أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حاتم الجوهرى - العلامات الثقافية لمقتحمي الكابيتول: رؤية ما بعد المسألة الأوربية















المزيد.....

العلامات الثقافية لمقتحمي الكابيتول: رؤية ما بعد المسألة الأوربية


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 6785 - 2021 / 1 / 11 - 11:28
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


مؤخرا تم توقيف جيكوب أنتوني شانسلي، أحد مقتحمي مبنى الكابيتول يوم الأربعاء الماضي، والذي حازت صورته بزيه المميز العاري على سخرية المتلقي العربي على منصات التواصل الاجتماعي، مطلقين على زيه عدة تعليقات سخرة من نوعية: قائد التتار، ذي القرنين، جنكيز خان، كتبغا (شخصية من فيلم مصري تناولت مقاومة المصريين للتتار).
حيث كان يرتدي على رأسه قرنين، وقبعة من الفراء، ويضع عدة رسوما على نصفه الأعلى العاري، ويحمل رمحا يضع به العلم الأمريكي.
لكن قد يبدو الواقع أكثر تعقيدا من انطباعات السخرية والتلقي الانطباعي العربي لصورة ذلك الرجل، خاصة من وجهة نظر ما أسميه رؤية "ما بعد المسألة الأوربية".
حقيقة استوقتني الصورة لجملة أسباب لأبحث عن "العلامات" الثقافية التي تحملها، وعلاقتها بتصوري للحظة العالمية الراهنة ومعابر الولوج لعالم "ما بعد المسألة الأوربية".
في تصوري أن "المسألة الأوربية" ومفصليتها الثقافية الأساسية حدية الاختيارات، أي التي تقوم دوما على صراع بين "ثنائي متعارض" حضور أحدهما يعني نفي الآخر والعكس، ترجع بالأساس لعنصر بشري مركزي هو السبب في منحها سماتها المتطرفة والمتشددة.
وهو العنصر البشري الجرماني، الذي تمثل في قبائل الشمال الأوربي التي نزلت من شبه الجزيرة الاسكندنافية، وسيطرت على الامبراطورية الرومانية التي كانت تمثل العنصر البشري الحاكم في الموجة الحضارية الأوربية الثانية، وقبلها كانت الموجة الحضارية الأولى التي قامت على العنصر البشري اليوناني.
عندما هبطت قبائل الجرمان المتعددة من الشمال، واجتاحت روما والامبراطورية، كانت قرب نهاية القرن العاشر الميلادي تقريبا قد أسست ممالكا وكيانات سياسية تحت سيطرتها، شملت: فرنسا- ألمانيا- انجلترا، وغيرهم. لتشكل القلب النابض لما سيصبح فيما بعد الموجة الحضارية الأوربية الثالثة، التي تمتد آثارها إلى الآن، وأصبح لها مستعمرات جديدة أبرزها هي أمريكا التي نعرفها حاليا.
أبرز السمات الثقافية الكامنة أو المسكوت عنها للعنصر الجرماني المسيطر في الموجة الحضارية الأوربية الحالية، هي الخشونة والواقعية والتطرف في الرأي نتيجة لخروجه متأخرا من الغابة وعالم الوحشية والبرية، وهو ما تسبب في عدم امتلاكه لمرونة حضارية تكتسب نتيجة لتقلبات الزمان وتعاقب الظروف.
من ثم اتسمت الموجة الحضارية الأوربية الثالثة -الممتدة حتى الآن- بالطابع الجرماني، وأسست هذه الموجة لها مذاهبا دينية تختلف عن الموجة الثانية في روما القديمة، أبرزها المذهب البروتستانتي بتمثلاته وفروعه المتعددة، وفي عصر النهضة والتمرد على سيطرة المذاهب الرومانية القديمة في الموجة الثانية، قدمت الذهنية الجرمانية البرية المتطرفة، مجموعة من الأفكار الرئيسية التي ستمثل وتشكل بعد ذلك ما أسميه "المسألة الأوربية" ومتلازماتها.
حيث في خضم تمرد الذهنية الجرمانية على مذاهب الكنيسة في الموجة الحضارية السابقة لروما، قدموا مجموعة من الأفكار شديدة التطرف كرد فعل ونتاج لعقليتها البرية الوحشية التي تفتقد ظرفيتها للمرونة الحضارية، وتنتصرللاختيارات الحدية ولا تقبل بالتجاور.
فانتصروا للعقل وأقصوا الدين تماما، وانتصروا للمادة على حساب الروح والقيم، وطوروا مجموعة من النظريات الفكرية التي تقوم على إزاحة آثار الموجة الحضارية الثانية والقطيعة معها، واخترعت الذهنية الجرمانية قاعدة يمكنك ان تبحث عنها في معظم التمثلات الفكرية الأوربية/ الغربية القائمة الآن، وهي قاعدة "الثنائيات المتعارضة" او الحدية التي يذهب بعضها بعضا، والتي تقع أبرزها في الثنائية الشهيرة بين العقل والدين.
وكذلك قدمت الذهنية الجرمانية صراعها أو ثنائيتها المادية الأشهر؛ بين المادية الليبرالية والمادية الشيوعية، رغم أن كل منها تنتمي للذهنية المادية المتطرفة نفسها، سوى أن واحدة منها تتطرف محاولة ارتداء لباس المثالية المزيف وهي الماركسية، والأخرى ترتدي لباس الواقعية المتطرف حد الحيوانية وهي الليبرالية.
تاريخيا القبائل الجرمانية هي التي أسست الكيانات السياسية الفعلية لدول غربا أوربا الرئيسية، في فرنسا وألمانيا وانجلترا وأسبانيا، وغيرهم. ثم تمددت هذه الموجة الجرمانية بعقليتها الاستعمارية وتطرفها الفكري الوحشي أو البري، نحو العالم الجديد لتنشأ لنا مستعمراتها، التي أصبحت أبرزها ما يعرف الآن بـ"أمريكا".
وكان تصوري للحظة الحضارية الراهنة، أن "المسألة الأوربية" تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأن متلازماتها وعقدها الثقافية قد استهلكت قدرتها على العطاء، وأنه لولا أنها تحظي بـ"تقييم اتفاقي عالمي" بين نخب ورثتها وتروج لهذا الموروث بشكل أيديولوجي مقدس/دوجما، لاندثرت وحدها منذ زمن.
ورأيت أن "التناقضات الكامنة" في "المسألة الأوربية" أصبح تَفجرها حتميا، بعدما وصلت لحدها الأقصى في قدرتها على احتواء التطور البشري، خاصة مع ظهور الثورات العربية في القرن الجديد وما تمثله من مفصلية ثقافية كامنة تتجاوز شعارات الذهنية الجرمانية و"المسألة الأوربية"، سواء بين اليمين واليسار عربيا، أو بين المادية المثالية الماركسية الزائفة وبين المادية الواقعية الليبرالية المشوهة، بإرثهما الأيديولوجي في العالم كله.
ورأيت أن أبرز تناقضات "المسألة الأوربية" الكامنة بذهنيتها الجرمانية، قد تفجرت مع أيام ترامب الأخيرة عندما استعاد التطرف الجرماني الواضح في الخطاب الديني، واستعاد الصلة المباشرة بين السياسي والديني، مع اتفاقيات "إبراهيم" في ظل صفقة القرن، ربما للمرة الأولى المباشرة بهذه الطريقة منذ الحملات الصليبية، وكشف أن للبروتستانتية قناعا آخر غير التمرد على كهنوت مذاهب الموجة الحضارية الثانية الخاصة بالرومان.
بكل بساطة ومباشرة، ولكن بعلمية وبعد دراسة مستفيضة سابقة ومتفحصة، يمكن القول إن "جيكوب أنتوني شانسلي" كان من أبرز العلامات الثقافية في مرحلة ترامب، جيكوب الذي سماه المتلقي العربي "جنكيز خان" و"قائد التتار"،... ألخ، كان يمثل صورة تمثيلية بشكل ما لمحاربي الجرمان قبائل الشمال غزاة البحر تحديدا.
الذين كانوا يرتدون الخوذات ذات القرنين، والفراء، ويحملون السيوف والرماح، ويستخدمون العديد من الرسومات والوشوم على أجسادهم كمعتقدات دينية وشعبية.
جيكوب انتوني شانسلي كان علامة ثقافية هامة في الطريق إلى "ما بعد المسألة الأوربية"، لأنه يؤكد على عجز متلازمات "المسألة الأوربية" الفكرية عن الحياة لأكثر من ذلك، وأن الذهنية الجرمانية قد وصلت لمداها في قدرتها على الاستحواذ على الظاهرة البشرية، وتقديم نفسها كعقيدة مقدسة جديدة، قد اعتبرت تأويلات ومذاهب "العقل" الجرماني ديانة جديدة، وقدست ثنائيتها الحدية الأبرز بين المادية المثالية الزائفة أو الماركسية، وبين المادية الواقعية المشوهة أو الليبرالية.
وفي الواقع سرعان ما تطايرت الأخبار تحمل التفاصيل عن الجرماني التمثيلي "جيكون أنتوني شانسلي"، بوصفه أحد أعضاء الجماعات السرية التي تؤمن بأن ترامب يخوض حربا مقدسة ضد أتباع الشيطان في الحكومة الأمريكية، والعديد من التفاصيل الأخرى التي قد تُكشف فيما بعد.
لكن تبقى العلامة الثقافية أقوى من التفاصيل المشوقة المتعددة التي ستظهر شيئا فشيئا، لتؤكد على شيء واحد أن "المسألة الأوربية" بمتلازماتها الثقافية ليست مقدسا، وليست كتابا سماويا جديدا أنزل على البشر، وأن الذهنية الجرمانية التي سيطرت على الموجة الحضارية الأوربية الحالية تكلست تماما، وحان الوقت لتكتسب "المرونة الحضارية" والتواضع الثقافي والفكري وتفتح الطريق لتمثلات إنسانية أخرى تجدد الحياة البشرية.
وأن ذلك الزخم الضخم حول حضارة "الإنسان السوبر" و"نهاية التاريخ"، ليس سوى فقاعة كبيرة وأن البشرية قادرة على تجاوزها وإنجاز "مفصلية ثقافية" جديدة، وأنها أكثر هشاشة مما يظنه البعض..
وأنه كما سقط نقيضها المادي المثالي الزائف مع الاتحاد السوفيتي من تلقاء نفسه، قد يحدث المثل ويتفكك النقيض الآخر المادي الواقعي المشوه في أمريكا من تلقاء نفسه، أو ربما ولحكمة ما بسبب تواكب ذلك مع جائحة كورونا التي كشفت الكثير من زيف ادعاءات حضارة الذهنية الجرمانية الحالية خاصة في بنيتها الرسمية، مع ما شاهده العالم من فظائع وجحود تجاه إيطاليا في الموجة الأولى من الجائحة العام الماضي.
حيث أرى أن أثر ما شهده العالم الغربي أثناء الجائحة في موجتها الأولى بإيطاليا لم يظهر تماما بعد، وأنه يتجاوز أو يساوي أثر الحرب العالمية الأولى والثانية وفظائعهما، ويعد مؤشرا مهما لنهاية "المسألة الأوربية" وتفكك سيادتها، التي رغم ما قد يجري من محاولة إصلاحها مع إدارة بايدن الجديدة، إلا أن المشكلة عميقة في بنية وجوهر الموجة الحضارية الأوربية/ الغربية الحالية، وما ترتب عليها من متلازمات وعقد ثقافية ووجودية فيما أسميته "المسألة الأوربية".



#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتفاضة أنصار ترامب وعالم ما بعد المسألة الأوربية
- العبور الجديدة بين القرار 142 والمذكرة الرئاسية
- البطل الشعبي مشوها: محمد رمضان وتيار الاستلاب والإمارات
- المواطن الشريف الانتهازي متحدثا عن رئيس العبور الجديدة
- الاستلاب للآخر وتسريبات هيلاري: لا الجمهوريون أصدقاء ولا الد ...
- مصر بين صفقة القرن وخطاب الاستلاب: محددات، ومتغيرات، وبدائل
- خطاب الاستلاب: بين الحرب بالوكالة والهيمنة بالوكالة
- الاستلاب السلطوي: القدس والمنسلخون عنها باسم السلطة
- الاستلاب العلماني: القدس والمنسلخون عنها باسم العقلانية
- الاستلاب الديني: القدس والمنسلخون عنها باسم الدين
- في تفسير الاستلاب للصهيونية: بين الدوافع الدينية والعلمانية ...
- من التطبيع إلى الاستلاب: صفقة القرن والخضوع لرواية الآخر الص ...
- علمانية السودان: استحقاقات ثورية أم ثورية مضادة!
- أماني فؤاد وخطاب الاستلاب: تهافت منطق الجزرة
- ورقة استشرافية: سردية كبرى بديلة لمصر لعبور المأزق الحضاري
- تفكيك الذات العربية: بين السلب الخشن والاستلاب الناعم
- اتفاقية إبراهيم والإمارات: خطاب الاستلاب من النخب إلى الدول
- سبتمبر 2020: استمرار تجاهل الجزار للمذكرة الرئاسية في العبور ...
- خطاب الاستلاب بين يوسف زيدان ومراد وهبة: مقاربة التحديث بين ...
- أزمة القوة الناعمة والخشنة لمصر في لبنان والسودان


المزيد.....




- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حاتم الجوهرى - العلامات الثقافية لمقتحمي الكابيتول: رؤية ما بعد المسألة الأوربية