|
من الضروري للمعارضة العربية مراجعة الطريقة التى تفكر بها ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6757 - 2020 / 12 / 10 - 15:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ في إحدى قصائد الشاعر العراقي أحمد مطر والتى لا تخفي مساهماته في صنع الدراما العربية ، فالمقدمات لديه اختلفت دائماً عن النهائيات ، تحديداً كما هو الحال في أخر القصيدة ، كان قد أستبدل الصورة التصورية بالفيزيائية ، وقد صنفها البعض بالانتحارية وباتت اليوم قرينة لانكسار الشعراء المتحضرين ، أبناء حياة التويتر والفيس بوك ، يقول مطر ( لعنت كل شاعر / لا يقتني قنبلة / كي يكتُب القصيدة الأخيرة ) ، وها هو الشعب العربي منذ مشروع الدولة الحديثة لمحمد علي ، الذي أدرك بأن العرب يحتاجون إلى تعليم قائم على مناهج معاصرة واقتصاد مزدهر ، يحتمي بقوة عسكرية متطورة ، وهذا تطلب اولاً بناء جيش نظامي قادر على مواجهة التحديات ، وبالفعل منذ ذلك اليوم بات الجيش المصري شيء أساسي من حياة المصريين ، وهذا كشفته تظاهرات الربيع العربي التى أطاحت بحكم الرئيس مبارك ، أثناءها رفع المصريون شعار ضارب في التاريخ الحديث ، فهتاف المتظاهرين كان واضح وقاطع ( الجيش والشعب أيد واحدة ) ، بل الملفت بلهتاف ، قدموا المتظاهرين الجيش على الشعب ، وذلك تُرجم عندما صعّدوا الشباب فوق سطح الدبابات بمساعدة الجنود ومن ثم تجلت الوحدة بين الطرفين في صلاة العيد بساحة التحرير التى جمعت بين العسكر والمواطنين ، يومها وضع الجيش حد لكل السجالات حول انتماءه ، وقال كلمة الفصل عندما إنحاز بالمطلق للشعب ، وبالتالي جميع المراهنات التى يراهن عليها الكثير من المعارضة المصرية على الأوروبي والأمريكي ، بأنها فاعلة ، تحتاج إلى مراجعة لكي لا تستمر تتلقى صدامات أو تغرق أكثر في المراوحة ، فالعالم العربي أو بالأحرى الثالث بصفة عامة ، يعتبر بالنسبة للدول الصناعية الكبرى أسواق أساسي لانتاجاتها العسكرية والمدنية ، وبالتالي هذه الدول تتحرك اولاً بدافع المصالح المادية ، أما مسألة حقوق الإنسان تأتي بعد ذلك ، بإستثناء بعض الحالات ، بل العالم أجمع خاض على مرّ العصور معاناة الحوار ، فالاعتراف المتبادل ليس بهذه السهولة ، بالفعل لقد عانت أم الديمقراطيات ثقافة الحوار ، الذي دفع بالمجتمع الأمريكي التبني سياسة الضغط من تحت ، كان هو المحرك الأساسي للتغير الكبير من التاريخ ، إذن على المعارضة المصرية قراءة الواقع بعمق أكثر ، بل من الضروري الانتقال من موقع الحرد والمراهنة على الضغوط الخارجية إلى المطالبة بالمشاركة الكاملة في بناء الدولة ، ولأن مصر لا تتشابه تركيبتها مع تركيبة الولايات المتحدة الأمريكية ، فالحكاية هنا أسلس بكثير ، لأنها لا تعاني من العنصرية أو الطائفية أو المناطقية أو الهويات ، وبالتالي الهدف من اعتماد سياسة الضغط من تحت ، هو تعميق مرحلة الإصلاحات الجارية على قدم وساق ، وهذا يمكن له أن يتحقق من خلال تأسيس مؤسسات تستوعب الآراء والمقترحات ، مثل تعميم المواصلات العامة في كافة الجمهورية وإصلاح الصحة والتعليم والخدمات وغيرهم ، بل من المهم للمعارضة التفريق بين الإدارة والمشاعر ، فالإدارة ممكن لها أن تتبدل بين عشية وضحاها ، أما المشاعر تبقى مستقرة ، وبالتالي المناهج التعليمية اليوم . لم تعد تقتصر على قديم وحديث بقدر أنها تحولت إلى أجيال متعاقبة وسريعة .
ولعل ضرب مِثال بالصين يرمي علامات استفهام حول كيفية إعادة إعمار الدول ، فالصين كانت في التسعينيات من القرن الماضي لا تتجاوز ميزانيتها العسكرية 10 مليارات دولار ، أما اليوم لم تعد هذه الموازنة تقبل بها دولة هامشية ، بلغت موازنتها 200 مليار دولار أمريكي ، وهذا الإنتاج العسكرية جعل من الرأسمالية العالمية أن تعيد ترتيب أولوياتها طبقاً لمصالحها ، في السابق كانت الدول الرأسمالية تتفرد بالأسواق وتملي على الدولة آرائها أو حتى عقوباتها ، لكن مع تحول الصين إلى ثاني مُصدر للأسلحة ، الأمور إختلفت وباتت الدول الرأسمالية تحّتسب كل خطوة تخطيها ، وبالأخص مع جائحة كوفيد 19 وما ترتب عليه من استنزافات للاقتصاديات العالمية ، لأن ايضاً بالإضافة إلى هذا وذاك ، الصينيون أتعبوا الرأسماليين ، فهؤلاء اعتمدوا مشروع النسخ وإعادة التصنيع بأسعار منافسة جداً ، وعلى أكثر من مستوى ، مثل الدفاع الفضائي والإلكترونيات والنظم الأرضية ، بل اجتاحوا الأسواق الأفريقية وأمريكا اللاتينية ويعملون بجهد لكي يتسللوا إلى مناطق محسوبة تاريخياً على الدول الغربية ، بل انتعاش صناعة السلاح تعود إلى تاريخهم في اكتشاف البارود ، كانوا علماء الصينين في القرن ال9 خلطوا الفحم والملح والكبريت وأنتجوا مادة إطلق عليها وقتئذ ( Hoo Yao ) ، وبالتالي ليس غربياً أن تحتل الشركات الصينية ، المرتية بعد الشركات الأمريكية مباشرةً ، لقد إحتلت في الأون الأخيرة ست شركات أمريكية قائمة أهم مصنعين للأسلحة ، وجاءت الشركات الصينية بالسابعة والثامنة والتاسعة ، بعد ما كان تصنيفها في الماضي خارج العشرة الأوائل .
لا ينفع في هذا التوقيت ممارسة الصمت أو قليل من اللغة الدبلوماسية الناعمة التى لا يتحطم بها الصمت فعلياً ، هناك فرصة حقيقية للمصريين لبناء دولة قوية وحديثة وذكية وقادرة على مواكبة التطور التكنولوجي ، وهذا يطلق عليه بمرحلة النضج ، أي أن المجتمع سينتقل من عدم النضوج وقلة الخبرة ، إلى إمتلاك الخبرة ، وطالما العقلاء قالوا في السابق ، إذا أردت أن تطاع أطلب المستطاع ، وبالتالي أهم تحدي يواجهه الشعب المصري والنخب ، هو انتشال الاقتصاد المصري من الإدمان على الاستدانة من الخارج اولاً ومن ثم وقف إستيراد المواد الأساسية مثل الرز والقمح ، لقد تراجع في الأعوام الأخيرة إنتاج المحلي للرز ، إذن ليس معقول أن تتراجع الزراعة بسبب سوء إدارة إستهلاك المياه والتى تكبد الحكومة خسائر ، اولاً تحرمها من التصدير وجلب العملة الأجنبية ، وثانياً البطالة ترتفع وثالثاً ، تتبدد الخبرات ، بل بالتقنين والحلول الإرشادية ، سيساهمان بتوفير المياه ومضاعفة الزراعة ، وهذا بدوره يقلص العجز بين الصادرات والواردات ، بل أعتبر شخصياً مثل هذه الأساليب سوف تتحرر الدولة من ثقل المخاتلة .
لهذا فإن المقاربة التى استندَ عليها صانعون الدول الحديثة ، إنما كانت لا تصب كل الأفكار مرة واحدة أمام الشعوب ، بل الثورة المعرفية والعلمية في هذا الزمن ، تأتيان قبل الحريات وحقوق الإنسان ، أقصد الحرية والحقوق اللتين يحلم بهما كل عربي ، لأن التطور العلمي وحركة النهضة سيتكفلان بنقل المجمتع لحقوقه السياسية والاجتماعية ، فمع كل تغير علمي وخدماتي سيؤدي ذلك إلى تحسين ظروف الإنسان ويجعله أكثر منطقياً ، والمنطق بدوره سيساعد على تحرير النظام السياسي من الانغلاق ويبدأ يتصرف بشكل معقول .
التلميح هنا حق مشروع والإشارة إليه واجب ملّزم ، وبين من يعتقد بالمعرفة الحسية وآخر يؤمن بالمعرفة التصورية ، أي القادمة من العقل ، هناك معرفة شعبية قياسية ، لا تحتاج إلى عناء كبير للتفكير والتأمل ، بل قياسها بسيط ، محاربة ومكافحة الفساد ، هو سر بناء الدولة القوية ، وهذه مسؤولية تقع على المعارضة والسلطة معاً . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشعار الأول والثاني والعاشر لجهاز الموساد ( أقتل اولاً ) ..
...
-
ها نحن نعود معاً كما حلمنا يا صديقي ..
-
البحث عن الهواء النقي ...
-
لم يكتفي بملامستها بل كانت لصيقة حذائه ...
-
كما الماء حق للجميع ، ايضاً من حق الجميع بناء دولة قوية ...
-
في أمريكا الجميع حبساء الدستور ...
-
المماطلة ستأتي بعقوبات أوسع وربما أبشع ...
-
المسكوت عنه ، الإدمان الأقدم في التاريخ ...
-
نظرية مطاردة الأرنب في المضمار البيضي ، الأمريكي يراهن على إ
...
-
كن معي وأصنع ما تشاء ...
-
أربعة مناسبات لا تقترب منهم ، تماماً كأيام الحظر الوبائي ...
-
إبليس والموت والسد بين مواريث آدم وذي القرنين / أمريكا الحدث
...
-
قيمة العملة من قيمة الإنتاج ...
-
هل المشكلة بجيرمي كوربين أو بحزب العمال / انصهار الاشتراكية
...
-
أرض الصحراء الغربية بقيت دائماً تحت الرماد ...
-
ترتيب بيت المسلمين في فرنسا ضرورة عبر مؤتمر جامع ...
-
القذافي من الصحراء إلى المدينة / زنقة زنقة على ايقاع قرية قر
...
-
مهمة الدولة تتجاوز التدابير الأمنية ...
-
موقع المناظرات الأمريكية / جامع المدينة أول جامعة شاملة ومجا
...
-
هستيريا المذهبية والاستخفاف بالفيروس وجدانيات ترمب ...
المزيد.....
-
هدده بأنه سيفعل بأخته ما فعل به لإسكاته.. رجل يتهم قسيسًا با
...
-
مصر تفتتح أكبر مراكز بيانات -مؤمنة- في تاريخها تحتوي على كل
...
-
يوتيوبر أمريكي ينجو من الموت بأعجوبة (فيديو)
-
السعودية.. جدار غباري يجتاح وادي الدواسر وزوبعة ضخمة تظهر ش
...
-
بوريل: لسنا مستعدين للموت من أجل دونباس
-
السيسي للمصريين: علموا أولادكم البرمجة بدلا من كليات الآداب
...
-
محمد صلاح.. يلمح إلى -خطورة- الأسباب وراء المشاجرة الحادة بي
...
-
الزي الوطني السعودي.. الحكومة توجه موظفي الحكومة بارتدائه اع
...
-
الشرطة الليبية.. ردود فعل واسعة بعد تدافع رجال أمن خلف شاحنة
...
-
حمزة يوسف أول رئيس وزراء مسلم لاسكتلندا يستقيل قبل تصويت مقر
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|