أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالخالق حسين - ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (11) من هو عبد الكريم قاسم؟















المزيد.....



ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (11) من هو عبد الكريم قاسم؟


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1624 - 2006 / 7 / 27 - 11:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لم يكتمل الحديث عن ثورة 14 تموز ما لم نتطرق إلى شخصية قائدها الزعيم عبد الكريم قاسم، فكما قال المرحوم اللواء الركن إسماعيل العارف وزير المعارف في حكومة قاسم: "فغدا هو والثورة وجهين لعملة معدنية واحدة."

بطاقة شخصية (المصدر كتاب: من ماهية عبدالكريم قاسم، د.عقيل الناصري،)
- ولد عبد الكريم قاسم في بغداد في1914.11.21، في محلة المهدية من رصافة بغداد، من أبوين عربيين هما : قاسم محمد البكر الزبيدي وكيفية حسن يعقوب الساكني ( عشيرة السواكن) التي يرجع نسبها إلى عشيرة تميم العدنانية. (يقول حنا بطاطو أنها كردية فيلية).
- في الخامسة من العمر دخل الكتّاب لتعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم في بغداد.
- سافرت العائلة عام 1921 إلى مدينة الصويرة ، ويدخل الصبي عبد الكريم المدرسة الابتدائية هناك ويدرس فيها لمدة أربع سنوات، قبل أن تعود العائلة إلى بغداد ثانية عام 1926 .
- ينهي دراسته الابتدائية من مدرسة الرصافة ويتخرج منها عام 1926 التالي.
- ليدخل الثانوية المركزية-الفرع الأدبي عام 1926 وينتهي منها بتفوق في عام 1931.
- بسبب ظروفه المعيشية، أختار التعليم مؤقتاً وتم تعينه في وزارة المعارف بتاريخ1931.10.22 بوظيفة معلم ونسب إلى إحدى المدارس الابتدائية في قضاء الشامية.
- التحق بالكلية العسكرية في خريف 1932 وتخرج منها برتبة ملازم ثان في 1934.04.15.
- في مايس 1938 نقل إلى الكلية العسكرية ، وعين بمنصب آمر فصيل في سرية الدورة السابعة عشر، حيث يتعرف فيها على العديد من ضباط المستقبل، الذين التفوا حوله لاحقاً بقصد تغيير النظام.
- دخل كلية الأركان في 1940.01.24 وتخرج منها بتاريخ 1941.12.11 وينال درجة( أ ) وقدم لمدة سنتين .
- في عام 1947 سافر إلى لندن، وهي المرة الأولى التي يسافر بها إلى خارج العراق، لغرض معالجة شق في شفته العليا.
- ساهم بكل جدارة في حرب فلسطين الأولى عامي 1948-1949 ، وكان برتبة مقدم ركن.
-رشحته رئاسة أركان الجيش في عام 1950 إلى دورة تعبئة الضباط الأقدمين في إنكلترا للمدة من 1950.10.04 إلى 1950.12.22 ، وقد حصل على تقدير ممتاز. وكان في هذه الكلية تقليد أن يكون الاختبار عملي ولذا كان اختبار الدورة المائة والثلاثون يتمثل في سؤال واحد هو: أكتب خطة مفصلة لاحتلال عاصمة بلادك ؟ وحين وزعت ورقة الأسئلة، استجاب كل شباب الدورة من مختلف أصقاع الدنيا، إلا عبد الكريم قاسم الذي أمسك بورقة الأسئلة وقام صارخاً: لا لاحتلال بغداد.
- بعد حرب فلسطين عام 1948 ويأسه من الوضع السياسي في العراق، ساهم الزعيم قاسم في تأسيس أول تنظيم من نوعه في العراق، حيث َضم الكثير من الضباط الساخطين على سير هذه الحرب وتواطؤ أنظمة الحكم العربية آنذاك وضم هذا التنظيم: المقدم الركن عبد الكريم قاسم؛ لمقدم الركن طارق سعيد فهمي ؛ النقيب رفعت الحاج سري ؛ الرائد الركن عبد الوهاب الأمين؛ الرائد الركن داود الجنابي؛ الرائد طاهر يحيى؛ النقيب محسن الرفيعي؛ الملازم الأول خليل إبراهيم حسين وغيرهم من الضباط . وقد كان هذا التكتل، الأكثر سعةً ، وتفهماً لواقع العراق ارتباطاته القومية من تلك الكتل التي تأسست في السابق وخاصة، منذ أن خرج العسكر من ثكناتهم لأول مرة في الثلاثينيات، وأصدر بياناً ضد الحكام العرب ودورهم في هذه الحرب. وكان باسم ( تكتل الضباط الوطنيين).
لكن هذا التنظيم وبالقيادة التي تشكل منه ، سرعان ما انفرط عقده بعد رجوع الجيش العراقي، وتوزعهم بين الاعتكاف عن العمل التنظيمي، أو البحث عن مجاميع أخرى أكثر تقارباً فكرياً. في حين أستمر عبد الكريم قاسم في عمله التنظيمي وترأس مجموعة أخرى، عُرفت، فيما بعد، باسم (تنظيم المنصورية )، وهذا الاسم مستنبط من موقع اللواء التاسع عشر، الذي عمل فيه الزعيم قاسم ، في معسكر منصورية الجبل في محافظة ديالى وضم هذا التنظيم عبدالسلام عارف وعبدالجبار عبدالكريم وطاهر يحيى وغيرهم. وقد تميز هذا التنظيم ببرنامجية متطورة عكست مطالب الحركة الوطنية المعارضة. وكان هناك تنظيم آخر نظمه المرحوم رفعت الحاج سري عام 1952 والذي نال إعلاماً واسعاً خاصة في كتاب حنا بطاطو، وتم دمج هذين التنظيمين عام 1956 بإسم تنظيم الضباط الأحرار وتشكيل اللجنة العليا له وأختير عبدالكريم قاسم رئيساً لها ولعب الدور الأساس في تفجير ثورة 14 تموز 1958.
-عمل على إذكاء الروح الوطنية بين زملاءه وأن يعمل بكتمان وحذر وإناءة لتحقيق أهدافه ، آخذا بنظر الاعتبار قوة شكيمة خصمه، وعمق هذا الشعور تأثره البالغ بالعقيد كامل شبيب ، أحد العقداء الأربعة ، عندما كان يعمل تحت إمرته، وازداد هذا الشعور عندما شاركه العمل وحارب معه أثناء حركة مايس التحررية عام 1941 .
-قائد ثورة 14 تموز 1958، والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع وكالة.
- حقق عشرات المكتسبات للثورة ومنها القضاء على النظام الملكي وتأسيس الجمهورية العراقية (راجع الفصل الرابع: مكتسبات ثورة 14 تموز).
- تعرض لمحاولة إغتيال من قبل حزب البعث يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) 1959 في شارع الرشيد وأصيب في كتفه إصابات بالغة وقُتِلَ سائقه، وألقي القبض على معظم المشتركين في المحاولة وحكمت المحكمة عليهم بالإعدام، ولكننه عفا عنهم جميعاً وفق مبدأه (عفا الله عما سلف) وبذلك ضرب مثلاً لا سابقة له في تاريخ العراق في روح التسامح.
-أغتيل يوم 9 شباط 1963.

لماذا شخصية قاسم مثيرة للجدل؟
لم تكن هناك شخصية في تاريخ العراق الحديث، أثارت من الجدل والإختلاف ونشرت عنها كتب ومقالات ودراسات كشخصية الزعيم عبدالكريم قاسم. فكأي شخص دخل التاريخ من أوسع أبوابه في مرحلة التحولات الثورية، له أعداء كثيرون ومحبون كثيرون. فتعرض إلى الكثير من التشويه ووجهت له تهم شتى منها مثلاً تهمة شق الشعب وشق الأحزاب السياسية وضرب بعضها ببعض، متبعاً ما سمي بـ "سياسة التوازنات". كما وجهت له تهمة الشعوبية والشيوعية والعمالة لبريطانيا وأمريكا وروسيا وحتى تهمة الجنون وغيرها. وبالمقابل بالغ محبوه في المناقب وإلصاق صفات أسطورية به من فرط حبهم له إلى حد أن البعض من الناس البسطاء لم يصدقوا بقتله واعتقدوا أنه مازال حياً يرزق. أعتقد من المفيد مناقشة هذه الصفات والتهم التي ألصقت بقاسم لنرى مدى صحة أو خطأ هذه المثالب والمناقب.

موضوعة شق الشعب
يذكر الضابط سالم عبد القادر العباسي الذي نقل عبدالكريم قاسم وطه الشيخ أحمد بدبابته من قاعة محكمة الشعب قرب وزارة الدفاع إلى محطة الإذاعة يوم 9 شباط 1963 حيث أجريت تصفيته مع رفاقه الآخرين، بعد استسلام قاسم إلى الإنقلابيين وتحاشى حرب أهلية ومنع المزيد من سفك دماء، وبعد أن أعطوه وعداً بالمحافظة على حياتهم، ليلقي مصيره المحتوم على أيدي الإنقلابيين فيقول: "… اتجهنا في شارع الرشيد إلى الباب الشرقي حيث الجسر الجمهوري. وكانت الشوارع خالية من أي بشر… وبعد لحظات قال لي عبدالكريم قاسم: "لماذا ثرتم عليَّ..؟ قلت له لأنك قسّمتَ البلد .. وماشيت الشيوعيين".
لقد نسي هذا الضابط وآلاف غيره إن انقسام الشعب في مراحل التغيير ونقاط الإنعطافات في حياة الشعوب مسألة حتمية لا مفر منها ولم يسلم منها أي شعب أو أي قائد أو مصلح أو ثائر يقود عمليات التغيير في الحركات والمنعطفات التاريخية الكبرى كعملية ثورة 14 تموز 1958. فالتحولات الإجتماعية الجارية من شأنها أن تثير الكثير من ردود الأفعال البالغة العنف أحيانا. إن موضوعة إنقسام الشعب في المنعطفات التاريخية تستحق مناقشة بشيء من العناية.
يخبرنا التاريخ أن الإمام علي بن أبي طالب (ع) كان أكثر الخلفاء الذين اختلف حوله المسلمون وبسببه انشقوا إلى معسكرين متحاربين لأول مرة في تاريخ المسلمين. يقول الدكتور علي الوردي بهذا الخصوص ما يلي: "مشكلة (تفريق جماعة المسلمين) وهذه المشكلة هامة جداً. وهي في الواقع من أهم مشاكل المجتمع البشري بوجه عام. ويطلق عليها علماء الإجتماع اليوم مصطلح (المشكلة ذات حدين).
"ففي كل مجتمع متحرك نجد زمرة من الناس تدعو إلى مبدأ جديد فتفلق المجتمع به وتمزق شمله. وهذه الزمرة المفرِّقة تعد في أول الأمر ضالة عاصية وتكال لها التهم من كل جانب. إنها تمزق الجماعة وتشق عصا الطاعة حقاً. ولكنها في نفس الوقت تبعث في المجتمع روح التجدد والتطور. ولولاها لجمد المجتمع ولبقي في خمود متراكم قد يؤدي به إلى الفناء يوماً ما."
ويضيف الوردي قائلاً: "لم يشهد التاريخ الإسلامي رجلاً فرَّق الجماعة كعلي بن أبي طالب. وعلي لم يكتف بتفريق جماعة المسلمين بنفسه، بل أورث نزعته هذه لأولاده من بعده. ومن يدرس تاريخ العلويين يجدهم ثواراً من طراز عجيب. ولم يمر في تاريخ الإسلام جيل دون أن يسمع بخبر ثورة جامحة قام بها رجل من العلويين أو ممن ينتسب إليهم.
ولا يخفى أن أول حرب داخلية نشبت بين المسلمين كانت في عهد علي. وقد أتهم علي بتهمة سفك دماء المسلمين مراراً. حتى أن إبن عمه ونصيره، إبن العباس، اتهمه مرة بهذه التهمة الشنيعة."
حصل ذلك لقصور فهمهم لهذا الإمام العظيم، وذلك لتمسكه الشديد بمبادئ لعدالة وعدم التمييز بين الرعية، مما أدى في أيامه الأخير إلى أن تخلى عنه أكثر أصحابه، بمن فيهم أقرب الناس إليه مثل إبن عمه ومستشاره عبدالله بن عباس وأخيه عقيل اللذين ذهبا إلى معاوية. ولما رأى الإمام نفسه بهذه العزلة، قال: "يا حق ما أبقيت لي صاحبا". وهو الذي شكى من العراقيين بقوله المشهور: "لقد ملأتم قلبي قيحاً". وعندما تلقى الضربة القاتلة من إبن ملجم وهو في السجود، صاح: "لقد فزت ورب الكعبة." مما يدل على مدى يأسه من هذه الدنيا. وما أشبه وضع الزعيم عبد الكريم قاسم أيام حكمه بوضع الإمام علي أيام خلافته.
نؤكد ثانية، إن مسألة شق الشعب مسألة حتمية ترافق مراحل الثورات والتحولات الإجتماعية الكبرى وهي ليست من صنع قادة الثورات، بل ملازمة لهذه التحولات. فهي صراع بين فئة ضد التحولات الإجتماعية وفئة التي تناضل من أجل التغيير والعدالة الإجتماعية. ففي المجتمعات الديمقراطية المتحركة، تحصل هذه التحولات بصورة سلمية وذلك عن طريق صناديق الإقتراع، أما في المجتمعات المتخلفة والأنظمة الديكتاتورية فتحصل على طريق العنف والكفاح المسلح.
وفي حالة ثورة 14 تموز، فإن أسباب شق الشعب عديدة ومعقدة ومتشابكة، من عوامل داخلية: تمييز ومظالم واضطهادات عنصرية ودينية وطائفية وطبقية متراكمة عبر قرون تنتظر الانفجار كالبركان، إضافة إلى العوامل الخارجية، العربية والإقليمية والدولية والشركات النفطية الإحتلكارية التي كانت الثورة تهدد مصالحها. فرغم كون الظروف الموضوعية كانت ناضجة لتفجير الثورة، إلا إن القوى السياسية وقياداتها أصحاب المصلحة بالثورة، لم تكن ناضجة بمستوى المسئولية لحماية ثورتها من قوى الثورة المضادة التي كانت تتربص بهم جميعاَ.

تهمة الجنون
أول من اخترع هذه التهمة هو الصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل الذي أدعى أنه سأل صديق شنشل عن قادة الثورة فأجابه أن عبدالكريم قاسم نصف مجنون وعبداسلام عارف نصف عاقل.!! ومن معرفتنا بعلاقة شنشل بالزعيم قاسم نعرف أنه من المستحيل أن يصدر منه مثل هذا القول. وقد ظهر في الوثائق السرية البريطانية التي يسمح لها بالنشر بعد ثلاثين سنة من صدورها، عن مقابلة السفير البريطاني لشنشل في داره في بغداد بعد إستقالته من حكومة الثورة مم الوزراء القوميين الآخرين بالجملة، أنه حتى في تلك اللحظة، كان شنشل واضعاً صورة الزعيم قاسم على جهاز التلفزيون في غرفة الضيوف وأنه كان يكن إحتراماً كبيراً له. وهذا ينفي ما ادعاه هيكل المعروف عنه في فبركة القصص الصحفية ودوره في تضليل الرأي العام العربي.
وتناول خصوم قاسم هذه التهمة ونشروها في كتاباتهم مثل فيصل حسون وغيره وأطلقوا عليه إسم (أبو الجنية) أي مجنون!!. إن هذه التهمة وضعت أصحابها في تناقض. فمن المعروف أن خصوم قاسم من جهة يتهمونه بالجنون، ومن جهة أخرى يصرون على أنه اتبع سياسة شق الأحزاب السياسية وضرب هذا الحزب بذاك، فهم بذلك أرادوا أن يجمعوا الصيف والشتاء على سطح واحد كما يقولون. إذ كيف يمكن لمجنون أو نصف عاقل على حد تعبير هيكل، أن يقنع السياسيين المحترفين للسياسة من قادة الأحزاب ويشقهم ويضرب بعضهم بالبعض ما لم يكن سياسياً محنكاً وداهية أين منها دهاء معاوية أو مكيافيلي!!. أليس هذا إهانة لذكاء قادة تلك الأحزاب؟ أما الحقيقة والواقع، وحسب خطابات الزعيم المدونة وتصريحاته ومقابلات الصحفيين والسياسيين له وتصريحات خصومه عنه فيما بعد، تؤكد أنه كان يتمتع بعقل متفتح و ناضج ورباطة جأش وشجاعة وثقافة تجعله من أثقف ممن حكم العراق من قبله ومن بعده. وفي معرض المقارنة بين عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف يقول إسماعيل العارف: "وكان متوقعاً أن ينفجر الخلاف بين عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف في كل لحظة بعد الثورة لتناقض شخصيتيهما وتعارض مزاجيهما في السلوك والرغبات. وقد جمع بينهما هدف واحد هو تحقيق الثورة وإسقاط النظام الملكي. فعبدالكريم قاسم يختلف عن عبدالسلام في إتزانه وقيمه الخلقية وعمقه وكتمانه وحذره، أما عبدالسلام عارف فقد كان متسرعاَ كثير الكلام متعجرفاً محدوداً ولكنه جسوراً مقداماً. وبالرغم من أن كليهما يتصفان بالشجاعة والإقدام إلا إن جرأة عبدالسلام تتميز بالتهور. أما عبدالكريم قاسم فكان ينفذ ما يريد بجرأة وتصميم بعد حساب دقيق للإحتمالات ولا يندفع وراء المغريات المادية وحب الظهور. ولم يكن ذلك حال عبدالسلام عارف."

تهمة الشعوبية
هذه إحدى التهم التي وجهت لقاسم من قبل القوميين العروبيين، وكانت في مقدمة البيان الأول لإنقلاب 8 شباط 1963. والمقصود بالشعوبية العداء للأمة العربية طبعاً. ولكن في المفهوم العروبي العراقي يقصد به الخروج على الموروث التركي الطائفي ضد الشيعة العرب. والمعروف عن قاسم أنه نبذ الطائفية في عهده ولم يعمل بها وعامل العراقيين حسب إنتمائهم الوطني دون أي إعتبار للإنتماء العرقي أو الديني أو المذهبي الذي كان معمولاً به في العهود الغابرة. فاعتبرت هذه السياسة عملاً شعوبياُ معادياً للأمة العربية!!. فهل حقاً كان قاسم ضد الأمة العربية؟ إن تاريخه، سواءً قبل ثورة تموز، حيث خاض المعارك البطولية في حرب فلسطين الأولى عام 1947-1948، أو بعد الثورة وأخذه المواقف القومية في الصميم وفي مقدمتها كفاح الشعب الفلسطيني والجزائري ودعم حركة التحرر الوطني العربية التي جاء ذكرها في فصل سابق.
ومما يجدر ذكره عن دور قاسم في حرب فلسطين عام 1947، أن نوري الدين محمود كان قائداً للقوات العراقية عندما وقع الجيش المصري في حصار الفالوجة فأحجم عن مساعدته مستخدماً شتى الذرائع، وكان عبد الكريم قاسم أحد أمراء الألوية الذين أصروا على التدخل لفك الحصار عن الجيش المصري، وبعد رفض نور الدين محمود، رتَّبَ قاسم أمره وأعد لواءه سراً للتحرك ليلاً لمساعدة الجيش المصري خلافاً لأوامر قيادته العسكرية، لكنه فوجئ عشية التحرك بتحقق إتفاق بين القيادتين العربية والإسرائيلية لفك الحصار. (راجع خليل إبراهيم حسين، موسوعة 14 تموز، عبد الكريم قاسم.
ومن المؤسف أيضاً أن أعتبر القوميون الوحدويون عهد قاسم حكماً شعوبياً. ففي مفاوضات الوحدة الثلاثية بين العراق وسوريا ومصر، كان المرحوم عبد الرحمن البزاز، وهو مفكر قومي بارز قد حمل هذا الإنطباع إلى الرئيس جمال عبد الناصر إذ يقول البزاز: "بعد الصراع المرير الذي مررنا به خلال السنوات الخمس -يقصد فترة حكومة 14 تموز- مع الشيوعية الشعوبية والإنتهازية والرجعية يتطلع العراق بكل قواه وبكل طاقاته إلى أن يسير جنباً إلى جنب مع أشقائه".
فمرحلة حكومة ثورة 14 تموز كانت مرحلة الشعوبية في رأي هؤلاء لأنها امتنعت عن التمييز بين المواطنين على أساس طائفي أو عرقي. والسؤال هو هل الذي حارب الصهاينة دفاعاً عن حق الشعب العربي الفلسطيني عام 1948 وهو الذي أسس جيش التحرير الفلسطيني عندما كان رئيساً لحكومة الثورة العراقية، وطالب بتأسيس الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية قبل إحتلالها من قبل الصهاينة، وساعد جميع الحركات التحررية في الوطن العربي، الثورة الجزائرية، .. وغيرها، هل من الإنصاف إعتبار هذا الرجل الذي قدم كل هذه الخدمات إلى العرب شعوبياً وحاقداً على القومية العربية ؟
أما على المستوى الداخلي فكان حريصاً على التراث العربي والإسلامي ولم يبدر منه أي شيء لكي تلصق به هذه التهمة. ومن الجدير بالذكر أنه بعد نجاح ثورة تموز، أصدر الزعيم قاسم في اليوم الرابع من أيلول القانون رقم 23 لسنة 1958 وأطلق عليه قانون العفو العام عن الجرائم السياسية التي وقعت في المدة من أول أيلول 1939 إلى ما قبل 14 تموز 1958 ، والذي بموجبه أعاد المكانة إلى العقداء الأربعة القوميين قادة حركة مايس 1941 واعتبرهم شهداء الوطنية، كما شمل القانون يونس السبعاوي ورشيد عالي الكيلاني وغيرهم. كذلك شمل العفو الضباط الأكراد الذين التحقوا بالحركة الكردية عام 1945 واعدموا الحياة بعد استسلامهم للسلطة، ومنهم محمد أمين در بندي.
كما أخذ الزعيم قاسم يرعى شخصياً عائلة كامل شبيب بعد إعدامه، حتى أنه عيَّن ابنه الملازم عوض كامل في مقره في وزارة الدفاع وبقى ملازماً له حتى انقلاب شباط ، حيث أُحيل على التقاعد وكان برتبة ملازم أول. كما عيَّن عام 1961 محمد سلمان، وزيراً للنفط، تكريماً لأخيه العقيد محمود سلمان، وتم طرده من قبل انقلابي شباط وأودع السجن، لا لشيء سوى كونه وافق أن يكون وزيراً في حكومة عبد الكريم قاسم.

تهمة شق الأحزاب وسياسة التوازنات
أما التهمة الثالثة وهي شق الأحزاب، فهي الأخرى لم تصمد أمام الزمن. لأن من الواضح أن الأحزاب هي التي بدأت تتصارع فيما بينها ولم تحتاج إلى تحريض من قاسم، وذلك بتفضيل مصالحها الذاتية على المصالح الوطنية وعدم إدراكها لما يحاك ضدها وضد الوطن.
ويقول بهذا الصدد الأستاذ محمد أمين: "لا أجدني بحاجة إلى التحدث عما جرى بعد ذلك، فذلك ليس بمهمة هذه الكلمة، ولكني أؤكد على عظمة هذه الثورة وأهميتها يومها في تاريخ العراق الحديث. هذه الثورة التي ظهر اليوم كثيرون مع الأسف ينددون بها ويشوهون وجهها لأنها لم تبلغ غايتها التي كنا نريدها لها، ولا يدرون أن التقصير لم يكن من جانبها وان النكسات الكثيرة المؤذية التي تعرضت لها ومن ورائها شعب العراق لحد اليوم جاءت من أن القوى الوطنية لم تكن في مستوى مهماتها الحقيقية إزاء حدث كبير مثلها، فانشغلت بالتناقضات الداخلية التي فيما بينها غير ملتفتة إلى أن العدو الأكبر للجميع يقف لها كلها بالمرصاد."
أما قاسم فكان يتوسل إليهم على نبذ صراعاتهم وتوحيد صفوفهم لحماية الثورة من المؤامرات التي كانت تحيق بهم وبالوطن. وقال في خطاب له بهذا الصدد:
" يقول واحد : هذا قومي، ويقول الأخر هذا شيوعي وذاك بعثي والثالث ديمقراطي . وأنا أقول هذا وطني وابن هذا البلد" وكان أكثر عمقاً لفكرته عندما أفصح عنها بالقول: " قمت بالثورة لصالح كل الناس إني دوماً مع الناس كلهم. أني فوق الميول والإتجهات والتيارات دوماً، وليس لدي انحياز لأي جانب كما إني أنتمي إلى الشعب بأسره، وإني أهتم بمصالح الجميع، وأسير إلى الأمام معهم كلهم، كلهم أخوتي." كما وناشد القوى المتصارعة بالقول: "أيها الديمقراطيون، أيها الشيوعيون، أيها القوميون، أتوسل إليكم أن تنبذوا خلافاتكم وتوحدوا قواكم في خدمة البلد" ..

فالصراعات بدأت منذ الأيام الأولى من الثورة عندما طرح القوميون وبتعليمات من ميشيل عفلق الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث العربي الإشتراكي والقيادة المصرية، وتبنته قوى القومية العربية الأخرى، شعار الوحدة العربية الفورية. علماً أن هذا الهدف لم يكن من أهداف الثورة كما مر بنا. فالقوميون رفعوا شعار الوحدة العربية، واليساريون (الشيوعيون والوطنيون الديمقراطيون والسمتقلون) رفعوا شعار الإتحاد الفيدرالي.
أما شق الأحزاب وخلق أحزاب وهمية أو منافسة، مثال حزب الوطني التقدمي بقيادة المرحوم محمد حديد الذي انشق عن حزب الوطني الديمقراطي، فلا أعرف كيف يستطيع شخص عسكري يتهم بالجنون والجهل في السياسة، أن يؤثر على سياسي وطني محترف وخبير في الإقتصاد وسياسي محنك مثل محمد حديد على شق أحزابهم.
الواقع هو أن البلاد كانت تمر في مرحلة ثورة وطنية لو قدر لها البقاء، لكانت ثمارها عظيمة للجميع، ولكنها كانت مهددة بالأخطار. وقد توسل قاسم بالجادرجي أن يقبل منصب نائب رئيس الوزراء خلال المرحلة الإنتقالية إلى أن تجرى الإنتخابات البرلمانية فرفض الجادرجي ذلك كما رفض التعاون مع قاسم، بل ناصب له العداء. أما وجهة نظر محمد حديد وأغلب أعضاء قيادة الحزب فكانت مع دعم الثورة والوقوف مع قاسم. وأتذكر أني حضرت مع أحد أقاربي، لقاءاً جماهيرياً في الفاو عام 1959، وكنت يومها تلميذاً في الدراسة المتوسطة، تحدث فيه المرحوم عرااك الزكم، من جناح محمد حديد وأحد قياديي الحزب الوطني الديمقراطي، كشف كيف كان الزعيم قد فاتح قيادة الحزب وبحضور الجادرجي، أن يختاروا الحقائب الوزارية التي يريدونها وان الثورة هي ثورتهم وأنه متأثر بأفكار جماعة الأهالي وأن برنامج الثورة نسخة من برنامج الحزب ..ألخ. ولكن لأسباب شخصية بحتة ذكرناهنا في فصل سابق، رفض الجادرجي وحسين جميل التعاون مع قاسم، مما أضطر حديد وآخرون في قيادة الحزب تشكيل حزب جديد (الوطني التقدمي) وأصدروا جريدتهم (البيان) معلنين دعمهم للثورة وقيادتها. وقد أثبتت الأحداث أن موقف المرحوم محمد حديد كان صحيحاً. ويعترف بذلك الدكتور عزيز الحاج القيادي الشيوعي السابق المعروف، أن المرحلة كانت للتيار المتمثل في قيادة قاسم ومحمد حديد وكان على القوى الوطنية دعم هذا المحور خلال تلك المرحلة.
أما الحزب الآخر الذي حصل فيه الإنشقاق فهو الحزب الشيوعي العراقي وتم خلق حزب بقيادة داوود الصائغ، الذي أجيز دون الحزب الشيوعي الحقيقي. الكل يعرف أن الزعيم لم يقصر في موقفه الإيجابي من الحزب الشيوعي العراقي وخاصة في السنة الأولى من الثورة بل وحتى قبلها. ولكن مع الأسف الشديد، وبإعتراف العديد من قيادة الحزب (عامر عبدالله وعزيز الحاج وغيرهما) أن الحزب أساء التصرف ولم يستخدم الحرية التي وفرتها له الثورة بشكل إيجابي لصالح الوحدة الوطنية. ثم جاءت أحداث الموصل وكركوك المأساوية والتي تورط بها الحزب مما أساء ليس إلى سمعته فحسب، بل وإلى سمعة الثورة والزعيم قاسم بالذات ولحد الآن ولعب هذا السلوك دوراً كبيراً في إنهيار الثورة وذلك لأنه بث الرعب في قطاعات واسعة من الشعب وخاصة الدينية والقومية والرجعية بالإضافة إلى إثارة الرعب في الدول العربية والإقليمية التي كانت تعتقد خطئاً أن قاسم كان شيوعياً وأنه مقدم على إعلان النظام الشيوعي في العراق قريباً. كل هذا جعل أكثر من أربعين جهة داخلية وخارجية تتحالف ضد الثورة، لا يجمعها جامع سوى عدائها للثورة والشيوعيين، لأنها كانت مرعوبة من الخطر الشيوعي. لذلك اضطر قاسم تغيير موقفه من الحزب الشيوعي لحماية الثورة، خاصة بعد أحداث كركوك الدامية وخطابه المشهور في كنيسة مار يوسف.
وعندما أجيزت الأحزاب للعمل العلني، رفض وزير الداخلية إجازة حزبين فقط وهما حزب التحرير الإسلامي والحزب الشيوعي. وقد أجيز حزب داود الصائغ بدلاً عنه. وكما ذكرنا في فصل سابق، اعترض حزب التحرير الإسلامي على قرار الوزير وقدم شكوى على الحكومة إلى محكمة التمييز التي بدورها أصدرت قراراً بإجازة الحزب. ولم يتدخل قاسم بقرار المحكمة وأجيز الحزب للعمل رغم أن هذا الحزب كان يجاهر بعدائه لقاسم وحكومته وانتهى دوره مباشرة بعد إسقاط حكومة الثورة في إنقلاب 8 شباط 1963. لذلك كان على الحزب الشيوعي أن يحذو حذو حزب التحرير، فيقدم شكوى إلى محكمة التمييز للنظر في قرار إجازته، إلا إنه لم يعمل ذلك. والجدير بالذكر أن حزب الشيوعي هو الآخر عمل أيام الثورة على إختلاق حزب وهمي بإسم الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة ناجي يوسف والد زوجة سلام عادل وأقاموا جبهة موحدة مفتعلة.

ثقافة قاسم
لم يتعرض كاتب سياسي أو ناقد إلى ثقافة أي حاكم، سواء في العراق أو في البلاد العربية، عدا التطرق إلى ثقافة عبدالكريم قاسم. فهؤلاء النقاد فشلوا في الطعن بوطنية قاسم وإخلاصه وحبه للشعب والوطن، ثم حاولوا الطعن في عروبته وإخلاصه للأمة العربية ووصموه بالشعوبية، ولما فشلوا في إثبات أي من هذه التهم لم يبق أمامهم سوى اللجوء إلى الطعن بثقافته. فهل حقاً كان قاسم غير مثقف؟
يؤكد الأستاذ حسن العلوي الذي كان يسكن مجاوراً ليبت الزعيم، عندما كان تلميذاً في المدرسة، فيقول: "كثيراً ما أسررت أم حامد (أم عبدالكريم قاسم) رغبتي بإستعارة كتاب…من خزانة قاسم فصحبتني إلى غرفته لأنتقي أحد الكتب، وهي حافلة بكتب الجغرافيا والتاريخ واللغة والأدب مع مجموعة من الكتب الأجنبية. وكنت كلما فتحت كتاباً وجدت الخطوط بالقلم وقد سودت ما بين السطور، فأريها ذلك كي لا تتهمني بالعبث بالكتب فتولول قائلة (هذه عادة عبدالكريم). وقد أثار إنتباهي كثرة قراءاته النحوية. وكنت بعد أن أخذ مكانه في زعامة العراق، وصرت صحفياً ومدرساً للغة العربية أتابع بإهتمام -وكأي معلم- جملة إعرابية. فأشعر بإرتياح لأنه لا يلحن باللغة العربية فأعود بذاكرتي إلى تلك الخطوط مرة أخرى."
ولكن مع ذلك يصر هؤلاء على أن عبد الكريم "غير مثقف". فما المقصود بالثقافة في هذه الحالة. فالرجل خريج الكلية العسكرية وكلية الأركان العراقيتين وسانت هيرز البريطانية. وكان يقرأ الكتب الأدبية والتاريخية وغيرها، وقارئ للصحف البريطانية. وكان يقرأ الصحف الوطنية وخاصة صحيفة الأهالي حتى اعتبر نفسه تلميذاً لجماعة الأهالي ومؤمنا بمبادئها كما هو معروف.
ويقول وزير خارجيته هاشم جواد أنه كان يقرأ الكتب عندما يذهب لبيته أيام الجمعة. نعم لم يكن قاسم متأدلجاً في ثقافته. بمعنى لم تكن ثقافته تحمل لآيديولوجية شيوعية، أو بعثية عروبية. وفي رأيي هذه من الصفات الحميدة في السياسي في بلد متعدد الإتجاهات الفكرية والقومية والدينية كالعراق. فالآيديولوجية السياسية هي قوالب فكرية جامدة عصية على التغير، تفرض على المؤدلج تطبيقها بغض النظر عن ملاءمتها للواقع، أي فرضها على الواقع بالقوة في حياة متحركة أبداً وظروف متغيرة بإستمرار. وهذا الجمود العقائدي غير صحيح في عالم متغيِّر بإطراد. وقد أثبت الزمن صحة مواقف قاسم. ومن سوء الحظ أن قاسم جاء في وقت كان فيه التنافس والتصارع الآيديولوجي على أشده إلى حد الصراع الدموي، ولم يكن فيه مكان لخط الوسط والإعتدال والعقلانية. فأراد قاسم أن يكون للجميع حسب شعاره الذي رفعه منذ البداية: "فوق الميول والإتجاهات". وقد أدركنا الآن أن فكرة قاسم كانت صحيحة وبذلك فكان قاسم الرجل المناسب لوقت غير مناسب، لم يعرفوا قدره إلا بعد فوات الأوان.
أما إذا كان المقصود بالمثقف بأن نقارن ثقافة قاسم ببرتراند راسل أو جان بول سارتر أو روجيه غارودي وغيرهم من محترفي الثقافة، نعم فثقافة عبد الكريم قاسم دون ثقافة هؤلاء بكثير لأنه لم يكن فيلسوفاً، وكما يقول علي الوردي، ليس من صالح الشعب أن يصير الفيلسوف حاكماً، كما طالب به إفلاطون، لأن الحاكم الفيلسوف يحمِّل شعبه فوق طاقته. ولكن لو قارنا ثقافة قاسم بمن حكم العراق من قبله ومن بعده لتبيَّن لنا أنه كان أثقفهم.
"فتقافة الملك فيصل الأول عثمانية، وثقافة إبنه غازي شبه معدومة، وعبدالإله لم ينه الدراسة الثانوية. وثقافة نوري السعيد كمعظم السياسيين الملكيين عسكرية عثمانية. والرجل عاش ومات من دون أن نعرف هل نجح أو فشل في دورة الأركان العثمانية. وثقافة عبد السلام عارف لا تستحق الذكر وثقافة أخيه عبدالرحمن أقل منها كما هي ثقافة أحمد حسن البكر وطاهر يحيى. وثقافة عبدالناصر عسكرية مصرية. قارن هذا بذاك .. وإذا أخرجنا الهذر العفلقي من رأس علي صالح السعدي لما بقي لديه غير السكر والعربدة."
كذلك نسأل، ورغم أهمية الثقافة لأي إنسان ناهيك للقائد السياسي، هل نجاح القائد السياسي في الحكم يعتمد على ثقافته؟ فلو راجعنا التاريخ منذ تدوينه لوجدنا أن القادة الأقل ثقافة والأكثر شراً هم الذين انتصروا على الأكثر منهم ثقافة. لقد انتصر معاوية على علي ابن أبي طالب، وعلي هو الذي قال: "والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس". وهل كان يزيد بن معاوية أثقف من الحسين؟ وإذا جئنا إلى تاريخنا المعاصر، فهل كان نوري السعيد أثقف من الدكتور محمد فاضل الجمالي، خريج الجامعات الأمريكية وتلميذ الفيلسوف جون ديوي؟ وهل كان عبدالسلام عارف أثقف من عبدالكريم قاسم؟ وهل كان طاهر يحيى (العسكري) أثقف من عبد الرحمن البزاز (أستاذ القانون وصاحب المؤلفات)؟ فجميع الذين تغلبوا في السلطة كانوا أقل ثقافة من خصومهم الذين أزيحوا عنها. ومن كل ذلك نعرف أن نجاح القائد السياسي في الحكم لا يتعمد على ثقافته بل وكما قال الإمام علي، يعتمد على الغدر والفجور. فهناك قادة من أمثال علي وعبدالكريم قاسم يأنفون من اتباع وسائل الغدر، فيضحون بأنسفهم من أجل قيمهم ومثلهم وطوبائيتهم. وهذا ما حصل للزعيم عبدالكريم قاسم.

أخلاقية عبدالكريم قاسم
لا أحد يستطيع بطعن إخلاقية ونزاهة ووطنية قاسم. ولكن يكفي أن نذكر مثالاً واحداً على تبل هذا الإنسان. إذ يقول المرحوم عبداللطيف الشواف، وزير التجارة في عهد قاسم في كتابه الموسوم (عبدالكريم قاسم وآخرون): لقد سمعت من صديق أثق بخلقه وكفاءته أنه لما نشب الخلاف بين المرحوم الملا مصطفى البرزاني وعبدالكريم قاسم في الستينات وسرعان ما وصل إلى مواجهات عسكرية خطيرة في شمال العراق- حاول الشاه استغلال الوضع للحصول على مكاسب سياسية فعرض- سراً – على عبدالكريم قاسم بواسطة الملحق العسكري الإيراني في بغداد- التعاون للقضاء على الثورة الكردية، فجوبه برفض المرحوم عبدالكريم قاسم وقوله له (بأنه لا يتآمر ضد أبناء شعبه- يقصد الملا مصطفى والثورة الكردية). إن الذي روى لي هذه الرواية هو الزعيم عبدالله العمري (صديق عبدالكريم وصديق الحزب الوطني الديمقراطي وعميد كلية الأركان في عهد المرحوم عبدالكريم). (ص94).
لنقارن هذا الموقف النبيل الذي يدل على الفروسية والشهامة، مع موقف صدام حسين الذي تنازل عن نصف شط العرب للشاه مقابل دعمه للقضاء على الحركة الكردية عام 1975.

هل كان لقاسم برنامج سياسي؟
دعيت في تموز عام 2002 للمساهمة في الندوة التي أقيمت في لندن، للإحتفاء بالذكرى الرابعة والأربعين لثورة 14 تموز وقد تحدثت فيها عن أسباب فشل الثورة في تحقيق الديمقراطية في العراق. وكانت محاضرتي عبارة عن خلاصة لما جاء في الفصل الخامس من هذا الكتاب (ثورة 14 تموز وموضوعة الديمقراطية). وبعد إنتهاء المحاضرين من إلقاء مساهماتهم ، فسح المجال لتعقيب المداخلين من الحضور. ومن جملة التعليقات أن عبدالكريم قاسم كان يفتقر إلى منهج سياسي واضح لحكم البلاد. فأجبت السائل الكريم بشكل مقتضب لضيق الوقت وهذا هو الجواب بشكل أوضح ومفصل:
ما المقصود بالمنهج السياسي؟ إذا كان المقصود آيديولوجيا بالمعنى المتعارف عليه، نعم لم تكن لقاسم آيديولوجية معينة، ولكن هذه الصفة كانت من إيجابياته وتصب في صالحه وصالح الشعب ونتمنى أن يكون القائد القادم للعراق أن يكون بلا آيديولوجيا كذلك، لأننا نريده أن يكون براغماتياً أي عملياً، متفتح الذهن على الأفكار الجديدة والنيرة دون أن يكون مقيداً بسلاسل أية آيديولوجية.
نعم لم يكن لقاسم آيديولوجيا معينة ولكن هذا لا يعني أنه كان بلا برنامج سياسي. كان لقاسم برنامجان سياسيان وليس برنامج سياسي واحد. الأول، كان البرنامج الذي وضعته اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار والثاني هو برنامج الحزب الوطني الديمقراطي.
البرنامج الأول، وكما دونه اللواء محسن حسين الحبيب، أحد أعضاء اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار، قومي عروبي التوجه، والذي ناصب قاسم ألد العداء منذ الأسابيع الأولى للثورة، يذكر في كتاب له عن الثورة وحدد البرنامج بعشرين هدفاً كما يلي:
1-إلغاء النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري.
2-القضاء على الإقطاع وتوزيع الأراضي على الفلاحين.
3-إسترداد حقوق العراق النفطية وتضييق مجال عمل شركات النفط الأجنبية وإقامة صناعة نفطية.
4-الخروج من منطقة الإسترليني وتحرير الإقتصاد العراقي من التبعية البريطانية.
5-تحقيق الوحدة الوطنية وإيجاد حل عادل للقضية الكردية,
6-إطلاق سراح السجناء السياسيين كافة وإطلاق الحريات العامة.
7-تضييق الفوارق بين الطبقات وفتح المجال لجميع الكفاءات والمواهب وتأمين العدالة الإجتماعية.
8-الخروج من الإتحاد الهاشمي.
9-التقارب الوثيق مع الجمهورية العربية المتحدة والدول العربية المتحررة الأخرى ومساندة الأقطار العربية التي لا زالت تسعى لنيل إستقلالها.
10-إسناد الشعب الفلسطيني بكل الإمكانات المتيسرة لإستعادة أرضه وحريته.
11-الوحدة العربية هدف مصيري يجب السعي لتحقيقها، إلا إذا تعرض العراق لغزو خارجي يستهدف إعادة النظام الملكي. حينئذ يمكن المناداة بالوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة .
12-الخروج من حلف بغداد.
13-إزالة السيطرة البريطانية على القواعد العسكرية في العراق وجعلها تحت السيطرة الكاملة للجيش العراقي.
14-إتباع سياسة الحياد الإيجابي وعدم الإنحياز.
15-إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الدول الإشتراكية.
16-سياسة العراق الخارجية وعلاقاته تبنى على أساس الإحترام المتبادل والمصلحة المشتركة.
17- تأليف مجلس قيادة الثورة من أعضاء اللجنة العليا ويقوم المجلس بمهام السلطة التشريعية حتى إجراء إنتخابات نيابية عامة.
18- تشكيل حكومة مدنية من رجال السياسة المعروفين بكفاءاتهم ومواقفهم الوطنية .
19- تحديد فترة إنتقالية يشرع بعدها الدستور الدائم وتجرى إنتخابات نيابية لإنتخاب برلمان جديد يحدد على أثرها شكل الحكومة.
20- رئاسة الجمهورية أنيطت بمجلس السيادة كحل وقتي إلى أن تستقر الأمور وتتضح الإتجاهات بعد ذلك.
وقد أجرى المؤرخ العراقي المعروف حسن العلوي شبه إختبار مدرسي لعبد الكريم قاسم في كتابه القيم (عبدالكريم قاسم رؤية بعد العشرين) وتوصل إلى أن قاسم قد نفذ 17 من 20 هدفاً من البرنامج الذي ذكره اللواء محسن حسين الحبيب وبذلك يكون قاسم قد نفذ 85% من برنامج الضباط الأحرار وهذه درجة إمتياز كما جاء ذكره في مكان آخر من هذا الكتاب.
أما البرنامج الثاني الذي تبناه عبدالكريم قاسم فهو برنامج الحزب الوطني الديمقراطي وحسب شهادة الباحث حنا بطاطو الذي يؤكد أن قاسم كان متأثراً بأفكار الحزب المذكور وقد أناط مسئولية كتابة أغلب القوانين التي أصدرتها حكومة الثورة بأعضاء قيادة الحزب بما فيه الدستور المؤقت. ونتيجة لهذا التعاون، كما يشهد بطاطو، حصل إزدهار في الإقتصاد والصناعة لم يشهد العراق له مثلاً في تاريخه.
كما اختار خيرة الرجالات العراقية خبرة وإخلاصاً من زعماء الحركة الوطنية في الوزارة الأولى لحكومة الثورة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أختار من القوميين محمد صديق شنشل للإرشاد (الإعلام)، وجابر عمر للمعارف وعبدالجبار الجومرد للخارجية وفؤاد الركابي للإعمار. ومن الأكراد المستقلين بابا على الشيخ محمود الحفيد وزير دولة ومصطفى على للعدل. ومن الوطني الديمقراطي أختير محمد حديد للمالية وهديب الحاج حمود للزراعة كما أختير إبراهيم كبة للإقتصاد وهو ماركسي معروف..الخ أما الوزارة التي تشكلت في 7 شباط 1959، فيصفها محمد صديق شنشل بأنها كانت حكومة كامل الجادرجي، لأنهم إما كانوا أعضاء في حزبه أو قريبين من أفكاره. وهكذا كان قاسم قد اعتمد في تنفيذ مشاريعه التنموية على خيرة الرجال. وتبني قاسم لبرنامج الحزب الوطني الديمقراطي ليس بالأمر الغريب في عالم السياسة بل أمر مألوف حتى في البلدان المتطورة والعريقة في الديمقراطية. فعلى سبيل المثال لقد تبنى حزب العمال البريطاني في الأربعينات من القرن الماضي، برنامج الخبير الإقتصادي البريطاني المعروف جون مينارد كينز، أستاذ الإقتصاد في جامعة لندن للإقتصاد وصاحب المدرسة الكينزية المعروفة بدولة الخدمات (wellfair state) رغم أنه كان عضواً في حزب الأحرار. وبالمناسبة كان محمد حديد تلميذ هذا الخبير الإقتصادي الكبير في نهاية الثلاثينات عندما كان يدرس الإقتصاد في جامعة لندن. وقد لعب حديد دوراً كبيراً في إنجاح المشاريع الإقتصادية لحكومة الثورة وكان قاسم يعتمد عليه كثيراً حتى عندما كان خارج السلطة.

شعبية قاسم
المعروف عن عبد الكريم قاسم أنه نال أوسع شعبية من أي زعيم سياسي في تاريخ العراق الحديث. والسر في ذلك هو بساطته ونزاهته وحبه للشعب وخاصة الطبقات الفقيرة، فقد بنى لهم عشرات الألوف من الدور السكنية وعمل على رفع مستواهم المعيشي وكان يلتقي بهم بتكرار. وهو أول عراقي من عامة الشعب يصل إلى رئاسة الحكومة، فهو الذي كان يعتز بكونه إبن نجار. ونتيجة لذلك فقد كسب قلوب وعقول الناس، فهو بالنسبة لجماهير الشعب يعد بحق بطلهم الأسطوري. وفي مثل هذه الحالات، وفي مرحلة تاريخية معينة كالتي كان يعيشها العراق آنذاك، لا يكتفي الإنسان بالصفات البشرية المعروفة على البطل، بل لا بد أن تتدخل الأسطورة في الواقع، لإضفاء صفات أسطورية عليه فوق مستوى البشر. والتاريخ مليء بالأمثلة.
ولم تخذله الجماهير المحبة له فقد خرجت بمئات الألوف لنصرته يوم إنقلاب 8 شباط 1963، إلى حد أنه عندما سمع قاسم بالإنقلاب وهو في بيته، وأراد الذهاب إلى وزارة الدفاع عن طريق شارع الجمهورية فلم يستطع لأن الشارع كان مكتظاً بالجماهير التي تهتف (ماكو زعيم إلا كريم). وقد شاهدت بعيني ذلك اليوم وأنا قادم من البصرة إلى بغداد بالقطار في طريقي إلى الموصل للإلتحاق بكلية الطب حيث كنت في السنة الأولى من دراستي فيها، وبعد أن غادرت القطار توجهت إلى ساحة التحرير التي كانت عبارة عن بحر بشري وكذلك شارع الرشيد، فشاهدت الجماهير حاملة صور الزعيم وهي تردد نفس الهتاف. ويقال أن طاهر يحيى أراد أن يشق طريقه ليلتحق برفاقه الإنقلابيين قرب وزارة الدفاع، فشق طريقه بصعوبة وسط الجماهير وهو يردد معهم (ماكو زعيم إلا كريم).
وتحت عنوان (الرعب في خدمة الثورة -إنقلاب 8 شباط-) يذكر طالب شبيب في مذكراته: "وفي المدخل الرئيسي للمعسكر (الرشيد) قام أنور عبد القادر الحديثي بعمل مرعب، لا أعرف ماذا ستكون نتائجه علينا، لكنه أثر كثيراً على معنويات الجنود والضباط داخل المعسكر. فقد تجمهر أمام بوابة معسكر الرشيد الرئيسية حشد من الجنود وضباط الصف وبعض الضباط والمدنيين يهتفون "ماكو زعيم إلا كريم" و"عاشت الجمهورية العراقية الخالدة"، وآنذاك نادى أنور الحديثي على أحد الهاتفين وطلب منه إعادة هتافه، ولما أعاده، أطلق عليه أنور من مسدسه الذي صوبه نحو رأس الجندي مباشرة فسقط على الفور ميثاً. وفرغت الساحة من كل المتظاهرين، بسبب ما سببته العملية من رعب وذعر."
وفيما يتعلق بالسخرية من شعبية قاسم، يقول قاسم الجنابي (مرافق قاسم) وهو شاهد عيان خلال حوار الإذاعة الذي وجه عبد الستار عبد اللطيف كلامه إلى عبد الكريم قاسم قائلاً: "إنك مسيطر والشعب معك، دبابة واحدة أسقطتك"
ويعلق الدكتور علي كريم سعيد بحق قائلاً: "كان ذلك بمثابة رسالة رعب لشعب أدَّعوا أنهم ثاروا من أجله. فجاءت تلك، رسالة استفزاز همجية لا تنتمي إلى حضارة إنسانية عمرها ستة آلاف عام. وكأنها رسالة تقول: إن الحكومة الجديدة قاسية. كما إنها تعني بأن الثوار أذعنوا لفكرة: إن لهم الدبابة ولخصومهم التعاطف الشعبي. كذلك كان المشهد التلفزيوني في إهانة جثة الزعيم. كان ذلك المشهد التلفزيوني أسوأ اللقطات المسجلة في تاريخ العراق المعاصر، فلم يكن العراقيون حتى يُمَيَّزوا بهذه المعاملة عن غيره. بل ربما كان صراعاَ لعب فيه قاسم دور أكثر المتصارعين وداعة وتسامحاً وأقلهم همجية وأدلجة وتشريعاَ للقتل، فقد سن عملياً قاعدة: "عفا الله عما سلف". وكان فيها أقرب إلى عقلية العراقيين البسطاء قبل عصبية الأيديولوجيا الواردة..."

ألقاب قاسم
وكتعبير عن إعجابها وحبها للزعيم، أطلقت الجماهير عليه عشرات الأسماء الشعبية بصورة تلقائية منها: "الغضنفر" و"أبو دعيِّر" و"الزعيم الحبيب" و"الزعيم العبقري" و"المنقذ" و"بطل تموز" و"مفجر الثورة" و"الأسد الهصور" و"الرجل الرجل"، و"صانع التاريخ" و"البطل المغوار" و"أبو الأحرار" و"عملاق الثورة" و"إبن الفقراء" و"إبن الشعب البار"، و"المعلم الأول" و"نصير العمال والفلاحين" و"حبيب الملايين" وإلى غيرها من الأسماء العديدة.
كما أطلق الشيوعيون عليه لقب "الزعيم الأوحد، والزعيم الملهم نكاية بمنافسه عبدالسلام عارف. أما الأرجوزة (ماكو زعيم إلا كريم) فيذكر حنا بطاطو أن عبدالسلام عارف هو الذي قد أطلقها على قاسم وذلك في أحد اجتماعات اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار قبل الثورة وكان النقاش حاداً يدور حول من يتزعم الثورة، فقام عارف قائلاً: "ماكو زعيم إلا كريم وهذا حدنا وياكم".
لقد استغل خصوم قاسم هذه الألقاب في غير صالحه مدعين أنه كان نرجسياً.. الخ. فما ذنب الرجل إذا كان الناس يطلقون عليه مثل هذه الصفات والألقاب تعبيراً عن تعلقهم به وهو يختلف كل الإختلاف عن أسماء صدام حسين التي جاوزت المائة، فشتان بين قاسم وصدام .
كذلك هناك من أدعى أنه شاهد صورة الزعيم في القمر، أو صورته مرسومة على بيضة.. الخ. أغلب الضن كان خصومه ينشرون مثل هذه الأقاويل والصفات من أجل الطعن به فيما بعد. ومثال على ذلك، هناك أغنية تقول: (عبدالكريم كل القلوب تهواك) وأخرى: (أرواح الشعب فدوى لإبن قاسم). هذه الكلمات هي من نظم سكرتيره النقيب جاسم كاظم العزاوي، والذي ظهر فيما بعد أنه كان متواطئاً مع إنقلابيي 8 شباط 1963.
والشيء بالشيء يذكر، يقول الأديب ذوالنون أيوب عن جاسم كاظم العزاوي سكرتير الزعيم، والذي صار سفيرأ في النمسا أيام حكومة بكر-صدام: ".. وكان هذا السفير قد اظهر لي من الود ما لم أره من سفير آخر قبله ولا بعده، فقد كانت تربطني به رابطة تبعيتنا السابقة للزعيم عبد الكريم قاسم، واعتماده علينا. ولكن الناس صاروا يقولون عنه بعد مصرع الزعيم قاسم، أنه كان لقاسم كيهوذا الأسخربوطي للمسيح وعذراً أبا هيثم فإنما أنا أردد إشاعة قد أكون غير مقتنع بصحتها."


هل كان قاسم دكتاتوراً ؟
الدكتاتورية ظاهرة لها صفات معينة. وهذه الصفات تمتد من الحاكم الدكتاتور في قمة السلطة إلى أوطأ الطبقات في الدولة. فتجدها في الشارع وفي الدائرة وفي المعمل وفي الصحافة والإعلام وفي كل مكان. في النظام الدكتاتوري هناك جواسيس ورجال الأمن منتشرين في كل زاوية من زوايا المجتمع يحصون على الناس أنفاسهم. والناس في حالة هلع خوفا أن تبدر منهم بادرة يحاسبون عليها.
هذه الصفات لم تكن موجودة في عهد قاسم حسب إعتراف خصومه ومحبيه. فالصحافة كانت تتمتع بالتعددية ولم تكن مؤممة. يقول حسن العلوي: "أقيمت مناقب نبوية على أرواح الطبقجلي ورفاقه، ساهم فيها قارئ المقام يوسف عمر، وقارئ القرآن عبدالستار الطيار، وكان كل منهما يقرأ قصائد معادية للوضع القائم آنذاك، وتنصب المايكروفونات في الأماكن العالية، دون أن يتعرض لها أحد من أفراد الشرطة والأمن والإنضباط العسكري، لكونها أماكن دينية ولم يتعرض لها عبد الكريم قاسم طبلة فترة حكمه مع إنها كانت مراكز نشاط معارض لحكمه.. وبرز إسم يوسف عمر ليس مطرباً بل محرضاً من أهم المحرضين ضد ذلك الحكم. وكانت حفلاته الغنائية العادية تنقل بالإذاعة والتلفزيون بشكل مستمر."
وعندما كانت تخرج مظاهرات معادية له تهتف (يا بغداد ثوري ثوري، خلي قاسم يلحك نوري) كان قاسم يبعث بالجنود بعد تجريدهم من السلاح، لا لضرب المتظاهرين ضده، بل لحمايتهم من مظاهرة أخرى يقوم بها اليساريون لمنع التصادم بينهما. كان خصومه يقدمون نكات لاذعة ضده وضد المهداوي علناً وعلى المسارح دون أن يتعرضوا إلى أية مساءلة. واعترف سجناء سياسيون من البعثيين أن السجن كان أشبه بالفندق تتوفر لهم الفرص لنشر أفكار حزبهم وتنظيم الآخرين. وبهذا الخصوص يشهد الأستاذ معاذ عبدالرحيم وكان عضواً في حزب البعث وأحد المعتقلين فيقول: "إن الإعتقال أيام عبدالكريم قاسم كان بالنسبة لنا.. أشبه بالفندق، لا تعذيب ولا تنكيل فالعناية جيدة مواجهة الأهل مستمرة وما يصلنا من الأهل من طعام وملابس متيسر بل أن الموسرين من المعتقلين يطلب من أهله أن يزودونه بأكلة (الباجة) وبالدولمة وغيرها من الأكلات العراقية المشهورة، وكنت من أعضاء الحزب الذين لم يمنعهم الإعتقال من العمل لسكب الأنصار والمؤيدين للحزب.."
كما ويذكر حسن العلوي الذي كان معارضاً لقاسم ودخل الإعتقال آنذاك قائلاً :"كانت ليالي الاعتقال تتحول إلى جلسات حزبية وأهازيج.. وكان ناظم كزار يعقد محكمة خاصة والتي تقضي عادة على المتهم اليومي عبدالكريم قاسم بالإعدام. فيقوم ممتاز قصيرة (طالب طب الذي أعدمه عارف فيما بعد) بالتنفيذ ويصيح: راح الزعيم.. إطلقوا سراح عبدالسلام من السجن".
لا بل كان بيت قاسم دون حراسة مما أمكن حزب البعث دس المناشير في غرفة نومه بواسطة طفل من الجيران. ولما اكتشف ذلك لم يحاسب أحداً وهو يعرفهم بل تحول إلى بيت آخر كما يشهد بذلك حسن العلوي. فيا ترى هل هذا الشخص دكتاتور.؟
وعن صفات قاسم، يقول حنا بطاطو: ومما يعكس شخصية قاسم في هذه المرحلة ملاحظته التي أدلى بها في أحد أيام شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1958، إلى محمد حديد، وزيره للمالية. فعند خروجه من مؤتمر للمحامين عقد في فندق بغداد، حيث كيل له المديح على كل النغمات الممكنة، التفت إلى حديد قائلاً: "أبو هيثم، أشد ما أخشاه على نفسي أن يصيبني الغرور". وكانت هناك صورة مطابقة لهذه التي رسمها لقاسم، هاشم جواد، وزيره للخارجية من 1959- 1963، إذ قال: "في البداية، كان يسهل الوصول إليه، وكان مفتوح الذهن وشديد التوق للتعلم… ولكن الأحداث وضعت المزيد والمزيد من السلطات في يديه… وما زلت أتذكر كيف أنه في الأشهر التي تلت إنقلاب الموصل الفاشل عندما عمت الفوضى الجهاز الإداري، لم يعد الوزراء يتخذون أية مبادرة من دون الرجوع إليه.. وهكذا فإن قاسم الذي لم يكن له رأي مسبق ولا مبادرة الذي عرفته في عام 1958 بدأ يتذوق لذة كونه الرجل الوحيد في البلد. وبكلمات أخرى: لقد صنعنا دكتاتوراَ… إن شعبنا في الحقيقة صانع للدكتاتورين"
لذلك ومن كل ما تقدم، نعرف أنه لا تنطبق صفات الدكتاتور على قاسم. بل كان من أقرب السياسيين إلى الديمقراطية. فعندما أقدم حسين جميل، عضو قيادة في الحزب الوطني الديمقراطي، وزير الإرشاد (الإعلام) على غلق صحيفة الحزب الشيوعي (إتحاد الشعب)، رفض وأعاد نشرها وعندها استقال الوزير إحتجاجاً على ذلك. ومن الغريب أن يقدم رجل قانون وديمقراطي ليبرالي مثل حسين جميل بغلق صحيفة بسبب خلاف سياسي. فمن كان أقرب للديمقراطية والليبرالية، قاسم العسكري، أم حسين جميل السياسي المدني وهو الشخص الثاني في الحزب الوطني الديمقراطي بعد زعيمه الجادرجي؟
وقال عنه محمد حديد أنه كان أقرب أقرانه العسكريين إلى روح التسامح وفكرة الديمقراطية، فقد ظلت مناصب الدولة في عهده موزعة على الجميع وليس على تيار سياسي واحد.
وقاسم معروف عنه بالرحمة. فهو أول حاكم عراقي بشر بروح التسامح وشعاره المعروف (عفا الله عما سلف) وأبناء ذلك الجيل يتذكرون تصريحاته بعد خروجه من المستشفى الذي عولج به من إصاباته البالغة إثر إطلاق الرصاص عليه في شارع الرشيد من قبل الطغمة العفلقية، حيث عفا عنهم بعد أن حكمت عليهم المحكمة بالإعدام. هذا الموقف المتسامح يؤاخذه عليه اليساريون فيقول الشاعر كاظم السماوي في مذكراته بهذا الخصوص: "نهض عبد الكريم قاسم بعد محاولة اغتياله، وكان المؤمل أن يضرب بيد من حديد، ولكنها كانت من خشب" (كذا). نعم أراد قاسم أن يضرب مثلاً في روح التسامح في بلد تشبع شعبه على قيم الثأر والإنتقام.

مصرع قاسم
يلوم قاسماً محبوه وقوى اليسار لرفضه تسليح الجماهير من أنصاره يوم 8 شباط 1963 لسحق الإنقلاب. لقد رفض تسليح أنصاره لسبب معروف وهو منعاً للحرب الأهلية وكان يفضل استشهاده على إغراق البلاد في هذه الحرب. وكان الزعيم قاسم مصمماً على القتال إلى الإستشهاد ولكن عندما اتصل بعبدالسلام عارف يوم 9 شباط،، وكان يونس الطائي هو الذي يتفاوض بين الجانبين، مؤكداً له أنهم سيضمنون سلامته ومن معه من رفاقه الضباط الآخرين، وأن (بينهم خبز وملح-على حد تعبير عارف)، مصدقاً بوعود عارف حيث أن قاسم نفسه عفا عنه عندما حكمت عليه محكمة الشعب بالإعدام. لذلك صدق بوعودهم فأنهى القتال واستسلم حقناً للدماء. فلماذا نلوم قاسماً على ذلك، فاللوم على أولئك الذين نكثوا بعهودهم.
ولما طالبته الجماهير بمدها بالسلاح لسحق المتآمرين، فرفض خوفاً من اندلاع حرب أهلية وإغراق البلاد في بحر من الدماء. ففضل التضحية بنفسه ورفاقه على سفك دماء الشعب. قارن هذا الموقف بموقف صدام حسين الذي قال: "الذي يحكم العراق من بعده سيلقاه أرضاً بلا بشر". وانظر ماذا يعمل أتباعه البعثيون بالعراق الآن، الذين يصرون على حكم العراق أو تدميره عن آخره.
أما حول ما يسمى بالمحاكمة فيقول طالب شبيب: دار بيننا حديث غير منظم سادته حالة من التوتر، ولم يكن هناك أي شيء يمكن تسميته بمحاكمة. وكل كلام قيل أو يقال عن إنشاء هيئة حاكمتهم إنما هو نوع من "التسفيط" والتخيل (الخيال)!! ومن الممكن أن يكون قد تدخل علينا رجال يحثون على موقف معين مثل خالد مكي الهاشمي، وكلهم يحثون على الإعدام أو الإسراع به".
وشاهد عيان آخر من الإنقلابيين وهو (عبدالستار الدوري) كان حاضراً، قال في برنامج (بين زمنين) أنه عندما دخل عبد الكريم قاسم القاعة راح ينظر في وجوه الإنقلابيين واحداً واحداً يتأملهم باندهاش وكأنه غير مصدق أن هؤلاء ينقلبون عليه، ولما حان وقت إعدامه اعتدل في مكانه ووضع سدارته على رأسه وكأنه يتهيأ لأخذ صورة له والبنادق المصوبة نحوه كأنها كامرات. هكذا كانت شجاعة قاسم وهو يواجه الموت. ثم نفذ حكم الإعدام به وبرفاقه الشهداء فاضل عباس المهداوي، وطه الشيخ أحمد وخليل كنعان. "ومع إنهمار ذخيرة الموت انطلق صوت قاسم هاتفاً بحياة الشعب" .

حقائق بعد الإعدام
بعد أن تخلصوا من قاسم ذهب عدد من فرسان إنقلاب 8 شباط إلى مكتبه في وزارة الدفاع عسى أن يعثروا على دليل جرم ليتخذوا منه وسيلة للتشهير به. فوجدوا عدة أشياء ولكن كلها كانت في صالحه، نذكر منها أربعة ملفات جديرة بالإشارة: ملف زغيب، المدرس اللبناني المنتدب للتدريس في جامعة بغداد، يبيِّن أنه كان جاسوساً من المخابرات الأمريكية وحلقة وصل بين قيادة البعث في بغداد وصديقه مشيل عفلق، وقد جئنا على ذكره في فصل أسباب إغتيال الثورة. ومسودة القانون الجديد للجنسية العراقية والذي كان سيلغي القانون القديم الذي قسَّم العراقيين إلى مواطنين من الدرجة الأولى والثانية. وملف آخر يحتوي على وثائق إتصالات سرية بين الحكومة الكويتية والحكومة العراقية لحل الصراع بينهما ديبلوماسياً وكاد أن يفضي إلى قيام إتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي بين البلدين مقابل فتح المجال لإستثمار الرساميل الكويتية في العراق على نطاق واسع. وكان أحد المفاوضين من وراء الكواليس هو المرحوم موسى علاوي الذي بعث إلى الأستاذ حسن العلوي رسالة خطية عام 1997، يخبره بالتفاصيل . كذلك وجدوا سجلاً يضم أسماء العائلات العراقية الفقيرة التي كان قاسم يوزع عليها رواتبه. ومن يومها أدرك هؤلاء أنهم قد قتلوا زعيماً لم يعرف العراق له نظيراً في نزاهته. وكما يقول بطاطوا : " أما اليوم، فيعترف غير قليل من أولئك الذين وقفوا ضده في تلك الساعة بأن عامة الشعب كانت تكن له حباً مخلصاً يفوق حبها لأي حاكم آخر في تاريخ العراق الحديث".

قوة قاسم في موته:
من المعروف أن الشهداء الأبرار هم أقوى في موتهم مما هم عليه في حياتهم. هكذا كان المسيح والحسين وغاندي وجيفارا وغيرهم. وبكل تأكيد كان إستشهاد قاسم، المعروف بتسامحه، بهذه القسوة والوحشية من قبل رفاق الأمس قد جعل منه الأقوى في موته مما كان عليه في حياته، هذه الحقيقة أدركها الشباطيون وأرعبتهم كثيراً منذ اللحظات الأولى من إنقلابهم، وهذا هو السبب الذي جعلهم يلقون جثته الممزقة بالرصاص، في النهر خوفاً من أن يتخذ الشعب من القبر مزاراً أو رمزاً بعد أن يعود الوعي الغائب أوالمغيب قسراً. وفعلاً صار قاسم أسطورة في مخيال الجماهير الشعبية الفقيرة التي لم تصدق عن مصرعه وراحوا يتصورونه حتى في القمر.

شهادة علي الوردي بحق قاسم
يجدر بي قبل أن أنتهي من كلمة الوداع، هذه أن أشير إلى موقف الزعيم عبدالكريم قاسم في هذه المرحلة الاجتماعية الهامة من تاريخنا. فلقد أعلن الرجل غير مرة أنه فوق الميول والاتجاهات، واعتقد أنه صادق فيما قال. ولكني مع ذلك لا أستطيع أن أعد موقفه هذا خالياً من الدقة والحراجة.
إنه ليس قائد حزب وإنما هو قائد بلد تتصارع فيه الأحزاب، وهو إذن معرض للحيرة أكثر من تعرض أي قائد حزبي لها. وكلما تأملت في حراجة موقفه هذا شعرت بالثقل الهائل الموضوع على عاتقه. ساعده الله!
إنه لا يستطيع أن يتجاهل أهمية الحماس الشعبي في تأييد الثورة التي تكاثر عليها الأعداء، وهو لا يستطيع كذلك أن يجاري هذا الحماس إلى الدرجة التي اندفع بها المتعصبون المتسرعون. بين يديه من جهة بلد يحتاج إلى استقرار، وبين يديه من الجهة الأخرى ثورة تحتاج إلى تأييد. ولا بد للرجل من أن ينظر في هذه الجهة تارة وفي تلك الجهة تارة أخرى.
إني أشعر بالعجز في سياسة صف واحد من الطلاب حين يشتد الجدل بينهم، فكيف بالرجل وهو يقود ثورة كبرى كثورة 14 تموز وفي مجتمع كالمجتمع العراقي. ومهما يكن الحال فإننا يجب أن نحني رؤوسنا اعترافاً بما وهب الرجل من مهارة في قيادة سفينة البلد بين هاتيك الأمواج المتلاطمة. (د. علي الوردي، في كتابه: الأحلام بين العلم والعقيدة، دار كوفان، لندن، ط2، 1994، ص 331-332).

وأخيراً، من هو عبدالكريم قاسم؟
كان عبدالكريم قاسم يجسد في شخصه وبصورة مكثفة، الجوانب الإيجابية والمشرقة من القيم والأعراف والتقاليد العراقية الجميلة المحببة عند العراقيين، في الوطنية والقومية والإنسانية والنبل والشهامة والشجاعة والكرم والمروءة والتسامح والبساطة والعفو عند المقدرة وحب الناس، وبالأخص الفقراء منهم، والثقة العالية بالنفس وبالشعب وبالناس المحيطين به والإعتماد عليهم. وهذه الصفات النبيلة هي التي أحالت بينه وبين المكر الذي قد يلجأ إليه السياسي الداهية أحياناً لإيهام الخصوم والإيقاع بهم وإبقاء الموالين له متماسكين من حوله والحفاظ على التوازنات ووحدة القوى الوطنية. وقد وضعته الأقدار في قمة القيادة وسلمته أعلى مسئولية لقيادة البلاد في مرحلة من أشد مراحل تاريخ العراق غلياناً وعربدة وهياجاً وانفجاراً. في تلك الإنعطافة التاريخية الكبرى التي لا بد من حصول الإنشقاق والصراع العنيف بين مكونات الشعب وقواه السياسية التي لم يسلم منها أعظم رجالات التاريخ مهما أوتوا من قدرة وكفاءة ودهاء. والظروف التي مر بها قاسم ومعاناته كانت فوق طاقة أي قائد مهما كان حكيماً وداهية، أشبه بتلك التي مر بها الإمام على بن أبي طالب (ع).
ويمكن القول أن عبدالكريم قاسم كان يمتلك في شخصه طاقات كامنة وإمكانيات كبيرة كسياسي ورجل دولة لم تسمح له الظروف العاصفة بعد الثورة لإبرازها في السياسة والإدارة، لأنه رغم تلك الظروف العاصفة، استطاع الرجل أن يحقق الكثير للعراق ودون أن يكون عنده حزب أو مؤسسات إستخبارية نشطة لتحميه. وعليه أعتقد أن نهاية قاسم بتلك الطريقة اللئيمة لا تدل على ضعفه أو نقص في ثقافته ومهارته في شيء، بل كانت حتمية فرضتها ظروف المرحلة التاريخية التي جاءت بالثورة والقوى السياسية التي ساهمت بها ولأن تلك القوى كانت وماتزال في مرحلة المراهقة السياسية، لم تدرك المخاطر المحيقة بها. ولذلك كان قاسم وكأي شهيد في التاريخ، برز وهو أقوى بعد مصرعه مما كان عليه في حياته. وسيبقى عبدالكريم قاسم، ابن الشعب العراقي البار رمزاً للوطنية العراقية والعدالة الإجتماعية، حياً في وجدان الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي.



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (10) أسباب اغتيال ثورة 14 تموز
- النصر من منظور نصرالله!!
- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (9) حوادث العنف في عهد الثورة!!
- الأهداف الحقيقية وراء تدمير لبنان
- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (8) الثورة والحزب الشيوعي العرا ...
- لبنان يحترق ونيرون يتبجح
- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم ..الفصل السابع
- السباق نحو الهاوية!
- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم 6
- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم 5
- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم 4
- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم - 3
- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم - 2
- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم - 1
- لماذا معظم الإرهابيين مسلمون؟
- ثورة 14 تموز العراقية وعبدالكريم قاسم
- هل الإسلام دين التسامح؟ (3)
- هل الإسلام دين التسامح؟ (2)
- حول المصالحة الوطنية العراقية
- هل الإسلام دين التسامح؟


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالخالق حسين - ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (11) من هو عبد الكريم قاسم؟