أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلام ابراهيم عطوف كبة - الفكر الرجعي في العراق – القسم الثالث والاخير















المزيد.....


الفكر الرجعي في العراق – القسم الثالث والاخير


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 6845 - 2021 / 3 / 19 - 00:03
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


دراسة كتبها ابراهيم كبة عام 1967 – ولاهميتها نعيد نشرها

الفكـر الرجعـي في العـراق (3)
بقلم ابراهيم كبة
التاريخ:5/5/1967
في الندوة التي عقدها وفد ( الاتحاد الاشتراكي العربي )في العراق – الذي لم تتح له فرصة الحياة - ، وقد ضم في حينه أقطاب ما يعرف اليوم بمنظمة ( الحركة الاشتراكية العربية) في العراق ، أبدى أعضاء الوفد آراء في تقييم أحداث ما بعد ثورة تموز ، لا تكاد تختلف عن الخطوط العامة للفكر الرجعي اليميني في أسوأ أشكاله ، وهذه نماذج منها نذكرها دون ذكر الأسماء : غالبية الشعب العراقي تكره الحزبية كراهية شديدة ، جميع الأحزاب في العراق كان لها ارتباطات مع الاستعمار او الإقطاع او الرأسماليين ، الشيوعيون كانوا وطنيين حتى عام 1959 والبعثيون حتى عام 1962 ، موقف القوميات غير العربية في العراق يميل إلى تجريد العراق من عروبته ، الحزب الشيوعي العراقي يحاول هدم التأميم ، أجريت التاميمات في العراق قبل الوحدة حتى لا تتحمل تجربة الوحدة أخطاء التأميم المحتملة ،الاستعمار على استعداد لتسليم الحكم لأشخاص اشتراكيين بشرط أن لا يكونوا وحدويين ، نحن في العراق نهتم بالقضايا العربيـة قبل اهتمامنا بالقضايا العراقيـة ، الثورات الاجتماعيـة في التاريخ الإسلامي ( الزنج ، القرامطة … الخ ) تتنافى مع مبادئ الإسلام ، نحن نخشى الأخذ بالمفاهيم الحديثة للقومية وفي أصولنا القديمة ما يغني عن ذلك ، اسما كردستان وعراق العجم لم يظهرا إلا أخيرا ، لم تنشأ أية ثورة في الشمال بسبب قومي ، اتهام الحركة القومية الكردية بأنها من صنع الاستعمار او الروس او إيران وتركيا او الإقطاع او الرجعية او شركات البترول ، قضية الأكراد لا تحلها سوى الوحدة العربية ، لا يمكن إعطاء الأكراد اكثر من الحقوق الثقافية والاعمارية، الحكم اللا مركزي لا يحل المشكلة بل على العكس يفتح الباب لمطالب اكبر …الخ . ليت شعري ما هي الرابطة بين هذه الآراء وبين الاشتراكية او الوحدة العربية التقدمية ؟
وضع السيد هاشم علي محسن كراسا عن (تطور الحركة النقابية في العراق – الجزء الثاني/ 966) وبالرغم من ان هذا الكراس نموذج صارخ ( للانتخابية) ، لانه يضم أربعة اتجاهات وخطوط متناقضة :
الأول هو الخط ( الماركسي الجديد او العربي) كما يسمونه ، نقلا عن ياسين الحافظ حرفيا . والثاني هو الخط الناصري الذي يمثل أفكار البرجوازية الصغيرة او بعض فئاتها . والخط الثالث هو ( الجبهوي التقدمي) الذي عبرت عنه مذكرة السادة مصطفى علي وزملائه والمشار أليها لاحقا ( راجع نصها في مجلة دراسات عربية أكتوبر 966). واخيرا الخط اليميني الرجعي المناهض للثورة تماما ( خاصة في تحليله لطبيعة تموز واسباب انحرافها) والذي عبر عنه بفجاجة كراس خلدون الحصري المشار أليه سابقا وكتابات أمثال تحسين السوز (32) . أقول بالرغم من انتخابية الكتاب فانه ينتهي عمليا إلى إهمال الديمقراطية وتبرير الاحتكار السياسي والدعوة لتصفية الأحزاب الشيوعية خاصة .ومن ابرز أخطائه التقييمية لأحداث تموز ما يلي : يعتبر ثورة تموز ثورة ( قومية) بمعنى أنها ( استهدفت الالتحاق بالعربية المتحدة). الانحراف القاسمي انحراف ( شعوبي) أي معاد للعروبة . الحزب الشيوعي العراقي يتحمل (القسط الأكبر) من مسؤولية الانحراف ، وبذلك يكون قد خرج على مبادئ الجبهة الوطنية . الحزب الشيوعي كان واجهة وأداة بيد (الإمبريالية العالمية ) ضد القومية العربية ، وانه تابع يدور في فلك ( البرجوازية الإقليمية ) العراقية ، مخططة الانحراف القاسمي . شعار الاتحاد الفدرالي رفع للتضليل ومنع ( الاندماج ) بالعربيـة المتحدة . الحكم القاسمي هو حلف ثلاثي شعوبي ( لقاسم والشيوعيـين والحزب الوطني الديمقراطي ) . قانون الإصلاح الزراعي شرع لضرب (القوميين الوحدويين ) وليس الإقطاع ، وانه فشل بسبب جر الفلاحين لشعارات الشيوعيين(32) …الخ .
* * * *
كتيب السيد جميل كاظم المناف دراسة طويلة عن (قضايا المجتمع والثورة في العراق – الطليعة/ العدد السادس/ 966)، ونحن نستشهد بها كمثال للخلط الفكري وعدم استيعاب المبادئ الأولية للبحث العلمي. فبعد خلط غريب في أوليات المادية التاريخية وفي أوليات التاريخ الأوربي الحديث ( نشوء القومية الأوربية ، الحروب الصليبية ، الفكر الأوربي …الخ ) ، واضطراب في فهم ظروف نشأة الشعور القومي في البلدان العربية وفي فهم ابسط الحقائق عن تاريخ العراق والعرب ( الحكم المركزي ، الإقطاع الكبير ، أيديولوجية الطبقات الاجتماعية …الخ ) وابسط المفاهيم السياسية والاقتصادية ( إمبريالية ، كولونيالية..) ينتقل لتحليل ( ملامح المجتمع في العراق منذ الاستقلال الصوري حتى عام 1958)، وهنا يقع في تناقضات واحكام غريبة يظهر انه لم يفهم دلالتها بالمرة . فتارة يفهم منه بان النضال الوطني في العراق في هذه المرحلة كانت تقوده البرجوازية الصغيرة ، وأخرى يفهم منه إن القيادة كانت بيد الطبقة الوسطى ، وثالثة يفهم منه إن القيادة كانت بيد الضباط الوطنيين الملتفين حول الملك غازي والذين كانوا يمثلون ( الوجه القومي للعراق ) . وهنا وهناك ، وبين ركام هائل من الغموض والاضطراب والتناقض ، نجد آراء لا يكاد يصدقها العقل . مثلا إن معاهدة 930 هي التي أعطت حقوق استثمار البترول للإنكليز ، وان التناقضات داخل التحالف الإقطاعي الاستعماري هي التي أتاحت المجال لتسلل العناصر ( شبه البرجوازية ) داخل الأجهزة الحكومية ونمو الحركات المعادية المنحدرة من بقايا القوى التي تحالفت مع الشريف حسين . وان الكادر العسكري تحول بعد 1941 من البرجوازية الصغيرة إلى ( النبلاء والأرستقراطية) مما أدى إلى انحراف الجيش عن الأهداف الشعبية ، وانه بينما كان ( القوميون) يصارعون الإنكليز كان ( أبناء البرجوازية المتوسطة يتعاونون مع الإقطاع) و( البرجوازيون الصغار يتبادلون الولائم مع السفير البريطاني) ، وان حرب فلسطين كانت ( الحد الفاصل في تصدر البرجوازية الصغيرة للقيادات الحزبية والكفاح الوطني والقومي) ، وان فترة 1948-1958 شهدت اندحار (القيادات الليبرالية )، وان ( فترة حكم نور الدين محمود – الأيوبي- الجمالي هي نقطة التحول الحاسمة في عملية الانتقال مع الإقطاع إلى الرأسمالية النامية) (33) ، وان هذه الفترة اتفقت مع التوسع الشامل والنشيط للرأسمالية العالمية وبداية تحولها إلى الاحتكار الواسع الشامل … وهكذا.. أما عن الفترة الحالية التي تبدأ من ثورة تموز 1958 ، والتي يضع لها الكاتب عنوان ( مع الكفاح الوطني إلى الكفاح الاجتماعي )، فأن تحليله لها حافل بنفس الأحكام المبتسرة والتناقضات العجيبة : نجد هنا مثلا بان الجيش أصبحت تقوده الطبقة الوسطى ، وان الحركات والمنظمات السياسية كشفت عن خيانة البرجوازية الوطنية واستسلامها للحكومة ، وان بريطانيا كانت تفضل (الوحدة العربية الكاملة) بعد 941 لخلق دولة كبرى تحت الحماية البريطانية … الخ . وبعد الإشارة إلى (جبهة الاتحاد الوطني ) وتمزقها مع ثورة تموز ( حيث أخذت بعض الأحزاب طابعا إقليميا وأخرى طابعا قوميا) ، ونقد سريع للحزب الشيوعي والبعثي (34) ، ينتهي إلى مفهوم ( وحدة الثورة العربية ) دون مس المشاكل الأساسية لهذه الثورة (طبيعتها ، مراحلها ، استراتيجيتها ، قيادتها ، قواها ، القوى المضادة لها ، تناقضاتها.. الخ) ولكن كل هذه السلبيات في الدراسة لا يجوز أن تغطي العنصر الإيجابي البارز فيها ، وهو إدراك ضرورة ( وحدة اليسار العربي) وعدم استثناء أية قوى ثورية منه ( بما في ذلك الشيوعيين) ، وهو عنصر متقدم على أي حال بالنسبة للكثير من المنتسبين لما يسمونه ( بالمعسكر القومي).
* * * *
لقد قلنا بأننا نثمن الجانب النقدي من كتابات القوميين اليساريين ، وخاصة الفئات التي تقترب في مواقعها من مواقع الاشتراكية العلمية . أنى أود أن أشيد على سبيل المثال بالآراء التالية الواردة في كراس ( ازمة الثورة العربية /1966) (35) : وحدة 1958 لم تكن شعبية او ديمقراطية ، شعار الوحدة الفورية (36)يعبرعن إصرار البرجوازية (والبرجوازيـة الصغـيرة) على تثبيت مواقعها السياسيـة والاجتماعيـة ،(الاتحاد القومي) كان ذا مضمون رجعي ، المفهوم الناصري بالتنظيم السياسي مفهوم تبريري لدعم السلطة وتكريس التبعية لها ، المفهوم الناصري للوحدة ( مفهوم سكوني مصبوب في قالب واحد نموذجه القاهرة )، الوحدة الصحيحة لا يمكن أن تولد إلا على يد الجماهير وخاصة الطبقة العاملة ، إدانة الماركسيـة لا تخدم قضية الوحدة ، الأسلوب التآمري للوحدة اصبح مسدودا ، مؤتمرات القمة تكريس لتراجع الثورة العربيـة ، ( الاتحاد الاشتراكي) المصري ليس حزبا او حركة طليعية ، تتميز الناصرية باستمرار سيطرة اليمين والوسط للبرجوازية الصغيرة ، ازمة الثورة العربية في المشرق هي أساسا ازمة الناصرية ، وحدة الثورة العربية لا تعني وحدة المركز الثوري او القطري- المنطلق الوحيد للثورة ، شعار لقاء الثورات يقتضي وحدة القوى القطرية وإلا تحول إلى احتكار سياسي ، الاشتراكية تقتضي المشاركة السياسية للجماهير وهي تعني تبديلا في البنى التحتية والفوقية جميعا ، لابد من قيادة الطبقة العاملة في المرحلة الجديدة للثورة العربية لتجاوز الازمة التي هي أساسا ازمة القيادات البرجوازية الصغيرة ، ربط الثورة العربية بأبعادها الدولية شرط أولي لرسم إستراتيجية علمية ، أهمية ثورتي أكتوبر والصين ، تقييم صحيح لانقلابي رمضان وتشرين .. الخ .
ولكن مع ذلك ، لم يخل هذا الكراس من الوقوع في تناقض واضح مع منطلقاته النظرية وتحليلاته الصحيحة ، بتبني أمثال الآراء الخاطئة التاليـة : البرجوازيـة الصغيرة ما زالت مؤهلـة وقادرة على قيادة الثورة العربيـة في جانبها ( الوحدوي ) – لاسباب واضحـة البطلان خاصة في العراق – مع عجزها المعترف به عن قيادة الثورة في محتواها ( الاجتماعي الاشتراكي) ، الخلط في طبيعة الثورة العربيـة في مرحلتها الحالية ، والانتهاء إلى نتيجـة خياليـة هي ( ضرورة حرق المراحل ) ، والخلط بين قوى الثورة ومسألة القيادة في الموقف من البرجوازية الوطنية ، عدم اتخاذ موقف حاسم من أهم مسالة للثورة حاليا وهي مسألة (القيادة ) ، وترك قيادة الطبقة العاملة إلى مراحل لاحقة من تقدم الثورة .
* * * *
كذلك نجد نفس التناقض في دراسة السيد أياد سعيد ثابت ( حول ازمة الثورة الاشتراكية العربية – الكاتب ، يناير /1967)، حيث أدان أسلوب التبرير والدفاع والمهادنة الذي اتبعته الجمهورية العربية المتحدة أحيانا واتسام الثورة فيها بالانتهازية والانحراف بتأثير البيروقراطية أحيانا أخرى ، ولكنه انتهى – بشكل غير منطقي _ إلى الثقة والأيمان ( بالاتحاد الاشتراكي ) كحل لازمة البيروقراطية في مصر ، ثم توسيع التنظيم المذكور على نطاق الوطن العربي لتجاوز الازمة المصرية والعربية عامة .
كذلك نجد تناقضا ملحوظا بين الجانب النقدي الإيجابي من دراسة السيد وميض نظمي عن ( القومية وحركة الوحدة العربية – الكاتب ، آذار /1967) ، حيث يعلل انتكاسة وحدة 1958 بعجز الأحزاب القومية عن أدراك (طبقية الوحدة العربية وبنيتها الاجتماعية ) بحكم ( تكوينها البرجوازي الصغير وغموضها الفكري وترددها إزاء الاشتراكية العلمية ) وبين الاستنتاجات التبريرية الصرفة التي ينتهي أليها ، حيث ( يفترض) – دون دليل- على أن المؤسسات الناصرية تمثل فعلا ( تحالف الشعب العامل ) ، وتسلك ( سبيل الاشتراكية ) … الخ إلى أن يصل إلى الحل ( البلسمي) المعروف – ( الحركة العربية الواحدة ).
يظهر إن أغلبية الأخوان من القوميين الناصريين لم يستوعبوا بعد الدلالات العميقة لبعض الجوانب الإيجابية من الباب التاسع من الميثاق الناصري ، ولا التطورات الإيجابيـة اللاحقة في الفكر الناصري في هذا الصدد . يقول الميثاق ، على سبيل المثال إن الوحدة لا يمكن ، بل لا ينبغي أن تكون فرضا … وان القسر بأي وسيلة من الوسائل عمل مضاد للوحدة … وخطر على الوحدة الوطنية داخل كل شعب من الشعوب العربية … ومن ثم على وحدة الأمة العربية … ليست الوحدة العربية صورة دستورية واحدة لا مناص من تطبيقها ، لكن الوحدة العربية طريق طويل قد تتعدد عليه الأشكال والمراحل وصولا إلى الهدف الأخير … إن استعجال مراحل التطور نحو الوحدة يترك من خلفه – كما أثبتت التجارب – فجوات اقتصادية واجتماعية تستغلها العناصر المعادية للوحدة كي تطعنها من الخلف … إن الجمهورية العربية المتحدة لا بد لها أن تحرص على أن لا تصبح طرفا في المنازعات الحزبية المحلية في أي بلد عربي … الخ . وفي حديث الرئيس عبد الناصر إلى ممثلي مؤتمر المحامين العرب بتاريخ 8/3/1967 ، أكد على أهمية ( الظروف القطرية الخاصة ) لكل بلد عربي ، وعلى استحالـة ( الوحدة الاندماجية) ، وعلى أسلوب ( الجبهة) كمدخل لوحدة القوى الثورية ، وعلى أسبقية ( الوحدة القطرية ) على الوحدة القومية . ترى ألا تدعوا هذه النصوص والأفكار ( الجديدة ) إخواننا القوميين اليساريين إلى إعادة تقييم أحداث الماضي القريب وخاصة أحداث ما بعد تموز ؟
نكتفي بهذا القدر من نماذج الفكر القومي ، تاركين مناقشي المسألة تفصيلا – عبر عشرات النماذج الأخرى – إلى دراستنا القادمة .
* * * *
والآن بعد انتهائنا من استعراض التيارات الرئيسية في الفكر الرجعي السائد في العراق الآن وإدراكنا دوره الفعال وارتباطه العضوي وعكسه ، على السواء ، لمعركة الصراع الطبقي الكبرى القائمة على قدم وساق حول الموقف من الثورة الاجتماعية ، لابد من التأكيد على إن أي موقف سليم من هذه المعركة المصيرية التي يتوقف عليها مستقبل ثورة تموز ومستقبل الثورة العربية بوجه عام ، يتوقف على الموقف من ثلاثة قضايا عربية : الأولى تقييم الماضي القريب تقييما صحيحا باستيعاب كامل دروس الأحداث الكبرى منذ تموز حتى الآن ، والثانية تشخيص خصائص الوضع الاجتماعي والسياسي في المرحلة الراهنة ، والثالثة الإمساك بمفاتيح الحل للخروج من المأزق السياسي الحاضر ، ومتابعة مسيرة الثورة الى أمام . إن الدفاع الذي انشره اليوم يحاول تقييم العهد القاسمي بإيجابياته وسلبياته ، كما ان القضايا الأخرى سبق وان درست بشكل مركز في المذكرة التي قدمناها ( أنا وبعض الأخوان من ساسة العراق ) الى السيد رئيس الوزراء بتاريخ أيلول /1966 (37) . لقد لخصت المذكرة العبر الاساسية من أحداث تموز بالشكل التالي : ( لابد من تلخيص الحقائق الأساسية التي كشفت عنها جميع الأحداث التي أعقبت تموز حتى الآن . وهي حقائق تتفق في جملتها مع القوانين الاجتماعية التي أثبتت صحتها جميع التجارب الثورية الأخرى في العالم . ويشكل فهم هذه القوانين والحقائق واستيعابها والعمل بموجبها من قبل جميع القوى التقدمية ، نقطة البداية في السير في الطريق السليم لحل مشاكل ثورتنا وتحقيق أهدافها المعطلة حتى الآن .
1. الحقيقة الأولى هي ان المسألة الأساسية في الوضع العام في العراق ، أصبحت بعد نجاح ثورة تموز في دك النظام الملكي الاستعماري وإزالة قشرته السياسية ، هي المسألة الاجتماعية ، أي مسألة الثورة الاجتماعية التي نضجت مستلزماتها الموضوعية ، وتحولها الى محور الصراع الطبقي الاجتماعي ، وبالتالي ، السياسي ، بعد ان كان المحور المذكور قبل تموز يدور حول المسألة الوطنية . اما أهداف الثورة باختصار فهي : سلبيا ، القضاء على التبعية الاستعمارية والاستغلال الداخلي ، وإيجابيا ، خلق مجتمع انتقالي جديد يضع الأسس المادية وينضج الشروط الموضوعية والذاتية للانتقال الى المجتمع الاشتراكي .
2. الحقيقة الثانية هي ان موقف الطبقات المختلفة وقواها السياسية من الثورة ، هو وحده الذي يقرر طابعها التقدمي او الرجعي ، وان أي تصنيف آخر للقوى الاجتماعية والسياسية وفكرياتها المختلفة يتجاوز هذا الموقف الأساسي ويركز على جوانب سطحية او ثانوية من الصراع ، هو تصنيف مضر بالحركة الوطنية والتقدمية : مثلا تصنيف القوى السياسية الى قومية ولا قومية ، عسكرية ومدنية ، وحدوية وانفصالية ، او تقسيم الفكريات الى مادية وروحية ، نابعة من تربة الوطن او مستوردة … الخ .
3. الحقيقة الثالثة هي ان نضوج الظروف الموضوعية للثورة غير كاف لإنجازها ، فلا بد من توفر القوى الذاتية لذلك ، وما هذه القوى سوى الأحزاب والتنظيمات السياسية والمهنية والنقابية الممثلة للقوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في الثورة .
4. الحقيقة الرابعة هي انه لا يمكن لأية فئة تقدمية وحدها ان تنجز مهام الثورة لتعدد الطبقات الثورية، ولاشك ان هذه الحقيقة هي أهم الحقائق التي تمخضت عنها أحداث ما بعد تموز ، ولذلك فان الشرط الجوهري لانجاح الثورة ، هو اتحاد جميع القوى التقدمية لتخطيط وإنجاز التحولات الثورية بحيث ان استبعاد أية قوة سياسية تقدمية بأية حجة من الحجج ، إنما هو انحراف عن الخط الثوري السليم .
5. الحقيقة الخامسة هي انه لابد من رسم (منهاج مشترك ) تتفق عليه جميع القوى التقدمية ، يركز على نقاط الالتقاء الجوهري المشتركة ، ويستبعد النقاط التفصيلية الخلافية ، على ان يعلن للشعب ويلتزم به ممثلوها السياسيون في الحكم .
6. الحقيقة الأخيرة هي ان الصيغة السياسيـة الوحيدة المناسبة لهذا الوضع الاجتماعي ، هي صيغة (الديمقراطيـة الموجهـة ) القائمة على إطلاق الحريات الكاملـة ، وخاصة الحزبيـة للقوى التقدميـة والتعايش السلمي بينها ، وتأليف (جبهة اتحاد تقدمي ) تنبثق عنها ( حكومة اتحاد تقدمي ) لممارسة السلطة باسمها ، لإنجاز مهام الثورة .
……) أما تشخيص المرحلة الحالية ، فتلخص المذكرة سماتها الاساسية بالشكل التالي : ( يجتاز الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد احدى نقاط تحوله المهمة ، ويتميز بالسمات التالية :
1. استفحال التناقضات الاجتماعية واشتداد حدة الصراع الطبقي وزيادة الاستقطاب في مواقف القوى الاجتماعية والسياسية من الثورة ، وحصول تغييرات جوهرية في مواقف بعض القوى منها ، مما يتطلب تشخيصا جديدا لهذه القوى وتقييما جديدا لمواقفها . ان الطبقات الرئيسية المرتبطة بشكل حاسم بالثورة في هذه المرحلة هي الطبقات المنتجة ( الفلاحين والعمال والبرجوازية الصغيرة ). اما الإقطاع والبرجوازية المرتبطة اقتصاديا بالاستعمار فتقف في الصف المعادي للثورة .وتحتل القوى الوسطية (البرجوازية الوسطى وبعض الفئات من البرجوازية الصغيرة الواقعة تحت نفوذها ) مراكز قلقة رجراجة قابلة للتحول السريع المنسجم مع وجهة تطور التحول الاجتماعي.
2. استشراء قوى الرجعية واستيعابها لعناصر جديدة من البرجوازية والبرجوازية الصغيرة كانت حتى الأمس القريب محسوبة على الثورة ، ولكنها انحازت الآن الى الرجعية بعد ان برزت المسألة الاجتماعية الى سطح الأحداث ، واصبح التحول الثوري يهدد مصالحها الاقتصادية ومراكزها الاجتماعية ، وبهذا اشتد خطر الرجعية وتعددت أساليبها وشعاراتها : وزادت قدرتها التضليلية وآثارها السلبية ، وأصبحت تتمتع ببعض الشعبية لتبنيها بعض مطالب الشعب ، وتسخيرها لأهدافها الخاصة ( مثلا : الازدهار الاقتصادي ، العودة الى الأوضاع الطبيعية ، إزالة العسكريين من الحكم ، الديمقراطية البرلمانية ، سيادة القانون .. الخ ) ، كما ان زحفها الى أعلى مراكز المسؤولية في جميع أجهزة الدولة سار خطوات خطرة حتى الآن.
3. زيادة التمزق في الصف التقدمي نتيجة الأهداف الدامية التي أعقبت 14 رمضان ، ونتيجة لسياسة الاحتكار السياسي التي أصبحت السياسة الرسمية العادية للدولة وفلسفتها مذهبيا وتغطيتها بشعارات تقدمية وشكلية .
4. طغيان السياسات الانحرافية نتيجة لغياب الديمقراطية ، وشيوع التكتلات على أساس طائفي او عنصري او إقليمي ، مما أدى الى استفحال التمييز السياسي والطائفي والديني والقومي بين المواطنين في جميع الميادين . كما ان الانقلابات العسكرية أصبحت الأسلوب المفضل،بل الوحيد تقريبا ، لتغيير الحكومات .
5. تفاقم الوضع الاقتصادي والمعاشي ، واستشراء البطالة بنتيجة تردي الوضع السياسي وحرب الأشقاء في الشمال ، وعدم توفير الشروط الأولية لنجاح سياسة التخطيط والتأميم ، وموقف البرجوازية المعادي من كل ما يتصل بسياسة تموز ، مما كان ولا يزال يهيئ تربة خصبة جدا لعبور المؤامرات الاستعمارية والرجعية .
6. تعقد المسألة الكردية بنتيجة الإصرار على تجاهل طبيعتها القومية السياسية ، والوهم بإمكان حلها بالقوة المجردة ، وتجاهل صلتها العضوية بالمسألة الديمقراطية العامة .
7. استفحال المؤامرات الاستعمارية في المنطقة العربية والشرق الأوسط وتنسيق النشاطات المضادة للثورة للرجعيات العربية ، لتنفيذ مخططات الاستعمار والصهيونية في المنطقة .
….) وانتهت المذكرة من هذا التقييم للماضي ، والتحليل للحاضر ، الى طرح الحلول التالية للمستقبل :(ان أي حل جدي للمشكلة الاجتماعية وانعكاساتها السياسية ، يجب ان يتضمن ، في نظرنا النقاط والخطوات الأربع التالية :
1. المبادرة بطرح ( منهاج مشترك ) يكون مقياسا لتقييم القوى السياسية المختلفة وتحديد طابعها التقدمي او الرجعي .
2. تأليف جبهة اتحاد تقدمي من القوى السياسية التي تلتزم بالمنهاج ، كحد أدنى مرحلي للتحول الاجتماعي .
3. تأليف (حكومة مؤقتة ) لانجاز المهام الاولية الممهدة للانتقال الى الوضع الدستوري الطبيعي .
4. ( حكومة اتحاد تقدمي ) تنبثق عن الجبهة للاضطلاع بمهام التحول الثوري .
…)وبعد تلخيص المذكرة ل (المنهاج المشترك) وطرحه على القوى السياسية التقدمية للدراسة ، اعتبرت ( الحلقة المركزية) في السلسلة كلها ، هي مسألة نظام الحكم ، أي المسألة الديمقراطية . ( إن ما يجب تركيز الأنظار عليه هو إن المدخل الوحيد لحل جميع مشاكل البلاد كان وما يزال مسألة نظام الحكم ، أي مسالة الديمقراطية ، وبدون حلها على النحو الصحيح لا يمكن الخروج من دوامة الانقلابات ، وكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها الحياة السياسية على نفسها منذ تموز حتى الآن . إن صيغة ( جبهة الاتحاد التقدمي ) بالأسلوب الذي اقترحناه هي أنسب صيغة ملائمة لوضعنا السياسي الراهن . ولكن في حالة عدم قبول فكرة الجبهة وإصرار الفئات الأخرى على أي من صيغ الاحتكار السياسي ، لابد من الرجوع إلى رأي الشعب ضمن إطار الديمقراطية الموجهة ، بعد إزالة الأوضاع الاستثنائيـة على الفور بإطلاق الحريات الحزبيـة واعلان الدستور الدائم وأجراء الانتخابات العامـة ، ليقرر الشعب ، صاحب السيادة ، بإرادته الحرة ، ماهية القوى التقدمية الجديرة بتحقيق أمانيه وآماله . أننا واثقون إن جماهير الشعب تزداد إدراكا وحدسا لهذه الحقيقة الأساسية ، وأملنا إن تكون القوى التقدمية الأخرى على مستوى الأحداث ، فتتجاوز نظراتها الضيقة ، وتوسع من افقها التاريخي ، وتتطهر من السخائم والأحقاد ، فتتحد في جبهة ثورية متماسكة لمواصلة إنجاز الأهداف الكبرى لثورة تموز المجيــدة .
الهوامش
32. تحسين السوز:(لماذا ترفض الجماهير الحزب الشيوعي العراقي،صحيفة الثورة العربية،عدد 12/4/1967).
33. راجع كتعبير مركز عن مجموع أفكار (الردة ) في الإصلاح الزراعي، تشريعا وتطبيقا ، نقدا للماضي ورصدا للمستقبل ، دراسة يوسف جواد المعمار ( من مشاكل الإصلاح الزراعي في العراق ، الاقتصاد نيسان/1967) ، والشعار الرئيسي –كالمعتاد- شعار (معاداة الشيوعية).
34. في دراسة أخرى عن مشاكل التقدم الاقتصادي، جريدة الثورة العربية ، 21/3/967)يرى السيد مناف ( بان فترة الأربعينيات والخمسينيات هي فترة تحول العراق من الاقتصاد شبه الإقطاعي إلى الاقتصاد شبه البرجوازي) .
35. في دراسته عن (مشكلة الأرض والإصلاح الزراعي في العراق،الثورة العربية، 16/4/967)، يعرض الكاتب ضمنا بالحزب الشيوعي ويجعله مسؤولا عن النكسة في تطبيق قانون الاصلاح الزراعي حيث يرجعها إلى ( الطفولة السياسية ) التي أعقبت ثورة تموز و ( الكسب الدعائي الكمي الذي أضاع النوعيـة على الفلاحين ).
36. يؤيد هذا الرأي الكثير من خبراء الشرق الأوسط الأجانب،مثال ذلك(جورج كيرك:السياسة العربية المعاصرة،1961،بالإنكليزيـة) حيث يرى إن فكرة القاهرة عن الوحـدة هي الفكرة المركزيـة الدكتاتوريـة،وقد عارضتها الفكرة العراقية الأكثر تحررية وديمقراطية،والتي كانت تلتف حولها الطبقة المثقفة اليسارية).
37. مذكرة السادة مصطفى علي وجماعته (دراسات عربية،عدد اكتوبر، 1966) .



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر الرجعي في العراق – القسم الثاني
- الفكر الرجعي في العراق – القسم الاول
- في تاريخ وسياسة ثورة 14 تموز 1958 المجيدة
- مشاكل الجدل في - رأس المال –
- الرأسمالية نظاما (3 – 3)
- الرأسمالية نظاما (2 – 3)
- الرأسمالية نظاما (1 – 3)
- اعوام ثقيلة تمر على رحيل الدكتور ابراهيم كبة
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (7-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (6-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (5-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (4-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (3-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (2-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (1-7)
- اختطاف افراح شوقي يرفع الى الواجهة ملف جرائم الميليشيات وافع ...
- قانون الحشد الشعبي والميليشيات
- الشبيبة الديمقراطية العراقية وذكرى ميلاد اتحادها المجيد
- الحط من القيمة التاريخية لثورة 14 تموز في العراق - تعقيبا عل ...
- ديناميكا الفوضى في الطبيعة والمجتمع والنموذج العراقي


المزيد.....




- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلام ابراهيم عطوف كبة - الفكر الرجعي في العراق – القسم الثالث والاخير