أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد عبد القادر الفار - كنتُ أضرب الطين














المزيد.....

كنتُ أضرب الطين


محمد عبد القادر الفار
كاتب في الفضاء والمعنى

(Mohammad Abdel Qader Alfar)


الحوار المتمدن-العدد: 6773 - 2020 / 12 / 28 - 04:36
المحور: سيرة ذاتية
    


كان هرمس الهرامسة يضرب بالرمل، أي يخطُّ فيهِ، فيدركُ بذلك ما أسدل عنه الستار لنا نحن معشر المحجوبين. وضربَ في الرمل من بعد هرمس آلافٌ من الرجال، لم يوافقْ خطُّ أكثرِهم في ذلك خطَّ هرمس فوقعوا في المحظور وأوقعوا معهم آلافاً -غير مؤلفة- من تابعيهم في الطين. وطينٌ كهذا يلتصق بك ولا يسعك أن تخرج منه طاهراً بسهولة، إلا إذا كنتَ زهرة لوتس، وأنا لم أكن زهرة لوتس بالتأكيد، وما كانت "لاكشمي" لتقبل أن أكون أريكتها أو حتى وسادةً لقدميها، وما كان ذِكري ليرتفع في "كتاب الموتى"، وما كان "بتاح" و"سمخت" ليقبلا بي ابناً مثل "نفرتيم" الجميل.

وقعتُ في الطين فالتصق بي طويلاً، وقعتُ فيه حين سمحتُ لنفسي أن أتحدث في كل شيء، لا لشيء، سوى حب إظهار هذه الأنا المزعجة، التي حجبتني أنا شخصياً عن نفسي، لا لشيء سوى خوفي من الفراغ. كتبتُ بغضب، وكتبتُ باندفاع، فتراكَمَت على روحي طبقاتٌ من الطين. ولك أن تتخيل صنفَ هذا الطين. طينٌ يليق بشخصٍ كثُرَ كلامُه فزاد لغطُه، شخص تمادى فأخذ يبرِّرُ بقلمه المغمور لطغاةٍ وسفّاحينَ ووقف يدافع عن القاتل في مناسبات متعددة بكل وقاحة، وفي وجه المقتول وأهل المقتول، لأن القاتل بدا لهذا الكاتب المأزوم أكثر إنسانيةً من المقتول.

بدأ مشواري مع الطين وأنا غرٌّ ابنُ عشرين سنة. اندفعت للكتابة والنشر بجرأةٍ غريبة، دون وعيٍ لحقيقة أن هذا سوف يراكم طبقاتٍ من الطين الرقمي الذي قد لا أستطيع محوه في المستقبل فيبقى شاهداً على سذاجتي ووقاحتي في زمنِ كتابةِ كل طبقةٍ من هذا الطين، وحتى بعد موتي، فالطينُ سيرحل قريباً، وما تراه بعيدا هو فعلياً قريب وكأنه حدث وانتهى، هذا العجيب في الزمن. فما بعد ألف لحظةٍ من الآن قريب جداً لمن يشاهد العالم على سرعة x1000 لدرجة أنه يكاد يحدث بل كأنه حدث.

إذا كان دافعي الأساسي للكتابة في ذلك الزمن وإلى أن توقفتُ عن الكتابة هو الرغبة في الظهور، فثمة جانبٌ ثانوي أيضاً وهو التعبيرُ عن نفسي، وقولُ ما لا يمكنني فعله لانعدام حيلتي أو قوتي. وبهذا فإن دافعي للكتابة لا ينفصل عن دافعي الشخصي العميق كإنسان سواء كنت كاتباً أم لا. فإذا عرفتُ دافعي كإنسان لا ككاتبٍ فقط سهُل عليَّ معرفة ما أوصلني حقيقةً إلى ورطة الطين.

وهذه هي المشكلة!

إن دافعي الأساسي Core Drive غامض بالنسبة لي. ولعل هذا الدافعَ الأصيلَ غامضٌ للبشر بشكل عام، فنحن مشوّشون ودافعنا متقلب وغير واضح ويكاد يكون غير موجود، وبخلاف الذكاء الاصطناعي الواعي (نظرياً).

في مسلسل ويست وورلد وتحديدا في الحلقة الأخيرة من الموسم الثاني، يتضح أن النسخ الرقمية عن البشر لم تنجح ليس لأن البشر معقّدون بل لأن النسخ كانت أعقد من البشر. هذا الكلام أوحى إلي في لحظتها أنهم يريدون أن يؤيدوا فكرة أن أي إنسان سيأتي عليه وقت في حياته يدرك فيه دافعه الرئيسي Core Drive كونه بسيط، وكما تستطيع الآلات الواعية معرفة دافعها أو وظيفتها الرئيسية، ولكن كتاب المسلسل كانوا أذكى وأعمق من ذلك. فرغم بدائية الإنسان، إلا أنه استعصى على وغد عميق مثل ويليام أن يدرك دافعه الأساسي حتى طوال الموسم الثالث، ولا حتى نحن أدركنا دافعه أو دافعنا، إن كان ثمة دافع. فالأقرب هو أن هناك وظيفةً موكلة إلى كل منا من أن هناك دافعاً حقيقياً. وقد تكون الوظيفة نفسها معقدة، فيكون الدافع بهذه الطريقة ألغوريثماً متعددَ الخطوات كل هدفه تحقيقُ هذه الوظيفة.

ولا أظن أن كتاباتي المغمورة هي وظيفتي في العالم، بل كانت خطواتٍ على طريق شيءٍ آخر، ربما يكون بناء حجر واحد في منشأة ما، في صرحٍ ما، لن أدركه ولن أسكنه ولن أعلم أنني وضعتُ فيه حجراً. فقد أؤدي وظيفتي والغرض مني وأرحل كأي طين، وبما حملتُ من طين، دون أن أعرف أنني حققت وظيفتي ولم أعد ضرورياً. لو كنتُ آلةً لعرفتُ ذلك، لأدركتُ لحظةَ تمامِ وظيفتي، كما أدرك ذلك "ستابز" رجل الأمن في المنتزه، حين أدى غرضه بحماية المضيفين داخل المنتزه وتبقى عليه أن يقضي على نفسه. نحنُ البشر في غنىً عن البحث عن مركز المتاهة، فنحن لسنا آليين، ولك أن تتحلى بشيء من الوجودية (سواء كنت متفائلا أو متشائماً) فترى أن وجودك في حد ذاته غاية، وبالتالي فالوظيفة والدافع الأساسي، وصاحب الإرادة الحقيقي في ذلك، كل هذا لا يعود التفكير فيه مجدياً أو ضرورياً.

ولكنني كتبت، وما كتبتُه يذكّرني كلما قرأته أنني في لحظةٍ ما كنت مغفلاً، مهتماً بالسياسة، أدافع عن الحكام، أشارك في الظلم بقلمي، أهرف بما لا أعرف. كم كنتُ مستفزاً وكم كنتُ جديراً بالكره حين أسهبتُ مثلاً في الحكم على المجتمعات العربية وثوراتها وتوجهاتها. كان ذلك عفناً كتابياً يضاهي أي عفنٍ كان يغضبني ويدفعني لكتابة ما كتبت.

ولكن في خضم ذلك، لا أنكر أنه كان ثمة دافعٌ ما (لعله ليس دافعي الأساسي). لقد كنتُ أريد أن أكون إنساناً وأدافع عن الإنسانية والجمال واللاعنف، وبالتأكيد فعلت في مراتٍ كثيرة مثل الفتى الغضوب الذي أراد نصرة المظلومين فنصر الظالمين، وأصبح أضحوكة.

لقد أعجبني لحنٌ جميل، هو لحن الحرية والتعايش والسلام والرفق، ولكنني حين أردت إعادة عزف اللحن، لم أضرب وتراً ولا سحبتُ قوساً ولا نقرتُ طبلاً، بل ضربتُ بالطين!


قال إيليا أبو ماضي: نسي الطين ساعةً أنه طينٌ حقيرٌ فصال تيهاً وعربد

وقد عاش الطين حتى تذكّر ما نسيه... وحين تذكّر أصابه التعب...

"تعب الطين" كما قال مظفر النواب.



#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)       Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صابر Sober
- الجنة الأبدية - سان جانيبيرو
- زايون
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 6
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - الفصول الخمسة الأولى
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 5
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 4
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 3
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 2
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (5)
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين
- لعبة الذكريات - 2
- سأبني جداراً
- لهذا السبب، لا أبالغ في انتقاد أردوغان
- مسودّة شعبيّة لصفقة القرن
- جمال المرأة، كحسرة للرجل - 2
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة -4
- فلسطين إذ تجعلنا أناركيين
- قليل من الحقد، كثير من الخوف
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة -3


المزيد.....




- حرب غزة: لماذا يتعرض الفلسطينيون من طالبي المساعدات الإنساني ...
- -ما قمنا به في إيران كان رائعًا-.. ترامب: إذا نجحت سوريا في ...
- الاتحاد الدولي للسلة: إعلان هزيمة منتخب الأردن تحت 19 سنة أم ...
- ألمانيا... داء البيروقراطية حاجز بوجه العمالة من أفريقيا
- طهران تبدي -شكوكا جدية- بشأن احترام إسرائيل لوقف إطلاق النار ...
- الحكومة الفرنسية أمام اختبار سحب الثقة
- الموفد الأمريكي إلى سوريا: اتفاقات سلام مع إسرائيل أصبحت ضرو ...
- خبير عسكري: فقدان جيش الاحتلال قوات اختصاصية خسارة لا تعوض
- 40 عاما من الحكم.. الرئيس الأوغندي يترشح مجدّدا للرئاسة
- 47 شهيدا بغزة وعمليات نزوح كبيرة شمال القطاع


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد عبد القادر الفار - كنتُ أضرب الطين