أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود يوسف بكير - الماركسية والرأسمالية والربيع العربي















المزيد.....

الماركسية والرأسمالية والربيع العربي


محمود يوسف بكير

الحوار المتمدن-العدد: 6788 - 2021 / 1 / 14 - 23:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


‏ ‏لست بصدد إعادة سرد تاريخ ما حدث في الربيع العربي ولكن أود أن أعرض بعض الدروس المستفادة من هذه التجربة التاريخية الكبيرة حيث تشهد هذه الأيام الذكرى العاشرة لاندلاع هذه الانتفاضة. وقبلها بدا للجميع أن المنطقة العربية تعيش حالة من الاستقرار الابدي وأن الشعوب العربية أصبحت جثة هامدة. ولكن ‏شرارة صغيرة في تونس أوقدها محمد بوالعزيزي بانتحاره أشعلت النار في المنطقة بسرعة غير عادية. والسؤال هل يمكن أن نستنتج أي شيء من هذا الحدث؟ سأحاول أن أجيب على هذا السؤال في نهاية هذا المقال القصير.
في بداية هذه الانتفاضة تباينت مواقف المحللين الدوليين والمحليين البعض -وكنت واحدا من هؤلاء- توقع أن تدخل المنطقة عصر الديموقراطية لأول مرة في تاريخها وأن تعود السلطة للشعوب. والبعض الآخر ‏حذر من أن مناخ الحرية سيكون فرصة جيدة للتيارات الإسلامية للسيطرة على الحكم. والحقيقة ان كلا التوقعين جانبهما الصواب لإنه خلال أعوام قصيرة شهدت دول المنطقة تطورات سلبية للغاية وساءت الأوضاع عما كانت عليه قبل الانتقاضات وتحول الربيع إلى خريف مظلم هذا بالرغم من سقوط رؤوس بعض الأنظمة إلا أن المنظومات القديمة عادت بروؤس جديدة أشد جبروتا من سابقتها ‏بدعم من المؤسسات العسكرية والدينية والإعلامية و الرأسمالية المستغلة، بينما دخلت نظم أخرى في حروب أهلية طاحنة لازلت رحاها دائرة حتى الآن وبعضها تحولت أراضيه إلى ساحة للحروب بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية وسوريا من أشهر الأمثلة على ذلك حيث يعمل بداخلها قوات أمريكية وروسية وتركية وإيرانية وإماراتية وسعودية ‏وربنا يستر ولا تذهب الهند والباكستان أيضا لتصفية حساباتهما هناك. والحقيقة أننا أمام مهزلة مأساوية في سوريا واليمن وليبيا لا يبالي بها المجتمع الدولي ولا ندري كيف ستنتهي. وأقول مهزلة لإن كل ما كانت تطالب به هذه الشعوب هو بعض الديمقراطية ونظم حكم أفضل ونوع من العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان وهي مبادئ يدعي الغرب أنه يدعمها! هل هذا بكثير على شعوب تعاني من الاستبداد منذ قرون؟ والحقيقة المرة كما أراها أن الربيع العربي ضاع على يد الإسلام السياسي المتطرف وليس هذا موضوعنا الآن.

‏التحالف بين الأنظمة الحاكمة والمؤسسات العسكرية والأمنية والدينية والإعلامية وراس المال لا يدعو للدهشة لأنه تحالف قديم ومعروف للجميع عبر تاريخ المنطقة العربية ولكن المدهش حقا هو أنه بالرغم من أن كل التيارات السياسية والدينية والحزبية والرجعية والتقدمية وجماعات الضغط المحلية والدولية ‏كان لها أدوار في أحداث الربيع العربي من اجل تحقيق أهدافها ومصالحها إلا أننا لم نرى أي دور للتيارات الماركسية في هذا الحدث التاريخي الضخم في المنطقة! والسؤال ‏ألم يكن فيما حدث من ثورات فرصة ذهبية للماركسيين لتعبئة العمال وتقديم الحلول الماركسية لمعاناة الشعوب والتي يتكلمون عنها منذ قرنين مثل دكتاتورية البروليتاريا وهدم مفهوم الدولة وبتر الرأسمالية من جذورها ومصادرة كل الملكيات الخاصة ووقف نهب فائض القيمة ‏وتحقيق المساواة الكاملة بين البشر والتي لم تتحقق منذ بدء الخليقة ومنها على سبيل المثال أن يتساوى أجر المهندس مع العامل والطبيب مع التمرجي والعالم مع الجاهل والمجتهد مع البلطجي تحت مظلة شعار الوهم القائل "من كل بحسب قدرته ولكل بحسب حاجته". وهو شعار يتطلب منا تجاهل العديد من الأسئلة البديهية والملحة والتي كتبنا عنها من قبل وبالتفصيل ومنها على سبيل المثال، لماذا يجهد المهندس نفسه في الدراسة ما دام سيتساوى في النهاية مع العامل! ‏وما هي معايير قياس القدرات والاحتياجات؟ ومن الذي سيقرر هذا؟
والسؤال الحائر مرة أخرى أين كان الماركسيون وماذا ينتظرون وهل يمكن أن تسنح فرصة أفضل من الربيع العربي كي يثبتوا لنا أن نظرياتهم الاقتصادية والسياسية قابلة للتطبيق ورفع الظلم عن الناس؟ أنا أتساءل بإخلاص ورغبة في المعرفة خاصة وأن بعضهم يقول إن الرأسمالية سقطت في سبعينيات القرن الماضي وأن أمريكا مفلسة والصين تقدم لها الاعانات والغرب الرأسمالي ‏موضوع منتهي وأن العالم في انتظار الماركسية بلهفة . وفي هذا ومنذ حوالي عامين سألت أحد تلاميذي عما يعرفه عن ماركس، صمت قليلا ثم أجابني "أنه كان لاعب خط الوسط في فريق البرازيل أيام زمان" أنا لا أقول هذا من باب التندر بل من باب الحسرة على شبابنا في الجامعات الغارقين في النت والفيسبوك واليوتيوب والألعاب الإلكترونية على تليفوناتهم المحمولة ولم تعد القراءة من هوايات أغلبهم كما كنا. وفي هذا تنبيه أيضا للإخوة الماركسيين بأن ماركس غير معروف لدى شباب اليوم بل وغير معروف على الاطلاق لعوام الناس خاصة العمال. كما أن الماركسية لا تدرس في أي من الفروع العديدة لعلم الاقتصاد والنظم السياسية لا في الشرق ولا في الغرب ولكنها تذكر باختصار شديد في تاريخ الفكر الاقتصادي على أنها تنبؤات بثورات عنيفة من قبل العمال ضد الرأسمالية ولكنها لم تتحقق عبر قرنين وأصبحت الماركسية مادة فلسفية بحتة.
‏ولكن لماذا نلوم شبابنا وعمالنا على جهلهم بماركس بعد أن رأينا أن أول من هجر الماركسية كانت الدول التي حاولت تطبيقها وعلى رأسها جمهوريات الاتحاد السوفيتي والصين. ومع هذا لا يزال هناك من يعيش في الماضي البعيد ويحلم بدكتاتورية البروليتاريا وتحول البشر إلي ملائكة في جنة الشيوعية حيث المساواة الكاملة التي تحدثنا عن أمثلة لها. والسؤال الآخر والهام هو هل أحجم الماركسيون عن المشاركة في الربيع العربي لإدراكهم أن الجماهير العربية سترفض الماركسية أو أنها لم تعد قابلة للتطبيق في عالم اليوم. ومن المفارقات العجيبة في هذا ما لاحظته من خلال تجربتي الشخصية بأن المنظرين الماركسيين أنفسهم مترددين في قبول الماركسية، وقد سألت أحدهم في مقال لي على موقع الحوار عما إذا كان سيقبل ‏أن تصادر ثروته لصالح العمال أو أن يتساوى في الحقوق والواجبات مع انسان أقل منه في القدرات بمراحل فلم يرد. والأهم من هذا ما أثبتناه من قبل بأن أغلبية العمال أنفسهم خاصة المهرة ومتوسطي المهارة منهم هم أول من سيرفض الماركسية لأن هؤلاء سعداء في حياتهم الاقتصادية وليسوا على استعداد للتضحية بوظائفهم وتدمير بلادهم من أجل مجموعة صغيرة من العمال ‏غير المهرة والعاطلين عن العمل، ناهيك عن أن الربيع العربي أوضح بجلاء أن موازين القوى في بلادنا تعمل لصالح الطبقة الحاكمة وقوى الأمن ورجال الدين والأجهزة الإعلامية و رأس المال وهؤلاء ضد أي ثورة خاصة عندما يكون هدفها إشاعة الفوضى وهدم الدولة وتسليمها لمجموعة من العمال غير المهرة .
‏والخلاصة أنه أيا كان السبب فقد ضاعت فرصة كبيرة على الماركسيين الذين لم يفعلوا أي شيء عبر عشرات السنين سوى إعادة طباعة أعمال ماركس وإنجلز دون أي محاولات جادة لتطوير أفكار هؤلاء المفكرين كي تتوافق مع تطورات الحياة، هذا في الوقت الذي لم تتوقف فيه الراسمالية عن التطور حتى ‏حتى وصلنا إلى عصر الاقتصاد الرقمي والذي ينبئ للأسف بانخفاض الطلب على العمال أكثر وأكثر. ولعلي أضرب مثلا من قطاع حيوي أعرفه جيدا وهو البنوك حيث بدأت تعتمد على التقنيات الحديثة بشكل مذهل وسريع حتى أن كل البنوك تقوم الآن بتقليص عدد فروعها والإستغناء عن أعداد كبيرة من الموظفين والعمال. هذه التطورات ليست في صالح العمال باي شكل ‏ولكن هكذا تعمل الرأسمالية الحالية التي تعاني حالة من التوحش والسعار وهو ما تحاول الاشتراكية الديمقراطية التعامل معه كما كتبت في مقالات سابقة.
وعودة إلى الذكرى العاشرة للربيع العربي والسؤال الذي طرحته في بداية المقال عن حالة الاستقرار التي كانت تعيشها المنطقة العربية لفترة طويلة ليتفاجأ العالم بانتفاضات الربيع العربي بشكل لم يتوقعه أحد. ‏الآن يعيش العالم العربي ظروفا مشابهة وجميع المحللين الدوليين والمحليين يتحدثون عن انخفاض الطلب بين الجماهير العربية على الديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية إلى آخره.
‏وهنا أود أن أؤكد على حقيقة هامة تعلمناها في الاقتصاد وهي أنه بالرغم من الهدوء الحالي في معظم الدول العربية أو ما يسميه البعض بالاستقرار فإن هذا ليس بالضرورة استقرارا حقيقيا لان ما يجعل أي مجتمع مستقر هو استقرار طبقته المتوسطة وتمتعها بمستوى رفاهة معقول وليس هذا هو حال الطبقة المتوسطة في كل الدول العربية الآن.
‏ ‏محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي



#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل المشكلة في الإسلام أم المسلمين
- مراجعات وأفكار ٢
- مشكلة الديون الحكومية في الفكر الاقتصادي
- أمثلة للاشتراكية الديمقراطية والاستبدادية
- مراجعات وأفكار
- مفارقات محزنة فيما يحدث في فلسطين ولبنان
- لماذا ننصح بالادخار في الذهب
- أوهام وآمال الإصلاح الديني
- نحن والعالم والأزمة النقدية القادمة
- صالح كامل الانسان والمفكر ورجل الأعمال
- كتاب اللامساواة لبيكيتي-ماركس الحديث
- الديموقراطية وحقوق الإنسان ما بعد الكورونا
- الكورونا ومستقبل النظام الاقتصادي العالمي
- مستقبل الدولار وما يحدث حاليا
- محمود يوسف بكير - كاتب وباحث في الشئون الاقتصادية والإنسانية ...
- هل لازال هنآك أمل؟
- من روائع الفكر الفلسفي
- كيف تؤثر الثقافة في الاقتصاد
- لماذا يكرهون المسلمين؟
- ماذا يريد سفاح السودان الجديد


المزيد.....




- وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع ...
- -البعض يهتف لحماس.. ماذا بحق العالم يعني هذا؟-.. بلينكن يعلق ...
- مقتل فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية (صور+ ...
- سماء غزة بين طرود المساعدات الإنسانية وتصاعد الدخان الناتج ع ...
- الناشطون المؤيدون للفلسطينيين يواصلون الاحتجاجات في جامعة كو ...
- حرب غزة في يومها الـ 204: لا بوادر تهدئة تلوح في الأفق وقصف ...
- تدريبات عسكرية على طول الحدود المشتركة بين بولندا وليتوانيا ...
- بعد أن اجتاحها السياح.. مدينة يابانية تحجب رؤية جبل فوجي الش ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن عدد الضحايا الفرنسيين المرتزقة ف ...
- الدفاعات الروسية تسقط 68 مسيرة أوكرانية جنوبي البلاد


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود يوسف بكير - الماركسية والرأسمالية والربيع العربي