أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منهل السراج - موطن ليس قوياً ولاضعيفاً، إنه موجود














المزيد.....

موطن ليس قوياً ولاضعيفاً، إنه موجود


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 3311 - 2011 / 3 / 20 - 14:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أمر تطورات الأحداث في الواقع العربي خلال أسابيع، لم يكن، من الناحية النفسية، حدثاً عادياً، كي نستطيع التعبير عنه بمقال حيادي عقلاني. كان مفاجئاً ومذهلاً، كان، كأن للأبوين ولد كبر على غفلة منهما. هتافات الناس في الشارع، أثارت الكثير من مشاعر الحنان، والذهول الأمومي، وبعض الندم الغامض، كما يحدث عادة مع الأمهات حين يكتشفن أنهن تأخرن لأمر ما.
مشهد مصر وتونس! لم يعد أرضاً جغرافية واسعة وملايين السكان، صارت هذه البلدان في العين، مناطق أسطورية وشعوباً أسطورية وشباباً شطّار، وحكايات واعدة بالكثير. الحدث كان إنسانياً بحتاً وليس سياسياً، هموم الناس متقاربة والتوق واحد، وبدون مصالح وخبث سياسي، تماماً كما يتمنى المرء للشأن العام أن يكون، شأناً حقيقياً، ويتعلق بأخلاق كل فرد على حدى.
بات لدينا مدائح وفرحاً متوثباً، قريباً ويخص ذاكرتي وظروفي الخاصة أيضاً، وهي وإن كانت تتقاطع مع معظم ظروف السوريين لكنها استيقظت بتفاصيلها مع مشهد الثائرين، ومنذ أيام الطفولة. فكانت هذه الثورات كبلسم سحري، وصرت كمن شفي ببضع أيام من أرق مزمن. الذاكرة سطعت، وثبت بالدليل القاطع أن شعور الذنب الذي يسيطر على كل إنسان من منطقتنا، ليس مسؤولاً عنه، كما يريدون له أن يكون، و أن تردد المواطن في قول ما يؤمن به، لم يأت خلقة ربه. تَجمّعَ المواطنون معاً وهدروا بأصواتهم، وعبّروا بإحساس وانسجام بديع في الشوارع. ورغم أن الثورات كانت في دول عربية لست قادمة منها، إنما اكتشفت أيضاً أن لدي غريزة عربية، بلغة عربية. وانتابني إحساس شاب ومراهق بأمل النصر ونزعة الفوز، محرض الحياة. أمر أُجبرت على إسكاته في داخلي منذ المراهقة، كأنه ليس من حقنا أي شيء. كانت الظروف السياسية ومانتج عنها، يعني أن نكبت كل مالدينا.
كيف نفصل الظروف السياسية عن ظروفنا الخاصة؟ فالأب حين تتحطم تطلعاته ويشعر بالظلم والخوف على رزقه وأسرته، يتحول إلى أب نزق وشديد العزلة، ويوحي لأسرته في كل دقيقة أن الشارع يعني الحرب أوالتلوث. تصاب الزوجة بالخيبة، وتنشغل عن أولادها وإن اهتمت بهم فسوف تهتم بوجه حزين وفاتر، مما يبعث أيضاً على الإحباط المبكر عند الأطفال وتموت لدى الطفل بالتدريج همة العمل الطبيعية وشهوة التحصيل الصحية وحلم المستقبل المشروع، لأن هذا الكبير الأب أو الأم، ينبؤه من دون أن يقصد، أن المستقبل قاتم والكبار أناس محبطون ومهمومون ومهزومون.
قبل بدء عهود الاستبداد في سوريا ورغم الانقلابات وأوضاع فلسطين، لم يهيمن الاحباط حسب ما نشعره من استذكارهم، على العكس، ظل اهتمام الناس بالقضية الفلسطينية عفوياً وكانت حديث البيت، الكبير والصغير، والأغنية الوطنية كانت تسمعها الأم وهي تعد طعام الغداء، كان الاهتمام بالراحة وليس بالقوة.
الأم شابة غندورة، تدير على نشرة الأخبار وتدندن الأغاني الوطنية، وحين تسمع صوت مفاتيح زوحها قادماً، تقرص خديها وتهندم تنورتها وتهرع إليه ضاحكة.. كانت حركة الحياة وحيوية الناس وآمالها، لا تعني الا اهتماماً صحياً طبيعياً بالوطن وهمة للغد. كان اهتمامهم واقعياً، رضاهم السياسي وغضبهم نابعان من أنفسهم وليس من أمر فرض عليهم وأجبروا على افتعاله أوخُدِعوا به. كانت البنات يتبارين، بجمل وشعر وطني عن فلسطين، ومع الموسيقا والنشيد، كان إيقاع اليوم.
بعد بدء التشدد والاستبداد، اختلف شكل اهتمام الناس، صارت فلسطين على الأغلب قضية تدرس في مناهج المدرسة وواجباً يدخل في منهاج الوطنية، وليس إحساساً عميقاً فعلياً كما كان قبل بدء الاستبداد. وقبل أن ينجح الحكام في تجميد الناس على صفة واحدة وهيئة واحدة، طميشة على عيون المواطنين.
الغاية القول إن الانتماء للوطن وللعروبة، وللاسلام "لمن يشاء"، لا يكون صحيحاً وفعالاً إلا في جو نفسي صحيح، وشعور بالثقة والشجاعة، وحرية في الانتماء، وأوضاع حقيقية شفافة تحترم عقل المواطن.
ما جعل الأرق الطويل ينقشع في أيام خلال الثورات العربية، هو أنني تأكدت ان هذه الانظمة الديكتاتورية وجدت وتغذت من أجل جعل المنطقة مسكونة بشعوب منقسمة ومريضة، تذوب بالتدريج، وتذوب معها ثقافتها وتاريخها كله.
نعم، كنت استعدت أحاسيس أو ربما خلقت لدي أحاسيس لأول مرة أعيشها، أنه يمكن لإنسان منطقتنا أن يرفع الرأس، ولدينا حقوق يجب أن تستعاد، ولدينا آلام من حقنا أن نعلنها في وجه من لايشبعون من الاستبداد ولا يكلّون، وكلما رؤوا منا صمتاً وانشغالاً عن ذواتنا كلما زادوا في التعسف والعنجهيه.
ومثل كل مواطن، سيكون لمشاركته شأناً وقيمة، ليس مواطناً نكرة وعدداً زائداً. مواطن ليس قوياً وليس ضعيفاً، إنه موجود وله حقوق، إنما بواقع صحي حقيقي غير مخادع، فهل هذا في وطننا سوريا قريب من المنال؟



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطنية والعقيدة.. وجع البطن المزمن
- كيف يمكن تحويل معتقداتنا إلى طقوس تبهج الجميع؟
- أما من وصفة لحماية ذاكرتنا المسلمة!
- حزب المنتقبات ومنع النقاب تعجرفاً
- الفرز هو الأمر الواقع من خندق إلى آخر
- زيارة السجين في سوريا
- اليساري الإسلامي حين يعانيان آلام ابن الست وآلام ابن الجارية
- تثقيف السجين أم تخريب السجين
- بين العقلانية والفجاجة شعرة..
- لمن يسبح بحمد بلاد الغرب!
- حماة شباط، فبراير 1982 ألا من مرهم للذاكرة؟
- شباط 1982
- عن مروى الشربيني أماً وليست ضحية للحجاب
- حسين الشيخ يحاور منهل السراج
- أطفال حماة أيضاً كانوا يستحقون الصورة
- واهجم على الدبابة بخنجر
- آخر العنقود وعروسه
- على درجات المئذنة
- مسح الأرض بالدموع
- دزينتان من الشرق وعصفور من الغرب


المزيد.....




- جامع الشيخ زايد الكبير.. أبرز الحقائق عنه
- بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي عليها.. خريطة توضح المنطقة الحدود ...
- مراسم تنصيب بوتين رئيسا لروسيا لولاية جديدة (مباشر)
- ما هي الأسلحة النووية التكتيكية التي تريد روسيا إجراء تدريبا ...
- مصادر مصرية تكشف لـRT حقيقة إغلاق معبر رفح بالكتل الخرسانية ...
- الصين تنجح بإطلاق صاروخ فضائي جديد صديق للبيئة
- -يديعوت أحرونوت-: مصر قد تقلص العلاقات الدبلوماسية مع إسرائي ...
- ريابكوف يفسر سبب دعوة الدول غير الصديقة لحضور مراسم تنصيب بو ...
- نجل زوجة قائد الجيش الأوكراني يقود مسيرة النصر السوفيتي في أ ...
- تحرير ما لا يقل عن 107 مهاجرين من الأسر جنوب شرقي ليبيا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منهل السراج - موطن ليس قوياً ولاضعيفاً، إنه موجود