أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان يوسف - نهارات البتاويين وليالي الكاظمية - قصة قصيرة-















المزيد.....

نهارات البتاويين وليالي الكاظمية - قصة قصيرة-


عدنان يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6745 - 2020 / 11 / 27 - 19:51
المحور: الادب والفن
    


للمرة الثالثة يفشل حسن محمد صالح في اجتياز بكالوريا الثالث المتوسط وهذه
المرة بسبب درس اللغة الانكليزية اضافة الى العلة المزمنة ، الفيزياء .
لحسن الحظ سيجد عملا بعد دورة لستة اشهر بشهادة بكالوريا الابتدائية يتخرج بعدها بصفة جندي اول مضمد في القوات المسلحة .
القبول في الدورة يبدأ باستخراجه لاوراق تثبت عراقيته وعدم محكوميته بجريمة غير سياسية . وذلك يتطلب سفره الى بغداد . وجاءت الحيرة .كيف له ان يذهب وحده الى العاصمة الكبيرة المكتظة بالناس والسيارات وهو الذي لم يغادر مدينته ، الكوفة الا الى النجف القريبة ، وبصحبة اهله ، طوال حياته . سيتيه في شوارع بغداد العريضة جدا ، كل شارع فيها يعادل نصف مساحة مدينته ، سيتيه في الاماكن الشاسعة التي وصفت له والتي تضم الدوائر المطلوب مراجعتها ، شهادة الجنسية مثلا في منطقة اسمها بتاوين ، اسم لا يعرف معناه ويسمعه لاول مرة . للحصول على ورقة واحدة ( شهادة الجنسية ) عليه الذهاب الى ذلك المكان كل يوم وتحديدا في الثامنة صباحا لخمسة ايام متتالية . قال له ذلك رزاق معلم الابتدائية ، جارهم وحين اخبره انه سيقيم في الكاظمية ، قال له مرشدا : ستنتقل كل يوم صباحا بين غرب بغداد وشرقها تستقل سيارات الباب الشرقي وعند وصولك الى آخر محطة ستكون في الجهة الشمالية من حديقة الامة ، تجتاز الحديقة باتجاه الجنوب ثم تضع الحديقة خلفك وتسير في الفرع المقابل لوقفتك متوغلا الى الجنوب بخط مستقيم حتى وصولك الى الدائرة المعنية
تفاجأ ان الامور تسير على ما يرام وصل الى الكاظمية بيسر وحجز سريرا في غرفة بفندق الزائرين مقابل الروضة التي تضم مرقدي الامامين موسى بن جعفر وحفيده محمد الجواد سيكون بمقدوره زيارتهما في الايام الخمسة التي سيمضيها في العاصمة ، بعد استراحة قصيرة في الفندق خرج يستطلع الاماكن التي سيحتاجها ؛ مطعم ومقهى وكراج السيارات التي توصله الى الباب الشرقي . مشى قليلا وبعد كل خطوتين او ثلاث يلتفت ليتأكد من قدرته على العودة الى الفندق وكلما ابتعد عنه يجعل من مكان معلم بلوحة تحمل اسمه محطة او نقطة دلالة على طريق العودة يسجل ذلك بخطه المتعرج وحروفه الكبيرة في دفتر جيب يحمله دائما معه ، مطعم الاحمدي (سيسمع فيه باسماء اكلات غريبة لا يعرف مكوناتها ويخشى التقرب منها بسبب جهله بها ولاسعارها التي لا بد ان تكون مرتفعة كما يبدو من اسمائها ؛ قزاطمة دجاج وكلباسطي .ووجد مقهى قربه بلا اسم ، سيعرفه من لون المصاطب المبعثرة على الرصيف المجاور له .
في رحلة اليوم الاول وصل الى الباب الشرقي بيسر ايضا وفعل كما اوصاه جاره المعلم وحسب الخارطة التي رسمها له ، نزل الى حديقة الامة
الحديقة التي سمع عن غرائبها من جاره وجدها كما وصفت له تماما ، تمثال الام الابيض ، النهر الاصطناعي الرفيع المنحني والذي يشبه ساقية رآه وسطها ، راكدا، فوقه جسر ملون بأعمدة تحمل بالونات ملونة ايضا ، يتلوى بشكل فني يناسب انحناءات النهر ، وارضها مرمر يخرج من بين قطعه المتراصفة حشيش اخضر واحمر وذهبي .
الليلة الاولى في الفندق حيث الانارة الصارخة في الحضرة الكاظمية المقابلة له تماما ، جلس وحيدا يتأمل المنظر وراح في تداعيات لا نهاية لها . في البتاوين نهارا لفت انتباهه تنوع ملابس النساء ، بين قصر مبالغ به وطول مبالغ به ايضا وكثرة الوانها مع وجود البنفسجي كلون مشترك في كل الازياء .
في الكاظمية ليلا عكس ذلك النساء كتل سوداء صلبة تبدو كأعمدة لكن تتحرك وواصل رحلته التأملية متنقلا بين المدرسة والدين والتاريخ ؛ لماذا عليه ان ينجح في الفيزياء بل لماذا تدخل في جدول امتحانه اصلا مادام سيذهب الى الفرع الادبي في المرحلة الاعدادية ، لماذا لا يكتفون باللغة العربية والدين والاجتماعيات وهو بارع بهذه الدروس خاصة التاريخ الذي لم يكتف بدراسة منهجه المقرر فحفظ من مصادر خارجية تاريخ الدولتين الاموية والعباسية .
صباحا في دائرة الجنسية ووجوده في الدائرة يستغرق نصف ساعة فقط ، يقف مجتمعا مع "زملائه" القادمين من مختلف مدن العراق وسط الساحة للغرض ذاته الذي جاء هو من اجله ويقرأ شرطي (من على سيارة بيك اب) يحمل فايلات كثيرة اسماءهم ليذهب بعد ذلك من يستلم ملفه فيسلمه الى الشباك التالي لشباك الامس وبعد وصوله الشباك الخامس يقولون له "تعال في الساعة الواحدة ظهرا لاستلام الشهادة" . ويبقى اليوم كله بلا شغل او عمل حتى يحين وقت التنقل بين الشبابيك في اليوم التالي .

في نهارات البتاويين كان يتسلل بحذر لاستطلاع مناطق لا تبعد كثيرا عن مكان المراجعة اليومية لدائرة الجنسية
وفي يوم ممطر توغل في شوارع وطرق ومسالك لا يعرف كيف يعود منها لحديقة الامة حيث السيارات التي تذهب الى الكاظمية.
امام بناية ضخمة عرف لاحقا انها دائرة امنية وعلى الرصيف المجاور لسياجها الحديدي المرتفع جلست امرأة بوجه ملطخ بشكل مبعثر بروج رخيص ، ملقية عباءة سوداء كالحة بحضنها كاشفة عن ملابس بألوان فاقعة وعن صدر بدا منفوخا ، اشارت اليه بحركات ذات مغزى واضح دعاه الى تحسس جيبه الذي يحتوي على امواله ، اجرى عملية مراجعة حسابية سريعة بين ما جاء به من مدينته وما صرفه خلال الايام التي مرت مع ما مطلوب منه لليومين القادمين فوجد ان المبلغ المتبقي لا يساوي شيئا ، ما الذي سيفعله امام هذه الدعوة الجميلة التي جاءته على طبق من فضة وراح يفكر بحل . ادعى اولا بأن هذا الذي تدعوه اليه حرام وتلا الاية من سورة النور ، لكن لو كان معه ما يكفي من مال لذهب في رحلة سعيدة وبعد ذلك يستغفر الله ويتوب اليه . والله كما يقول هو عن نفسه في سورة النساء إنه لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، طأطأ راسه وحث الخطى مسرعا او هاربا من مأزق لذيذ لكنه مكلف ، قاتل الله الفقر فهو يحجب عنه متعا كثيرة احداها هذه التي يهرب منها الان
رأى في تلك المتاهة نصب الجندي المجهول المدهش الذي يعرفه من خلال بطاقات العيدين الصغير والكبير والتي كان يشتريها و يرسلها الى نفسه على عنوان مدرسته ، يتباهى امام التلاميذ بوصول رسائل ومعايدات له ، يراه هذه المرة شاخصا امامه وليس صورة على كارت ، شغل وقتها في معرفة كيفية وقوفه على ساقين محفورتين بمكانين قريبين على قاعدتي ارتكازه . وبشكل مفاجئ قرر العودة الى الامرأة سيصرف ما في الجيب ، كما يقول المثل ، ويأتيه ما في الغيب . انها تجربة لطالما سهر الليالي ، لعدم قدرته المادية على الزواج ، يحلم بها . عاد بخطى مترددة في الطريق ذاته وحين لاحت له البناية الضخمة عاد ليتحسس موجودات جيبه مجددا . حين صار على مقربة من الهدف كانت سيارة فارهة صفراء بإطارات عريضة تبدو كعروس كما يقال في مدينته عن سيارة شهيرة تشبهها تعود لتاجر كبير او الاصح لإبن تاجر كبير شهير ، تسير الهوينى ، قادمة من الاتجاه المعاكس لمسيره القلق ، توقفت لصق المرأة التي علا صوتها بتضاحك لا علاقة له بالضحك ، فتح الباب الخلفي للسيارة دون ان يرى احدا يفتحه ، انسابت السيدة برشاقة وانسيابية الافاعي ، تحركت السيارة بغنيمتها ، تابعها حسن بنظرات منكسرة الى ان اختفت .

مساء في ليلته الاخيرة بفندق الزائرين توجه الى الحضرة المقدسة لأداء الزيارة ، بعدها صلى قضاء صلوات الايام الخمسة التي امضاها متسكعا في نهارات البتاوين



#عدنان_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكلجية .. ستة -قرون- بين مجازر المغول وبغاء الانكليز
- اليوبيل الذهبي لحلم
- القرن الجلائري في العراق توسط قرني الاليخانات والخرفان السود
- دعاء الصباح والمساء
- الحشاشون ، هل حقا كانوا حشاشين
- ملكة جمال البرتقال (قصة قصيرة)
- سنين اخرى سوف تمر
- القصة القصيرة الايروتيكية ، عشتار العراقية مثالا
- الشاعر قاسم شاتي .. هل ستتبعه الفوضى
- الرسالة الاخيرة الى الغائبة (قصة قصيرة)
- نساء القمن -كليب- احجارا
- محنة شعب سوسيولوجيا الدين والسياسة
- شيوعيون في الذاكرة
- شوارد فاطمة الفلاحي ، الجأتني لتاج العروس
- ثامر الحاج امين .. صفة طيبة جديدة
- الحب .. قراءة في اوراق مدرستين ، فلسفتين و نظريتين
- مع مقاربات الروازق لطروحات علي الوردي
- لقاء مع مظفر النواب .. في بستان الرازقي
- الذكرى السابعة والاربعون
- بعض ما جرى على الشيوعيين العراقيين في الشهر -الناقص-


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان يوسف - نهارات البتاويين وليالي الكاظمية - قصة قصيرة-