أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود يوسف بكير - من روائع الفكر الفلسفي















المزيد.....

من روائع الفكر الفلسفي


محمود يوسف بكير

الحوار المتمدن-العدد: 6408 - 2019 / 11 / 14 - 22:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ولد الفيلسوف الهولندي سبينوزا في مدينة أمستردام في القرن 17 وبالرغم من مرور ما يقرب من ثلاثة قرون على مولده تظل الكثير من أفكاره صالحة لزماننا خاصة ما يتعلق منها بمفهوم الدين والتدين والحريات الفردية فقد كان بحق من أفضل الفلاسفة الداعمين لمجتمع ديموقراطي وعلماني تحترم فيه الحريات الفردية بقيود منطقية تحد من خطابات الكراهية والعنف والتحريض للحافظ على السلام المجتمعي.
وسوف نحاول في هذا المقال عرض بعض من أهم أفكار سبينوزا التي يمكن أن تسهم في بث الأمل في نفوس التقدميين والمصلحين الذين يسعون إلى تغيير المنظومة الفكرية والعقائدية البائسة السائدة في مجتمعاتنا العربية منذ قرون. كما أن الكثير من أفكار سبينوزا يمكن أن تكون هادية لشبابنا المناضل من أجل نيل حريته من أنظمته السياسية والدينية المستبدة والسعي للتعامل مع موروثة الثقافي والعقائدي بشكل منطقي يتلاءم مع عصر العلم والعقلانية.

وفيما يتعلق بالدين رأى سبينوزا "وببعض التصرف من جانبنا لإيضاح افكاره" رأي أن الأديان اختراع قديم للبشرية فقد صلاحيته على يد العلم والفلسفة، ولأنه كان عقلانيا ومنطقيا فإنه لم يقتنع بالشكل الساذج الذي رسمته الاديان لرب الكون واستبعد وجود مثل هذا الرب المفارق لعالمنا وكوننا وبالرغم من هذا جعلناه مشغولا بصغائر الأمور. وبدلا من هذا رأي سبينوزا أن الرب هو الطبيعة ذاتها أي أنه موجود في كل شيء حولنا وبداخلنا وهو جزء منا. ولذلك يدعونا إله سبينوزا إلى التوقف عن الصلوات الميكانيكية والطقوس التي لا معنى لها وبدلا من هذا يدعونا إلى الاستمتاع بطبيعته والى التغني بجمالها والتأمل بعمق في كل ما حولنا فهذه هي الصلاة الحقة.
ويأمرنا إله سبينوزا بالكف عن الذهاب إلى تلك المعابد المظلمة التي قمنا ببنائها وادعينا أنها بيوت هذا الإله وهو يقول إن بيوته الحقيقية سنجدها في الحدائق والغابات والأنهار والبحيرات والتي خلقها هكذا جميلة من أجلنا وللتعبير عن محبته لنا.

ويقول إله سبينوزا لنا توقفوا عن الخوف مني فلن أحاكمكم ولن أعذبكم كما قيل لكم لأنني حب صاف، ويخاطب الإنسان "قائلا توقف عن طلب الغفران مني لأنني أنا من خلقك بكل هذه العواطف والغرائز والاحتياجات والنواقص والتناقضات وتوقف أيضا عن لومي على كل أخطاءك لأنني لم أقل لك يوما أنك آثم ولم أنتقد يوما تصرفاتك، ولذلك لا تصدق أنني خلقت شيئا اسمه جهنم كي أحرق فيها أبنائي الذين خلقتهم إلى الأبد.
ويتساءل أي إله يمكن أن يفعل هذا؟ عليك أيها الإنسان أن تعلم أنه ليس هناك إلا هذه الحياة وهي كل ما تحتاج كي تخلق جنتك أو جحيمك. ليس هناك من يرصد كل حركاتك ويسجل كلماتك في سجلات ضخمة للعرض علينا يوم القيامة "فليس لدي وقت لتفاهاتك"
لا تصدق المواعظ والأقوال غير المنطقية المنسوبة لي لأن أغلب هذه المواعظ قدمت للناس للسيطرة عليهم واستعبادهم والتلاعب بعقولهم باسمي.
لقد خلقتك حرا تماما فلا تقبل أن يستعبدك أحدا ولا أنا أريد منك أن تعبدني أو تؤمن بي، أنا فقط أريدك أن تشعر بي عندما ترى أي شيء جميل أو تلاعب ابنتك الصغيرة. يكفيني فقط أن تهتم بنفسك وبكل من حولك ولا تبحث عني خارجك لأنني بداخلك.

المشكلة هنا أن البعض قد يرى في خطاب سبينوزا الديني أنه دعوة إلى الفجور وأن يعبث الناس كما يريدون حيث يختفي الدور الرادع للدين التقليدي ولا حساب ولا عقاب ولا جنة ولا نار. ولكننا نرى أن إله سبينوزا لا يدعو لأي من هذا على الإطلاق لأنه يخاطب الأحرار وذوي الضمائر الحية، هؤلاء لا يفعلون الخير لعاجل الجزاء أو للاستمتاع بالحور العين والطعام والشراب والنوم على الأرائك إلى ما لا نهاية. إله سبينوزا يخاطب أرقى سلالة في عالم الإنسان، انها سلامة الأحرار الذين عادة ما يتبعون من هو على حق وليس سلالة العبيد الذين لا يتبعون إلا من معه القوة والنفوذ.
وبالرغم من هذا فإننا لا نتفق مع بعض أفكار سبينوزا عن الإله حيث ذكر أنه حب صاف ويغفر كل الذنوب ولا يبالي بالشر والأشرار وبمن يدمرون طبيعته من بني الإنسان. حيث أن الطبيعة في رأينا ليست بهذه السلبية أو اللامبالاة التي تصورها سبينوزا. وباعتباري من الناشطين في مجال حماية البيئة فقد سبق أن كتبت عن فكرة داهمتني وهى أن الطبيعة تتسم بالذكاء وعادة ما يكون لها رد فعل على كل ما يسببه لها أسوأ مخلوقاتها وهو الانسان من تلوث وتخريب وتدمير، نرى ردود الفعل هذه فيما نسميه بالفيضانات والأعاصير والحرائق والزلازل المدمرة التي تعصف بالإنسان في كل مكان خاصة هذه الأيام، وهو ما نسميه بانتقام الطبيعة من الإنسان والذي قد ينتهي – إذا ما استمر الإنسان في نهجه التدميري للطبيعة - إلى انقراض الإنسان من على وجه الارض. . وأضيف أنه إذا كان إله سبينوزا فقط حب صاف، فمن أين يأتي كل هذا الشر؟

وفيما يتعلق بنظم الحكم رأي سبينوزا "مع بعض الإيضاحات من جانبنا" أن محاولات النظم المستبدة فرض إرادتها فوق رغبات الجماهير ستبوء بالفشل إن عاجلا أم آجلا لسبب بسيط وهو أن تجاهل إرادة الجماهير وقمعها يؤدي الى تآكل شرعية نظام الحكم في الداخل والخارج واضمحلال نفوذه بشكل تدريجي. وحتى لو كان معدل هذا الانحدار بطيئا كما هو الحال في عالمنا العربي بسبب القهر والقسوة المفرطة من جانب النظام إلا أن أثره التراكمي في نفوس الجماهير سوف يكون دائما في تزايد مثل الماء الذي يسخن ببطء فإنه حتما سيغلي خاصة عندما يصل القمع والقهر إلى حد معاقبة الناس على أفكارهم ومحاولة منعهم من مجرد إبداء آراءهم أو حتى الإنصات لأي رأي مخالف لرأي المستبد.

كما أن سبينوزا كان مؤمنا قويا بأن حرية التعبير هي حق طبيعي لكل إنسان حيث يولد كل منا برغبة غريزية في التعبير عما يختلج في نفسه بأشكال متعددة مثل الكلام أو الكتابة أو الفنون بأنواعها. ومن ثم فإن أي محاولة من قبل المستبد لإنكار هذا الحق على الناس سوف تؤدي حتما الى المواجهة والعنف. والأهم من هذا أن حرية التعبير وتنوع الآراء في المجتمع هي الطريق الأمثل للوصول إلى الحقيقة والعدل ومحاربة الفساد وسوء الادارة وتحقيق التقدم الاقتصادي كما نؤمن نحن الاقتصاديون.

كما يرى سبينوزا أن حرية التعبير لا يمكن أن تكون مطلقة حيث يلجأ المتطرفون والعنصريون إلي إساءة استخدام هذا الحق للترويج لخطابات الكراهية والتهجم على الآخر وترويعه لمجرد تبنيه لقناعات أو معتقدات مختلفة وهو ما يؤدي إلي تقويض السلام والاستقرار المجتمعي. وبدلا من هذا يري سبينوزا أنه من حق أي فرد أن يطرح أي قضية خلافية ويعبر عن رأيه فيها بشكل متحضر ويتسم بالمنطق.
وفي هذا فإننا نطالب دائما بإن على أجهزة الإعلام والمعلمين والمربين أن يدربوا ا الناس على أساليب الحوار الراقي والمتمدن وتطبيق نوع من الرقابة الذاتية أو ما يطلق عليه بالإنجليزية Self-censorship وهو أعلى درجة من درجات التحضر في الحوار مع الآخر ومحاجته دون امتهانه ودون إثارة غضبه وعداوته.

والخلاصة أننا من المؤمنين بقوة بأن أهم إنجاز فلسفي قدمه سبينوزا للعالم هو فكرتة الفلسفية الفريدة لحل مفهوم الإله بمنطق مقبول للعقل الإنساني حيث رأي أن عدم محدودية الرب أو الإله اللانهائي تعني بالضرورة أن الإله هو كل شيء أي أنه هو الكون أو الطبيعة بمجملها وهو ما يعني في رأينا أن كل ما في الكون هو جزء من الإله وأن الإله يتصرف بشكل مطابق لكل ما في الطبيعة من أفعال وردود أفعال.
ويمكن أن نستنتج أيضا من أفكار سبينوزا أن الإله أو الدين الحق لا يمكن أن يجعل من البشر متطرفين وإنما البشر هم من يجعلون الدين أو الإله متطرفا.
وأختم بالقول بأن العلم والمعرفة هما نتاج العقلانية والمنطق وليس لدينا خيار آخر إذا كانت هذه غايتنا.

مستشار اقتصادي



#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تؤثر الثقافة في الاقتصاد
- لماذا يكرهون المسلمين؟
- ماذا يريد سفاح السودان الجديد
- في نقد العقل الأيديولوجي
- المشكلة الكبرى في الاقتصاد العالمي
- تطور هام في نظام التحويلات الدولية
- هل ستصمد الصين أمام ترامب؟
- صراع أهل القرآن وأهل الأحاديث
- هل يمكن أن نضع عواطفنا في جيوبنا؟
- محمود يوسف بكير - كاتب وباحث في الشئون الاقتصادية والإنسانية ...
- البشير من الاستبداد إلى الجنون
- الرب الذي يطلب منا إثبات وجوده
- آفاق الاقتصاد العالمي والعربي ٢٠١٩
- كيف شوه المتدينون الآلهة والاديان
- هل يمكن إصلاح الرأسمالية؟
- التقدم والتخلف في قصة قصيرة
- من مصائب الثورة الصناعية الرابعة
- هل انتشر الإسلام بالسيف؟
- من غرائب اقتصاديات السلوك الإنساني
- العلمانية المظلومة عند العرب


المزيد.....




- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود يوسف بكير - من روائع الفكر الفلسفي