أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - الاقتصاد السياسي للكسل















المزيد.....

الاقتصاد السياسي للكسل


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 6759 - 2020 / 12 / 12 - 12:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


غالباً ما نتعامل مع الكسل بوصفه عرضاً لمشاكل نفسية نابعة من طفولة المرء إذا شئنا الاستعانة بسيغموند فرويد، أو أنه عرض للواقع الاجتماعي للفرد إذا شئنا الاستعانة بأشخاص مثل دروكايم. ويبدو لنا أن التعاطي مع الكسل بوصفه عرضاً للاقتصاد/الاقتصاد السياسي للبلد في مستوى التحليل الكلي ليس دارجاً على نطاق معروف.
نود في هذا النص المبتسر أن نشير إلى بعض المفاتيح التي يمكن أن تسهم في فهم ظاهرة الكسل والتراخي من منطلق أدوات التحليل التي تستند إلى الاقتصاد السياسي محاولين أن نبين أن الكل السياسي/الاقتصادي يحدد الفردي في هذا السياق على نحو حاسم دون أن يتفطن معظمنا إلى ذلك.
مثلاً عندما تمر الشعوب بمخاض ثوري مثل الذي شهدته فلسطين في سنوات الانتفاضة أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، تنشحذ الهمم وتدب حالة من حمى النشاط الفاعل التي تتخلل معظم فئات الشعب وأفراده، فإذا وقع ما يتسبب في الإحباط السياسي انعكست البوصلة إلى الجهة الأخرى على نحو مذهل. ومن البدهي أن حالة الشلل والارتخاء نموذجية بالنسبة للقوى المستعمرة كونيا والقوى التي تستغل الناس محليا.
من ناحية ثانية، تسود حالة من النشاط والدافعية الداخلية القوية عندما تنتشر في المجتمع قيم الإنتاج والبناء والتصنيع ويتطلع الناس إلى المستقبل بتفاؤل وثقة. وكلما ازداد اقتناع الناس الفكري والنفسي أن نجاحهم الفردي والجمعي رهن بما ينجزونه، كلما امتد النشاط والرغبة في العمل في أرجاء المجتمع كله. بالطبع إذا استدخل الناس أن العمل ليس هو الطريق الأفضل لبناء الذات والوطن فإن طاقتهم الجادة الخلاقة تنعدم أو تكاد.
ومن أهم الأمثلة التي يمكن أن تضيء ما نقوله الحالات التي تجسد الاقتصاد الريعي في الخليج ومناطق السلطة الفلسطينية. ولعل من اللافت بالفعل أن أموال قطر وأبوظبي والسعودية التي لا تأكلها النيران لا تنجح في إنتاج شيء ذي بال على الصعد العلمية أو الاقتصادية أو حتى على صعد التسلية من قبيل الرياضة أو الغناء. ولعل النجاح الوحيد لهذه الدول والإنسان الذي تنتجه هو ضرب الأرقام القياسية في الاستهلاك الضار في نطاق السلع المختلفة وعلى رأسها سلع الطعام والجنس.
وهكذا تعيش الجموع في بلدان الخليج حالة من الخدران والملل الفريدة من نوعها. ولعل أقرب شيء لها هو حالة الكسل وانعدام الفاعلية الناجم عن اقتصاد الرواتب والمساعدات: يعلم القاصي والداني أن الرواتب التي تكفي لشراء الخبز وطبق البيض وشطيرة الفلافل واستئجار شقة صغيرة في حي متواضع هي أمر مضمون من قبل قوى دولية تعهدت بتمويل مشروع السلطة الفلسطينية منذ ربع قرن. ارتخت نتيجة لذلك عضلات المزارعين وهممهم، وفرط معظمهم بالأمتار القليلة التي كان يزرعها. وفي ظني أن مدينة رام الله التي أعيش فيها لم يصلها حبة تفاح واحدة من منطقة الخليل (حلحلول، بيت أمر أو سعير) منذ ثلاث سنوات على الأقل. لقد احتلت الوظيفة السهلة والمريحة المشبعة بالراحة وأوقات الفراع المشهد كله. وتأتي الوظيفة أصلا من خلال الواسطة لتكرس الفرح المتصل المستند إلى كسل واسترخاء تام يجعل المرء في غنى عن بذل أدنى جهد من أجل الإعداد للتنافس على الوظيفة التعسة. وإذن في نطاق اقتصاد الريع الذي يعم الأصدقاء من النخبة التي تتلقى التمويل وتوزعه بدورها على أصدقائها ليس هناك من سبب لأي عمل منتج، وحتى النخبة البرجوازية التجارية لا تستطيع إلا الاتكال على أموال التمويل ذاتها عن طريق الاستثمار المضمون في قطاعات مثل الاتصالات والنت والمقاهي والتعليم..الخ.
ولا بد أن حالة الاتكال وفقدان الرغبة في الفعل أيا كان مقداره قد انعكست على المستويات التعليمية والسياسية والاجتماعية وقطاعات الحياة كلها. فمن الناحية السياسية انتشرت حالة من عدم التسيس وفقدان الاهتمام بمتابعة ما يجري مع ميل مدهش للاستهانة وعدم الانفعال أمام الأحداث مهما كانت جسيمة أو كبيرة. وقد لاحظنا جميعا حالة الفتور التي ميزت استجابة الجماهير الفلسطينية لوقائع سياسية جسيمة من قبيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والتصريحات المتكررة عن إطلاق اليد الإسرائيلية لتستوطن الأغوار أو الضفة والأغوار على السواء، والتضامن المتواضع مع إضراب ماهر الأخرس، وعدم المبالاة تجاه التطبيع الخليجي حتى بدا للحظة أن السلطة وقيادتها وقيادة منظمة التحرير في واد والجماهير في واد آخر. وحتى عندما عادت السلطة للتنسيق مع الاحتلال متخلية عن اتفاقها مع قادة الفصائل لم يبد أن الناس قد اهتمت بالحدث أو التفتت إلى ما حصل.
وفي سياق التعليم تسود حالة مذهلة من انعدام الجدية والدافعية لدى الطالب والأستاذ في المدرسة والجامعة على السواء. ويشارك الجميع في لعبة مملة رتيبة خالية من الإثارة والمتعة تقود أحد الفريقين إلى الراتب الشهري وتقود الآخر إلى الشهادة في نهاية عملية يمثل الزمن العنصر الأول وربما الأخير فيها. وفي نهاية الحقب الزمنية المحددة تصل الرواتب وتصل الشهادات على السواء. لا أحد يفكر أبدا في مردود محسوس للعدد الهائل من المدارس والجامعات باستثناء بقاء هذه المؤسسات على قيد الحياة ليعمل المدرس والطالب على أداء المهام المشار إليها آنفاً.
ويمتد الكسل الذهني والنفسي والعاطفي ليصل إلى مستوى تقبل الموت والأخطاء الطبية وانتشار الأوبئة بقلب خال لا يهمه شيء. في النهاية الأخطاء الطبية تقع منذ وقت طويل وموت البشر هو القاعدة التي مناص منها، ومن هنا لا يجد العامل في الحقل الطبي، مع ضغط العمل، وبؤس الراتب وشح الموارد ما يستدعي أن ينفعل لموت الناس أو معاناتهم، وقد تشرب الناس المؤمنون اصلا بروح قدرية أصيلة فكرة أن الأخطاء والمآسي جزء من طبائع الأمور التي لا يمكن أن تتغير وأن ما يلزم هو تقبلها بوصفها وقائع عادية لا بد من التعايش معها.
بالطبع لا بد أن يقود الكسل والتثاؤب إلى المقاهي والمطاعم والكافي شوبات للبحث عن السعادة والمعنى وشكل من النشاط والأحلام في دخان المعسل المتصاعد وروائحه الفاقعة. ولا بد أن المواطن الذي يترعرع في هذا السياق لا بد أن يكون كسولا في ذوقه الفني ميالا إلى الأفلام التافهة والأغاني السطحية التي لا تستدعي التأمل الجمالي العميق والمتعب. كما لا بد أن يمتد الكسل إلى عالم القراءة واختيار النصوص السهلة التافهة، أو حتى تجنب القراءة كلها بصفتها تعبا ومشقة من حيث المبدأ والأساس.
ويمكن لنا أن نمضي أبعد من ذلك لنلاحظ الكسل في الأنشطة الترفيهية والألعاب المختلفة وصولا إلى تجنب الألعاب التي تستدعي الجهد العضلي أو النفسي أو العقلي. وهكذا تنتشر الشدة والزهر، ويغيب الشطرنج من المقاهي، وحتى في نطاق ألعاب "الشدة" تنتشر الألعاب الأشد بساطة وسهولة وتغيب الأصعب بمقدار كبير أو صغير.
من اليسير أن نتخيل أن الشعبوية هي المردود المتوقع لمجتمع كسول ذهنيا بحيث لا يظل هناك من عقل يقظ. يصبح الانقياد للرأي الواحد المسيطر هو القاعدة التي لا كاسر لها. الناس تركن إلى ما هو قائم وتستعذبه مع خدر لا يخلو من الملل وفقدان الفرح الجدي العميق. لسان حالهم يقول: "لا توجع لي راسي بدنا نريح هالطاسة."
وليس غريبا فيما نتوهم أن تقود مثل هذه الآليات الاقتصادية/السياسية وتداعياتها الاجتماعية والنفسية إلى انتشار المخدرات التي تمثل شكلا من أشكال الهروب من الوعي النشط إلى عالم الاسترخاء اللذيذ الخالي من النشاط والفاعالية والتفكير. لكن المخدرات الفكرية التي تغيب العقل والإرادة الضروريان للفعل السياسي والاجتماعي والاقتصادي قد تكون هي الأخطر على واقع الأمة ومستقبلها على السواء.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار والاستراتيجة العربية/الفلسطينية للصاع مع الصهيونية
- لماذا صعد ترامب، لماذا هبط؟
- هوس متابعة الانتخابات الأمريكية
- بندر بن سلطان
- قوة التطبيع: خطابات العرب في الجمعية العامة
- ذكريات محمد عساف ورحلة السلام الخليجية
- إنصاف المعلم وإنقاذ التعليم
- المثقف العربي في مواجهة محميات نتانياهو والبترودولار
- ضرورة إعدام الحقيقة المطلقة
- العيد في زمن الكوليرا والكورونا
- الاقتصاد السياسي للمنظمات غير الحكومية
- التوجيهي في زمن الضم والكورونا
- إسرائيل تدرب قوات الشرطة الأمريكية
- ثورة في التعليم
- مسلسل كورونا
- إنها معركة -ما تبقى لكم- من فلسطين!
- إسرائيل تحث الخطى نحو -تحرير-إيرتس يسرائيل كلها
- موسم الهجرة إلى بكين
- تأسيس المواطنة والأمة الإقليمية بين كورونا وكرة القدم
- العمال وأزمة المجتمع الفلسطيني


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - الاقتصاد السياسي للكسل