|
حضور البعل في قصيدة “درب الانعتاق” للشاعر كميل أبو حنيش
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6825 - 2021 / 2 / 26 - 12:02
المحور:
الادب والفن
حضور البعل في قصيدة “درب الانعتاق” للشاعر كميل أبو حنيش "أهطل حزناً… تتساقط أحزاني في اللّيلِ كما الثّلجِ فأختنق وأحاذرُ ألا يستفردَ بي أحد الأحزانِ أوزّعها في بضعِ جهات كي لا أغرقَ في وحلِ الأوجاعِ وأنفتق أغدو في آخر ساعات اللّيلِ الحالك مثل جريحٍ ينزفُ فوق سفوح الثّلجِ البيضاءِ الشّاسعةِ سوادًا... تختلط الألوان عليّ ولا تلبث أن تنكمشَ الأحزانُ وتنغلق. تنبتُ أفراحي كزهورٍ حمراءَ على الثّلجِ الأبيضِ… أتسربلُ برداءِ الفرحِ إذا هبّ نسيمُ الفردوسِ المفقود سأبكي بقلبِ حنينًا وأصيرُ سحابةَ شوقٍ تندلق ***** أتدفقُ حلمًا كالغيمِ الأبيضِ يركضُ في الأفقِ… سألتمسُ النّومَ وأنطفئُ… أنصبُ مصيدةً للأحلامِ الهاربةِ… وأسترقُ النّظراتِ إلى حلمي فأرى أسرابَ فراشاتٍ وعصافيرٍ… أزهارٌ تتفتحُ في الحلمِ سأنطلق وأرى امرأةً تشبه حواء الأولى تتراءى من بينِ سديمِ الحلم تدنو وتلامسني وتهيئني بالحبّ وتلتصق أتذوقُ تفاحَ خطيئتها وتحطُ عصافيرَ الحلمِ على مهدِ القلب ثم تطيرُ وتحترق **** أتساقط حبًا…تنهمرُ كزخات المطرِ… تنتعشُ الصّحراء القاحلة بقلبي… أعتنق الحب إلهًا… يخترق القلب ويزدهرُ… أشتمُّ أريج الأزهار المتألقة على ثغر إله الحبّ… فأذوي وسط دوار العشق وأخترقُ جدران الزمنِ وأنطفئُ كموتٍ وأعودُ لأحيا… أنسلُّ كما الصّبحِ وأنفلتُ… أتخلّقُ ثانيةً في رحمِ زمانِ الحبّ فأنخلقُ أنزفُ موتًا يتبعني الموت كظلي فيساورني الشّك عن الفارقِ بين حياتي والموتِ وهل يختلفُ الظّلُ عن الظّلِ ويفترق؟ أبحثُ عن معنىً في لغةِ الكونِ... أذوبُ وأصبحَ مثل رذاذٍ يندفق أغدو قطرَة ماءٍ تتبخرُ في الشّمسِ وأنطلق وأدورُ بهذا الكون ولا أرغب في شيءٍ إلا أن أبعثَ في شكلِ فراشة تنجذبُ إلى النّارِ فتنخطف وتذوبُ على ألسنةِ النيرانِ وتنعتق.
أن تأتي قصيدة في هذا العصر للتماثل مع نص ملحمي غارق في القدم، فهذا يشير إلى أن التراث الثقافي ما زال حاضرا فينا ومؤثرا، كما أنه يشير إلى أن المكان/الأرض تترك عين الأثر في الأفراد والمجتمع بصرف النظر عن الزمن، وهذا يؤكد ـ بطريقة غير مباشرة ـ على أن وجود الفلسطيني على هذه الأرض يعود إلى آلاف السنين، وعلى ارتباطه بالأرض، لهذا نجد هذا التماثل بين النصوص الأدبية رغم الفارق الزمني الهائل بينها وبين من كاتبها، إذا ما قرأنا قصيدة "درب الانعتاق" سنشعر أننا أمام ملحمة البعل السورية، حيث هناك تماثل بين الملحمة وما جاء في القصيدة، بداية يأخذنا الشاعر إلى رحلة الغياب/الموت، وما يعانيه البعل/الشاعر من حزن/ألم على فراق احبته: "حزنا، تتساقط، احزاني، الليل (مكررة)، فأختنق، يستفرد بي، الأحزان (مكررة)، أغرق، وحل، الأوجاع، وأنفتق، أغرق، الحالك، جريح، ينزف، سوادا، تختلط، تنكمش، تنغلق، سأبكي" فكل هذه الألفاظ والمعاني موجوده في الملحمة، خاصة ما يتعلق برحلة غياب البعل التي بدأت بعد صراعه مع الموت/اليم، وانتهت بانتصار الأخير عليه، واللافت في المقطع الأول أن الشاعر يستخدم عين الفكرة التي جاءت في الملحمة، حيث يشير إلى الخراب الذي سيعم الأرض في حالة رحيل البعل، مذكرا بأن الفرح/الخصب سيختفي باختفائه، وهذا ما فعلته "عشيرة" أحدى أخوات البعل عندما ذهبت إلى الإله "إيل" لتذكره بصفات البعل: "...الآن سيحفظ بعل فصول أمطاره فصول الشتاء والثلوج سيرسل رعوده في السحب وبريق صواعقه إلى الأرض" ص305، الميثولوجيا السورية وديع بشور، فهذه الصفات نجدها حاضرة وبقوة في القصيدة من خلال استخدام الشاعر: "أهطل، تساقط، الثلج، جهات، سحابة" ومثل هذا التماثل يؤكد أن الإرث الثقافي السوري/الفلسطيني الذي ما زال حاضرا ومؤثرا. وتأكيدا على التلاقي بين ألفاظ ومضمون القصيدة مع الملحمة، يستخدم الشاعر رمزية موت/اختفاء البعل من خلال: " تنبتُ أفراحي كزهورٍ حمراءَ" فالحنونة الحمراء/شقائق النعمان، في التراث السوري/الفلسطيني تنبت مكان الدم الذي سقط من البعل أثناء صراعه مع الموت/اليم.
فالأفكار السورية حول الموت والحياة تتماثل مع الطبيعة،/الفصول، وهذا ناتج على العلاقة الحميمة بين الإنسان السوري والأرض، فكل موت يتبعه حياة، وكل حياة تنتهي إلى موت، في المقطع الثاني يأخذنا الشاعر إلى الفرح/الخصب/ لكنه لا يقدمه دفعة واحدة، بل بالتسلسل والتتابع، لهذا نجده استخدم: "سألتمس، أسترق" فهذا الاستخدام يشير إلى بداية النهوض/العودة إلى الحياة، التي جاءت ببطء وحذر، فبدا المقطع وكأن هناك حالة استيقاظ تحتاج إلى وقت حتى تكتمل. وفي حالة عودة الحياة تماثل القصيدة مع ما جاء في الملحمة، فهناك تركيز على صفات ركب السحب/البعل وعلى أثره في الطبيعة: "كالغيم، أبيض، الأفق، فراشات، عصافير، أزهار". ولم يقتصر الخصب على الأرض/الطبيعة، بل سيطال الإنسان/الناس، من هنا جاءت المرأة لتكمل عملية الفرح/الخصب: "امرأة، حواء، تلامسني، تهيئني، بالحب، أتذوق" فالرسالة التي بعثها البعل إلى "عناة" تحمل عين مضمون القصيدة: "بلقاح المحبة لقحي التراب اسكبي السلام في كبد الأرض والعسل في قلب الحقول تعالي إلي ولتسرع خطاك نحوي" ص311 الميثولوجيا السورية وديع بشور. بعد حالة التماثل مع البعل، يأخذنا الشاعر إلى حالة جديدة، حيث ينصهر الشاعر مع البعل، والقصيدة مع الملحمة، فالشاعر والبعل جاءا بصيغة واحدة في حالة الفرح/الخصب: " أتساقط حبًا…تنهمرُ كزخات المطرِ… تنتعشُ الصّحراء القاحلة بقلبي…" وأيضا في حالة الموت/الغياب: " وأخترقُ جدران الزمنِ وأنطفئُ كموتٍ وأعودُ لأحيا…" لكن الشاعر يتشب بالحياة أكثر من البعل، فالأخير عاد بعد مرحلة غياب كاملة، بينما الشاعر يعود إليها بسرعة "وأعود لأحيا"، وهذا يشير إلى تلهفه للحياة وحاجته للفرح. رغم هذا التلاقي إلا ن هناك فرق بين الملحمة والقصيدة، ففي الأولى جاء الحديث عن غياب البعل من خلال راوي الملحمة، بينما في القصيدة نجد الشاعر يتحدث عن نفسه، فلأنا حاضره في القصيدة: "أهطل، أوزعها، أغرق، أغدو، علي، أفراحي، أتسربل، سأبكي، أتدفق، سألتمس، أنصب، فأرى، تلامسني، تهبني، أتذوق، أتساقط، أعتنق، أشتم، فأذوي، اخترق، لأحيا، أنسل، أنزف، فيساورني، أبحث، أذوب، أغدو" وهذا ناتج عن حالة الأسر التي يعانيها الشاعر. ورغم تبانين صيغة (الراوي) بينهما، إلا أن مضمونهما وفكرتهم واحده، وألفاظهما متقاربة. القصيدة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال أبو حنيش.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة في رواية -ساقية- سميح فرج
-
الدهشة في مجموعة -من الأعماق- هارون الصبيحي
-
مجموعة -عنقود حامض- يوسف ضمرة
-
حضور المرأة في قصيدة -أيّام كان الحبّ- كميل ابو حنيش
-
كميل أبو حنيش قصيدة -طريق بمحض اختياري-
-
أدب الومضة في كتاب نزار كربوط -أحمري يبتلعه السواد-
-
فخري قعوار مجموعة البراميل
-
كمال ابو حنيش -جدليّة الزّمان والمكان في الشّعر العربيّ
-
السياسة الامريكية في المنطقة العربية
-
تعدد اشكال التقديم في مجموعة عصافير المساء تأتي سّراً محمد ع
...
-
النهاية في قصيدة -في البعيد البعيد- كميل أبو حنيش
-
كميل أبو حنيش الحلقة الثانية عشرة وجعٌ بلا قرار
-
الغلاء والإستغباء
-
رواية لم يكن مجرد -هبو- وفاء عمران محامدة
-
المرأة والتوازن في ومضة حسن قطوسة
-
فساد المؤسسات المدنية في رواية -حين يعمى القلب- ل-وداد البرغ
...
-
كميل أبو حنيش الكبسولة الكتابة والسجن الحلقة الحادية عشرة
-
الحكاية الشعبية وطريقة تقديمها في قصيدة -نام أهل البيت- لطفي
...
-
كميل أبو حنيش قصيدة -لا تَكُفَّ عَنِ المَجِيء-
-
رواية الحب في زمن الكورونا -محمد عارف مشّه/نيفين عياصرة/كميل
...
المزيد.....
-
الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني
...
-
فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
-
فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز
...
-
كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
-
فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو
...
-
فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت
...
-
فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر
...
-
غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول
...
-
اليوميات الروائية والإطاحة بالواقع عند عادل المعيزي
-
ترامب يدعو في العشاء الملكي إلى الدفاع عن قيم -العالم الناطق
...
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|