|
عندما يستنجد الغريق بقشة - المجلس العسكري -
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 6822 - 2021 / 2 / 23 - 22:53
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
شغلت فكرة " المجلس العسكري " في الأسبوعين الأخيرين حيزا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام ، ونالت اهتماما من متابعي القضية السورية ، والقوى المعنية بهذا الملف الذي يحمل في طياته الأوجه الإنسانية والسياسية والحقوقية ، ومصائر الملايين من السوريين ، المهجرين والنازحين والمقيمين ، ومستقبل الأجيال القادمة ، والنظام السياسي المنشود ، ومآل أهداف الثورة في الحرية والكرامة والتغيير الديموقراطي بما فيها حقوق المكونات الوطنية القومية وفي المقدمة الكرد السورييون ، ومسائل الحرب والسلام ، والجرائم ضد الإنسانية من قتل وتدمير التي ارتكبها النظام المستبد طيلة العشر سنوات الأخيرة مكملا جرائم ابشع ارتكبها منذ انقلاب البعث بداية ستينات القرن الماضي ، وتسلط نظام الاسدين الاب والابن منذ السبعينات الى الان .
أقول فكرة إقامة " المجلس العسكري " وليس مشروع ، لان ما اعلن وكتب عنه لم يأتي في سياق دراسة ، وتحليل ، ومراجعات ، انكب عليها مفكرون ، ومثقفون ، وعلماء سورييون ، في الشؤون العسكرية ،والسياسية ، والاقتصادية ، والأمنية ، ثم تم طرحه مجددا بعد الصياغة ، للنقاش الاوسع في الأوساط النخبوية وكذلك الشعبية ، والاستفتاء عبر الوسائل المتوفرة ، لقد تم طرح الفكرة من جانب افراد على عجل ، وتلقفتها أفراد آخرون ، بل ان البعض اعتبرها فكرته متجاهلا المصدر الأول ، وكان الجميع انطلقوا من رؤية واحدة وهي الخلاص كيفما كان ، وباية طريقة كانت ، وذلك بسبب الجمود المتفق عليه مع كل المآسي والعذابات الذي فرضه النظام والقوى المحتلة على القضية السورية بهدف وصول الشعب السوري الى نقطة اللاعودة في فقدان أي بصيص امل ، وقبول أية حلول حتى لو افضت الى الاستسلام .
في سياق تبني الفكرة ، والدعوة لها ، والتوقيع على ديباجة تأسيس " المجلس العسكري " من جانب مجموعات من ضباط بقايا الجيش الحر من خارج مؤسسات ، وكيانات ، وفصائل المعارضة ، ( الرسمية ) الى درجة التعصب لها ، ظهرت نزعة عسكريتارية تدين السياسيين المعارضين من دون تمييز ، وتحملهم أسباب الهزيمة والتراجع ، ووأد الثورة ، هذه النزعة القاصرة ماهي الا احدى نتائج التسرع ، والامزجة الفردية ، والتاثيرات الشخصية ، والاعمال الفردية الشللية التي لاتستند الى الرأي الجماعي والمشورة ، والاذعان للقيادة الجماعية ، وتسجل في سياق العقلية الانقلابية التي تتعشعش في عقول العسكريتاريا السورية منذ أواسط الاربعينات انتهاء بانقلاب البعث ، وحافظ الأسد باسم الحركة التصحيحية .
وحتى لانظلم أية فئة وطنية سورية من المدنيين والعسكر ، نعيد الى الاذهان أن الانتفاضة السورية السلمية اندلعت قبل عشرة أعوام تعبيرا عن ارادة غالبية السوريين ، وبادوات شعبية مدنية بسيطة وعفوية وليس عسكرية ولا حزبية تقليدية تصدرتها تنسيقيات الشباب في كل الجغرافيا السورية تقريبا ، مما يعني ان الفئات المدنية هي من بادرت الي اشعال الانتفاضة ضد نظام الاستبداد ، وان أذرع النظام العسكرية والأمنية والحزبية والميليشياوية هي من تصدت للمنتفضين بالسلاح ، والقمع ، والخطف ، والاعتقال ، الا ان بادرت مجموعات عسكرية من كل الرتب ، الى الالتحاق بالانتفاضة ، والانحياز الى صف الشعب . من غير الجائز ولا الواقعي وضع كل المدنيين السياسيين او كل العسكريين في ميزان واحد ، ففي الوقت الذي لايمكن التمييز بين الجانبين حيث العسكري ابن المدني وبالعكس ، فهناك اختلافات وتباينات بالافكار والمواقف والسياسات بداخل كل القطاعات ، هناك الاخيار والاشرار في كل مكان ومؤسسة وقطاع بين العسكريين والمدنيين ، فقط يمكن القول أن نظام الاستبداد الاسدي البعثي عمل على إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس عقائدية طائفية ، ووظفها كجهاز قمع واستئصال ضد الشعب وليس من اجل الدفاع عن السيادة وحدود الوطن ، وحاول خلق العداوة بين الجيش من جهة والغالبية الوطنية من الجهة الأخرى . وقد حذى بعض الميليشيات من خارج اطار النظام ومناطقه حذو النظام في انشاء وتربية قطاعات عسكرية على العقائد والايديولوجيات الشمولية ، وعلى ثقافة تخوين وتكفير وتصفية الاخر المختلف بسبب الفكر ، والموقف السياسي ، والقومية ،والدين ، والمذهب .
ولاشك الانتفاضة تحولت الى ثورة مكتملة بعد التحاق قسم من المؤسسة العسكرية باسم الجيش الحر الى الحراك المدني ، واذا كان لمعظم السوريين من الوطنيين المستقلين مآخذ كبرى على سلوك كيانات المعارضة من المجلس الوطني الى الائتلاف انتهاء بهيئة التفاوض ، وادانات بالانحراف عن خط الثورة ، وعدم الاستقلالية ، وحملها لاجندات خارجية ، فان تلك الكيانات والمؤسسات المعارضة كانت ومازالت تقاد من جانب أحزاب كلاسيكية ، إسلامية ، وقومية ،ويسارية ، وتتشكل من المدنيين ، والعسكر مثل وزارة الدفاع ، ورئاسة الأركان ، وقادة الفصائل العسكرية ، والجيش الوطني ووووالخ ، وشارك عسكر الثورة والمعارضة في صفقات خفض التصعيد مع النظام والمحتلين الروس ، وفي اجتماعات آستانا وسوتشي وغيرها بطبيعة الحال تحت مظلة المعارضة المدنية والسياسيين .
ان طرح فكرة " المجلس العسكري " كحل للازمة وبمعزل عن الحركة الوطنية السورية بكل عيوبها والاجماع الوطني ، ومن دون حاضنة سياسية منظمة من معارضي نظام الاستبداد تحميه وتمده بالشرعية ، أوخارج المشروع الوطني الديموقراطي ،وحتى لو حظيت برضا دول خارجية لاقيمة لها ولاتاِثير ، ومثل ذلك المجلس الذي سيكون ان تشكل تحت رحمة ضباط النظام ، الذي يتمتع بقوة الدولة والإدارة والتنظيم في حين ان بضعة ضباط من ( الاوادم ) لن يحلوا ولن يربطوا ولن يكونوا الا شهود زور على نحر الثورة ، والارتداد عن أهدافها والتسليم بصدقية النظام القاتل .
من المعتقد ان البعض من المتحمسين جدا لفكرة " المجلس العسكري " تختلط عليهم الأمور عندما يقارنون بين دور العسكر في حالة الثورة السوية ، وفي التجارب الأخرى في بعض بلدان ثورات الربيع مثل ليبيا والسودان وتونس ومصر وغيرها ، ففي البلدان الاخرى وعندما نلاحظ إيجابيات في مواقف المؤسسة العسكرية مردها ان تلك الجيوش لم تكن عقائدية حزبية طائفية متزمتة ، وقسم آخر انحاز للثورة عندما ظهر له مدى التنظيم والقوة الشعبية الهائلة للحراك الشعبي المدني مثل قوى الحرية والتغيير في السودان .
بنهاية الامر لابد من تكاتف الجميع مدنيين وعسكيين في هذه المرحلة المفصلية ، من اجل إعادة بناء الحركة الوطنية السوية ، وتوفير مستلزمات وشروط مواجهة مختلف التحديات الماثلة ، وإنقاذ بلادنا من المخاطر المحدقة ، وذلك من خلال المشروع الوطني الديموقراطي وهو السلاح الأقوى والنجع في كل زمان الذي يتوافق حوله كل المكونات السوية .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما تكون مراكز البحث في خدمة الحزب
-
مصير أمازيغ ليبيا خارج مشاريع المتحاربين
-
حوار الشركاء
-
الأسد : مجموعة كردية سورية انفصالية منذ الثمانينات
-
من الذاكرة الثقافية : رابطة كاوا
-
بعد نصف قرن رابطة كاوا تعود الى الوطن الجريح
-
المسلمات العشر
-
تعقيب على مقترح المعارض السوري كمال اللبواني
-
في خصوصية اليسار الكردي السوري
-
شهادة للتاريخ
-
قراءة في تصريحات السيد – جيمس جفري –
-
بعد عقد من الثورات المغدورة
-
تصحيحا لتوصيفات خاطئة : الكرد السورييون ليسوا بارز
...
-
شعب واحد من دون حركة كردية موحدة
-
حول معارضي - كيانات المعارضة الرسمية - السورية
-
كارثة عفرين من منظور آخر
-
أثيوبيا : صراع المركزية والفدرالية
-
سابقة - ناكورنو قراباخ - هل هي فاصل بين مرحلتين ؟
-
قضايا الخلاف وأشكال الصراع في الحركة الكردية
-
تعقيب على مقابلة – مظلوم كوباني – مع المونيتور
المزيد.....
-
أغنياء وأقوياء ضد فقراء وضعفاء؛ ترامب يعولم الصراع الطبقي!
-
الصراع على سوريا… مجدداً
-
الانتخابات في رومانيا.. هل يصل اليمين المتطرف للسلطة؟
-
المملكة المتحدة: اليمين المتطرف يفوز بالانتخابات المحلية ويو
...
-
زاخاروفا تندد بنبش قبور الجنود السوفييت في أوكرانيا (صور)
-
سُحُب الغضب الاجتماعي تتجمع لمواجهة الإفقار والتجويع
-
-كان في حالة غضب-.. أول تعليق من نجل عبد الناصر على حديثه ال
...
-
تركيا: اعتقال المئات من المتظاهرين في إسطنبول خلال مسيرة بمن
...
-
فيديو – مواجهات بين الشرطة الفرنسية ومتظاهرين بمناسبة عيد ال
...
-
كلمة الرفيق رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس ال
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|