أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهادي حاجي - التغير والمفاهيم ذات العلاقة















المزيد.....


التغير والمفاهيم ذات العلاقة


محمد الهادي حاجي
باحث متحصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع

(Hajy Mohamed Hedi)


الحوار المتمدن-العدد: 6791 - 2021 / 1 / 18 - 14:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- مفهوم التغير الاجتماعي والمفاهيم ذات العلاقة:
يعتبرالتغير الاجتماعي من الخصائص التي ارتبطت بالظواهر الإنسانية إذ لا وجود لمجتمع ثابت مهما كانت درجة بدائيته، لذلك فإن الباحث في دراسة الظاهرة الاجتماعية يلاحظ مثلا كيف تتغير القيم من عصر إلى عصر، ومن مجتمع إلى آخر، بل في المجتمع نفسه، فمثلا خروج المرأة للعمل والذي كان يُعد خروجا عمّا هو مألوفأصبح الآن أمرا طبيعيا، ولم يقتصر التغيّر على النواحي الاجتماعية فقط، وإنما تخطاها إلى أساليب الإنتاج واستعمال التكنولوجيا الحديثة مكان اليد العاملة.
بناء على ذلك يدل مفهوم التغير الاجتماعي على التبدّل الذي يطرأ البنيات في فترة زمنية محددة على الأبعاد الاجتماعية زمني ، وما يعني وجود قوى اجتماعية تدفع أو تسهم في حدوث هذا التغير في اتجاه معين وبدرجات متفاوتة الشدة . وهو قد يطال بناء المجتمع بأسره، كما هو الحال في الثورات، كما قد ينحصر في حقل معين أو نظام اجتماعي خاص مثل الأسرة، الدّين، السياسة... ويعرّف معجم العلوم الاجتماعية التغير الاجتماعي على "أنه كل تحوّل يقع في التنظيم الاجتماعي سواء في بنائه أو في وظائفه خلال فترة زمنية معينة ويشمل ذلك كل تغير في التركيب السكاني للمجتمع أو في بنائه الطبقي ونظمه الاجتماعية أو في أنماط العلاقات الاجتماعية أو في القيم والمعايير التي تؤثر في سلوك الأفراد والتي تحدد مكانهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الاجتماعية التي ينتمون إليها .
و يميز علماء الاجتماع بين التغيّر الاجتماعي والتغير الثقافي، فالأول يطرأ على العلاقات بينما الثاني يعتري القيم والمعتقدات والرموز السائدة في المجتمع. غير أنه تطبيقيا يصعب الفصل بين نمطي التغيّر، إذ التغير الثقافي يسببه أشخاص أو مجموعة، هم جزء من البناء الاجتماعي، كما أن للتغير الاجتماعي مكونات ثقافية مهمة في تحديده، ومع ذلك فإنه يمكن فصل بعض التغيرات الثقافية كالتي لها علاقة باللغة والفن والفلسفة، عن السلوك الاجتماعي.
و يمكن القول في هذا السياق أن تبني مصطلح التغير الاجتماعي من قبل علماء الاجتماع كان للتدليل على صور التباين التاريخي في المجتمع، وقد ساهم في رواج هذا المصطلح كتاب "التغير الاجتماعي" لمؤلفه ويليام اجبرن، عام 1922، الذي بين فيه دور العناصر البيولوجية والثقافية في حدوث التغير الاجتماعي، وطرح فرضية "الهوة الثقافية" وما يسمى بالثقافة التكيفية، وهو التغير الذي يطرأ على جزء من الثقافة اللامادية و يصبح مصدرا للضغط والصراع. وقد اختلف علماء الاجتماع حول مفهوم التغير الاجتماعي بين من اعتبره بديلا محايدا عن فكرة التقدم ومن اعتبره تغيرا في البناء الاجتماعي وحجم المجتمع والتوازن بين أجزائه أو نمط التنظيم (Ginsberg) ويرى آخرون أنّه تعديل يحدث في المعاني والقيم التي تنشر في المجتمع أو في جماعاته النوعية (Ross) . ويمكن في هذا السياق تعريف التغير الاجتماعي بأنه تبدل في النظم والأجهزة الاجتماعية من الناحية البنائية والوظيفية خلال مدة زمنية محددة. ، ويتجلى التغير الاجتماعي في كل تمظهرات الحياة الاجتماعية، مما جعل بعض علماء الاجتماع يقولون بأن المجتمعات هي وعاء بجملة تفاعلات وعمليات اجتماعية في تغير وتفاعل متواصلين أما الركود أو الجمود في أي مستوى من مستويات الحياة الاجتماعية فأمر لا يمكن التسليم به، إذ المجتمعات المختلفة منذ نشأتها الأولى كانت تتغير كما لا ينحصر التغير الاجتماعي في حقل من الحقول الاجتماعية وإذا بدأ فمن الصعب إيقافه، نظرا لما بين النظر الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي الشامل من ترابط وتفاعل وظيفي ضمن ما يسمى في علم الاجتماع بالأنساق الاجتماعية.
ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن الأبحاث والدراسات حول مفهوم التغير قد مثلت تقليدا في علم الاجتماع قد عرفته عديد الثقافات والمجتمعات فآبن خلدون قد حلل وأشار إلى العناصر المؤثرة في عملية التغير عندما ركز على المجتمع العربي البدوي ذي النعرة العصبية القوية والذي يقوم على الفلح والحيوان في معاشه، وهؤلاء البدو تدعوهم الضرورة "ولا بد إلى البدو لأنه متسع لما لا يتسع له الحواضر، ثم إذا اتسعت أحوال هؤلاءالمنتحلين للمعاش وحصل لهم ما فوق الحاجة من الغنى والرفاه دعاهم ذلك إلى السكون والدعة، وتعانوا في الزائد على الضرورة، واستكثروا من الأقوات والملابس والتأنق فيها وتوسعة البيوت واختطاط المدن والأمصار للتحضر" ( )، يرى ابن خلدون أن المجتمعات تمر بمراحل تبدأ بالطفولة ثم مرحلة الشباب والنضج، ثم مرحلة الشيخوخة وهذا تغيّر دائري، يُرجع المجتمع من حيث بدأ فهو تحول من البداوة البسيطة إلى الحضارية المعقدة، هو حصيلة أساسية لتغيير موارد معاشية بدائية إلى أخرى تتميز بالثراء والترف والتأنق ومعقدة الطّبيعة ( ).
و في هذا الإطار يرى بعض علماء الاجتماع على غرار ماكس فيبر أن التغير الحقيقي في المجتمع، هو تغيّر في نسق القيم عند ربطه بين الدين والرأسمالية، بينما يرى البعض الآخر أن تعدد العناصر مجتمعة هو الذي يحدث التغيّر وذلك من خلال المزج بين العناصر المادية واللامادية. ( ) ويذهب "أندرسون" إلى أن تقبّل التغيّر الاجتماعي مرتبط بعناصر أساسية أهمّها:( )الحاجة إلى التغيّر بمعنى أن يكون المجتمع في حاجة ماسّة إلى التغير، أي في وضع تقبله، عند وجود وعي بأنه ضروري لتحقيق جملة من الأهداف بنجاعة وفاعلية ثم التوسع في الإشباع إذا كان التغيّر أقدم وأعمق من العوامل القديمة على إشباع الحاجيات المادية والمعنوية والنفع والفائدة عند القبول الطوعي والتلقائي للتغير وبسهولة هو مؤشر على حصول المنفعة وتلبية الحاجيات.
كما يعرف التغيّر الاجتماعي بأنه "التغيّرات التي تحدث في التنظيم الاجتماعي أي في بناء المجتمع ووظائف هذا البناء المتعددة والمختلفة" ( ). وهو ما يدل على أن التغير الاجتماعي تأتي على عدة أشكال منها التغير في القيم الاجتماعية، والتي تؤثر بطريقة مباشرة في مضمون الأدوار الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي والتغير في النظام الاجتماعي، أي في الأدوار والمراكز، فهو "ظاهرة تخضع لها نواميس الكون وشؤون الحياة من خلال التفاعلات والعلاقات والتبادلات الاجتماعية المستمرة والتي تفضي إلى تغير دائم" ( )، ويذهب (جنزبيرج) إلى أن التغيّر الاجتماعي "هو كل تغيّر يطرأ على البناء الاجتماعي في الكل والجزء، وفي شكل النظام الاجتماعي، ولهذا فإن الأفراد يمارسون أدوارا اجتماعية مختلفة عن تلك التي كانوا يمارسونها خلال حقبة من الزمن" ( )، ويعرّف "جي روشي" التغيّر بأنه كل تحوّل في البناء الاجتماعي يلاحظ في الزمن لا يكون مؤقتا سريع الزوال لدى فئات واسعة من المجتمع ويغير مسار حياتها ( ) كما يعرّف التغيّر بكونه عملية اضطرارية ومستمرة للتحوّل أو التعديلات التي تطرأ على أنساق العلاقات الاجتماعية ( ). ويعتبر "ميلز" أن التغيّر الاجتماعي هو التحول الذي يطرأ على النظم الاجتماعية، وقواعد الضبط الاجتماعي التي يتضمنها البناء الاجتماعي في مدة معينة من الزمن ( )، ولا يعني التغيّر أنه دائما للأفضل فقد يكون للأسوأ، وماهو سلبي لمجتمع معين قد يكون إيجابيا لآخر، لأن التغيّر ليس واحدا أو خطيا وأداتيا يعتمد نفس التوجهات والوسائل، ويكون نتيجة عوامل داخلية متراكمة عبر التاريخ الاجتماعي وعوامل أخرى قد تكون خارجية بفعل التفاعل مع مجتمعات أخرى وهي عناصر داخلية وخارجية متفاعلة ومتداخلة تضع هذا التغيّر ، الممتدة في مرحلة زمنية معينة.
صنّف علماء الاجتماع التغيّر الاجتماعي إلى عديد المفاهيم وكلّها متوالدة من نفس الاشتقاق، وبهذه المفاهيم المتعددة يمكن الإحاطة أكثر بمفهوم التغيّر الاجتماعي، فهي مصطلحات متشابهة، وإن اختلفت في المضامين مثل التقدم والتطور والنمو...

- التقدم الاجتماعي:
و هو مفهوم مرتبط بالتغيّر ومرادف له كمصطلح، ويشير إلى الصّيرورة الاجتماعية، وقد جاء ذلك واضحا في كتابات "أوغسيت كونت" و"كوندرسيه"،و الذي يعني حركة تسير لاتجاه الأهداف الموضعية التي تنتهي إلى تحقيق منفعة، وهو اتجاه ضدّ الركود والاستقرار بل التعامل مع المجتمع من خلال العلوم الطبيعية، وهي حركتها الدائبة ذات الفائدة الاجتماعية ( ). وهناك من يعرّف التقدم بأنه تطور في الحياة العقلية للإنسان وتزايد قدرته على التحكم والسيطرة على الطبيعة، كما أنه يعني تبنّي أنماط من السلوك والفكر يتقبلها المجتمع، ويرى فيها فرصة لتحقيق الأفضل ( ) فالتقدم يأخذ التدرج في حالات أفضل كالتقدم العلمي والتكنولوجي والثورة الاتصالية والعلمية في إطار ما يسمى بالتكنولوجيا الحديثة، هي تقدم من حالة العزلة والتقوقع إلى حالة التفاعل والانفتاح. إلا أن هناك من يرى أنّ التقدم المفاجئ والذي يؤدي إلى الانفجار الاجتماعي الكبير يؤدي بدوره إلى تغيير المجتمع بالكامل مثل الثورة العلمية ( ).
كما يمكن الإشارة إلى أن التقدم لم يكن دائما سمة الشعوب والمجتمعات لعدة أسباب منها الفقر والحروب والصراعات، ممّا دفع بعدد من علماء الاجتماع إلى البحث عن القيم الجديدة وإعادة الاعتبار إلى القيم القديمة والتي تمثّل خصوصية المجتمع المتقدم، كقيم الوقت والعمل وتعدد الثقافات (التعدّدية) وقيمة النقد الذاتي وقيمة العلم ( )، هي قيم التقدم والتي وجب غرسها في المناخ الثقافي، وهي قيم تحققها منظومة القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع ( ).
ثم أنه وجب الإشارة إلى أن مفهوم التقدم متغيّر من مجتمع إلى آخر حسب الثقافة والمكان والسياق التاريخي، ففكرة التقدم لدى "كونت" في قانون الحالات الثلاث لها ظروفها ولا يمكن تعميمها لنصبح قانونا حضاريا عاما، لأنّها نسبية ( ) هذه الفكرة نابعة من تصّور إيديولوجي لا يصمد أمام الواقع، فما هو تقدم في مجتمع مصنع لا يكون بالضرورة كذلك في مجتمع آخر، وإن كانت المجتمعات الغربية قد حققت تقدما في مجال الصناعة والتكنولوجيا فإن ذلك لا يعني تحقيق تقدما في مجال القيم والأخلاق والعدالة الاجتماعية، عكس المجتمعات التقليدية التي تحقق إشباعها من الوسائل المادية البسيطة التركيبة. كذلك مفهوم التقدم يواجه إشكالا تطبيقيا على اعتباره خطيا لا يقبل التراجع عكس التغيّر التراجعي الذي يربط أصحابه بين التغيّر والتأخر مما يجعل هذا الأخير أكثر شمولية من الناحية المنهجية، لكن ذلك لا يؤدي بنا إلى القول أنّ مفهوم التقدم لا يمكن الاستفادة منه، وإنما هو صالح لفهم سياقات الحالة الأفضل والأكثر إيجابية في تاريخ المجتمع.
- التطور الاجتماعي:
يعني هذا المفهوم النمو البطيء الذي ينتج عنه تحول منتظم ومسترسل، ترتبط فيه كل مرحلة بالتي سبقتها، برز هذا المفهوم بشكل جلي في القرن التاسع عشر إثر النجاح الذي حققته علوم الحياة، والتي أدّت إلى ظهور نظرية التطور "لداروين"والتي تعبّر عن التطور البيولوجي، الخاص بالكائن الحي، وهي التي كانت نقطة انطلاق البحث عن أصول الظواهر الاجتماعية، وكان تشبيه التطور البيولوجي بالتطور الاجتماعي، وقد استُعمل هذا المفهوم في الحقل الاجتماعي وفي علم الاجتماع بشكل خاص في وصف التحولات الاجتماعية في المجتمع في شبيهها بالكائن الحيّ. كما هو عند "هربرت سبنسر" الذي عرّف التطور بأنه "انحدار سلالي معدل على نحو معين" ( )، فالمجتمع عبارة عن نظام يتكون من أجزاء تعمل متكاملة لتحقيق التوازن مثل ما هو سائد في حالة الكائن الحي، فهو في حالة تطور دائم من البسيط إلى المعقد، ومن المتشابه إلى المتباين المختلف، كما أنّ عملية الصراع من أجل البقاء جعلت كثيرا من المجتمعات تتحد مع بعضها البعض/ ممّا جعلها متكاملة ومتطورة حسب "بسبنر"، ويمكن ملاحظة ذلك في المجتمعات المعاصرة التي تتكتل مع بعضها تحقيقا للتوازن والانسجام.
أما تايلور فيقول "أن التماثل الذي يسود في الجانب الأكبر من الحضارة، يمكن إرجاعه إلى التأثير المتماثل للأسباب المتماثلة، بينما نلاحظ من ناحية أخرى أن الدرجات المتفاوتة للتماثل يمكن أن تعتبر مراحل للنمو أو التطور تمثل كل منها محصلة تراث سابقة، وهي بصدد أداء دورها المناسب في تشكيل أحداث المستقبل" ( ).
قد هيمنت فكرة التطور على الفكر الاجتماعي لفهم المجتمع في إطار ما يسمى بـ"المماثلة البيولوجية" ( ). وقد بيّن "ويليام أوجبيرن" أن محاولات الكشف عن قوانين الوراثة والتنوع والانتخاب في تطور النظم الاجتماعية لم يفسر إلا القليل من النتائج الحيوية والهامة ( )، ويعني التطور من هذا المنطلق أنه تحول منظّم في البناء الاجتماعي من البسيط إلى المعقد، انطلاقا من المماثلة العضوية التي شبّه بها المفكرون الاجتماعيون التطور في الحياة الاجتماعية بالتطور البيولوجي للكائن الحي ( ). وقد عبر "كوندرسيه" على أن التطور أمر ضروري وعملية مستمرة، وأن الحياة الاجتماعية قد تطورت من مرحلة الصيد ثم الرعي والزراعة تليها مرحلة العلوم والفلسفة اليونانية ومرحلة الحضارة الرومانية ثم مرحلة الجمود العلمي ومرحلة اختراع الطباعة، ثم تأتي مرحلة التحرر الفكري والإصلاح الديني، بعدها مرحلة الثورة الفرنسية وأخيرا المرحلة التي ستحقق السعادة للجميع ( ).انطلق التوجه التطوري مع الداروينية، وقد بينت حدودها، إذ وقع انتقادها على اعتبارها تنظر للتطور كفكرة مجردة على خط أحادي مستقيم وضروري بالمعنى الحتمي، وهو عكس ما يكون عليه التغيّر الذي تتعدد مساربه ومنطلقاته وأسبابه
- مفهوم النمو:
يدل هذا المفهوم على الزيادة المادية في مؤشرات التنمية الاقتصادية والمالية في أدبيات التنمية، إذ وقع استعماله من قبل الدّارسين للتنمية والاقتصاد، فهو إيجابي ضمن خط تطوري وتصاعدي يعكس نسبة الانتعاشة أو الرفاهة، لذلك وقع استعماله لوصف المجتمعات النامية، وهو عملية طبيعية وتلقائية وبطيئة وهو يعني سلسلة من التغيّرات الهيكلية والوظيفية الضرورية لنمو مجتمع ما بزيادة استغلال أفراده للإمكانيات المتاحة على أقصى حدّ ممكن لتحقيق أكبر قدر من الحرية والرفاهية بأسرع من معدل النمو الطبيعي ( ) وتحقيق مستويات عليا للدخل الوطني والفردي ومستويات متقدمة للمعيشة والحياة الاجتماعية ومرافقها كالصحة والتعليم والشباب...
و يعني النمو "عملية النضج التدريجي والمستمر للكائن وزيادة حجمه الكلي أو أجزائه في سلسلة من المراحل الطبيعية، ويتضمن تغييرا كميا وكيفيا، كما يطبق على المجتمعات والأفراد ( ) ويعني النمو الاجتماعي تغيّر البناء عن طريق التطور الطبيعي والتحول التدريجي، ويختلف النمو عن التنمية، فهو تلقائي بينما تخضع التنمية للتخطيط والتصور والتصميم ( ). كما أن النمو يشير إلى الزيادة أو الإضافة الثابتة الحاصلة في جوانب الحياة، أمّا التنمية فهي تخضع للتراكم عبر الفترات الزمنية. وقد استعمل علماء الاجتماع هذا المفهوم مثل "دوركايم" و"سبنسر" عند تفسيرهما لعملية النمو السكاني والتغيرات الاجتماعية الحاصلة نتيجة للنمو ( )، فهناك علاقة كبيرة بين التغير والنمو فالظواهر عند تغيّرها تتغير خلال عملية النمو، وهو أقرب إلى التغير الكمي، أمّا التغيّر فهو كمي وكيفي، ويشمله تحولا في النظام الاجتماعي وفي القيم والأدوار والوظائف ( ). وهذا التحول يكون ذا نتائج مرجوة أو عكسية بمعنى إيجابية أو سلبية، ثم إن النمو لا يمس الجانب القيمي الثقافي لارتباطه بالدخل والإنتاج والاستهلاك ( ).
يمكن القول في سياق الحديث عن التغيّر الاجتماعي أنّ تعدد المنطلقات النظرية المهتمة بهذا المفهوم منذ فترة ليست بالقصيرة، إنما هو إثراء لجدل متواصل بين طرفين يركز الأول على المفهوم العلمي بوصفه قضية ابستمولوجية شديدة الارتباط بالمعرفة الفلسفية ضمن النظريات الكلاسيكية لعلم الاجتماع (ماركس، فيبر...) ويبحث الثاني على التخصص أكثر والارتباط بالواقع وتطوره بعيدا عن التناول العام في إطار النظرية الشمولية أو اتجاه نظري كلّي أو ماكرو- سوسيولوجي، وهو اختيار منهجي تطبيقي يجعل من مفهوم التغيّر أكثر التصاقا بالميدان واحتكاكا بالواقع ممّا أدى إلى خصوبة الجدل حوله ( ). وهذا التحوّل النوعي في الدراسات السوسيولوجية يعطيها دفعا قويا وحاسمًا في تجاوز الحلقة المفقودة، يضمن استمرارية المفهوم حسب السّياق التاريخي في علاقته بالنظرية من جهة وفي علاقته بالواقع من جهة ثانية.
ركز علماء الاجتماع في دراستهم للتغيّر الاجتماعي على جملة التحولات التاريخية للمجتمعات ونمذجة هذا التحوّل ضمن أنساق فلسفية غير قابلة للتقسيم على المستوى الفكري، وهي تكون عناصر مترابطة ترابطا عضويا هدفه هو وضع قانون لتطور الإنسانية ضمن مقاربة شاملة على غرار "كارل ماركس" و"أوغسيت كونت" و"غي روشيه"، وقد اهتم شق آخر من علماء الاجتماع بدراسة الصّراع والتوتر كعنصر ديناميكي محرك لعملية التغيّر الاجتماعي على غرار "مندراس"في دراسته للمجتمع الريفي من خلال السياسات الزراعية وعلاقتها بالتقنيات والبرامج الزراعية التي تؤثر في الإنتاج والبنى الاجتماعية ( )، وتكمن أهمية هذا التعريف كونه لا ينظر للتغيّر على أنه مجرد تأثير لقوى تاريخية وشمولية ولكنه أيضا تفاعل لاستراتيجيات مختلفة لعديد الفاعلين وهذا التحديد يجعل من التغيّر يشترط عناصر معينة يتفاعل معها الفاعلين وفقا لاستراتيجياتهم المتعددة، فالعوامل تساعدنا على البحث في الاستراتيجيات التي أحدثت التحول الاجتماعي. ( )
يعرّف ""غي رويشة" التغير الاجتماعي أنه ذلك "التحوّل القابل للملاحظة، الذي يمس كل تشكيل اجتماعي لجماعة ما سواء كان استثنائيا أو مؤقتا ويعمل على تغيير مسار تاريخ هذه الجماعة" ( )
حدد "غي روشيه" خصائص التغيّر الاجتماعي كما يلي:
التغيّر الاجتماعي "يحتوي على قانون إنساني يتم بطريقة جماعية كلّما وجدت عوامل لذلك". ( ) ويكون في الجزء أو الكل من التنظيم الاجتماعي ويرتبط بتحديد تاريخي من خلال عامل الزمن وفي عملية التغيّر لابد من الاهتمام بالجوانب المتواصلة أو الثابتة في دراسة التغيّر. ( )
وهكذا فالتغير الاجتماعي يعبّر حسب "رويشة" عن تلك التغيّرات البسيطة التي يمكن ملاحظتها والتأكد منها بالتحقق والدراسة في الزمان والمكان.
و من هذا المنطلق فإن تنوع الاتجاهات في دراسة التغيّر من شأنه أن يبحث في طبيعة كل المجتمعات بحسب خصوصياتها، لأن التغيّر في المجتمع الصّناعي أو ما بعد صناعي ليس نفسه في المجتمعات "التقليدية" التي وقع استعمارها والتحكم في بنياتها من خلال الاستعمار العسكري في القرن الماضي أو استعمارها اقتصاديا وثقافيا وسياسيا ضمن علاقة التابع والمتبوع أو الغالب والمغلوب، والدارس لعملية التغير في هذه المجتمعات يجد صعوبة في الفصل بين حقول أو مجالات التغيّر على اعتبار شدة التداخل أو الارتباط بين المكوّن الثقافي الرمزي والاجتماعي والاقتصادي المادي والسياسي ( ) وهو ما يستوجب الاستفادة من أغلب الإسهامات حول مفهوم التغيّر وعدم الفصل بين الاتجاه الباحث في البنى الاجتماعية والتغيرات الكبرى الماكروسيولوجية المحدثة لعملية التغيّر والاتجاه الذي يبحث في دراسة الثقافة والقيم والمعتقدات والرموز والمثل الشائعة في المجتمع، وارتباطها بالبنى والهياكل المادية، وهما نمطان من التغيّر يصعب الفصل بينهما خاصّة إذا تعلق الأمر بالمجتمعات "التقليدية" أو "الأولية" حسب "جورج بالنديي"، الذي يعتبر أنّ الأبحاث الاجتماعية بقيت تشكك في خصائص منسوبة للنظم التقليدية، وهي بحوث أغلبها في الأنتروبولوجيا السياسية، التي ترفض تشبيه التقليد بالجمود، مهتمة بالحركية ومظاهر الديناميكية في المجتمعورغم وجود سياقات تحبس أنفاس هذا التغيّر، فإن المجتمع لا يبقى سجين تقليديته أو ماضيه ( ). فالمهم في هذا الإطار هو مواكبة التغيّر الحاصل وضمان آليات التفكير الموضوعي من الناحية التطبيقية العملية بعيدا عن الإسقاط والأدلجة ( ).
و يعتبر التغيّر الاجتماعي في المجتمعات التقليدية المتأثرة بعوامل التكنولوجيا والغزو الثقافي وظهور حراك اجتماعي جديد ومحاولة إنجاز التحديث والتحضر موضوعًا مهمًا للدراسة والتحليل وحقلا للتجربة السوسيولوجية ( ).


محمد الهادي حاجي – باحث في علم الاجتماع



#محمد_الهادي_حاجي (هاشتاغ)       Hajy_Mohamed_Hedi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القبيلة والقبلية في إطار فرضية القطيعة والتواصل
- الحقل السياسي في تونس وتأثيره الاجتماعي إبان الفترة البورقيب ...
- التحديث و الحداثة
- معوقات التغير الاجتماعي
- مفهوم البنية في علم الاجتماع
- القيم :لمحة حول المفهوم
- التوجهات النظرية والمنهجيّة في علم الاجتماع الطبي وسوسيولوجي ...
- ددور الإعلام في عملية التغير الإجتماعي
- المجتمع التقليدي من وجهة نظر علم الاجتماع
- السلوك الاستهلاكي
- االاندماج الاجتماعي
- التنمية والعولمة
- قراءة في مفهوم التنمية من منظور علم الاجتماع


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهادي حاجي - التغير والمفاهيم ذات العلاقة