أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منهل السراج - نكبر ونتربى برفقة الكلمة














المزيد.....

نكبر ونتربى برفقة الكلمة


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 6851 - 2021 / 3 / 27 - 11:42
المحور: الادب والفن
    


"قلق الأمسيات" رواية مكتوبة بصوت الأنا والأنا هذه تبدو لا ذكر ولا أنثى، وربما تلك الخنوثة هي ما تميز هذه الرواية للمؤلفة الهولندية ماريكا لوكاس رينفيلد.
ياس، بنت في العاشرة من العمر لأبوين مزارعين. أسرة تزرع العلف وترعى الأبقار وتصنع الجبن.. وتميل إلى التدين، تقرأ الصلوات وقت الطعام وتواظب على زيارة الكنيسة يوم الأحد وتضع الكتاب المقدس في درج في طاولة الطعام ليكون في متناول يد الجميع.. وكثيرا ما تستشهد الراوية ياس بآيات من الانجيل.
تطلب ياس من أخيها ماتياس الذي يكبرها أن يرافقها إلى سباق التزلج على جليد البحيرة التي تفصل بين القرية والمدينة. سيكون بعد ذلك الوصول للضفة المقابلة هدف ياس وأختها الصغرى. يرفض ماتياس قائلاً: ترافقيني حين تكبرين. تذهب ياس إلى غرفتها غاضبة وتطلب من ربها إن كان ولا بد أن يقبض روح أرنبها الصغير فليقبض روح ماتياس بدلأ عنه.
بعد ساعات قليلة وبينما كانت تلعب مع أختها الصغرى في حوض الاستحمام يدخل طبيب القرية البيطري ليقول، إن ماتياس مات.. سقط في حفرة في الجليد.
ترتبك حياة الأسرة تماماً، وتغرق ياس في ذاتها.. "الله يأخذ والله يعطي" الأمر الذي قررت فعله وهي في العاشرة فقط، ألا تخلع معطفها عنها.. صار مثل قوقعة لها ترفع الياقة إلى مافوق ذقنها وتضع سوسة السحاب بين أسنانها فيما أكمام المعطف تغطي الكفين.. تقول إنها لا تتوق لأحد أو لشيء، تتوق لنفسها وتشعر بعد درس عن الهولوكست أنها فعلاً هتلر. وحدث أن نقشت على تقويم البيت صلباناً صغيرة وأكبرها في يوم عيد ميلادها ووقعت بحرفي، أ و هـ، أدولف هتلر. وتتساءل بين وقت وآخر، متى يخرج اليهود من القبو، هل سيبقون متواريين؟ قبو بيتهم الريفي مليء بالمؤونة وزجاجات النبيذ.

يبتعد الأبوان عن بعضهما بعد موت بكرهما ويقل طعام الأم. بينما الصبي الذي يلي ماتياس ويدعى أوبي يدمن قتل الحيوانات وفي كل مرة يفعل ذلك ينظر في وجه أخته كأنه يقول لا بد لنا من هذا من أجل الشفاء من موت أخينا ماتياس. يقتل جرادة في البداية ثم سنجاباً ثم أرنباً ثم يبدأ ينظر في وجه أخته كأنها ضحيته المقبلة.
ويكتب على باب غرفته ممنوع الازعاج بينما ياس لا تفعل لأنها لا تريد أن تبقى وحيدة.. وتمارس القتل بعد ذلك بنفسها فتسقط مطرقة على رأس ديك المزرعة والذي كان مفضلاً عند أبيها. تلك التضحيات اعتقدت أنها تبعد شبح الموت عن أبويها..
و ياس التي أرسلت دعوة غاضبة للسماء وصارت حياتها كلها في ندم وتساؤل، وتفكر بأن القبر الفارغ المجاور لقبر أخيها لابد أن يدخله أحد أفراد الأسرة، تبقى عاجزة عن شق حديث مع أحد إلا ضفدعين حبستهما في غرفتها وأخذت تتحاورمع ذاتها بحديث موجه لهما.. تحثهما أن يتزاوجا أو يتناولا ما أحضرت لهما من ورق الخس. وتناجيهما فتسألهما إن كان الرب قد ذهب بإجازة أم أنه دفن نفسه بالطين.
تطلب معلمتها منها ألا تغرق في الخيالات وإلا سيمكث كل شيء في روحها.
لكنها تتخيل السرير الذي يعده أبوها لها تابوتاً تستلقي فيه وجهها في الطين وكل من أتى لوداعها يرى تجويف البراز ليس إلا..

يأتي طبيب القرية البيطري نفسه مرة جديدة ليخبرها أن أبقار المزرعة أصيبت بجنون البقر ويجب قتلها.
ـ قتلة.. أتباع هتلر. يصيح أوبي وهو يشاهد المراقبين يقتلون الأبقار واحدة تلو أخرى.
تشد معطفها عليها تقول، يكسيها، كي لا تصبح مثل حبات البطاطا التي تقشرها أمها للعشاء..
تطلب أمها منها وهي تقف على درج السقيفة أن تخلع هذا المعطف عنها وإلا سترمي بنفسها. تقول ياس إن يدها عجزت عن خلعه.
رمت الأم نفسها من أعلى درج السقيفة..
وياس وأختها الصغرى تتدفآن بقوارير منويات الثيران وتعدان واحد اثنان ثلاثة وتغمسان الإصبع وتتذوقانه. والأولاد الثلاث يلعبون لعباً ليس بريئاً في غفلة تامة من الأبوين. وتدفع ياس أختها الصغرى في ماء البحيرة الجليدي لكي ترى كيف يكون الغرق وكيف غرق أخوها.. وحين يتأكلها الندم ليلاً تحبس أنفاسها في سريرها وتتخيل كيف مات ماتياس مختنقاً وغريقاً..

تنتهي الرواية بأن تستلقي ياس مع ضفدعيها في مجمدة القبو: أنا قادمة إليك ياماتياس.

نكبر ونتربى برفقة الكلمة، تقول ياس

الصور غزيرة وحداثية شديدة الذكاء مدهشة وصادمة ومخيفة مرات والسرد أشبه بماء متدفق وعذب، عميق وحزين، كتاب غني قل أن يصادف.. وقد نالت الرواية البوكر العالمية لعام 2020 وهي أول رواية للمؤلفة الهولندية.



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولات التخطي، تعليق عن فيلم ظل في بغداد
- بين النضال الثوري لنيل الحقوق وبين النضال الحزبي بون شاسع، ب ...
- صعوبات التواصل بين الشعب ورئيس ممثليه
- بدل أن يخافك الشعب، اجعله مرة واحدة يثق بك يحترمك
- موطن ليس قوياً ولاضعيفاً، إنه موجود
- الوطنية والعقيدة.. وجع البطن المزمن
- كيف يمكن تحويل معتقداتنا إلى طقوس تبهج الجميع؟
- أما من وصفة لحماية ذاكرتنا المسلمة!
- حزب المنتقبات ومنع النقاب تعجرفاً
- الفرز هو الأمر الواقع من خندق إلى آخر
- زيارة السجين في سوريا
- اليساري الإسلامي حين يعانيان آلام ابن الست وآلام ابن الجارية
- تثقيف السجين أم تخريب السجين
- بين العقلانية والفجاجة شعرة..
- لمن يسبح بحمد بلاد الغرب!
- حماة شباط، فبراير 1982 ألا من مرهم للذاكرة؟
- شباط 1982
- عن مروى الشربيني أماً وليست ضحية للحجاب
- حسين الشيخ يحاور منهل السراج
- أطفال حماة أيضاً كانوا يستحقون الصورة


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منهل السراج - نكبر ونتربى برفقة الكلمة