|
الطاقة الإيجابية / بين العقد الاجتماعي والاستعمار والاجتهاد ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6761 - 2020 / 12 / 15 - 15:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ ثمة على الشاطئ المقابل من العالم شعوب أخرى ، هي أكثر عدداً وأوسع انتشاراً ويطلق عليهم بنصف فقراء العالم ، يعيشون في خمسة دول وفي مقدمتهم بالطبع الهند ، وعلى الرغم من النمو الاقتصادي التى اعتمدته حكومة نيودلهي من خلال تكثيف العمل من أجل تشغيل أكبر عدد من الناس ، إلا أن نصف الشعب مازال الفقر يطحن بهم والأغلبية محرومين من الكهرباء ، وعلى مرّ العصور ، كان ومازال الفساد في الدول الفاسدة يعتبر مجهول النسب ، بل عدم الإعتراف بالمسؤولية عنه ، جعلته ينتقل من المفسدة الفردية إلى ظاهرة شعبية ومن ثم تحول إلى منظومة بنيوية من الصعب معالجته ، لأنه بات يشبه عالم الدعارة ، فعندما تكون الدولة أقل فساداً ، تكون أعمار المومسات بها لا تقل عن الثلاثين عاماً ، أما عندما يتحول الفساد إلى ظاهرة ، يصبح الطفل فاسد وانتهازي بالفطرة ، كما هو حال العالم الثالث ، فهذه المجتمعات لا تبالي بالعلم والاختراعات لأنها مشغولة بالاختلاسات .
وهنا بالتأكيد ، لم يكن للأستاذ الهندي قبل سماعه قرار لجنة التحكيم أن يتنبأ بثقل الفوز عليه شخصياً ، لكن رانيجيتسينة ديسال ، ها هو يلقن البشرية جمعاء درساً في المثالية والأخلاق والإنسانية قبل أن تستدرجه شهوة المال وتُقيضه أحلام قلاع التفكير بالذات التى عادةً تستطيب تقيد النفس فيها ، تحديداً لحظة فوزه بالمليون دولار أمريكي ، فالأستاذ الذي وقعَّ عليه إختيار التدريس في مدرسة واقعة بقرية منسية ، فاز بجائزة المعلم الأكثر تميزاً ، متقدماً على 12 ألف مرشح آخر ، بالطبع لم تختاره لجنة التحكيم فقط على دوره لانتشال فتيات القرية من الجهل ودفعهم إلى التعليم ، بل قبل الإشارة إلى الشيء الأهم ، عندما فاز بالجائزة لم يتردد للحظة واحدة بالتنازل عن نصفها لصالح من تبقى في التصفيات النهائية ، الأشخاص التسعة ، بالتأكيد ودون مواربة ، فالرجل أستطاع معالجة طاعون العقلي وليس الهوائي ، ومن خلال الطاقة الإيجابية ( الفيزيائية ) ، صنع التغير بقوته الذاتية ، وبالتالي كأنه يقول للعالم ، التعويل على الذات شرط لامتلاك فن العيش ، بل مجرد دخوله إلى منطقة لغتها تختلف عن لغته ، قرر أن يمضي وقتاً مكثفاً بتعلمها لكي يباشر في ترجمة المناهج التعليمية ، فالمسألة ليست بلعابرة وتحتاج إلى وقفة معمقة ، بل كأن أستاذ المدرسة كان قد قرأ يوماً ما المقولة إياها ، هي كثيرة التداول عالمياً ، وربما جعلها دستور لحياته ، تقول المقولة ( أريد الحصول على القوة لكي أتحمل ما لا أستطيع تبديله ، والجراءة لتغير ما يمكن تغيره ، وأرغب إمتلاك الحكمة لأتمكن من التميّز أحدهما عن الآخر ) .
الأغلبية تميل لعدم تغيير الأشياء القائمة ، بل تميل بشكل واضح إلى تحملها واحتوائها كما هي ، إذن من أين جاء بكل هذه الطاقة الإيجابية في بلد يُصنف بمجمع الفقراء ، ولأن الطاقة الإيجابية ساهمت في تنمية شخصيته ، فلم تعد المسألة لديه مجرد مقتصرةً على فهمه لمآساة الهند أو لأنه تقبلها ، بل أستطاع قبل كل ذلك صناعة المصالحة الذاتية مع النفس ، وإعادة التوازن بينه وبين المجتمع الذي يجهل إلى أين ذهاب ، وربما هذه المصالحة سهلت له الاستفاقة من وحل الأحكام التى يصدرها الناس مسبقاً على بعضهم البعض ، وعلى نحو آخر ، عندما أفكر ، أفكر بصراحة بأكثر رأفةً ، أكاد أذهب بإحساسي الخاص إلى أبعد الانفعال والتعاسة ، فعندما راجعت بحث علمي كانت جامعة مينيسوتا قررت التنبيش وراء الجراثيم التى تحملها شعوب جنوب أسيا أو جنوب شرق آسيا ، فهؤلاء مجرد دخولهم للولايات المتحدة الأمريكية يفقدونها ، في المقابل يحصلون على أخرى ، وكلما طالت إقامتهم قلة الكائنات الدقيقة ، فالبعض أحال ذلك لتغير النظام الغذائي والدوائي والهوائي ، إذنً أستاذ المدرسة النائية لم يحصل فقد على إعتراف عالمي ، بل فضح النظام الهندي أمام البشرية ، عندما أستطاع بمفرده إحداث تغير تعليمي وتفكيري في قرية واحدة وذاع صيتها بفضله ، في المقابل ، وقف النظام بأدواته جميعها مكتوف الأيدي بوجه الفساد المستشري في كافة المستويات ، وهنا يسجل ديسال قدرته على رفضه للتأقلم مع قانون المستبد ، بل تصالح مع الرياح التى جعلته يمتطيها ، ليغير الأقدار .
صحيح ايضاً ، أن الاقتداء العقلي المأمون ليس بالطبع من خصال السياسيين ، كانت الهند والدول الأربعة الأكثر فقراً ، يحيلون تأخرهم إلى سياسات المستعمر ، لكن بعد خروجه ، الحال بقى على ما هو بل تحولت البلدان إلى أسوأ ، لأن فكرة الاستعمار قامت على ( نحن والآخرون ) ، وبالتالي أستطاع الاستعمار الحديث صنع نسيج متداخل ، ويبدو طويل الأمد ، بالفعل ترسخت الرؤى الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية ومن أهم هذه الترسيخات ، التفوق العرقي ، لقد ترسخ مفهوم بين هذه الشعوب ، بأن بالفطرة الطبيعية ، هم أقل مكانةً من الإنسان الأبيض وهذه الفلسفة كان الفليسوف كانط أسهم في دعم ركائزها .
ومخالفاً للمثل الشائع شعبياً والمتجذر في أدبيات العرب والقائل ( أذكروا محاسن الموتى ) ، وهنا المغاير هو الفارق بين أشخاص لم يتركوا سوى ثرثرات على هامش مقهى في طرف شارع ما ، وآخرون خلفوا وراءهم أفكار قابلة للنقد ، إذن ، حتى نظرية العقد الاجتماعي التى وضعت من قبل الثلاثي هوبز / ولوك / وروسو ، وعلى الرغم من سمعتها الحسنة ، إلا أن محتواها لم يخلو من العنصرية الصريحة ، وفي المقام الأول ، لقد تم إنتاجها فقط مِّن أشخاص من اللون الأبيض ، وبوضوح شديد أشارت على ضرورة إهمال وعزل كل شخص من غير européen1 حسب تصنيف الاثنوغرافيا اليونانية الرومانية ، قديماً ، وبالتالي عندما يفوز هندي بجائزة بالمعلم الأكثر تميزاً ، فهو يقرع قبور مؤسسين العقد الاجتماعي وتحديداً قبر كانط وايضاً جميع من تعاقبوا على حكم الهند ، من أجل أسماعهم حقيقة لا تقبل التأويل أو التفاوض أو التضليل ، بأن الطاقة الإيجابية ليست مقتصرة على لون معين ، بل متاحةُ لكل مجتهد أيا كان عرقه ، ولأن أيضاً القوة ليست مرادف للقسوة بقدر أن القوة تكمن في القلب ، ومهما توالت المأسي عليه ، يبقى القلب السليم قادر على العطاء . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عدم استقرار المغرب ، فرصة للعبث في شمال أفريقيا ...
-
من الضروري للمعارضة العربية مراجعة الطريقة التى تفكر بها ...
-
الشعار الأول والثاني والعاشر لجهاز الموساد ( أقتل اولاً ) ..
...
-
ها نحن نعود معاً كما حلمنا يا صديقي ..
-
البحث عن الهواء النقي ...
-
لم يكتفي بملامستها بل كانت لصيقة حذائه ...
-
كما الماء حق للجميع ، ايضاً من حق الجميع بناء دولة قوية ...
-
في أمريكا الجميع حبساء الدستور ...
-
المماطلة ستأتي بعقوبات أوسع وربما أبشع ...
-
المسكوت عنه ، الإدمان الأقدم في التاريخ ...
-
نظرية مطاردة الأرنب في المضمار البيضي ، الأمريكي يراهن على إ
...
-
كن معي وأصنع ما تشاء ...
-
أربعة مناسبات لا تقترب منهم ، تماماً كأيام الحظر الوبائي ...
-
إبليس والموت والسد بين مواريث آدم وذي القرنين / أمريكا الحدث
...
-
قيمة العملة من قيمة الإنتاج ...
-
هل المشكلة بجيرمي كوربين أو بحزب العمال / انصهار الاشتراكية
...
-
أرض الصحراء الغربية بقيت دائماً تحت الرماد ...
-
ترتيب بيت المسلمين في فرنسا ضرورة عبر مؤتمر جامع ...
-
القذافي من الصحراء إلى المدينة / زنقة زنقة على ايقاع قرية قر
...
-
مهمة الدولة تتجاوز التدابير الأمنية ...
المزيد.....
-
-عُثر عليه مقيد اليدين والقدمين ورصاصة برأسه-.. مقتل طبيب أس
...
-
السلطات المكسيكية تعثر على 3 جثث خلال البحث عن سياح مفقودين
...
-
شكري وعبد اللهيان يبحثان الأوضاع في غزة (فيديو)
-
الصين تطلق مهمة لجلب عينات من -الجانب الخفي- للقمر
-
تحذيرات ومخاوف من تنظيم احتجاجات ضد إسرائيل في جامعات ألماني
...
-
نتنياهو سيبقى زعيما لإسرائيل والصفقة السعودية آخر همه!
-
بلينكن : واشنطن تريد أن تمنح جزر المحيط الهادئ -خيارا أفضل-
...
-
القدس.. فيض النور في كنيسة القيامة بحضور عدد كبير من المؤمني
...
-
لوحة -ولادة بدون حمل- تثير ضجة كبيرة في مصر
-
سلطات دونيتسك: قوات أوكرانيا لا تملك عمليا إمكانية نقل الاحت
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|