أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فارس تركي محمود - خامساً: الروح الحربية وفلسفة القوة














المزيد.....

خامساً: الروح الحربية وفلسفة القوة


فارس تركي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 6756 - 2020 / 12 / 9 - 18:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


مما لا شك فيه أن الجماعات البشرية البدائية تتسم كلها بخضوعها لفلسفة القوة بكل أشكالها كالقوة البدنية ، وقوة العدد والعدة ، وقوة المال وما يمتلكه الشخص ، والقوة الاعتبارية كالمركز الاجتماعي والوجاهة والحسب والنسب ، والقوة الروحية والدينية كقوة وسطوة الكهان والسدنة ومن يمتهنون العمل في حقل المقدسات . إن الإنسان في المجتمعات البدائية يعيش مع فلسفة القوة منذ نعومة أظفاره بل منذ يوم ولادته ، فالمولود إن لم يكن قوياً ومتمتعاً بصحة جيدة تضاءلت إمكانية نجاته وبقائه وتراجعت حظوظه وفرصه ، فالضعيف لا مكان له ، والقوة هي القانون ، وسوف تبقى هذه المعادلة - أي معادلة المزيد من القوة يساوي المزيد من الربح والمنفعة والعكس صحيح - ملازمة للإنسان في المجتمع البدائي في كل مرحلة من مراحل حياته في صباه وشبابه وكهولته وهرمه وعلى كافة المستويات بدءً بالعائلة والعلاقات الأسرية ألبسيطة والعلاقات بين الجيران وصولاً إلى العلاقات بين أفراد المجتمع ، وبينهم وبين من يحكمهم أو يتولى أمرهم ، وبينهم وبين القوى الروحية التي يؤمنون بها ويخافون منها ويرتجون ثوابها ويخشون عقابها ، وأخيراً بين المجتمع ككل وما يجاوره من مجتمعات أخرى . إن خضوع المجتمع البدائي لفلسفة القوة ليس أمراً اختيارياً بل هو ضرورة لا بد منها وحاجة لا غنى عنها ، فبدونها لا يمكن لحالة الاجتماع البشري أن تستمر ، وغيابها سيؤدي إلى إضعاف المجتمع البدائي وتفتته ومن ثم انهياره لأن الردع والترهيب وعلى كافة المستويات يعد من أهم ضمانات بقاء واستمرار هذا المجتمع ، والردع لا يمكن أن يكون مقنعاً بدون استخدام القوة أو التهديد باستخدامها فالإنسان إذا أمِن العقاب أساء التصرف كما يقال .
كذلك تتسم المجتمعات البدائية بالميل للقتال والتصارع وبسيطرة الروح الحربية والسلوك العدائي عليها وذلك بسبب حاجتها الماسة لمثل هذا السلوك في بيئة قاسية معادية لا تحكمها إلا قوانين القوة وفلسفة البقاء للأقوى فالحرب والصراع والتدافع لم تكن حالات استثنائية أو حالات عابرة بل هي شأن يومي ، والاشتباك ألخشن والعنيف الدائم والمستمر مع الحياة بكل تفاصيلها ومع الآخرين لم يكن مصادفات تحدث هنا وهناك بل هو أسلوب حياة وطريقة عيش ، والاستعداد الدائم للحرب كان من مستلزمات البقاء .
وقد أشار إلى ذلك ألعلامة ابن خلدون في مقدمته عندما تحدث عن أحوال البدو وقارن بينها وبين أحوال الحضر حيث يقول : " إن أهل البدو أقرب للشجاعة من أهل الحضر والسبب في ذلك أن أهل الحضر ألقوا جنوبهم على مهاد الراحة والدعة ، وانغمسوا في النعيم والترف ووكلوا أمرهم في المدافعة عن أموالهم وأنفسهم إلى واليهم والحاكم الذي يسوسهم والحامية التي تولت حراستهم ، واستناموا إلى الأسوار التي تحوطهم والحرز الذي يحول دونهم فلا تهيجهم هيعة ولا ينفر لهم صيد ، فهم غارون آمنون ، قد ألقوا السلاح ، وتوالت على ذلك منهم الأجيال ، وتنزلوا منزلة النساء والولدان الذين هم عيال على أبي مثواهم ، حتى صار ذلك خلقاً يتنزل منزلة الطبيعة . أهل البدو لتفردهم عن المجتمع ، وتوحشهم في الضواحي ، وبعدهم عن الحامية ، وانتباذهم عن الأسوار والأبواب قائمون بالمدافعة عن أنفسهم ، لا يكلونها إلى سواهم ، ولا يثقون فيها بغيرهم . فهم دائماً يحملون السلاح ويتلفتون عن كل جانب في الطرق ، ويتجافون عن الهجوع إلا غراراً في المجالس وعلى الرحال وفوق الأقتاب ، ويتوجسون للنبآت والهيعات ، ويتفردون في القفر والبيداء ، مدلين ببأسهم ، واثقين بأنفسهم قد صار لهم البأس خلقاً والشجاعة سجية يرجعون إليها متى دعاهم داع أو استنفرهم صارخ . وأهل الحضر مهما خالطوهم في البادية أو صاحبوهم في السفر عيال عليهم لا يملكون معهم شيئاً من أمر أنفسهم . وذلك مشاهد بالعيان حتى في معرفة النواحي والجهات وموارد المياه ومشارع السبل . وسبب ذلك ما شرحناه . وأصله أن الإنسان ابن عوائده ومألوفه لا ابن طبيعته ومزاجه . فالذي ألفه في الأحوال حتى صار خلقاً وملكة وعادة تنزل منزلة الطبيعة والجبلة . . . " .
إن حاجة المجتمع إلى فلسفة القوة والروح الحربية ستزداد وتتضاعف عندما يسعى إلى تأسيس الدولة القديمة فبدون القوة لا يمكن توحيد أفراد المجتمع ودفعهم باتجاه الهدف المنشود ، وبدون القوة لا يمكن للقوة السياسية الحاكمة للدولة أن تضبط تفاعلات المجتمع وتصرفاته ، وبدون القوة والروح الحربية لا يمكن للدولة أن تحافظ على بقائها وتضمن استمرارها وهي محاطة بالأخطار والتهديدات من كل حدبٍ وصوب ، ولا يمكنها كذلك أن تتوسع وتمد نفوذها إلى مناطق وأراضي ومجتمعات أخرى لأن تلك المجتمعات ستحاول بالتأكيد أن تقاوم هذا التمدد والتوسع ولن يحسم الأمر إلا من خلال استخدام القوة والحروب والصدامات المسلحة . هذا فضلا عن أن أعداء الدولة ومعارضيها ومناوئيها في الداخل والخارج سيزداد احتياجهم لفلسفة القوة وللروح الحربية والسلوك العدائي ، وهكذا ستجد الدولة القديمة نفسها - وبدون أن تقصد ذلك أو تعيه حتى - مضطرة إلى تعزيز فلسفة القوة والروح الحربية وتجذيرها أكثر وأكثر في المجتمع البدائي الذي أورثها هذه السمة .



#فارس_تركي_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رابعاً : العقلية البدائية
- ثالثا: المنهج الوعظي الخطابي
- ثانياً : النظام الأبوي والديكتاتورية
- سمات الدولة القديمة / اولاً : العقل الجمعي
- الدولة القديمة
- ثالثاً : الصراع من أجل نيل الاعتراف ( الثيموس )
- ثانيا: التاريخ حر
- سنن التاريخ وقوانينه
- هل أصبح العالم غابة مرة أخرى ؟ وهل يجب على الأمريكيين أن يهت ...
- من نحن ؟
- مبدأ ترامب والمواجهة مع إيران
- النسق القيمي
- عقول وحقائق
- عقلنا عندما ينتخب !
- الانتخابات الأمريكية والتدخلات الروسية
- وهم المعرفة
- الكتلة المدنية
- العقل التآمري
- الواعظون
- المجتمع العبيط


المزيد.....




- شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس
- زاخاروفا تصف قرار برلين بإغلاق قضية مفتش القوات الجوية الألم ...
- مظاهرة داعمة لتل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بعد اتهام جنو ...
- في عين الإعصار ـ تنامي العنف السياسي يهدد الديموقراطية في أ ...
- هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تعرض سفينة لأضرار بع ...
- مصر.. أدلى باعترافات صادمة أمام النيابة بعد أن شنق زوجته (صو ...
- لحظة مؤلمة في ماضيك قد تزيد خطر إصابتك لاحقا بمرض خطير
- عقار جديد لإنقاص الوزن يتفوق على حقنة -أوزمبيك- في حرق الدهو ...
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط مسيرة أوكرانية فوق شبه جزيرة القرم ...
- مصدر عسكري: القوات الروسية قصفت مطارا في بولتافا غرب خاركوف ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فارس تركي محمود - خامساً: الروح الحربية وفلسفة القوة