أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد القادر الفار - حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 2














المزيد.....

حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 2


محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)


الحوار المتمدن-العدد: 6061 - 2018 / 11 / 22 - 03:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


...

انفضّت الحضرة، وخرج تاكاهيرو يمشي هوناً،" لا اختيالاً على رفات العباد". تبعتُه وأبطأت من مشيي كي أمشيَ بجواره. شعرت بالثقة لأنه لم يكن أطولَ مني. ولكنني سرعان ما شعرت أن تاكاهيرو قرأ أفكاري، وتحديداً تلك الفكرة الساذجة الأخيرة، فشعرتُ بالحرج. ولعله قرأ حرجي أيضاً فسارع لفرط ذوقه بانتشالي منه بسؤالي بصوتٍ دافئٍ خافت: ما الذي أتى بك إلى الحضرة؟ وأشار بيده إلى الخلف دون أن ينظر إليّ، وكأنه قصد الإشارة إلى مكان الحضرة الذي خلّفناه وراءنا. نظرتُ إلى الخلف بسذاجة دون أن أفهم لماذا صدرت مني ردة الفعل هذه، وكدت أجيب سؤاله ب" أولم تعرف؟ وأنت العارف الذي يقرأ الأفكار؟"ولكنني شعرت أنني سأطيل بذلك حواراً لا ينبغي له أن يطول فقلت: أنا مهووس بالمستقبل، هارب من الماضي. وجئت للحضرة كي أرى. أريد أن أرى ما سيحدث بعد أن أموت بمدة.

ردّ بصوت مريح وكأن جوابي أعجبه: صاحبنا المصاب كان يبحث عن نفسه، ولو كانت نفسه في المستقبل لطلب نبوءةً كالتي تطلبها، لكنّ نفسه محلّها الذاكرة. هو هناك حيث ذاكرته، ودون ذاكرته شعر باختلالٍ بالآنية، لا بحريةٍ لذيذةٍ كالتي تتوهمها. أما أنت فلا تعجبك نفسك، فتهرب منها إلى ما تصفه بالمستقبل. ولكن كلّ الأزمنة زمانٌ واحد.

فسألت تاكاهيرو:

لماذا نشتاق إلى الماضي؟

فأجاب:

لأن ما تلاه أصبح معروفاً لذا هو يحمل شيئاً من الدفء والأمن وفارغ تقريباً من القلق على المستقبل.

وحين نستعيد ذكراه نركز على صور ذهنية للمكان يكون عنصر الزمن فيها ثانويا وغير راهن. ولذة استحضار الماضي هي لذة استحضار لحظاتٍ حقيقية ولكنها هذه المرة حرةٌ من الإنتروبي، وهذا أكثر شهية من التخيل. فالماضي حدث فعلاً؛ نحن على الأقل لا نملك إلا ان نصدق انه حدث، وهذا يمنحنا أملاً ضمنيا، غير مدرك ظاهريا ولكنه محسوس، بأن الوعي ضمن حقيقة ليست حبيسةَ زمنٍ محدود هو امرٌ ممكن.

الموقف عند تذكّره يحمل دائماً دفئاً لم يكن هناك حين حدوثه فعلياً، وهذا من لطف تصميم الدماغ، فهو يؤرشف كل متعلقات الإنتروبي بعيداً، أولاً بأول، ويقدّم إلى واجهة الوعي الطبقات الاكثر إيجابيةً من الحادث على الطبقات التي تحمل الغم، وهذا كي لا نخاف او نتردد في استدعاء الماضي واستحضار معلومات منه قد تفيد الحاضر والمستقبل.

استدعاء الذاكرة ليس من التأمل، فالتأمل تركيز على الحضور وامتناع عن التفكير، دون ممارسة جهد لهذا الامتناع (عملية صعبة قبل تصفية النية تماما)، ولكن استدعاء الذاكرة (والتحرر من البارانويا هنا ضروري) هو تمرينٌ يداعب العقل والنفس ويستدعي معلوماتٍ وصوراً تنعش الوعي وقد تفيد صاحبه في معيشته.



وصلنا إلى مكان يشبه المكان الذي انطلقنا منه، والتفتت يمنة ويسرة كي أتأكد إذا كان هو نفس المكان، فبحثت عن بقعة الحضرة، ولم أجدها، فاطمأننت إلى أننا تحركنا. نحن لم نعد هناك، مهما كان هنا يشبه هناك. والتفتت إلى تاكاهيرو لأواصل حديثي، لكنه لم يكن هنا!






#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)       Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (5)
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين
- لعبة الذكريات - 2
- سأبني جداراً
- لهذا السبب، لا أبالغ في انتقاد أردوغان
- مسودّة شعبيّة لصفقة القرن
- جمال المرأة، كحسرة للرجل - 2
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة -4
- فلسطين إذ تجعلنا أناركيين
- قليل من الحقد، كثير من الخوف
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة -3
- معنى الموت في المستقبل
- ما هو الإيجو، وكيف تمنعه من حجب سلامك الداخلي ومحبتك غير الم ...
- متى
- وأنا أيضا لا أنطق عن الهوى
- معنى اليوم الآخر
- فيروز - نص الألف خمسمية
- القادر من يعلم أنه قادر
- معنى الجسم البشري - تجارب (3)
- معنى الجسم البشري - تجارب (2)


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد القادر الفار - حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 2