أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - محمد الإنسان















المزيد.....

محمد الإنسان


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6767 - 2020 / 12 / 21 - 23:45
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بعيدا عن شخصية محمد النبي ودوره السياسي والأجتماعي في المدينة وما حملته روايات المؤرخين ومدعي كتاب السيرة من تضخيم أحيانا وتوهين أحيانا أخر لهذه الشخصية، لا بد لنا من إلقاء الضوء على شخصية رجل عاش فترة تحولات وقادها كمناضل وثائر من أجل قيم الإنسان وقيم السماء معا، فلم يكن النبي محمد مهتما كما كان يجري في تاريخ الملوك والسلاطين ولا حتى في تاريخ الزعماء وحتى زعماء القبائل أو حكام المدن من البحث عن العظمة والتمتع بملذات السلطة، كان محمد النبي رجلا من غير شعور ذاتي بالأنا بمعنى أنه ربط بين وجوده الفردي كرجل قائد وبين شعوره بالحاجة إلى تجسيد روح الإنسان المثالي في الواقع، هذه الشخصية العصامية لو صحت التسمية أفرزت سلوكا فضائليا وأخلاقيا لا يمكن أن نجده حتى في سلوك أكثر المصلحين والفلاسفة البشريين.
هذه الشخصية المحورية التي قادت عملية التحول الجذري في حياة الناس في المدينة بما فيها من أصحاب أديان أو من بقى على عقيدة والمسلمين حفظ لهم الحق في الوجود دون أن يلزم أحد لا بالقوة ولا بالترهيب في أن يبدل أو يغير دينه، وهذا الأمر كثيرا ما تجاهله المؤرخون مسلمون وغيرهم، هذا يعني أن النبي تعامل مع الجميع على أنهم شركاء لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وهذا ينبع من كون النبي أساسا جاء لإنقاذ الإنسان من وطأة الأستغلال والكراهية في ذات الوقت الذي يدعوهم فيه إلى الدين الجديد بالحسنى، فهو يعتقد ويؤمن أن الدين رحمة ولا بد من الدعوة له بذات الروحية.
إن التركيز التأريخي المتوارث عندنا والتي تظهر شخصية النبي وكأنه أراد تكوبن مجتمع ودولة قائمة على عنصر الدين يتناقض تماما مع سلوكه المدني في المدينة والذي هو أمتداد لذات الشخصية العملية الي تعتني ببناء الإنسان كفرد قادر على التعاطي مع الوجود من باب المسئولية، ولو رجعنا إلى بعض الشذرات المتناثرة في كتب التاريخ الصحيح عن جملة الأعمال التي قام بها فور وصوله للمدينة، والتي لم يتم الإشارة إليها عمقها ومنها مثلا بناء المسجد النبوي ليكون دار أجتماع ومركز تلاقي ومنبر دعوة، هو في الحقيقة بناء لمركزية المجتمع ونواة لتكوين قوة رابطة وضابطة له عكس ما كان عليه الواقع في المدينة يثرب سابقا من تشتت القرار بين رؤساء القبائل وزعماء اليهود.
النقطة الثانية التي تسجل للنبي بعد أن أقر ومعه وجوه المدينة من يهود زعماء القبائل ما يعرف بوثيقة المدينة الأولى التي سبق ذكرها في فصل سابق، أنه عمل على تأسيس كيان أقتصادي موحد للمدينة وهو ما عرف بسوق المدينة ليكون مركز للنشاط الأقتصادي الذي يعاضد من مركزية القرار السياسي فيه، بذلك أسس أول ركنين من أركان المجتمع المدني القادر على الحياة والتطور *، هذا العمل لم يرد فيه نصا دينا ولا تم عن طريق الوحي كما يتوهم البعض من أن النبي لا يتحرك بشيء ولا يبادر إلا من خلال ما يرده وحيا أو نصا، وإنما هي أعمال تنتج من قدرة عقلية على فن إدارة المجتمع، وبذلك أفصح النبي عن عمليته وعن إمكانياته الإدارية كإنسان منظم يطمح للبناء وفقا لما يراه أو يخطط له، وهذا الأمر جدير بالإعتبار وخطوة عملية راشدة أسست لما يعد من المبادئ الأساسية للعمران كما يقول ابن خلدون.
هذه اللمحة قدمنا بها لبحثنا عن محمد النبي الإنسان الذي وإن كان مكلفا أو مبدعا في أداء رسالة أمن بها وعمل على تحقيق المراد منها على أرض الواقع، بعيدا عن الهرج التاريخي والزخرف الذي أحاطت به من كتابات من هو مؤيد لها حد الكذب أو معارض لها حد الإنكار، وتبقى مهمة البحث عن الصورة الصادقة والأمنية التي تحلى به موضع جدل ونقاش لا ينفع معه إلا أن نطرحها للقراء كما هي، فمن يظن أن محمدا النبي كان مجرد روبورت مبرمج على أداء هذه الشخصية مستندين على نص قرآني مفاده أن الرجل ما ينطق عن الهوا إن هو إلا وحي يوحى، وبالتالي فهو مجرد مذياع للوحي أو مجرد ساعي بريد بين الوحي والناس فهو يسيء تماما لهذا الإنسان الفذ.
النص المذكور والذي يتفاخر به الكثيرون يحيل كل سلوكيات النبي لقوة أمرة ناهية لا تدع للشخصية الذاتية أن تحلق في سماء إنسانيتها، معتبرين ذلك مفخرة وإعجاز رباني دون أن يفهموا أن الفصل بين مفاهيم الرسالة التي ينقلها وبين الذاتية الشخصية له، والحقيقة مع إيماننا أن هذا الإطلاق لم يوضع محله ولم يفهم وفق قواعد ما يؤمنون به من وجود وحي ينقل رسالة السماء إلى الإنسان، فالنص يبرئ ساحة النبي من أن يتدخل في ما هو مؤتمن عليه في ذات الوقت يفصل بين الخاص والعام بأعتبار أن الأمر الموحى به شأن عام، أما ما يجتهد به ببشريته المعتادة فهو خاص به وعليه أن يتحمل وزره وخيره.
النص بالنهاية ويؤيد ويفكك العلاقة التي يتعمد الفقهاء والعقائديون والمؤرخون من الدمج بينهما، ويؤكد من جهة أخرى وجود الفاصل ما بين معصومية الوحي وعدم معصومية النبي، والدليل أيضا نص قرآني محكم (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف (110)، هذا التأكيد على بشرية النبي محمد مفصل في نص الآية بمختصر شديد الوضوح (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا) الذي منح صفة التفضيل هذه للعمل الصالح، والعمل مرتبط بالسلوك البشري لا بالنص فقط.
النتيجة التي نصل لها أن طغيان صفة تمثيل قول الوحي على كل سلوكيات النبي تخرج النبي من الطبيعة التي يؤكدها الفهم الديني له، ويخرجه أيضا من العقل والقوة الطبيعية إلى السلبية وجعله مجرد ألة ترجمة فقط لقول الوحي، وبذلك فيكون من الممكن أن يكون كل إنسان نبي دون أن يكون بالضرورة صاحب خبرة وتجربة وأعداد وتمثيل لشخصيته الذاتية، مما يفقد النبوة أهم صفاتها وملامحها وهي الكمال النسبي وتمامية الفعل المنسوب له في إدارة الدعوة والمجتمع.
ولمتابعة البحث سوف نتطرق في المبحث القادم للتعرض والتعرف على شخصية النبي بعيدا عن الاجواء الحماسية هرطقات البعض، لنكشف عن الوجه الحقيقي لها تصويبا لنظرتنا عنه كإنسان له ما للإنسان الأعتيادي من مفردات بدية ترافق وجوده، فهو يأكل كما يأكل البشر ويمارس حياته كما نمارسها نحن، ليس بالرجل الخارق ولا الباحث عن المعاجز ليثبت نبوته أو كيفية قيادته لمجتمع أصبح المسئول عنه والموجه والمرشد لعموم سلوكياته، كما فعلنا في المباحث السابقة حيث فندنا تلك الروايات الأثمة التي رافقت أدبيات وجوده قبل أن يكون رسولا ونبيا مثل رواية سق الصدر وإخراج قلبه.
* أتّخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- غرب المسجد النبويّ سوقاً للناس حتى يكتسبوا قوّةً وثروةً اقتصاديةً تعينهم في بناء مجتمعهم على أسس عملية بدل أن يعتمدوا على ما كان قد تحمله الأنصار من نتيجة المؤاخاة كمثال، وقد أشرف -عليه الصلاة والسلام- على السوق بنفسه، ووضع قوانين وضوابط وآداب وأحكام للبيع والشراء، ومنع أيّ بيعٍ يضرّ بالبائع أو المشتري من بيوع الجاهلية؛ كالغشّ، والتحايُل، والغرر؛ أي بيع شيءٍ غير معروف، وتسليمه مجهول، وغير ذلك، وحفِظ النبيّ حقوق العباد، وأتاح البيع والشراء بين الجميع، وللأسواق أهميةٌ كبيرةٌ في الإسلام؛ لِما لها من أثرٍ اقتصاديٍّ على حياة الناس والمجتمع، فمنها يجني الإنسان قوت يومه، ويُحَصّل حاجته، ويُوفّر مستلزماته، لذلك حرص النبي -عليه الصلاة والسلام- على توجيه الباعة والمشترين باتّقاء الله -تعالى- والامتثال بأوامره في المعاملات كلّها، حتى تعود عليهم بالخير والبركة في الدنيا والآخرة



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد المدني واسس البناء العقائدي الجديد
- الخروج المدروس من مكة ليثرب وبداية عصر الدعوة ج2
- صورة من خلف العدسة القاتمة
- الخروج المدروس من مكة ليثرب وبداية عصر الدعوة ج1
- الدين بين مفهوم الرشد وتطبيقات الفرض.
- لماذا لا نلوم فرنسا ولا ندين ماكرون؟.
- الى الشهيد العريس صفاء السراي
- فقراء بلادي
- جيب أحلامي
- إيران ومستقبل المنطقة خلال السنوات الخمس القادمة.
- الدين بين حاجة الإنسان وشكل الفهم ح1
- في ذكرى تشرين وكل أيام العراق المشرقة ح2
- في ذكرى تشرين وكل أيام العراق المشرقة ح1
- في ذكرى الفاتح من تشرين ... الوطن يريد وطن
- قيم الأخلاق وصنع السلام والحرية
- الدولة وأدواتها القانونية لحماية وجودها
- من المسؤول؟
- رسالة إلى الأنام
- الإسلام في مكة ج 2 _ من سلسلة تاريخ محمد الصحيح
- الإسلام في مكة ج 1 _ من سلسلة تاريخ محمد الصحيح


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - محمد الإنسان