أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهادي حاجي - القيم :لمحة حول المفهوم















المزيد.....

القيم :لمحة حول المفهوم


محمد الهادي حاجي
باحث متحصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع

(Hajy Mohamed Hedi)


الحوار المتمدن-العدد: 6676 - 2020 / 9 / 14 - 19:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


القيم: لمحة نظرية حول المفهوم:
يعتبر مفهوم القيم من أكثر مفاهيم العلوم الاجتماعية تعقيدا ليس بوصفه ينتمي لحقول معرفية متعددة فحسب، وإنما لارتباطه بعديد المفاهيم الأخرى كالاتجاهات والتصورات والدوافع، وهو مفهوم شديد الارتباط بالفلسفة، إذ تعتبر القيم التراث الفلسفي، جزءًا من علم الأخلاق والسياسة وعلم الجمال، وقد حاولت الفلسفة الإجابة على عديد الإشكاليات مثل هل للقيم وجود واقعي موضوعي؟ هل تخضع للوجود المادي أم العكس؟
ارتبط مفهوم القيم في علم الاجتماع والانثروبولوجيا بالمستويات الثقافية المشتركة التي نحتكم إليها في تقدير الموضوعات، والاتجاهات الأخلاقية والمجالية أو المعرفية والدينية، ويشكل اللجوء إلى القيم بالنسبة إلى علماء الاجتماع "إنقاذا" أمام سعيهم إلى "تفسير ثبات بعض التصرفات وتماسكها أو خصوصيتها، إذ يعتبر اللجوء إلى القيم، والاستناد إليها في تفسير ثبات أو تغير الاتجاهات والسلوكات في المجتمع، ميزة من ميزات فكر علماء الاجتماع بدءًا بالكلاسيكيين مثل دوركايم، كارل ماركس، وماكس فيبر.
و يمكن تعريف القيم على أنها معتقدات قد تشكل غاية في حد ذاتها يسعى إليها الفرد أو تكون وسيلة، في ترشيد أنماط السلوك، وتؤثر القيم في حكم الفرد على الأمور وفي اختياراته لغايته ووسائل تحقيقها، وتتسم القيم بدرجة من الاستقرار والاستمرارية، غير أن كل قيمة تشمل مجالات تتفاوت في أهميتها، وقد تتغير هذه المجالات وتبقى القيمة نفسها قائمة.
وتحتوي القيم على معايير السلوك، وهي الأساس الضمني لأي نموذج ثقافي، تلك هي مثلا قواعد اللياقات وأصول الآداب والقواعد التي تنظم الطقوس والشعائروكثيرا من المعايير التي توجه أفعالنا وتصرفاتنا وسلوكاتنا، لذلك يبدو الارتباط وثيقا بين القيم والنماذج الثقافية.
وتعتبر القيم حسب تصور علم الاجتماع قيمَ مجتمعٍ مخصوصٍ، وهي مرتبطة بمجتمع معين وبفترة زمنية محددة، فهي تتغير في الزمان ومن مجتمع إلى آخر، فهي تتسم بالنسبية، وتستجوب انتماء عاطفيا قويا، ممّا يعطيها صفة الثبات النسبي عبر الزمن، وتقاوم هذه القيم كل تبدل داخل المجتمع، فهي مظهر من مظاهر سيطرة العقل الجمعي والسيطرة الاجتماعية.
لا شك أن المجتمع التونسي، في أثناء انتقاله من المجتمع التقليدي والثقافة التقليدية، إلى المجتمع الحديث والثقافة الحديثة، يمر بتغيرات في القيم الاجتماعية والأخلاقية، وهذه القيم القبلية والعشائرية والعائلية، يمكن اعتبارها كنتيجة للتحولات التي طرأت على المجتمع، بعد انخراطه في عملية التحديث.
و البحث في المجال الثقافي، وتغيره في المجتمع ينبع من إدراك أن العلاقة متشابكة تربط منظومة القيم بالعوامل الخارجية المحيطة بها، لأن التغيرات التي تطرأ على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كلها تنعكس مباشرة على القيم الاجتماعية ويعتقد كثير من الباحثين أمثال "تالكوت بارسنز" أن التحديث والتنمية يؤديان إلى حدوث تغيرات جذرية في القيم التقليدية، غير أن هناك مفكرين آخرين محدثين يعتبرون أن القيم الثقافية والاجتماعية، هي عنصر مقاومة في وجه عوامل التغير مثل "صامويل هنتجتون". ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن التغير الثقافي أوسع نطاقا من التغيرات في البناء، والتنظيم الاجتماعي، أي تلك التي تطرأ على كافة الجوانب الحياتية في المجتمع، كالأسرة والفن وقضاء وقت الفراغ والتكنولوجيا... وهذا يجرنا للحديث عن النظام الثقافي برمته، واعتبار الثقافة التقليدية وحدة متكاملة بمعنى نوع من التوافق المتبادل بين العناصر الثقافية وعدم وجود صراع واضطراب بينها أي وحدة من المعتقدات والأفكار والأفعال ومن ناحية أخرى حفاظها على الطابع الأخلاقي في إطار السيطرة أو الضبط الاجتماعي وتتباين القيم حسب حليم بركات حسب تعدد البيئات واختلافها سواء كانت بدوية، فلاحية أو حضرية،. وتعتبر العائلة في المجتمع، نواة اجتماعية، تقوم بعدة وظائف لأفرادها، وتعد من المصادر الهامة التي تستمد منها القيم، "وهناك على الأقل خمسة اتجاهات قيمية، تتصل اتصالا مباشرا بالحياة الأسرية والقبلية: النزوعُ في الثقافة العربية نحو التشدد على القيم العضوية، أكثر مما على قيم الاستقلال الفردي، والميلُ نحو الاتكالية على حساب الاعتماد على الذات والتمسك بحق الاختيار، والامتثال والقسوة، والتمسك بقيم الطاعة والتشديد على العقاب أكثر من التشديد على الانصهار في الجماعة، وهو ما ينشأ عنه نزوع معاكس للتأكيد على الذات وتضخيمها وفرض سيطرة الرجل على المرأة والعزل بينهما في الوقت ذاته".
ويعتبر الدين أيضا كمصدر للنظام في المعتقد والممارسات السلوكية والأخلاقية ، كمؤسسة اجتماعية ثقافية وكمجموعة من التشريعات والسنن وكنسق من الرموز يرسخ في الفرد الحالة الوجدانية من خلال تصوره للوجود والكون، وهو مصدر للقيم الاجتماعية ، وليست القيم كلها في مستوى واحد بل هناك قيم أساسية تتفرع عنها قيم أخرى أقل منها مرتبة. ويمكن التمييز في كل ثقافة بين القيم المركزية التي تنتظم حولها جميع القيم في عصر من العصور وبين القيم الأخرى المندرجة تحتها. وترتبط القيم ببعض الحاجيات والدوافع النفسية الإنسانية ومنها ثلاثة أنواع، وهي تمثل حقلا مهما من حقول علم النفس الاجتماعي:
- الحاجة إلى القوة التي تتصل بحب السلطة والنفوذ والتحكم في مجريات الأمور.
- الحاجة إلى إقامة العلاقات الودية مع الآخر وترافقها في هذه الحالة قيم الصداقة والتعاون والتضامن والمحبة.
- الحاجة للتحصيل التي تنبع منها قيم مثل حب النجاح والحصول على المال والثروة والمكاسب والاقتناء والتنافس والمكانة الاجتماعية والاقتصادية وحتى المناخ وطبيعة الأرض كما يبين ذلك ابن خلدون ومونتسكيو
- حيث أن المناخ والظروف الطبيعية أو البيئية تفرض على الناس تصرفات خاصة تؤثر في القيم الأخلاقية التي يخضعون لها. فحرارة الطقس وبرودته تؤثر في قيم العمل والإنتاج
كما يمكن الإشارة إلى أن الأوضاع السياسية تؤثر في القيم فالنظام السياسي الجمهوري مثلا يقوم على مبدأ الفضيلة والملكي يقوم على الشرف ونظام الحكم المطلق يقوم على القهر والخوف، وكل نظام يحاول تكريس المبدأ الخاص به وتنشئة الشباب عليه. ففي الأنظمة السياسية الشمولية تنتشر قيم الخضوع والسيطرة وتختفي قيم العدالة والمساواة والتسامح والانفتاح.
أما فيما يخص القيم بالمستوى الاقتصادي فإن نتائج الاستقصاء العالمي للقيم (The World Values Survey) قد بينت أن نظرة الشعوب التي تعيش في المجتمعات الغنية للعالم، تختلف نظاميا عن تلك التي تحملها المجتمعات ذات الدخل المتدني بالنسبة لمجموعة واسعة من المعايير والمعتقدات الدينية والاجتماعية والسياسية.
إننا لسنا بصدد دراسة القيم من زاوية نظرية لأنه موضوع كبير ولا يسمح المجال للتعمق فيه. لذلك سنحاول الاهتمام بالجانب الملموس المادي على مستوى السلوك الاجتماعي الجماعي رغم تجريدها فإنها تتمظهر ماديا، وهي أساسا تلك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فهي المخزون القيمي من أفكار وتصور للعالم الخارجي، وهذه العلاقات تحدد بدورها طبيعة النظرة للآخر والعالم من خلال سلوك وممارسة لمختلف أوجه الحياة اليومية. ويكون المنهج المفيد لدراسة هذا الموضوع المنهج الكيفي المرتكز على الفهم الذي يساعدنا على البحث في المعنى والدلالة. لأن الجانب الثقافي في الإنسان لا يمكن بأي حال من الأحوال إخضاعه للتكميم. خاصة وأن جانب السلوك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي يخضع لعملية مستمرة من التغيرات التي تساهم فيها عدة عوامل داخلية وخارجية، وهو ما يجعل الدراسات أحيانا تنصب على نفس السلوك في فترات متلاحقة لحصر جوانب التغير والثبات.
تعتبر القيم متفاعلة ومتحركة في المجتمع، وتشكل عنصر مقاومة في وجه التغير غير أن القيم نفسها يصيبها التغيّر. ويصيب نظامها وترتيبها أي سلم أفضليتها، لكن التغير في القيم في كثير من الأحيان يكون عميقا ويحدث شروخا، كما في حالات التغيرات الاجتماعية السريعة والإصلاحات الشاملة. فهي ليست كلها في مستوى واحد، بل هناك قيم أساسية أو رئيسية وأخرى أقل مرتبة، وهي في علاقة تربطها بالعادات التي ورد ذكرها في التعريف الذي قدمه تايلور حين عرف الثقافة بكونها ذلك الكل المركب، الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعادات وغيرها من القدرات التي يكسبها الإنسان، بوصفه عضوًا في المجتمع وتتغير القيم حسب الحاجة والعلاقة بين الفرد والأطر التي يعيش فيها من العائلة إلى المجتمع الشامل، وتختلف طرق التعبير عن هذه الحاجات باختلاف هذه الأطر الاجتماعية والبيئات، فهي موجودة لأن لها وظيفة داخل النسق الاجتماعي، وإذا أصبحت القيمة لا تحقق الحاجة فإن ذلك يعني حصول تغير اجتماعي معين فتنشأ بذلك قيمٌ جديدة على أنقاض القيم القديمة والسابقة وأحيانا تتعايش القيم الجديدة والقديمة في نفس البيئة الاجتماعية حسب متغيرات ترتبط بالفرد.
و يعتبر تغير القيم من الموضوعات الأشد إلحاحا على البحث الاجتماعي نتيجة للتغيرات والتحولات التي يشهدها المجتمع كالتحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هذا بالإضافة إلى التغيرات الخارجية في إطار ما يسمى بالعولمة وثورة الاتصالات والتقنية (الأنترنت) وما يصاحبه ذلك من تغيرات اجتماعية وثقافية خاصة في العقود القليلة الماضية ولعل من أبرز هذه التغيرات ظهور ظاهرة العولمة وما رافقها من ثورة معلوماتية حيث أحدثت تغيرا في المواقف والاتجاهات والقيم الإنسانية لدى أفراد المجتمع، وهي تحولات سريعة ساهمت في انتقال المفاهيم والقناعات والمفردات والأذواق في ما بين الثقافات والحضارات تعمل وسائل الاتصال على زيادة التفاعل الثقافي على المستوى العالمي إلا أن الدول التي تملك القدرات التكنولوجية سوف تملك القدرة على بث ونشر الرسائل الإعلامية الثقافية. بكل ما فيها من قيم وقد يحمل في بعض الأحيان غزوا ثقافيا يهدد الخصوصيات الثقافية. خاصة إذا كان الخصوصية هشة وتقبل التصدع والاختراقات مما جعل التحولات الكبيرة التي حدثت في القيم والتي تعكسها الفجوة السلوكية والذهنية التي تفصل بين الأجيال. ومن ثم فإن أي تناول دقيق لتحولات القيم في مجتمع هو في طور الانتقال العنيف والمتسارع نحو الحداثة، ينطلق من فهم التحولات البنيوية الكبرى، ومن دورها في تشريط وتكييف السلوكات والتصورات والقيم.
باحث في علم الاجتماع



#محمد_الهادي_حاجي (هاشتاغ)       Hajy_Mohamed_Hedi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوجهات النظرية والمنهجيّة في علم الاجتماع الطبي وسوسيولوجي ...
- ددور الإعلام في عملية التغير الإجتماعي
- المجتمع التقليدي من وجهة نظر علم الاجتماع
- السلوك الاستهلاكي
- االاندماج الاجتماعي
- التنمية والعولمة
- قراءة في مفهوم التنمية من منظور علم الاجتماع


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهادي حاجي - القيم :لمحة حول المفهوم