أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلام ابراهيم عطوف كبة - الفكر الرجعي في العراق – القسم الثاني















المزيد.....



الفكر الرجعي في العراق – القسم الثاني


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 6844 - 2021 / 3 / 18 - 01:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


دراسة كتبها ابراهيم كبة عام 1967 – ولاهميتها نعيد نشرها

الفكـر الرجعـي في العـراق (2)
بقلم ابراهيم كبة
التاريخ:5/5/1967
وفي حقل التنمية الاقتصاديـة ، يركز الفكر الوسطي على طمس التناقض الجوهري بين التنميـة الكومبرادورية ( الاستثمار الأجنبي المباشر او المقنع ، اعتماد المؤسسات الأجنبية والتابعة للقيام بالتنمية ، تبني أسلوب الشركات الاستشارية والمقاولة ، أسلوب المناقصات العالمية الرأسمالية …الخ) والتنمية الوطنية والقومية ( التحرر الكامل من الاستعمار الجديد ، وضع الأسس المادية للتحولات الاجتماعية ، قاعدة الصناعة الثقيلة ، الترابط والتوازن والتفاعل بين الهياكل الاقتصادية والقطاعات الأساسية ، الدور القيادي للقطاع العام ، رفض التنمية الرأسمالية ، أسلوب التعاون مع الدول الاشتراكية والمتحررة ، التخطيط العلمي للاقتصاد العربي …الخ ) ، واقتراح حلول وسطية تساومية ، هي من حيث الأساس استمرار للتنميـة الكومبرادوريـة وتكييفها مع مستلزمات الاستعمار الجديد وتنامي الوعي الوطني ، واحلال استثمار البرجوازية بفئاتها القديمـة والجديدة ( البيروقراطيـة ، العسكريـة ، التكنوقراطيـة … الخ) محل استثمار الطبقات القديمة .وفي هذا الإطار الاستغلالي الطبقي الصرف ، ترفع القوى الوسطية اليوم شعارات المشاركة الوطنية الأجنبية في الاستثمار ، مشاركة القطاع العام والخاص ، إعادة المشاريع المؤممة الى القطاع المختلط ، تعريق المؤسسات الأجنبية ، التمويل من المؤسسات المالية الدولية المشبوهة التي تمثل الاستعمار الجماعي في الواقع (24) ، محاربة القطاع العام والتأميم وأسلوب التعاون التكنيكي والاقتصادي مع الدول الاشتراكية ، الترويج لأفكار الاعتماد على الزراعة (25) والصناعة الاستخراجية والخفيفة والخدمات غير الإنتاجية ، وتجنب الصناعة الثقيلة (غير الاقتصادية ! ) وفصل التنمية عن شروطها الاجتماعية والسياسية والتركيز على مستلزماتها التكنولوجية والتنظيمية (26) ، واخيراً وليس آخراً الدفاع المكشوف او المقنع عن سياسة مجلس الأعمار سيئة الصيت . إن الدفاع عن مجلس الأعمار للعهد الملكي ، لم يقتصر على ساسة العهد المذكور التقليديين (مثلا خليل كنه في كتابه عن العراق ) ولم يقتصر على الأساتذة الجامعيين الذين كانوا وما يزالون أبواقا للفكر الاقتصادي الغربي الليبرالي والليبرالي الجديد ، وفي احسن الأحوال ،الكينزي ،بل تعدى ذلك إلى كبار المسؤولين من وزراء ومخططين وكبار الموظفين ، حتى بين أولئك المنتسبين لبعض الفئات القومية التي تدعو للاشتراكية والاشتراكية فوراً . مثال ذلك السيد وزير التخطيط في كلمته التي قدم بها ( المذكرة التفسيرية للإطار العام للخطة الاقتصادية للسنوات الخمس 1965 /1969 ) حيث جاء فيها دفاع صريح عن سياسـة مجلس الأعمار . يقول السيد الوزير ( كان العراق … أول قطر عربي يتحرك إلى حل مشكلة التخلف الاقتصادي منطلقا من تصور صحيح لطبيعتها وشروط مواجهتها ) ( ولذلك وجه العراق الحديث منذ البداية الجزء الأكبر من موارده النفطية إلى أعمال العمران رغم المغريات الكثيرة الحافزة على تبذير هذه الثروة القومية ) ، وواضح انه يشير بذلك إلى عراق نوري السعيد ومجلس أعماره . ثم يتابع قوله كما يلي ( وحرص العراق منذ البدايـة على أن تكون برامجـه العمرانيـة برامج مدروسة ، فكان من أوائل الدول التي استعانت بالبنك الدولي وبغيره من مصادر الخبرة العالميـة لتصميم هذه البرامج ) . وإذا كان هذا هو تصور الوزير المسؤول لمفاهيم الأعمار والتخطيط والعلم والخبرة ، فهو من عجب أن ترى المذكرة التفسيرية للخطة مشبعة بهذه الآراء التي تدافع صراحة عن مفاهيم الاستعمار الجديد تحت اسم النظام الاشتراكي او العدالة الاجتماعية ؟ وكمثال واحد على ذلك نشير الى الفقرات المتعلقة ب (القروض الأجنبية ) والدفاع المكشوف عن الاستثمار الأجنبي الخاص المباشر ، وذلك – كما تقول المذكرة – ( بإنشاء الشركات الأجنبية مشروعات في العراق وأدارتها والحصول على الأرباح وسيطرة ورقابة المستثمر الأجنبي على المشروع )، على أساس إن هذا النوع من الاستثمار الأجنبي ( يساعد على زيادة المعرفة الفنية والإدارية والتنظيمية وعلى تنميتها والاستفادة من المستخدمات العراقية وتشغيل الأيدي العاملة وتدريبها وتوسيع السوق المحلية وزيادة التصدير ) . أما أسلوب اتفاقيات التعاون الفني والاقتصادي مع الدول الاشتراكية ، وهو الأسلوب الذي تميزت به التنمية اللاراسمالية في العالم الثالث كما هو معروف ، فان هذا التقرير الرسمي يهاجمه بما لم يجرأ عليه حتى عملاء الغرب المكشوفون . فهذه القروض العينية هي قروض ( مقيدة ) وهي ( اخطر أنواع القروض الأجنبية وأكثرها مشاكل ) كما أنها فضلا عن ذلك قروض ( احتكارية ) وان السلع التي تقدمها ( مشكوك في جودتها ومرتفعة الثمن ) بل إن ( الانخفاض النسبي لسعر الفائدة إنما هو انخفاض صوري من السهل تحميله على ثمن السلع او على حساب نوعيتها وجودتها ) . ويوصي التقرير ضمناً بإلغاء هذا الأسلوب من أساليب التنمية ، باشتراط عرض المشاريع التي تتضمنها الاتفاقيات على ( جهات استشارية عالمية ) ثم (إعلانها في مناقصة عالمية ) ثم ( إحكام الرقابة على تنفيذ المشروع من قبل نفس الشركات الاستشارية العالمية …) . هل نكون متجنين إذا اتهمنا الحكم الذي يسمح بتبني مثل هذا اللغو ، بأنه يتحول موضوعياً الى مجرد أداة لتنفيذ مخططات الاستعمار الجديد ؟.
وفي حقل العمل والسياسة الاجتماعية ، نجد الفكر الوسطي يرفع شعارات ( المشاركة الاختيارية ) كستار للاستغلال الطبقي للعمال ، و ( السلام الاجتماعي ) كبديل عن الصراع الطبقي ، و ( طرق المزاملة في السيطرة الاجتماعية ) كبديل لأشكال النضال الطبقي للطبقة العاملة … الخ (27) .
أما في ميدان نظام الحكم فان القوى الوسطية تستغل كل سلبيات الحكم العسكري القائم في العراق وكل سلبيات تمزق الوحدة الوطنية ، وكل سلبيات تموز وما بعد تموز ، فتحمل الفئات (المتطرفة) مسؤولية ذلك ، وتطرح نفسها كبديل سياسي (لقيادة) المجتمع نحو الحرية والنظام والاستقرار والازدهار . وضمن هذا الخط العام لقيادة الثورة المضادة ، يطرح الفكر الوسطي الشعارات السياسية للاستعمار الجديد ، مع استغلال بعض الشعارات الشعبية ، من أمثال الديمقراطية الليبرالية والوحدة الوطنية والجبهة الوطنية وحكم القانون … الخ ولكن بشرط بسيط واحد هو احتكار الوسط للحكم وتفرده بالعمل السياسي وعزل الفئات التي ( لا تؤمن بالأسلوب الديمقراطي البرلماني وسيلة وغاية ) او كان ( في ماضيها ما يتعارض وذلك ) (28) .
واخيراً ففي ميدان السياسة الخارجية يروج الوسط لسياسة (التدرج في ربط العراق بنفس العوامل والمؤثرات التي كانت تحكمه قبل ثورة 14 تموز ) (29) ، أي العودة لسياسة المجال الإقليمي والارتباط بالمعسكر الغربي ، تلك السياسة البالية التي انعكست سابقاً في مواثيق ومشاريع سعد آباد والهلال الخصيب وحلف بغداد ، والتي تهدف الى تثبيت مواقع الاستعمار الجديد ، وتحويل العراق عن دوره الذي أهلته له ثورة 14 تموز كطليعة رائدة في معركة العرب التحررية ، وكقلعة من قلاع الكفاح ضد الإمبريالية بالتعاون المبدئي الدائم مع العالم الثالث المتحرر والمعسكر الاشتراكي .
* * * *
لقد أشرنا سابقاً الى المصدر الغربي الاستعماري لهذا الفكر الرجعي ، وهاك بعض الأمثلة – من مئات غيرها - على ذلك : في مقالة عن ( بعض اوجه المنظر الاقتصادي في العراق ) نشرتها مجلة (ميدل ايست أند جورنال /1964 ) هاجمت الأستاذة الأمريكية كاتلين لانكلي اتفاقيات التعاون الاقتصادي والفني مع الاتحاد السوفييتي زاعمة ان اهتمامات الخبراء السوفييت تتركز في تجهيز البلدان النامية بالتجهيزات التي لم تعد صالحة للاقتصاد السوفييتي اكثر من اهتماماتها بفائدة تلك البلدان . وفي دراسة أخرى نشرتها نفس المجلة عام 1965 عن (تطور العراق الزراعي) هاجم الكاتب الإنكليزي جون سيمونز قانون الإصلاح الزراعي واعتبره المسؤول الأول عن انخفاض الإنتاج وركز هجومه على القطاع العام والمزارع الحكومية الكبرى . وفي كتاب مشهور للكاتب الفرنسي بيير روسي عن (عراق الانتفاضات/1962 بالفرنسية) تشكيك واضح بطبيعة ثورة 14 تموز الوطنية ، والزعم بوجود دور للإنكليز في تفجيرها ، مع تعريض صريح بالاتفاقية العراقية السوفييتية ودور الرئيس مكملان البريطاني المزعوم في إقناع الروس للتوقيع عليها ، هذا بالرغم من بعض الجوانب الإيجابية في تحليلات الكاتب السياسي المذكور . إن مثل هذه الآراء وجدت صداها المدوي في كتابات مئات الكتاب العرب والعراقيين .
لا يمكن أن نستعرض في هذا المجال ألا بعض النماذج القليلة من هذا الفكر الرجعي القائم أساسا على محاربة الديمقراطية وتبرير الحكم الإرهابي وتمزيق الوحدة الوطنية والقومية وخدمة الاستعمار الجديد . وسوف نستعرض هذه النماذج بتفصيل واف في دراستنا المقبلة عن الفكر الرجعي في العراق . سنكتفي في هذه المقدمة بالإشارة فقط إلى بعض الآراء الاعتباطية للتسجيل لا للمناقشة .
لنبدأ النماذج بالسيد خلدون الحصري في كتابه (ثورة 14 تموز وحقيقة الشيوعيين في العراق /1963) . إن الخطوط العامة لهذا الكتاب هي معاداة الشيوعية ، معاداة الدول الاشتراكية ، معاداة الاشتراكية العلمية ، الدعاية للاستعمار الجديد ، تشويه مفاهيم القومية والاشتراكية والديمقراطية ، مسخ كل ما يتصل بثورة 14 تموز ، تشويه تاريخ العراق الحديث . إن بعض مسلماته التي ينطلق منها هي التالية :- الصراع الأساسي منذ اليوم الأول من ثورة تموز هو الصراع بين (القوميين العرب) و (الشيوعيين) – وليس بين الشعب وبين الاستعمار والرجعية – ، هدف ثورة تموز التي صنعها القوميون وحدهم هو إقامة النظام الاشتراكي والوحدة الفورية أما هدف الشيوعيين فهو سرقة الثورة بإدامة ( اصطناع المؤامرات) وخلق (السلطة المزدوجة) لغرض إقامة السلطة الشيوعية ، المنجزات الديمقراطية للثورة ( المنظمات الجماهيرية الشعبية ، الجبهة الوطنية المتحدة….الخ) هي منجزات ومؤسسات شيوعية لاغتصاب الحكم ، يحمل الشيوعيين وحدهم (لا الرجعية) مسؤولية فشل الإصلاح الزراعي وهزات الاقتصاد العراقي ، يعتبر منجزات الثورة الاقتصادية وسياستها الخارجية التحررية ( الاتفاقيات مع الاتحاد السوفييتي ، التمييز بين الدول الاشتراكية والإمبريالية ) دليلا على الانحياز للشرق ، يعتبر بداية العهد البائد هو عام 1941 أما قبل ذلك فعهد الاستقلال ، يشوه المفاهيم الماركسية بشكل مبتذل ( الاممية تعادي القومية ، البرلمانية تقابل الثورية ، الصراع الطبقي يساوي الصراع الدموي ، المادية الفلسفية تستبعد القيم الروحية ، المادية التاريخية تستبعد العوامل الجغرافية والنفسية وتساوي المادية الآلية ، الثورة الديمقراطية تعني إقامة حكم البرجوازية ، تحميل الاشتراكية العربية مفاهيمه الرجعية من قبيل الطابع القومي لا الطبقي ، البراغماتية لا الجدلية ، الغيبية لا العلمية …) ، يدين الثورات الاشتراكية وخاصة الروسية والصينية ويمجد التجارب الاشتراكية الديمقراطية الغربية كالعمالية في إنكلترا وحتى اشتراكية موليه في فرنسا ، جوهر الانحراف القاسمي شعوبي معاد للعروبة ، الحكم القاسمي هو ثمرة زواج الشيوعيين بقاسم ، يدين الإشارة إلى الطابع المتعدد للقوميات في العراق ، يعتبر الحزب الديمقراطي الكردي تابعا للشيوعيين ، مهرجان أنصار السلام هو الذي أدي إلى انفجار حركة الموصل …الخ .
أما دراسته الجديدة ( مقدمة في تاريخ العراق الحديث ) المنشورة في مجلة ( دراسات عربية /نيسان 1967) فانه يعمم التشويه والمسخ على مجموع التاريخ المذكور وخاصة على الفترة التاريخية 1936-1941 . انه يعقد مقارنة شكلية صرفة بين بعض المظاهر السياسية لهذه الفترة وبين سياسة الجمهورية العربية المتحدة بعد عام 1952 ، دون إدراك المحتوى الاجتماعي المختلف تماما بين الفترتين . أن المرحلة المذكورة في تاريخ العراق هي مرحلة مد رجعي مرتبطة بمرحلة المد الفاشي في العالم قبيل الحرب العالميـة الثانية ، تتميز بإلغاء الحياة الديمقراطية تماما ( إلغاء الأحزاب ، تزييف البرلمان ، إقامة نظم عسكرية مقنعة ، استخدام الجيش كأداة لقمع الشعب ، استخدام الطائفية كسلاح سياسي ، زج العشائر في السياسة الرجعية ، فهم القومية بمفهوم شوفيني وفاشي ، رفع الشعارات الوحدوية البروسية ، بسمارك العرب … الخ ) بعد خيانة الاخائيين لمبادئهم الوطنية التي تظاهروا بالدعوة اليها فترة طويلة ، وتكريس سياسة المساومة مع الاستعمار البريطاني التي لم تكن سياسة نوري السعيد إلا امتدادا طبيعيا لها . إن الكاتب يمجد هذه السياسة الرجعية التوفيقية ويصفها بالسياسة القومية ، بينما يصف المعارضة الوطنية والديمقراطية ( جماعة الأهالي ، الحزب الوطني ، جمعيـة الإصلاح الشعبي … الخ ) بالعداء الصريح للقوميـة ، على افتراض سخيف هو إن هذه المعارضـة كانت ( اشتراكية أعلنت الطلاق مع القومية ) ، وان هذا الطلاق كان فيما بعد سبب انتكاسة ثورة 14 تموز ، كما انه يصف الفترة الثانيـة الإرهابيـة من حكم السيد حكمت سليمان ( بعد استقالة الجادرجي وزملائه ) بأنها الفترة (العربية ) التي نتجت عن تعاون العناصر القومية مع حكمت وبكر صدقي (يقصد السادة علي محمود الشيخ علي ومحمد علي محمود وبقية الشلة ). كما انه يصنف ضباط الجيش إلى (الكتلة القومية ) و (الضباط الإقليميين ) ، وان الكتلة الأولى كانت نتاج السياسة التعليمية القومية لوالده السيد ساطع الحصري (30) . إن القومية العربية بمحتواها التقدمي والديمقراطي براء من هذا التزييف المبتذل لتاريخ العراق الوطني (31) . إن هذه الشكلية العلمية ، والتي تؤدي عمليا إلى تشويه تاريخ الشعب الوطني هي من السمات الثابتة للمدرسة التاريخية البرجوازية في العهد الإمبريالي . وبمناسبة الحديث عن جماعة الأهالي أشير إلى مقالة السيد مجيد خدوري عن ( اتجاهات الفكر السياسي في الوطن العربي –مجلة – حوار -/ نيسان 1967) حيث يعقد مقارنة شكلية أيضا بين هذه الجماعة وبين الحزب القومي السوري لأنطوان سعادة ، على أساس إن مبادئ كل منهما هي ( مزيج من الديمقراطية والاشتراكية!).
إن نسبة حركة الشواف في الموصل إلى (انصار السلام) او ( افتعال الحزب الشيوعي ) او استفزاز ( الأكراد والشعوبيين)…الخ من المسلمات الشائعة في الفكر السياسي ( القومي) . ولكن السيد محمود الدرة في دراسته الجديدة للموضوع ( ثورة الموصل بعد سبع سنوات – دراسات عربية /نيسان 1966) – إذا تركنا دفاعه عن مجلس الأعمار الملكي وهجومه على ثورة تموز وجميع إنجازاتها وعلى الحركة الديمقراطية الكردية وسائر القوى الوطنية – كشفت عن حقائق مهمة :- التفكير في الحركة بدأ من أواخر آب 1958 (أي قبل تفجيرها بستة اشهر) وان التخطيط لها كان واسع النطاق جداً يشمل قادة الجيش والأحزاب القومية ورئيس مجلس السيادة والتركمان في كركوك والعشائر الكردية وخاصة عشائر شمر ، وان الشواف لم ينضم للحركة الا قبل أسبوع واحد من قيامها ، وان دور العربية المتحدة في إثارتها والمساهمة في تنفيذها كان بارزاً ، وان أنصار السلام لم يشتركوا في المعركة إلا بعد (لا قبل ) احتدامها في الأيام القلائل اللاحقة لاندلاعها . ان الدرة خبير في هذه الحركة لانه واضع بيانها الأول كما يؤكد ( ولا ينبئك مثل خبير ) . هذا وبالمناسبة فان اكثر المعلقين السياسيين الأجانب كانوا قد كشفوا عن بعض هذه الحقائق منذ مدة طويلة ، نشير مثلا الى مؤلف موريس هراري ( الحكومات والسياسة في الشرق الأوسط /1962 ) حيث جاء فيه أن القوى الرئيسية التي قامت بحركة الموصل هي(شيوخ العشائر،تجار الموصل الأغنياء،وبعض ضباط الجيش العاطفيين على عبد الناصر – ص 102/103 من النص الإنكليزي).
* * * *
من المقولات السياسية التي ما يزال يرددها أغلبية القوميين ، هي إن ثورة تموز فجرتها القوى القومية وحدها او الكتلة القومية في الجيش ، وان القوى الديمقراطية التي لم تستسغ الوحدة الثورية بعد تموز لمحتواها اللاديمقراطي ، هي التي انقلبت على الثورة وخططت منذ البدايـة لسرقتها وانتزاع السلطة . ولكن السيد فؤاد الركابي يفند كلا المقولتين ، في كتابه عن ( القومية ، حركتها ومحتواها /1963). وهذه هي بعض الأفكار الرئيسية التي يهمنا التأكيد عليها في هذا الصدد : - يرى إن ( الجبهة الوطنية ) هي التي تمثل ( القوى الرئيسية ) لثورة تموز ، أما (القوى العسكرية الوطنية ) فهي ( قوى ثانوية ). كذلك يعترف صراحة بان معركة المرحلة الجديدة بعد نجاح ثورة تموز في إسقاط النظام الملكي هي ( معركة تحقيق الوحدة مع العربية المتحدة ) ، ولما كان من الواضح عدم استعداد الحكم في العراق للوحدة الفورية ، أصبحت استراتيجية المرحلة الجديدة إسقاط هذا الحكم . يعترف صراحة بان مخطط الوحدويين كان (السباحة مع التيار ) الثورة ، والخضوع ( لظروف زخم الثورة ، ثم محاولة تعويض هذا التيار رويداً رويداً ويوما بعد يوم ) وذلك لكسب الجماهير ، ثم بعد ذلك ( خوض المعركة مع الحكم ) لإسقاطه والحاق العراق بالعربية المتحدة . يعتبر القوى المعادية للثورة العربية أربع :
قوى الاستعمار العالمي ، قوى الصهيونية العالميـة ، قوى الرجعية العربية ، واخيراً قوى الشيوعية ( كعقيدة وحركة) ، ويقصد بها ليس الأحزاب الشيوعية العربية فقط بل ( العناصر والقوى المؤيدة لها) أما السبب في اعتبار الشيوعية قوة معادية للثورة فهو التزامها ( بالإيديولوجيـة الماركسية اللينينية) وهي إيديولوجيـة مستمدة في نظره ( من واقع غير الواقع العربي) ، ومعادية ( عداء حقيقيا لاهداف الأمة العربية) . هذا مع العلم بان الكتاب من ألفه إلى يائه محاولة ساذجة لاستخدام الماركسية لفلسفة الاحتكار السياسي والتبعية للناصرية .
* * * *
اغلب القوميين يرون إن جوهر الانحراف القاسمي هو ( الشعوبية ) أي معاداة القومية العربية . ولكن السيد محمد جميل بيهم رئيس المجمع العلمي اللبناني يؤكد على طابع (التبعية) في الحكم القاسمي ، او حسب تعبيره (الارتماء في أحضان موسكو ) . والسبب في هذا اللقاء بين قاسم وموسكو هو سحق العروبيين ، وان دليله على هذه التبعية هو الوفود المتبادلة بين البلدين وتزويد العراق بالسلاح والمساعدات الاقتصاديـة ( لتوهمها بان هذا القطر وقع في قبضتها ) . أما مصادره الموثوقة عن هذه التقديرات والأحكام فهي وزارة الخارجية البريطانية من جهة واقوال هاشم جواد بعد انقلاب شباط 1963. أما الاتفاقيات المكبلة للعراق في زعمه فهي الاتفاق الثقافي والاتفاقيات التجارية وعلى الأخص طبعاً اتفاق التعاون الاقتصادي والفني مع الاتحاد السوفييتي ، الذي أفسح المجال لاستخدام 200 أخصائي سوفيتي للعراق أو بكلمـة أخرى (200 عين من عيون موسكو ) . إن ما يثير المؤلف الأكاديمي المحترم هو( إن صادرات العراق للاتحاد السوفييتي تزايدت يوما بعد يوم حتى ان منظمات التجارة الخارجية السوفييتية اشترت 15% من صادرات العراق من التمور و20% من الصوف و70% من الجلد الخام ). ومعنى ذلك إن العراق الجمهوري ( تحول إلى موسكو من الناحية السياسية أيضا بعد أن كان العراق الملكي يضع كل اعتماده على لندن). أما دليله على هذه التبعية السياسية فهو ( إن أربعة من ممثلي الكتلة الشرقية دعوا للكلام في حفلة الاحتفال بوفاة الكندي بينما لم يكن الخطباء إلا واحد من الكتلة الغربية ). ولله في خلقه شؤون.
* * * *
السيد ياسين خليل يطرح نفسه (كمنظر) للحكم العسكري القائم في العراق ، وهذه بعض آرائه التي يتناسب بمستواها مع مستوى الحكم المذكور (الأيديولوجية العربية 1966). إن هدف ثورة تموز – حسب زعمه – هو (انضمام العراق إلى الجمهورية العربية المتحدة) ، وعليه فأن جوهر الانحراف في الثورة هو الامتناع عن ذلك . يدعي إن مخطط الحزب الشيوعي العراقي كان يستهدف (إقامة جمهورية شعبية شيوعية في العراق تكون نقطة انطلاق لاتحاد او وحدة البلدان العربية تحت ستار الشيوعية الدولية )، غير مدرك انه هنا يناقض نفسه فيما سبق ، إذ لو صح وهمه المذكور ، كان معناه إن الحزب الشيوعي لم يكن ضد ( الوحدة) بل ضد شكل ومضمون محددين للوحدة المطروحة . يدعي أن الدعوة ( للاتحاد الفيدرالي )(ماهي ألا نتيجة حتمية منتظرة لنظرة الشعوبية للأقطار العربية على أساس إنها كيانات مختلفة لا يمكن أن تتوحد في دولة واحدة )، والظاهر إن الأستاذ الجامعي يتوهم ان الاتحاد الفيدرالي لا يكون دولة واحدة . ينقد الرأي الذي (ينظر للمجتمع العربي على أساس طبقي تتصارع فيه الطبقات ) وعدم النظر ( إلى الأمة برباطها القومي )، متوهما وجود تناقض بين الإطار القومي والتركيب الطبقي للامة. واخيرا فهو يؤكد بان طرح شعار ( الأحزاب المتعددة ) يستهدف ( إثارة التناقضات الطبقية) ، متجاهلا بان التناقض هو محرك التطور ، وان تعدد الأحزاب يقتضيه بالضبط وجود التناقضات الاجتماعية .
* * * *
في ذروة الازمة النفطية التي أثارتها شركة نفط العراق في خريف 1966 ضد سوريا والعراق كجزء من مخطط استعماري مكشوف لقلب الأوضاع نهائيا في المنطقة العربية لصالح الثورة المضادة ، قام السيد محمود الدرة ( مع بعض الساسة الآخرين) بنشاط بارز ، سجل أحداثه الرئيسية فيما بعد في كتيب بعنوان ( آراء في مشاكل عراقية /1967)، نلخص فيما يلي بعض آرائه لدلالتها البالغة : يزعم السيد الدرة إن النفط هو(المورد الأساسي الوحيد الذي تبقى له بعد أن وجهت إلى اقتصاده القومي وصناعته النامية الضربة تلو الضربة ). يعترف بان شركات النفط تريد الضغط على العراق لاعادة بعض حقول النفط المنتزعة بموجب قانون رقم 80 ، ولكنه يؤكد على جانب آخر يسميه الجانب السياسي وهو ( إن ثمة صراعا دوليا لمحاولة السيطرة على العراق ). يزعم إن سوريا هي التي تسببت في وقف ضخ النفط العراقي ( لمنعها الشركات من شحن البواخر) من بانياس ، دون الإشارة إلى السبب الحقيقي وهو امتناع الشركات عن تنفيذ التشريـع السوري الجديد . يطلق على الوطنيـين الذين أيدوا الموقـف السوري ( الغوغائيين والوصوليين)، وعلى الذين أيدوا موقف الشركات ( الأحرار العراقيين). يتهم الحكومة باتخاذ موقف يتسم (بالتخاذل والخوف) ، ليس أمام الشركات طبعا، بل أمام الحكومة السورية . يتهم سوريا ( بالإضرار بمصالح العراق الحيوية ) وبتدبير (مؤامرة تريد السوء بالوطن والشعب ) ( وبالمساس بالسيادة الوطنية ). يكرر اعتقاده بوجود (مخطط دولي للقضاء على الكيان العراقي ) بوقف نفطه . يزعم انه من غير الممكن عمليا ( وضع سياسة نفطية موحدة) في المستقبل القريب ، وان ( الغرب يستطيع أن يستغني عن نفط العراق بدون مصاعب تذكر) وان ( الشيوعية الدولية) ترغب بقيام العرب بما يؤدي إلى إيقاف الإنتاج ليتسنى ( لكلا المعسكرين الوصول إلى أهدافهما السياسية في العراق )، وان فكرة بيع النفط إلى دول المعسكر الشرقي إنما هو ( تضليل من خبثاء على مغفلين). يتنصل من مسؤولية دعوته إلى ( التأميم ) وينكر هذه (التهمة) بتاتا .
وفي مقال كتبه السيد الدرة في صحيفة( المنار /18/2/1967) بعنوان ( لماذا نفط العراق ؟) سجل الآراء التالية: إن دعوة التأميم معناها التدليل بنفط العراق من قبل ماخوس والطريقي والاشتراكيين العرب و (خلفاء حبال السحل الحمراء) . يكرر كون (العراق هو الهدف الخطير الذي يتوخاه كلا الاستعمارين الشرقي والغربي). أما الهدف من ذلك فهو ( إفقار العراق بالقضاء على موارده خطوة بعد خطوة ومرحلـة بعد مرحلـة ) . يهاجم الإصلاح الزراعي ( وبعد سنة واحدة فقط من قيام الثورة صرنا نستورد … الخ )، وفكرة التأميم ( النفط هو الهدف الأخير الذي تركزت حوله جهود أعداء الشعب العراقي لكي يلحقوه بركبهم ، ولهذا السبب أعلنوا إن نفط العراق للعرب) . يزعم إن (المنطقة المطرية في شمال العراق هي وحدها التي خففت من تدمير جهاز البلاد الزراعي لان قانون الإصلاح الزراعي لم يدخلها بعد ) . يهاجم الدول الاشتراكيـة زاعما مثلا إن الصين ( باعت غطاءها الذهبي كله لتشتري لقمة عيشها ) . لم يتردد في نشر النص الكامل لبيان شركات النفط في كتيبه دعما لوجهة نظره . واخيرا يهيئ الجو لبداية معركة رجعية أخرى ضد مشروع سد الفرات السوري ، وقد بدأتها الرجعية العراقية والعربية فعلا ، كما يعلم الجميع .
* * * *
المحامي عبد الرزاق شبيب يتصدى اليوم لقيادة إحدى الكتل السياسية الاشتراكية في العراق ، فلا بد من الإشارة الى بعض مفاهيمه القيمة في هذا الموضوع الخطير ( الاشتراكية العربية /1963) : يهاجم الكاتب النظامين الرأسمالي والشيوعي معا باعتبارهما عدوين للامة العربية على صعيد واحد ، ثم ينتهي إلى هذا المفهوم للاشتراكية العربية التي يدعو أليها ( اشتراكية تقدمية عادلة ذات وجه عربي وضاح الملامح والقسمات ، تنبع من ضمير الشعب العربي ، غير مقتبسة من غرب ولا مستوردة من شرق ، نبتت مبادئها في رحاب الجزيرة العربية قبل الإسلام ثم تناولها الإسلام بالصقل والرعاية والتنفيذ ، هي حرة في تفكيرها واتجاهها وهدفها ، فهي من العرب والى العرب ) . إلا أن تفاصيل الكتاب نفسه يكذب زعم المؤلف بأنها غير مقتبسة من الغرب ، فهي في الحقيقة مسخ كاريكاتوري لبعض خطوط الاشتراكية الديمقراطية الغربية وخاصة الاتجاه الفابي ، من دون هضم واستيعاب . وأننا لنكتفي بهذه الفكرة ( الخلاقة) للكاتب ، حيث يرى إن الاشتراكية – كنظام اجتماعي واقتصادي – قد مرت في ثماني مراحل تاريخية وهي ( مرحلـة الرق ، مرحلة الإقطاع ، مرحلة الدولـة ، مرحلة الرأسمالية الحرة ، مرحلة الاشتراكيـة الإسلاميـة ، مرحلة الشركات الاحتكارية ، مرحلة الشيوعية ، مرحلة الاشتراكية الحديثة ) ، وهو يدعو طبعا للاشتراكية في آخر مراحلها واصفا إياها بأنها ( الاشتراكية الإسلامية المتطورة ).
إن موقفنا من الفكر القومي الجديد ، وهو يمثل من حيث الأساس فكر البرجوازية الصغيرة بمراتبها المختلفة ، موقف مختلف طبعا عن موقفنا من الفكر الرجعي بشكليه القديم والجديد . إننا إذ ندين الفكر الأخير ونعتبره في الطرف الآخر ( الإمبريالي ) من الصراع الاجتماعي ، ندرك الطبيعة الرجراجة المتناقضة ، الانتخابية ، البراغماتية ، الانتهازية ، التقدمية نسبيا ، للفكر القومي على العموم . إن المرحلة الحالية في البلاد العربية المتقدمة على الخصوص، تشهد انفجارا مدويا في عناصر الفكر القومي بسبب تقدم الثورة العربية إلى أمام ، وتضافر العوامل الموضوعية والذاتية لوضع حد للدور القيادي لقيادات البرجوازية الصغيرة رغم إصرارها على الاحتكار السياسي والقيادة الانفرادية . وهذا هو السبب الحقيقي لما يسمى ب (ازمة الثورة العربية ) وما هو في الحقيقة إلا ازمة ( القيادة البرجوازية الصغيرة ).
إننا في هذه المقدمة الموجزة لن نستعرض المنطلقات النظرية الخاطئة ، والتخريجات (الماركسية) المتعددة لهذا الفكر، كما إننا لن نشير إلى جوانبه الإيجابية المتعددة وخاصة الجوانب النقدية للفكر القومي التقليدي ( فتلك ستكون بعض موضوعات دراستنا المقبلة) ، ولكننا نكتفي باستعراض لبعض الأخطاء في تقييم ثورة تموز ، مما يتنافى في نظرنا حتى مع التحليلات النظرية لبعض الفئات القومية المتقدمة نفسها من الفكر القومي ، وتلتقي –للأسف- مع تقديرات الفكر الرجعي والوسطي المشبوه .
* * * *
في كتاب السيد ياسين الحافظ ( حول بعض قضايا الثورة القومية /1965)-وهو يضم دراسات على مستوى مختلف جدا من الجدية والعلم ولا يخلوا من بعض التناقضات الواضحة – بعض التحليلات النافعة ، ولكنه بسبب بعض مسلماته النظرية الخاطئة ، ينتهي إلى تقديرات ، هذه بعض الأمثلة عليها : ثورة تموز هي ( صدى مباشر وغير مباشر ) لولادة الجمهورية العربية المتحدة . نزول القوات الاستعمارية في لبنان والأردن كان (لمنع انضمام العراق للعربية المتحـدة ) على افتراض مزعوم هو ( وضوح إمكانية الانضمام ) عند نزول القوات المذكورة . يعترف بان ( اقتتال القوى التقدميـة المعاديـة للاستعمار ) هو الذي ( هيأ موضوعيا سبيل النجاح لمخططات الإمبرياليـة ) وان ( المسؤولية مشتركة يتحملها الطرفان) ولكنه لم يحدد مسؤولية القوميين . سبب جلاء القوات من لبنان والأردن ( في قمة المرحلة الكاستروية ) هو اطمئنان الاستعمار لعدم تأييد السوفييت لسلطة شيوعية في منطقة بترولية حاسمة ، مما يؤكد في نظره أن الغاية من نزول القوات كانت منع الوحدة ، بينما الصحيح والواضح إن خطر الثورة زال بزوال وحدة القوى الثورية ، مما يدل – عكس ما يقول المؤلف –على إن الخطر هو التحول الثوري وليس الوحدة الفورية . يرى إن انحرافات الحزب الشيوعي العراقي مزدوجة : ( يمينية) من جهة – دفاعه عن مصالح البرجوازية العراقية- و(إقليمية) من جهة أخرى- تنكره لعروبة العراق- بتدليل كلامه ( عن الطابع المتعدد القوميات للجمهورية العراقية). حجر الزاوية في استراتيجية الاستعمار ضد الثورة العربية هو (منع الوحدة ) ، في حين أن نفس تحليله يقضي إلى اعتبار ( الرجعية) هي حجر الزاوية، وليس التجزئة ( يخلط الكاتب هنا بين الإطار والقوى الاجتماعية ). وبالمناسبة ، ففيما يتعلق بموقف الاستعمار العامة ، والأمريكي خاصة ، من الحكم القاسمي والحكم الناصري ، يتضح من تحليلات السيد هيكل الأسبوعيـة ( الصحف العراقيـة الصادرة بتاريخ 28/4/1967) - وهو الخبير الناصري المطلع على بواطن الأمور – إن الخطر الأكبر في نظر الاستعمار المذكور لم يكن الخطر الناصري ، بل على العكس، خطر التحول الثوري الجذري في العراق . كذلك نجد أن المسلمات النظرية الخاطئة التي ينطلق منها السيد الياس مرقص في كتبه النظرية ، تنتهي به الى نتائج عملية بالغة الخطر على مستقبل الثورة العربية ، يلتقي فيها من حيث النتيجـة بآراء اليمين الرجعي في مسخ تاريخ العراق بعد تموز. وهذه بعض النماذج من هذه الآراء : ( تاريخ الأحزاب الشيوعيـة في الوطن العربي /1964 ). من منطلقات نظرية خاطئة لا تهمنا الآن ينتهي الكاتب إلى الأحكام التاليـة : تداعي الأحزاب الشيوعيـة في الوطن العربي قانون تاريخي ، وذلك لتبرير ( تصفيـة) هذه الأحزاب ، أي إلغاء الديمقراطية واقامة الدكتاتورية الفردية واتهام المعارضة بالخروج على الثورة أي الخيانـة – وكل ذلك باسم (الماركسية الحيـة) . هدف الحزب الشيوعي العراقي بعد ثورة تموز هو (( الوثوب للحكم)) . اتهام جميع الأحزاب التي تعترف بتعدد القوميات في العراق بمعاداة العروبة . التركيز على (شعوبية) قاسم كجوهر للانحراف . يفهم استراتيجية (الجبهة الوطنيـة) باليمينية والمنشفية، خالطا بين ( قوى الجبهة ) و ( قيادتها) . يفلسف (الاحتكار السياسي ) والدكتاتوريـة الطبقيـة ، بحجة ( وحدة المركز القيادي للثورة ). يهمل كفاح الشعب العراقي في تفجير ثورة تموز وينسبها الى العوامل الخارجية للثورة ، كالمد العربي والجيش. يمسخ شعار ( الاتحاد الفدرالي ) الذي أجمعت عليه القوى الديمقراطيـة ، ويعتبره معاديا للوحدة . ينسب ( الصراع والتمزق) بعد تموز الى الشيوعيين وحدهم ، متجاهلا ابسط حقائق التاريخ المعاش. يشوه بفضاعة دور الحكم القاسمي وينسب أليه عملية ( فصل سوريا عن مصر ) ويضعه بجانب الاستعمار ضد القومية العربية .
الهوامش
24. دافع عن هذا الرأي بحماس عبد الرزاق الربيعي في مقالته عن ( رؤوس الأموال الأجنبية ، مجلة الاقتصادي ، آب وأيلول /1962) باعتبار إن هذه المؤسسات الاستشارية المشبوهة تعكس ( تحسن الضمير العالمي في مضمار الإنماء ) وبحجة (القضاء على الازدواج السلوكي الذي يطبع تصرفات العهود المندثرة )، وهو يقصد طبعا إدانة السياسة الاقتصادية التحررية لثورة تموز .
25. يروج اقتصاديو العهد الحالي،وهم نفس اقتصاديي العهد الملكي،بشدة لفكرة اولوية الزراعة على الصناعة،وطرح الزراعة كبديل عن الصناعة او كمرحلة يجب أن تسبق المرحلة الصناعية،بدون أدراك الطابع الجدلي والحركي لعملية النمو الاقتصادي ( الوحدة ، الترابط ، التوازن ، الآثار التراكمية … الخ لقطاعات الاقتصاد ) – راجع على سبيل المثال عبد الوهاب الأمين ( دور الزراعة في التنمية الاقتصادية ، مجلة الاقتصادي ، آب /1965 ، القسم الإنكليزي) ومقالة عبد الوهاب الداهري : ( الملابسات في السياسة الزراعية ، مجلة الاقتصادي ، مايس/ 1966).
26. إن هذه الظاهرة ، ظاهرة عزل التكنولوجيا عن إطارها الاجتماعي ، تميز اكثر كتابات الجامعيين هذه الأيام ، وان كان بعضهم يصدر في ذلك عن حسن نية فيما يبدو ، مثال ذلك دراسة محمد عبد السعيدي : (تنسيق البحوث الزراعية في العراق ، صحيفة العرب ، 8/4/967). وقليل منهم من أدرك الشروط الاجتماعية والسياسية للتنمية ، مثلا دراسة محمد سعيد الخياط عن ( مميزات الإنتاج الحيواني في العراق ، صحيفة المنار ، 24/2/1967).
27. مهدي حسن زويلف : ( مكانة العامل والدولة في العلاقات الصناعية – الاقتصادي ، آب وأيلول / 1965).
28. من مذكرة حسين جميل وفائق السامرائي ومحمود الدرة الى السيد رئيس الجمهورية بتاريخ كانون الثاني /1967.
29. راجع صحيفة الاشتراكي ، نيسان /1967.
30. كشفت (مذكرات) ساطع الحصري ( الجزء الأول /1967) عن آراء شوفينية (موقفه من التعليم في كركوك ) وطائفية ( موقفه المتحامل من الوطني الكبير الشيخ رضا الشبيبي ) وتساومية مع الإنكليز والبلاط الملكي ( مواقفه من الملك فيصل الأول على الخصوص ). راجع كذلك الكتاب النقدي الممتاز الذي كرسه الياس مرقص للفكر القومي اليميني المثالي لساطع الحصري ( نقد الفكر القومي – ساطع الحصري ، 1967).
31. راجع عن تاريخ جماعة الأهالي كتاب فاضل حسين : ( تاريخ الحزب الوطني الديمقراطي /963).



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر الرجعي في العراق – القسم الاول
- في تاريخ وسياسة ثورة 14 تموز 1958 المجيدة
- مشاكل الجدل في - رأس المال –
- الرأسمالية نظاما (3 – 3)
- الرأسمالية نظاما (2 – 3)
- الرأسمالية نظاما (1 – 3)
- اعوام ثقيلة تمر على رحيل الدكتور ابراهيم كبة
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (7-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (6-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (5-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (4-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (3-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (2-7)
- -موريس كورنفورث والبراغماتية والفلسفة العلمية- (1-7)
- اختطاف افراح شوقي يرفع الى الواجهة ملف جرائم الميليشيات وافع ...
- قانون الحشد الشعبي والميليشيات
- الشبيبة الديمقراطية العراقية وذكرى ميلاد اتحادها المجيد
- الحط من القيمة التاريخية لثورة 14 تموز في العراق - تعقيبا عل ...
- ديناميكا الفوضى في الطبيعة والمجتمع والنموذج العراقي
- وطنيون ام همج ورعاع؟!


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلام ابراهيم عطوف كبة - الفكر الرجعي في العراق – القسم الثاني