|
شيعة العراق ومقتدى الصدر
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6753 - 2020 / 12 / 6 - 19:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نشأ مذهب التشيع على حب الامام علي وآل البيت ، ولم ينشأ على الكره والبغض والتكفير ، ولذا من المستحيل على قلوب شيعته ان تستضيف النقيضين في آن واحد : الحب والكره ، الرحمة والقسوة ، التسامح وتكفير الآخر ، العفو والدعوة الى القتل . واذا كان الحب هو القاعدة الأساسية التي ترعرع عليها التشيع ، فمن اين جاء مقتدى الصدر بكل هذا الغل والحقد ، وكيف تمكن من ضخهما في وعي اتباع تياره السياسي وتحريضهم ، هذه المرة : ليس على قتل المختلف دينياً ومذهبياً ، بل على قتل المختلف سياسياً من الشيعة أنفسهم ؟ لقد اشترى مقتدى الصدر هذا العلف الحيواني لاتباعه من السياسة وليس من الدين ، فالسياسة هي الحاضن الطبيعي لمثل هذه العواطف الهمجية ، ولا علاقة لمذهب التشيع بها . انها اداة التعبير المباشر عن مصالح الناس المتنافسة ، والتي يرتقي تنافسها - احياناً - الى مستوى الصراع العدائي الذي تتولد عنده مشاعر الكره والبغض وتولد الدعوة الى قتل الآخر المنافس ، ويتصاعد لهيب الآيدلوجيات الفاشستية والعنصرية والمشاعر السادية . وبما ان استراتيجية مقتدى الصدر من الآن وحتى اجراء الانتخابات المبكرة : هي العمل على الفوز برئاسة الوزراء ، فما أمامه من سبيل غير العمل بهذه الوسائل البدائية ، وما يرشح عنها من عواطف بربرية ، ابتدأ مقتدى الصدر بتجريبها منذ صمم على ان يتدخل في شؤون المتظاهرين ويستحوذ على مساراتها قبل سنوات ، وطبقها علناً على الشباب الثائر في ساحة الحبوبي في الناصرية قبل أسابيع ...
اذا أراد شيعة العراق المحرومين من ابسط مستلزمات العيش الكريم كالكهرباء والمجاري والتعليم ، ان يعيشوا في بحبوحة اقتصادية مثل جيرانهم الخليجيين ، وان يحافظوا على كرامتهم كبشر احرار : فعليهم الاطاحة بكل السياسات التي تريد ان تجعل منهم كبش فداء للصراع الدولي حول برنامج ايران النووي ، وذلك بالتحرر من سياسات - هي الوهم بعينه - حفنة من الموتورين اللاوطنيين ، من أمثال قادة التيار الصدري وحزب الدعوة ، وما تفرع منهما من عصابات حزبية وميليشيات : اصطفوا علناً الى جانب ايران في صراعها مع امريكا ، ولم يصطفوا مع العراق في صراعه الاقتصادي والجغرافي والمائي والسيادي مع ايران . وهنالك وثائق تشير الى تورطهم بنقل ملايين الدولارات يومياً من مزادات البنك المركزي في بغداد الى مصارف ايران . لم يسرق هؤلاء الشعب العراقي لو كانت قلوبهم عامرة بالمحبة للشيعة الذين يشكلون الأغلبية ، ان قسوة قلوبهم وخلوها من المحبة دلالة على انهم لا ينتمون الى المذهب الشيعي الذي يقوم على الحب والمحبة...
قام مذهب التشيع على محبة آل بيت الرسول ، وعلى تفضيل الامام علي في ان يخلف الرسول في قيادة المسلمين . وهذا التفضيل لا يدخل في باب المفاضلة الدينية : بتزكية الامام علي وتكفير منافسيه من الصحابة واتهامهم بالضلالة . ان المذهب الذي يقوم على الحب والمحبة لا يعرف التكفير ولا البغض طريقاً الى قلبه والى صياغة عقله الفكري . لم يضر حب الشيعة لعلي وبنيه احداً من المسلمين ، ولم يتم التعدي بهذا الحب على معتقدات اعضاء الديانات الأخرى ، طالما ان جوهره يقوم على المحبة والعشق والهيام . انه لا يختلف ، في الأوان الذي نعيش ، عن عصبية الجماهير لأحزابها ، حيث تذهب الجماهير الى مراكز الانتخابات : بإصرار واضح على ان لا يعطوا أصواتهم : الا الى مرشحي احزابهم فقط ...
تفضيل آل البيت وتقديمهم في كل شيء ، يدل على ايمان الشيعة القاطع : بما يمتلك آل البيت من مؤهلات ومعارف لا تضاهى ، نتيجة اعتقادهم باستمرار صلة التواصل بين السماء وبين آل البيت بعد وفاة النبي محمد . وفي هذا التواصل يحصل آل البيت على المعرفة الضرورية . ان طريقة الحصول على المعرفة في الديانة الاسلامية وفي غيرها من الديانات السامية - تتم عن طريق نبي الديانة ، وما يأتي به نبي الديانة من اوامر ونواهي وفروض دينية من عالم الغيب : واجبةالتصديق ، وتتطلب طاعتها والتصديق المطلق بها ، فكذلك امام الشيعة واجب الطاعة فبما يأمر به او ينهى عنه ، اذ تزوده السماء بهذه المعرفة الغيبية عن طريق الوحي والإلهام والرؤيا ، كما تشير الى ذلك مرويات الشيعة في كتاب " الكافي " للكليني ، او في كتاب " من لم يحضره الفقيه " للشيخ الصدوق ، وهي من أوائل كتب الشيعة التي وضعت أصول المذهب : فآل البيت اذن - في اعتقاد الشيعة - على معرفة واسعة وعميقة بما جرى ، وبما يجري ، وما سيجري من احداث على الارض وفي الطبيعة والكون . وهذا الاعتقاد ايضاً لا يضر بأي دين او مذهب ، طالما ظل اعتقاداً سلمياً ولا يفرض أطروحاته بقوة السيف . لقد زودت خبرة التعايش السلمي : الشيعة ، وكذلك زودت جميع المذاهب الاسلامية الاخرى ، بالقدرة على تلمس وجود التعددية على ارض الواقع كحقيقة اجتماعية وثقافية تفرض وجودها ، وتفرض افساح المجال امام التفكير بهذا الوجود وعدم التنكر له ، ولكن منهج المنظومة الفكرية الاسلامية المعتمد على ما يقوله الغيب : لم يساعدهم على الارتفاع بهذا الاستنتاج من حالته الأولية ، الخام ، الى مستوى التجريد المفهومي ، وجعل التعددية مفهوماً سيااجتماعي ثقافي ، يرتقون من خلاله الى مستوى الرفض العلني لفكرة : الواحدية ، ويعترفون بنسبية معتقداتهم ، فسيبقون الغرب في اكتشاف مفهوم التعددية ، وربما توصلوا الى ادارة صراعاتهم سلمياً عبر دورية الانتخابات قبله ...
تعايش شيعة جنوب العراق بسلام مع طوائف دينية اسلامية عاشت بين ظهرانيهم كأقلية مثل السنة ، ومع اقليات دينية كالمسيحيين والصابئة على مدى تاريخي طويل ، وقد كان الجميع يتبادلون الاحترام وينعمون بالأمان ، ولم يخرج الشيعة عن هذا الخط الإنساني في التعايش السلمي الا بعد تدخل قوى الخارج كفرنسا وروسيا وبريطانيا ، في سوريا ولبنان بدعوى حماية المسيحيين الذي انعكس صداه قوياً على لحمة المجتمع العراقي أيام حكم العثمانيين ، والا بعد ان تدخل منطق الأخوين عارف المتعصب ، ومنطق صدام حسين الأشد تعصباً ثم منطق الاسلاميين الذين حكموا بعد2003 ومنهم مقتدى الصدر الغارق في التعصب الطائفي ، واستولى على اذهان المراهقين من شباب الشيعة ، فتم الاعتداء على بعض العوائل السنية والمسيحية وعلى الصابئة ، مثلما تم الاعتداء على تجمعات سكانية اخرى ، وهذا الذي جرى من شباب الشيعة بعد سنة 2003 ، يشبه ما جرى من صراعات سنية شيعية حين دخل البويهيون العراق كسلطة الى جانب الخلافة العباسية ، وحين احتل الصفويون العراق ، او حين احتله العثمانيون ، فحولت هذه الاحتلالات بغداد الى ميدان معركة متصل بين السنة والشيعة . لقد لعبت العوامل الخارجية دوراً في تأجيج الصراع الطائفي في العراق ، لا يقل عن دور الموروث التأويلي في الاستمرار بتأجيجه ...
استراتيجية مقتدى الصدر الاخيرة التي يطمح من خلالها الى ان يكون ( المرشد الأعلى ) لرئاسة وزارة العراق ، على طريقة نظام ولاية الفقيه في ايران : تدل على قصور وعي مقتدى الصدر عن ادراك معنى الضرورة وراء وجود الدولة الحديثة ، والقصور عن ادراك وظيفتها الأساسية ، داخل المجتمع الذي تدير شؤونه العامة : مجتمع مستقل بفعالياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية : بمسافة واضحة عنها ، تشير الى حيادها وهي تراقب الصراع الذي يجري داخل حدود المجتمع : حياد وليس تدخل ، وهذا هو السبب الذي يدفع دساتير الدول الديمقراطية الى الامتناع عن ذكر : دين الدولة او ذكر المذهب والطائفة في متونها ، لكي تظل على الحياد ولا تعلن عن انحيازها الى دين او مذهب محدد . ذكر الدين او المذهب في دستور الدولة يشجع المغامرين وقطاع الطرق على ان يغلفوا طموحاتهم السياسية بغلاف المظلومية وحماية المذهب . ومن هنا تجيء معاناة الناس من التنظيمات الدينية الاسلامية التي تحل محل الدولة وتمارس دور " وعاظ السلاطين " لكن في الأزقة والحواري وساحات تجمع المتظاهرين : محرمة حرية التعبير وحرية المعتقد والضمير . في هذا النوع من التنظيمات القائمة على الولاء المطلق الذي يقترب من التقديس للقائد ، يندفع اعضاء التنظيم من غير تساؤل الى اداء واجبات ليست من اختصاصهم ابداً بل هي من اختصاص الدولة ، ويحلون تدريجياً محل اجهزة الشرطة والأمن في تصفية المظاهرات والاعتداء على المتظاهرين بالقتل . وسيبلغ الخصام والصراع ذروته في الأشهر القادمة : بين الدولة وبين هذه الميليشيات " الوقحة " ، لان ازدواجية السلطة لا تدوم لفترة طويلة ، ولان السلطات داخل اطار الدولة الواحدة : لا تتحاور بل من طبيعتها الخصام والصراع والتصفية . واستمرار وجود ازدواجية السلطة في العراق لا يعود لضرورات داخلية ( كوجود الارهاب كما تطبل اجهزة الإعلام ) بل يعود اساساً الى ارتباط وجود هذه الازدواجية بمصلحة خارجية ما زالت تملك القدرة المادية على دعم استمرار وجودها ...
لا تمنح مؤسسة القضاء في الدولة الحديثة : الشرعية لأية سلطة ، عدا سلطة الدولة ، بممارسة القتل واستعمال العنف . وسكوت مؤسسة القضاء العراقية على عدم معاقبة الجاني الذي امر بارتكاب مجزرة ساحة الحبوبي ، الذي هو مقتدى الصدر : يدل على ان الدولة في العراق ليست من طينة الدولة الحديثة بل تنتمي للعالم القديم الذي لا قوانين فيه غير قانون السلطان قائد الانكشارية . لا يوجد في الدولة الحديثة : قتل مشروع ، واخلاقي وعادل ، اذا مارسه مقتدى الصدر او مارسه تنظيم الخزعلي او اية ميليشيا مسلحة ، وقتل آخر شيطاني ، غير اخلاقي وغير مشروع ، وبالتالي هو ضد قوانين الطبيعة والاجتماع ، اذا مارسه بعض عوام الناس . هذا التقسيم بين قتل وقتل يقوم على معايير استبدادية وغير عادلة ، ولا قيمة فيها للإنسان وحقوقه . فالقتل هو القتل وسالب حياة الناس قاتل وعصابچي مهما ارتدى من أقنعة أيدلوجية : دينية او علمانية ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعيين الكاظمي بمنصب رئيس الوزراء ليس شرعياً
-
توقفوا عن تدوير هذه الزبالة السياسية
-
بمناسبة الانتخابات الأمريكية
-
في الفضائية العراقية
-
حكومة الكاظمي ومنطق مستشارها السياسي
-
في الذكرى الاولى للثورة
-
صدام حسين ، حيدر العبادي
-
قصيدتنا
-
وجها العرب في عالم اليوم
-
انه عاشوراء
-
تبيح السلطة الفلسطينية لنفسها ما لا تسمح به لغيرها
-
الاتفاق الصعب
-
عن بعض قناعاتي الشخصية
-
انبعاث فيروس الطائفية مجدداً
-
بيروت
-
طاحض هيچ وحدة وطنية
-
ألعاب الطفولة في العراق
-
قيمة الأوطان من قيمة بنيها
-
كل شيء جميل هذا اليوم
-
ليبيا - تركيا
المزيد.....
-
زفاف -ملكي- لحفيدة شاه إيران الراحل و-شيرين بيوتي- و-أوسي- ي
...
-
رواج فيديو لـ-حطام طائرات إسرائيلية- على هامش النزاع مع إيرا
...
-
-نستهدف برنامجًا نوويًا يهدد العالم-.. هرتسوغ يبرر الضربة ال
...
-
إجلاء واسع للإسرائيليين و-الحيوانات- من بيتح تكفا بعد الهجوم
...
-
رئيس النمسا يعترف بعجز بلاده عن تقديم مساعدات عسكرية لأوكران
...
-
الخارجية الأمريكية والروسية توجهان نصائح لمواطنيهما المتواجد
...
-
-سرايا القدس-: أوقعنا قوة إسرائيلية في كمين محكم شمال خان يو
...
-
إسرائيل - إيران: في أي اتجاه تسير الحرب وإلى متى؟
-
نتانياهو: قتل خامنئي -سيضع حدا للنزاع- وإسرائيل -تغير وجه ال
...
-
كيف تتخلصين من -كابوس- البثور العميقة في الوجه؟
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|