أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عمارة تقي الدين - حين يرتشف الديكتاتور نخاع الأمة.














المزيد.....

حين يرتشف الديكتاتور نخاع الأمة.


محمد عمارة تقي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 6815 - 2021 / 2 / 15 - 02:40
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


دكتور محمد عمارة تقي الدين
في يقيني أن الاستبداد هو تهديد مباشر للأمن القومي للشعوب، هو قلق واضطرابات ومجاعات، هو مصارع الأمم ونهايتها.
والحقيقة أن الاستبداد لا يزال كظاهرة بشرية - وبالرغم من المؤلفات الهائلة التي نُسجت حوله - بحاجة لدراسات أكثر عمقاً لسبر أغواره وحصر آثاره القاتلة على المجتمعات الإنسانية .
وها هو الفيلسوف اليوناني أفلاطون يصف لنا بدقة ما يفعله الطاغية بشعبه من موبقات باعتبارها إستراتيجية كل طاغية للقضاء على الحرية وإخضاع الشعوب وقتل نخوتها واغتيال وعيها الجمعي، وكأن أفلاطون بحديثه القديم هذا يخاطب عالم اليوم وكأن التاريخ يعيد إنتاج نفسه بشكل رتيب.
وبحسب ما أورده الأستاذ إمام عبد الفتاح إمام في مؤلفه الرائع (الطاغية)، يقول أفلاطون واصفا بدقة إستراتيجية الديكتاتور، أي ديكتاتور، في حكم الشعوب :" يبدأ الطاغية حكمه بالتقرب من الناس ويجزل بعض وعوده ويتصنع الطيبة والود مع الجميع، وفي الوقت ذاته يبدأ في تكوين حرس قوي حوله بحجة المحافظة على مطالب الشعب ومراعاة مصلحة الشعب ذاته، ثم يبدأ في تأمين وجوده في الداخل والخارج، ففي الداخل يتخلص من المناوئين له وعندما يأمن هذا الجانب فإنه لا يكف أولا عن إشعال الحرب تلو الأخرى حتى يشعر الشعب بحاجته إلى قائد وكذلك حتى يضطر المواطنون الذين أفقرتهم الضرائب إلى الانشغال بكسب رزقهم اليومي بدلا من أن يتآمروا عليه، وعندما يجد زعيم الشعب نفسه سيداً مطاعاً فإنه لا يجد غضاضة في سفك دماء أهله، فهو يسوقهم إلى المحاكمة بتهم باطلة،إنه يحتقر القوانين، ولما لم يكن شيء يقف في وجه الطاغية المستبد فإنه يصبح عبد الجنون أو ينقلب حكمه إلى كارثة فهو يقتل المواطنين ظلما وعدوانا ويذوق بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم، عندئذ يصبح هذا الرجل طاغية ويتحول إلى ذئب "، ولكي يؤكد أفلاطون أطروحته نجده وقد استدعى واحدة من الأساطير اليونانية والتي تتحدث عن تحول الطاغية إلى ذئب وأن المرء إذا ما ذاق قطعة من لحم الإنسان ممتزجة بلحم قرابين مقدسة فإنه يتحول حتماً إلى ذئب، إذ أن الطاغية لا يرويه ولا يكسر ظمأه إلا دماء أفراد شعبه.
ويكمل أفلاطون حديثه عن مراحل تحول الحاكم إلى طاغية، فيقول: " فإذا شك أن لبعض الناس من حرية الفكر ما يجعلهم يأبون الخضوع لسيطرته فإنه يجد في الحرب ذريعة للقضاء عليهم، لهذا السبب كان الطاغية دائما مضطرا إلى إشعال نيران الحرب، وظلم الطاغية لا يعرف تفرقة بين المواطنين، وليس للطاغية صديق فهو لا يمانع في الغدر بالأصدقاء أو المعاونين إذا ما اشتبه فيهم... فهو إذا وجد من بين أولئك الذين أعانوه على تولي الحكم فئة من الشجعان الذين يعبرون عن آرائهم بصراحة أمامه وفيما بينهم وينتقدون ما يقوم به من تصرفات فإن الطاغية لابد أن يقضي على كل هؤلاء، وهكذا شاء طالعه أن يظل طوعا أو كرها في حرب دائمة مع الجميع حتى يطهر الدولة منهم، ويا لها من طريقة في التطهير إنها عكس طريقة الأطباء فهؤلاء يخلصون الجسم مما هو ضار فيه ويتركون ما هو نافع، أما هو فيفعل العكس ذلك أنه لا يستأصل إلا المفيد والنافع لأنه لا يقضي إلا على الشرفاء والمفكرين والشجعان والمخلصين الذين يرفضون نفاقه، وهو بدوره سيحتاج إلى حرس أكبر عددا وأشد إخلاصا ومن ثم يلجأ لأن يدفع لهم أجورا كافية، فالشعب الذي أنجب الطاغية يجد نفسه مضطرًا لإطعامه هو وحاشيته وحين يدرك الشعب ذلك سيكون هذا الطاغية أقوى من أن يستطيع الشعب إسقاطه وهذه هي الكارثة " ، ويؤكد أفلاطون أن : " الطاغية لا يتقاعد أبدًا، إما أن يموت أو يطيح به شخص آخر، وأنه كلما طالت مدة ممارسته للطغيان ازدادت هذه الطبيعة تأصلًا فيه".
والطاغية، وكما يذهب إمام عبد الفتاح إمام : " يجد الظروف المواتية له في عالم متخلف ترتفع فيه نسبة الأمية ويغيب الوعي"، متسائلا: " حتى لو افترضا أن للطاغية ايجابيات هائلة فما قيمة هذه الايجابيات إذا كان ثمنها تدمير الإنسان وتحطيم قيمه وتحويل الشعب إلى جماجم وهياكل عظمية تسير في الشارع منزوعة النخاع شخصيات تافهة تطحنها مشاعر الدونية والعجز واللا جدوى فإيجابيات الطاغية مهما كثرت فإن ثمنها باهظ جدا وهو ضياع الإنسان، وكما يقول السيد المسيح " ماذا يفيد الإنسان لو أنه ربح العالم كله وخسر نفسه".
والطاغية لا يمكنه أن يمارس طغيانه إلا في ظل وجود شعوب مستعدة لذلك ومتقبلة له، فقبل الطغيان هناك القابلية للطغيان، إذا جاز لنا أن نستعير من طرح الفيلسوف العربي مالك بن نبي.
ولا نريد أن نغادر تلك الفكرة من دون الإشارة إلى بعض الأطروحات الرجعية التي ذهبت إلى أن هناك شعوب بطبيعتها تفضل الانقياد للمستبد ولا يصلح معها النظام الديمقراطي، فهي ادعاءات عنصرية كذَّبتها الدراسات الحديثة التي غاصت في أكثر مستويات التحليل عمقاً والتي أكدت أن الحرية هي قيمة جوهرية نائمة في أعماق كل البشر،هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولكن الشعوب تمر بمراحل تطور حتى تتفهم قيمة الحرية ومركزيتها في حياتها.
من هنا يمكننا وبلا مبالغة تصنيف الشعوب حضارياً بحسب موقفها من الحرية، فكلما تحضرت الشعوب كلما عظمت عندها قيمة الحرية، تأسيساً على ذلك يمكن أن نضع (بارومتر الحرية) لقياس مدى تحضر الشعوب ورقيها في سلم الحضارة.
وبالقطع لا ندعو لحرية مطلقة أو فوضوية بل حرية منضبطة يضع المجتمع نفسه أسس انضباطها تأسيساً على قناعاته الفكرية والدينية، حرية مسئولة يراقبها الشعب ذاته رقابة ذاتية عبر منظماته ونقاباته وتجمعاته المعبرة عنه ويضع من أجلها المواثيق الحاكمة والمؤطرة لها.
ومن ثم فعلى الشعوب أن تدرك أن الحرية قيمة غير قابلة للمقايضة بأي شيء آخر، وكما يقول بنيامين فرانكلين: " من يضحى بالحرية من أجل الأمن لا يستحق أي منهما " ونحن نقول لن يحقق أي منهما.



#محمد_عمارة_تقي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأب الروحي للعنف الصهيوني (فلاديمير جابوتنسكي)
- حين يغتال الإعلام وعينا الجمعي، ما العمل؟
- الصهيونية وتحويل الدين لأيديولوجية قتل
- مسارات ما بعد كورونا، أو كيف نصنع المستقبل(2)
- مسارات ما بعد كورونا،أو كيف نصنع المستقبل؟
- إعلام الديكتاتور وهوى الأوطان
- في ذكرى صديق العمر
- كورونا وإنسان ما بعد الحداثة
- جرائم ثُمانيَّة الأبعاد بحق الأديان
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
- المؤرخون الجدد وتقويض الأطروحات الصهيونية(2)
- المؤرخون الجدد وتقويض الأطروحات الصهيونية
- ناطوري كارتا... يهود ضد الكيان الصهيوني
- الدوائر الصهيونية حول ترامب
- الإعلام وتوظيف الشائعة كسلاح
- إيفانكا والصهيونية العالمية
- أمناء جبل الهيكل والإرهاب الصهيوني
- التساؤل ...تلك الفريضة الغائبة
- إيفانكا ترامب والصهيونية العالمية
- ترامب والقدس...عندما يختلط الدين بالسياسة


المزيد.....




- رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما ...
- زلة لسان جديدة.. بايدن يشيد بدعم دولة لأوكرانيا رغم تفككها م ...
- كيف تتوقع أمريكا حجم رد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟.. مصدرا ...
- أمطار غزيرة في دبي تغرق شوارعها وتعطل حركة المرور (فيديو)
- شاهد: انقلاب قارب في الهند يتسبب بمقتل 9 أشخاص
- بوليتيكو: المستشار الألماني شولتس وبخ بوريل لانتقاده إسرائيل ...
- بريجيت ماكرون تلجأ للقضاء لملاحقة مروجي شائعات ولادتها ذكرا ...
- مليار دولار وأكثر... تكلفة صد إسرائيل للهجوم الإيراني
- ألمانيا تسعى لتشديد العقوبات الأوروبية على طهران
- اكتشاف أضخم ثقب أسود في مجرة درب التبانة


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عمارة تقي الدين - حين يرتشف الديكتاتور نخاع الأمة.