقضات غير الرئيسيّة في حالة معقدة . فعندما تشن الامبريالية حربا عدوانية على بلد من هذا النوع ، فإن الطبقات المختلفة في هذا البلد ، باستثناء حفنة من الخونة ، يمكن أن تتحد مؤقتا كي تخوض غمار حرب وطنية ضد الامبريالية ،وحينئذ يصبح التناقض بين الامبريالية وذلك البلد التناقض الرئيسي ، بينما تصبح مؤقتا جميع التناقضات بين مختلف الطبقات داخل ذلك البلد ( بما فيها التناقض الرئيسي بين النظام الاقطاعي وجماهير الشعب الغفيرة ) في مركز ثانوي وتابع . } لكن مراكز التناقضات تتبدل في حالة أخرى . فعندما تُمارس الامبريالية أشكالا من الاضطهاد معتدلة نسبيا ، سياسية واقتصادية وثقافية ، … إلخ ، بدلا من الاضطهاد عن طريق الحرب ، فإن الطبقات الحاكمة في البلدان شبه المستعمرة سوف تستسلم للإمبريالية ، ويتحالف الاثنان ويتعاونان على اضطهاد جماهير الشعب الغفيرة ، وفِي مثل هذه الحال كثيرا ما تلجأ جماهير الشعب الغفيرة إلى شكل الحرب الأهلية للوقوف في وجه تحالف الامبريالية والطبقة الإقطاعية } فمهما كان الحال ، فثمة تناقضا رئيسيا واحد فقط يلعب الدور القيادي في كل مرحلة من مراحل عملية التطور . إنه ، لا يجوز لنا أن نعامل جميع التناقضات الموجودة في عملية ما على قدم المساواة ، بل لابد لنا أن نميز بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية ، ونولي انتباها خاصا للإمساك بزمام التناقض الرئيسي . كما لا يجوز أن نعمل الطرفين المتناقضين ، في أي تناقض رئيسيا كان أم ثانوي ، على قدم المساواة . فإن تطور كل طرف من الطرفين المتناقضين ، في أي تناقض كان ، متفاوت عن تطور الطرف الآخر . وأحيانا يكون ثمة توازنا في القوى بين طرفي التناقض ، لكن تلك ليست سوى حالة مؤقتة ونسبية ، فالتفاوت هي الحالة الأساسية . فلابد أن يكون أحد الطرفين المتناقضين رئيسيا والآخر ثانوي ، فالطرف الرئيسي هو الذي يلعب الدور القيادي في التناقض ، وأن طبيعة الشيئ يقررها في الدرجة الأولى الطرف الرئيسي للتناقض ، الذي يحتل مركز السيطرة . كما أن هذا الوضع ليس ثابتا ، إذ أن الطرف الرئيسي وغير الرئيسي للتناقض ما يتحول أحدهما إلى الآخر ، فتتبدل طبيعة الشيئ تبعا لذلك . وكثيرا ما نتحدث عن " حلول الجديد محل القديم " إن حلول الجديد محل القديم هو قانون عام للكون لا يمكن مقاومته أبدا . إن كل شيئ يحوي تناقضا بين طرفه الجديد وطرفه القديم ، تناقضا يشكل سلسلة من الصراعات الملتوية . وحالما يسيطر الطرف الجديد على الطرف القديم ، فإن الشيئ القديم يتحول إلى شيئ جديد من حيث الطبيعة . وأحيانا يقع العكس يتحول الجديد إلى القديم ، ويكون الطرف الرئيسي للتناقض ما هو الطرف القديم ، والطرف الجديد يكون الطرف الثانوي للتناقض . إن دراسة أوضاع التفاوت في التناقضات ، دراسة التناقض الرئيسي والتناقضات غير الرئيسيّة ، والطرف الرئيسي للتناقض وغير الرئيسي للتناقض ، هي إحدى الطرق المهمة التي يقرر بها حزب سياسي ثوري ، بصورة مضبوطة ، خططه الاستراتيجية والتكتيكية في الشؤون السياسية والعسكرية ، وهي دراسة من واجب جميع الشيوعيين أن يولوها الإهتمام .
5- الوحدة والصراع بين طرفي التناقض الوحدة ، الاتحاد ، التطابق ، التداخل ، التمازج ، الاعتماد المتبادل ، الترابط ، أو التعاون ، - هذه العبارات المختلفة ، جميعا تعني فكرة واحدة وتقصد هاتين النقطتين التاليتين :
أولا : إن كل طرف من طرفي التناقض في عملية تطور شيئ ما يستلزم وجود الطرف الآخر المتناقض معه ، كشرط مسبق لوجوده هو ، وأن الطرفين يتواجدان في كيان واحد . ثانيا : إن كل طرف من الطرفين المتناقضين يتحول ، تبعا لعوامل معينة ، إلى نقيضه . وهذا هو ما يقصد بالوحدة . لقد قال لينين { إن الديالكتيك هو النظرية التي تدرس كيف يمكن للدين أن يكون متحدين ، وكيف يسيران متحدين (يتبدلان فيصيران متحدين )- في أية ظروف يكونان متحدان ، ويتحول أحدهما إلى نقيضه - ولماذا ينبغي للفكر الإنساني ألا ينظر إلى هذين الضدين كشيئين ميتين جامدين ، بل كشيئين حيين مشروطين قابلين للتبدل ولتحول أحدهما إلى نقيضه } فماذا يعني لينين بهذه الكلمات ؟ إن الطرفين المتناقضين في أية عملية هما متعارضان ومتصارعان ومتضادان فيما بينهما .ويوجد هذان الطرفان المتناقضان دون إستثناء في عمليات تطور جميع الأشياء في العالم وفِي الفكر الإنساني . فالعملية البسيطة تحوي زوجا واحدا من الأضداد فقط ، بينما تحوي العملية المعقدة أكثر من زوج واحد منها . إن كافة الأشياء في العالم الموضوعي والفكر الإنساني ، تتخللها التناقضات وتدفعها إلى الحركة . { فلا حرب بدون السلم ، ولا سلم بدون الحرب . لا حياة بدون الموت ، ولا موت بدون الحياة .لا ديمقراطية بدون الديكتاتورية ، ولا ديكتاتورية بدون الديمقراطية .لا أسياد بدون العبيد ، ولا عبيد بدون الأسياد . لا ثوريين بدون الرجعيين ، ولا رجعيين بدون الثوريين . لا حركة ثورية بدون النظرية الثورية ، ولا نظرية ثورية بدون الحركة الثورية . لا نضال سلمي بدون النضال العنيف ، ولا نضال عنيف بدون النضال السلمي . ، …إلخ } هكذا فإن كل عنصرين متضادين هما ، بفعل عوامل معينة ، متعارضان من جهة ، ومترابطان ، متمازجان ، متداخلان ، يعتمد بعضهما على بعض ، من جهة أخرى . وهذا هو المقصود بالوحدة ، اَي يتحدان ويتعارضأن في نفس الوقت . ويشير إليه لينين بقوله { إن الديالكتيك يدرس " كيف يمكن لضدين أن يكونا متحدين " ، كيف يمكن أن يكونا متحدين ؟. يمكن ذلك ، لأن كلا منهما يشكل شرط وجود الأخر . هذا هو المعنى الأول للوحدة . وهل يكفي أن نقول فقط إن كل طرف من طرفي التناقض يشكل شرطا لوجود الطرف الآخر ؟ كلا ، لا يكفي ، فالأمر الأهم من ذلك هو تحول أحدهما إلى نقيضه . { تحول من الحرب إلى السلم ، وتحول من السلم إلى الحرب ، تحول النجاح إلى الفشل , وتحول الفشل إلى النجاح ، تحول السلبي إلى الإيجابي ، وتحول الإيجابي إلى السلبي ، …إلخ } هذا هو المعنى الثاني لوحدة طرفي التناقض . إن كل متناقضين مترابطان ، فهمًا يتواجدان في كيان واحد في ظل عوامل معينة ، بل يتحول أحدهما إلى الآخر في ظل عوامل معينة ، هذا هو كامل معنى وحدة الضدين ، وهو بالضبط ما عناه لينين عندما قال :" كيف يصيران متحدين ( يتبدلان فيصيران متحدين ) في أية ظروف يكونان متحدين ويتحول أحدهما إلى نقيضه } أي لا يمكن أن يكون هناك أي وحدة من دون عوامل ضرورية معينة . تلك هي قضية الوحدة . فماهو الصراع إذن ؟ وماهي العلاقة بين الوحدة والصراع ؟ لقد قال لينين { إن إتحاد ( تطابق ، وحدة ، تواحد ، ) الضدين مشروط ، مؤقت ، عارض ، نسبي ، أما الصراع الضدين المتعارضين فهو مطلق ، تماما كما أن التطور والحركة مطلقان .} فما الذي يعنيه لينين هنا ؟ إن لجميع العمليات بداية ونهاية ، وكل عملية تتحول إلى نقيضها ، إن ثبات جميع العمليات نسبي أما تغيرها الذي يظهر في تحول عملية إلى عملية أخرى فهو مطلق . إن كل شيئ يتخذ في حركته شكلين : شكل السكون النسبي والشكل التبدل الملحوظ . { إن إتحاد الضدين مشروط ومؤقت ونسبي ، بينما الصراع بين الضدين متعارضين هو مطلق } الوحدة نسبية الصراع مطلق إن الوحدة المشروطة المؤقتة النسبية تشكل مع الصراع المطلق غير المشروط ، حركة التناقض في جميع الأشياء . فالصراع يكمن بالضبط في الوحدة ، ولا وحدة بدون صراع . إن في الوحدة صراعا ، وفِي الخاصية عمومية ، وفِي الصفة الفردية صفة مشتركة . هذا ما يقصده لينين حين قال : { فثمة مطلق في النسبي }
6- مركز التعادي في التناقض
من بين المسائل المتعلقة بصراع الضدين مسألة التعادي بينهما وماهو ؟ إن التعادي شكل من أشكال صراع الضدين ، لكنه ليس الشكل الوحيد . ينبغي لنا أن ندرس مختلف أنواع الصراع بين الأضداد بصورة محددة ، إذ أن التناقض والصراع شيئان عامان ومُطلقان ، إلا أن طرق حل التناقضات ، أي أشكال الصراع ، تختلف تبعا لاختلاف طبيعة التناقضات . أي ، وفق الظروف والزمان والمكان تتطور بعض التناقضات التي كانت في الأصل ذات صفة غير عدائية فتصبح تناقضات ذات صفة عدائية ، وهناك تناقضات أخرى هي في الأصل ذات صفة عدائية ، ولكنها تتطور فتصير تناقضات صفتها غير عدائية . { مثلا في المغرب ، إن تاريخ المنظمة الماركسية - اللينينية المغربية - إلى الامام - تبين لنا أن التناقض بين التفكير الصحيح ، لعبد اللطيف زروال وسعيدة المنبهي وآخرين ، والتفكير الخاطئ لأبرهام السرفاتي وَعَبَد الله الحريف وآخرين ، لم يظهر في البداية في شكل التعادي ، لكنه تتطور فيما بعد وأصبح تناقضا ذات صفة عدائية . } وقد حدث مثل ذلك في تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي ، بين التفكير الصحيح للينين وستالين والتفكير الخاطئ لتروتسكي وبوخارين ، وأيضا حدث ذلك في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني ، … إلخ لقد قال لينين { إن التعادي والتناقض شيئان مختلفان كل الاختلاف } إن التعادي ليس سوى شكل من أشكال صراع الضدين ، وليس الشكل الوحيد ، فلا يجوز أن نفرض هذه الصيغة على كل شيئ .
خاتمة
إن قانون التناقض في الأشياء أي قانون وحدة الضدين هو القانون الأساسي في الطبيعة والمجتمع وهو بالتالي القانون الأساسي للتفكير . إن التناقض يوجد في جميع عمليات الأشياء الموضوعية والتفكير الذاتي ويسري في جميع العمليات من البداية إلى النهاية ،هذه هي عمومية التناقض وإطلاقه . ولكل تناقض وكل طرف من طرفي التناقض خصائصه ، هذه هي خاصية التناقض نسبيته . والشيئان المتضادان بينهما وحدة في ظل عوامل معينة ، ولهذا يمكن أن يتعايشا في كيان واحد ، ويمكن أيضا لكل منهما أن يتحول إلى نقيضه ، وهذه هي أيضا خاصية التناقض ونسبيته . لكن صراع الضدين لا ينقطع ، فالصراع يوجد حين يتعايش الضدين أو حين يتحول أحدهما إلى نقيضه على حد سواء ، والصراع واضح على الأخص في الحالة الاخيرة ، وهذه هي أيضا عمومية التناقض وإطلاقه . وحين ندرس خاصية التناقض ونسبيته ، ينبغي أن نلاحظ الفرق بين ماهو رئيسي وماهو غير رئيسي من التناقضات ومن أطراف التناقضات . وحين ندرس عمومية التناقض والصراع القائم فيه ، ينبغي أن نلاحظ الفرق بين مختلف أشكال صراع الضدين ، وإلا وقعنا في خطأ .
====================================== 27/03/2021
#أحمد_الشركت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلخيص موجز للاطروحة الفلسفية - في التناقض - (اغسطس -آب - 193
...
-
تلخيص موجز للاطروحة الفلسفية - في التناقض - (اغسطس -آب - 193
...
-
تلخيص للمقال الفلسفي ، تحت عنوان : في الممارسة العملية في ال
...
-
العمال في القبور والباطرونا في القصور
-
فلنرفع عاليا راية الحزب الشيوعي الثوري بالريف الأحمر -المارك
...
-
أهم المقولات اللينينية - لينين - حول المسألة القومية وحق الأ
...
-
أهم المقولات اللينينية - لينين - حول المسألة القومية وحق الأ
...
-
أهم المقولات اللينينية - لينين - حول المسألة القومية وحق الأ
...
-
الجمهورية القديمة البورجوازية أم الجمهورية الجديدة الثورية
-
مغرب الصمود والمقاومة
-
ما حدث في السودان ليست ثورة ، إنما هي إنتفاضة شعبية عفوية رئ
...
-
يا رفاقي /اتي في الكفاح والسلاح ، إلى متى؟
-
المسكوت عنه جزئيا أو كليا في بيان 30 غشت 2019 - بيان حول طبي
...
-
مسيرة الوفاء للمعتقلين والشهداء أم مسيرة الخيانة للمعتقلين و
...
-
عشاق التكتيك عبد الله الحريف وحمة الهمامي في نقد الموقف مما
...
-
الحسيمة الحمراء تحت الحصار الطبقي الرجعي
-
فبلاد العياشة
-
شاعلا يا رفيق / ة
-
الماركسيون المزيفون وكيف يشوهون الماركسية(عبدالسلام أديب نمو
...
-
العنف الرجعي الممارس على الحركة الطلابية المغربية
المزيد.....
-
حزب العمال: لا خيار أمام العمال والكادحين إلا الثورة ضدّ الت
...
-
إضراب عمال “الشوربجي” لليوم الثاني.. للمطالبة بحقوقهم المالي
...
-
فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب بشراكة مع جمعية النخبة
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 602
-
كفاح الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد، وملتقاها ال
...
-
جريدة النهج الديمقراطي العدد 603
-
نجل نتنياهو: إسرائيليون من اليسار ربما يقفون وراء حرائق القد
...
-
الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو
-
تيار البديل الجذري المغربي// اليوم الاممي للعمال 2025، فاتح
...
-
الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدين بقوة قمع ال
...
المزيد.....
-
كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
-
قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|