أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عمارة تقي الدين - التساؤل ...تلك الفريضة الغائبة















المزيد.....

التساؤل ...تلك الفريضة الغائبة


محمد عمارة تقي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 5879 - 2018 / 5 / 21 - 20:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


التساؤل ...تلك الفريضة الغائبة
دكتور محمد عمارة تقي الدين
"إن إعطاء الفرص المناسبة لنمو الطاقات المفكرة هي مسألة حياة أو موت لأي مجتمع"، هكذا يؤكد المؤرخ الكبير أرنولد توينبي على أهمية التفكير العميق باعتباره مسألة مصيرية لبني الإنسان.
وهو ما دفع باتجاهه كونفوشيوس من قبل فقد كان يردد: "لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا بعد أن يتعلم كيف يفكر".
غير أن السؤال الذي يُطِل برأسه الآن: هل التساؤل والتفكير العميق هو أمر مُتاح للجميع؟ أم أن الله قد خلق البشر بين مُمتلك لتلك القدرة وبين فاقد لها؟
يرى ديكارت أبو الفلسفة الحديثة أن " العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس " وأنهم يختلفون فقط في طريقة ودرجة استخدام هذا العقل، ولذلك فإن بإمكانهم جميعاً أن يصلوا إلى الحقيقة إذا هم استخدموا كامل قدراتهم العقلية وانطلقوا بتفكيرهم من مبادئ سليمة، وفق خطوات منهجية منضبطة.
فلا تكف عن التساؤل أبداً بل أطلِق العنان لخيالك ليغزو فضاءات جديدة ويرسم مسارات عديدة، فليس بالحقائق وحدها تتقدم البشرية، بل بالخيال دائماً وأبداً، هذا ما أعتقِده ويوافقني فيه ألبرت آينشتين فقد كان يردد: " الخيال أهم من الحقيقة، فالحقيقة محدودة أما الخيال فيطوف العالم ويحيط به".
فالخيال هو خطوة ما بعد الواقع، ثم بعد أن تتحقق تتحول لواقع وحقيقة، لتبدأ خطوة جديدة لخيال جديد وهكذا ترتقي البشرية في سلم الحضارة، لذا سنظل ندعو دائماً لاستدعاء لحظات الخيال القصوى النائمة في أعماقنا، ليصبح الخيال بمثابة فريضة إنسانية.
بل أستطيع أن أزعم أنه ليس مجرد فريضة إنسانية فحسب بل هو فريضة دينية أيضاً تأسيساً على حقيقة أن كل ما هو إنساني هو ديني بالأساس، فالأديان في إصدارها الأول تدعو دائماً إلى إعمال ملكة التأمل والتفكر بحدودها القصوى.
فها هو الإسلام في كلمته الأولى للبشرية وقد جاءت في شكل فعل الأمر(اقرأ)، فالمتعمق في دلالة الكلمة يستطيع أن يستبطن أنها ليست مجرد أمر لفعل القراءة بل الاستقراء والتأمل والتحليل والاستنتاج، نعم فاقرأ تعني إعمال تلك الملكات في مسارين رائعين: الأول وهو كتاب الله المسطور (القرآن) وما به من قصص وأحكام وعبر، والثاني كتاب الله المنظور (الكون) وما به من آيات وإعجاز وجودي وجمالي في آن.
غير أن الواقع الإنساني يُحدِّثنا حديثاً آخر، فبني الإنسان في أغلبهم تحكمهم العاطفة وليس العقل، وهو ما يدفع مارك توين باتجاهه إذ يقول: " تجاربـي أكـدت لـي أن الإنسان هو الحيــوان غيـر العاقل "، وهو ما أكده أفلاطون منذ زمن بعيد بقوله: " إن دغدغة عواطف الجمهور ورغباته لأشد إقناعاً من أي احتكام للعقل".
حقيقة أن الانسياق وراء حديث العاطفة واللاوعي وغياب العقل هو الأمر الأكثر إدانة فيما مرت بها الإنسانية من مخاطر وحروب وكوارث عبر تاريخها، ولعل التجربة الهتلرية الأكثر دلالة وحضوراً في هذا السياق.
الحل إذن في إيقاظ حاسة التساؤل النائمة في أعماقنا عبر تشجيع روح التساؤل والبحث والتقصّي, وعدم التسليم بما يُملى علينا دون تحرٍ وتدقيق.
فالتساؤل والتفكير العميق هو سبر لأغوار المجهول هو تهديد مباشر لمجهوليته هو أن تتفحّص كل فكر بعين نقدية وأنت تقف خارجه ودون أن تسمح له بأن يستوعبك داخله.
إن أزمة أمتنا العربية هي في جوهرها أزمة خفوت العقل والإبداع في مقابل تعالي صوت النقل والاتباع، لذا فقد طرح عبد الوهاب المسيري مشروعاً فكرياً يدعو فيه للوصول ليس للعقل النقدي فحسب بل للعقل الإبداعي، مؤكداً أن تلك الصفات هي في الحقيقة كامنة في العقل البشري بشكل فطري فهكذا خلقه الله عقلاً توليدياً مبدعاً.
ومن ثم يصك المسيري مصطلح الموضوعية الاجتهادية والتي يُعرّفها بأنها:" هي ألا ينقل الإنسان الواقع بحذافيره وكأنه ببغاء أو آلة تصوير بلهاء، وإنما يُعمِل عقله وخياله فيربط بين التفاصيل، ويجرد منها أنماطاً متكررة تساعده على فهم الواقع بطريقة أعمق وأشمل، فجوهر البحث والإبداع هو أن يكتشف الإنسان علاقة بين شيئين أو ظاهرتين لم يكتشفها أحد من قبل ويربط بينهما".
ذلك هو العقل كما خلقه الله، وكما صوره لنا المسيري عقلاً توليدياً إبداعياً، وإن كانت أطروحات ما بعد الحداثة قد حاولت تسطيحه إلا أنه لا يزال ممتلكاً القدرة على الإبداع والتجاوز ليشق مسارات رائعة لدورة حضارية جديدة.
حقيقة أن معضلة العقل العربي، وكما يذهب كثيرون، تتجلى في الاستسلام المطلق لضغط مقولات تراثية تبلورت في تاريخ مفارق للواقع المعاصر أضفت عليها السنوات المتعاقبة نوعاً من القداسة فأحاطتها بسياج مضاد لأي فكر نقدي واعتُبِر الاقتراب منها خطاً أحمر قد يُعرِّض صاحبها للتكفير ومن ثم القتل المعنوي صعوداً إلى القتل المادي والتصفية الجسدية.
يتحتم إذن إحياء روح المبادرة لدى الإنسان العربي فالتبعية العقلية التي يعانيها قوضت فعل المبادرة لديه ومن ثم جعلته متردداً فلا يتَّخِذ قراراً بمفرده بل يُذعن لقرارات الآخرين باعتبارهم أكثر علماً وفهماً منه، ومن ثم وجدنا أنفسنا أمام إنسان الإذعان الذي جرى تسوية أحلامه بالأمر الواقع فقبِل مستسلماً كل مفردات عالمه في حين أن ما نُريده هو إنسان الارتقاء والقدرة على التجاوز ليرى دائما أبعد من واقعه مع اتكائه على حيثيات هذا الواقع ومعطياته في آن، فهكذا خلقه الله مفعماً بالإرادة، إرادة التجاوز التي مكنته من بناء الحضارة الإنسانية وإرساء دعائمها.
كما أن إطلاق روح التساؤل والبحث وعدم التسليم بالحقائق دون مساءلة وتمحيص هو أمر من شأنه أن يحمي الإنسان من الوقوع كضحية للأفكار المتطرفة تلك الأفكار التي لا تجد حظها من الانتشار والذيوع إلا وسط بيئة وأمة أقالت عقلها وأطلقت عليه رصاصة الرحمة فأقالها التاريخ من صفحاته المُشرقة.
العقل إذن هو الأداة التي من شأنها إنتاج الأفكار العظيمة ووضعها على محك الواقع لأجل تجاوز ارتهاناته.
أن نتساءل ونفكر بعمق هو باعتقادي الطريق الذي يمكن من خلاله أن نفهم هذا العالم وأن نرسم خريطة إدراكية لمعطياته ومتغيراته وموقعنا داخله، أي بلورة رؤية حقيقة للذات وللعالم في آن.
مهمتنا المركزية إذن في أن نجعل من التفكير النقدي الإبداعي بمثابة الدماء التي تسبح في شرايين الأمة، فهي إستراتيجية من شأنها تسليح الإنسان العربي بالأدوات اللازمة لخوض معركة الوعي الحقيقي، عبر إدارة آلة العقل البشري بكامل قدراتها وطاقتها، معركة يتعاظم فيها دور العقل ويخبو حديث العاطفة واللاوعي.
لا مفر إذن من خوض تلك المعركة إذا ما أردنا انعتاقا من ارتهانات واقعنا البائس، وهو الواقع الذي تبلور في ظل الارتكان للأفكار والأطروحات الجاهزة والمُعلَّبة أو التراثية القديمة التي لم تعد تناسب واقعنا بأية حال، ومن ثم فليكن شعارنا : دعنا نُقوِّض سلبيات الواقع بمعول الأفكار.
وهو أمر لن يتأتى من دون الانخراط في صناعة ثقيلة للعقل تتخذ من الجدل منهجاً والإبداع مسلكاً، عبر إعادة بناء الحاسة التحليلية النقدية التي تُعتبر المُنطلق الأول لإعادة إنتاج وعي جمعي حقيقي تتأسس عليه معرفة علمية جديدة لتُمثِّل قاعدة للانطلاق الحضاري الذي نتغياه.
ومن ثم يدعونا الفيلسوف الإنجليزي براتراند راسل لإدارة آلة الفكر بأقصى طاقتها لتجاوز حقيقة مفادها أن معضلة البشرية وأزمتها الكبرى تكمن في أن أكثر البشر لا يفكرون، يقول راسل: "معظم الناس يفضلون الموت علي التفكير … وفي الحقيقة فإن هذا ما يفعلونه" ، هما إذن خياران لا ثالث لهما: إما أن تُفكِّر الأمم أو تنتظر مصارعها.



#محمد_عمارة_تقي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيفانكا ترامب والصهيونية العالمية
- ترامب والقدس...عندما يختلط الدين بالسياسة
- إسرائيل والفيسبوك...عصر الجواسيس الجدد
- ثالوث العنف الصهيوني (ثالثاً: التيار المسيحي الصهيوني)
- الإعلام وحتمية التفكير الناقد
- ثالوث العنف الصهيوني (ثانياً: التطرف العلماني)
- الدين وقفص الأيديولوجيا الحديدي
- ثالوث العنف الصهيوني (أولأ: التطرف الديني)
- الدراسات المستقبلية... حتمية عربية
- المرأة ... ذلك الشيء في اليهودية
- الإعلام السلطوي ومغالطة الإلهاء(الرنجة الحمراء)
- الإعلام السلطوي ونظرية الرنجة الحمراء
- الإعلام في ظل الأنظمة السلطوية
- حزب شاس وموقفه من الصراع العربي الصهيوني
- الإعلام ومغالطة الثنائية الزائفة
- بلاكستون ذلك المسيحي الصهيوني
- هال ليندسي إنجيلي في عشق إسرائيل
- داعش إسرائيل ... تنظيم كاخ الإرهابي
- الإعلام ونظرية التنفيس
- كيف يوظف الإعلام السلطوي العاطفة الوطنية؟


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عمارة تقي الدين - التساؤل ...تلك الفريضة الغائبة