الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 6739 - 2020 / 11 / 21 - 20:00
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
عندما حط الإستدمار الفرنسي رحاله في وطننا ، لم تكن ساكنته تدرك بعد معاني ( الشعب) و(الوطنية ) ، فقد كان السكان يعيشون عزلة جهوية ، و نظام إقطاعي ، وعروشية ، أوكنفدراليات تجمع عدة قبائل ، وهذا ما يفسر انقسام الشعب في المقاومة ضد الإحتلال ، فكل عرش أو جهة تقاوم بنفسها ، فعامل و(حدة الوطن) لم يتوضح بعد في أذهان المقاومين ، فقد نجح الإستعمار السابق واللاحق محاربة أي اتحاد يظهر في الأفق ، وهو ما مارسته السياسة العثمانية التركية في الجزائربنجاح قبل وصول الفرنسيين .
°° في الربع الثاني من القرن العشرين ، وبسبب التجنيد الإجباري وعامل الهجرة نحو فرنسا حدث تلاقح فكري بين المهاجرين المغاربة ومستقبليهم الفرنسيين ، فتعرف المهاجرون على مفاهيم جديدة لم يكونوا يدركونها كالقيم العالمية وحقوق الإنسان ومصطلح الشعب والوطن ببعده الشمولي الواسع وتعرفوا على قوانين الجمهورية الفرنسية والعلمانية ووظفوها واستغلوها في تأسيس جمعيات ونقابات و أماكن العبادة كمكافأة لهم في المجهود الحربي مع فرنسا، وبه تم تسهيل إنشاء أول مجمع ديني للمغاربة في أرقى أحياء العاصمة هو ( مسجد باريس) عام 1925 ,
لا شك وأن أكبر الأمثلة عن ذلك ما قام به الأمير خالد حفيد الأمير خريج ثانوية لويس الكبير 1885 و طموحه لولوج كلية سنسير saint cyr من نشاط سياسي بعد الحرب الكونية الأولى بدعوته للمساواة .
°°° ويبدو أن باريس هي المحطة الأهم في ميلاد ( الوطنية الجزائرية ) متأثرين بقيم المستعمر وفلسفته وتجاربه في السياسة والحكم ، ولعل ميلاد نجم شمال افريقيا في 1926 ببعده الوطني و خطه الواضح الصريح في الدعوة للإستقلال ، هو منتوج فرنسي وبلغته وثقافته وفوق أرض فرنسا نفسها .
°° استطاعت الحركة الوطنية أن تنقل الفعل من السياسة إلى السلاح ، أو الإدماج بينهما بفعل تراكمات نضالية مريرة ، أهمها محطة الثامن ماي 1945 التي علمتنا أن [الإستعمار لا يفهم إلا لغة القوة] ، وأن[ ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بمثلها] ، لهذا تأسست تنظيم سري لإعداد العدة للحرب المسلحة يسمى المنظمة السرية LOS الجناح الذي استطاع تفجير الثورة في غرة نوفمبر 1954 .
°° أزمة كبيرة عرفتها الحركة الوطنية بانشقاق حزب الشعب إلى [مصاليين ] و [ مركزيين ] ، مع ظهور شباب وُلدوا و تربُّوا في أحضان الحركة الإستقلالية وهم الذين خططوا للثورة وفجروها مؤسسين تنظيما يسمي [ جبهة التحرير الوطني ,] وهم بذلك سحبوا البساط من تحت أقدام زعيمهم مصالي الحاج الذي له قاعدة نضالية واسعة داخل وخارج الوطن ، فكان التحدي الأكبر للجبهة هو كيفية إزاحة الوعاء الشعبي للمصالية وتحويله للجبهة .
فدرالية فرنسا على جبهتين
ضد فرنسا و ضد المصاليين والخونة .
°° ما يهمني هنا هو كيف انتقل وهج الثورة لفرنسا ؟والصراع المرير الذي غذته السياسة الإستعمارية بين الإخوة الأعداء المصاليين والجبهة ؟ ، وكيف استطاعت الجبهة بعد سنوات من ترجيح الكفة لصالحها وفق تنظيم محكم قاده [عمر بوداود ] بفريقه فيما يعرف بفدرالية فرنسا .
°°بدأت التوعية بين المهاجرين بطيئة نوعا ما في بداية الثورة فقد كان من الصعب اجتثاث فكر المصالية بين المناضلين الذين لم يفهموا من هُم مفجروا الثورة ؟ ، فهم لم يُدركوا الإختلاف الجوهري بين المفجرين للثورة والزعيم مصالي الحاج ، لهذا كان تحولهم للثورة بطيئا ومكلفا ، خاصة بعد الإعلان عن ميلاد M.N.A كمنافس عتيد لجبهة التحرير بعد شهرين من اندلاع الثورة ، وهي قد نظمت آخر استعراض احتجاجي لها ضد انتخابات المجلس الوطني الفرنسي في 9 مارس 1956.
كوادر جديدة لفدرالية فرنسا أعلنت عليها قيادة الثورة CCE بتأثير ايجابي من عبان رمضان ، أثمرت بتعيين خمسة من الكوادر المؤهلة لتسيير الفدرالية وهم : [عمر بوداوود ، قدور لعدياني، سعيد بوعزيز ، عبد الكريم سويسي ، وعلي هارون ]، الذين كلفوا بفتح جبهة كفاح ثوري داخل فرنسا سريعا ، فقد اجتمع الفريق حسب شهادة أحد الفاعلين علي هارون بضواحي فرانكفورت الألمانية وانتهت أشغاله بتاريخ 25/07/1958 فقد تقررنقل الثورة بعنف إلى البلد المستعمر ، بتأسيس ولاية سابعة للثورة في داخل فرنسا ذاتها لتحقيق أهداف استراتيجية كتدويل القضية الجزائرية ، وإشعار الشعب الفرنسي بما يقاسيه الشعب الجزائري من الحرب الإستعمارية ، قسمت البلاد الفرنسية إلى [ ست ولايات ] ينشط فيها المناضلون وفق رزنامة محددة لجمع الإشتراكات لدعم المجهود الحربي ، وهو ما وفر عائدات مهمة للثورة أغنتها عن انتظار مساعدة الدول الشقيقة والصديقة بالرغم من العراقيل التي خلقها المصاليون في رفض المساهمة في تقديم الإشتراكات ، وهو ما يتسبب كثيرا في صدامات جسدية مدمية في غالب الأحيان .
°°° فقد استنسخت فيدرالية فرنسا بقيادة ( عمر بوداود ) التنظيم السري لوص o .s في تنفيذ العمليات طيلة الخمس سنوات التي سبقت الإستقلال ، فتم تنظيم خلايا صغيرة سبق لها وأن تدربت سريا بين حدود المغرب والجزائر ، ولم تكن الجبهة ذات نية بإلحاق الضرر بالشعب الفرنسي ، وإنما لإشعار الفرنسيين بما يعانيه الجزائريون جراء هذه الحرب ، فقد كان من نية الفدرالية التخطيط لحرق بعض غابات فرنسا لإشعار الفرنسيين بما يعانيه الجزائريون من حرق غاباتهم بقنابل النابالم ، فقد اثمر تفجير الوضع الأمني بفرنسا ب 56 عملية تخريب ، و242هجوم بالسلاح ، منها حرق مخازن الوقود بمرسيليا ، تخريب خط السكك الحديدية بين باريس ، ولوهافر ، انفجار قنبلة داخل سيارة الجنود ، ومحاولة تفجير هوائيات برج ايفل الشهير ، وحاولة إغتيال (جاك سوستيل) وزير الإعلام قرب محطة ETOILE ، وقتل الخائن [على شكال] بسلاح محمد بن صدوق في ملعب كلومب بحضور الرئيس الفرنسي روني كوتي 26 ماي 1957 ، ، هذا التصعيد الأمني أجبر فرنسا على الإحتفاظ بقسم من جيشها (80 ألف جندي ) بدل إرساله للجزائر ، وهو ما خفف وطأ التأثير السلبي على المقاومة في الداخل ، كما أن هذه العلميات - التي تحاشت الإضرار بالمدنيين العزل- لها وزنها القيمي على الصعيد الدبلوماسي والإعلامي وتدويل القضية بإشعار السلطة الفرنسية بأن الثورة باستطاعتها إحداث أضرار جسيمة بالوضع العا م الفرنسي .
°°° هذه العمليات خلقت [ بسيكوز سلبي ] و وضع أمني مضطرب عمق هوة الإختلاف بين المهاجرين الجزائريين والفرنسيين ، وأحدث إجماعا فرنسيا على مقاومة الظاهرة بتكثيف وسائل الرقابة والتوقيف والتضييق ضد المهاجرين الجزائريين .
°°°فرنسيون لكنهم مناضلون في الجبهة ؟! :
°°° هناك من الفرنسيين من تعاطف مع الثورة و المهاجرين من تيارات مؤنسنة ، إما أنها ذات إنتماء حزبي شيوعي ، أو رجال دين مسيحيين ، أو أشخاص مثقفين وفنانين ، فتلك القلة المميزة أعلنت ولاءها للثورة وانخرطت في خدمتها , هذه الفئة من المجتمع الفرنسي هي التي تعرف في أدبيات الثورة عند الفرنسيين ب [ حاملو الحقائب LES PORTEURS DE VALISES، وفق تنظيم سري تجسد في شبكة جونسون réseau Jeanson التي تكفلت بمهام استيراد الأسلحة من الدول الشرقية وألمانيا الفدرالية وتمريرها عبر الحدود ، ونقل الأموال ، وتسهيل عمليات نقل المناضلين وإيوائهم في مناطق خفية و تزوير وثائق الإقامة وجوازات السفر ، ففدرالية جبهة التحرير بفرنسا لها أذرع نافذة داخل الشرطة والبنوك و أجهزة الدولة ، مع وجود محامين أكفاء للدفاع قانونيا على المناضلين القبوض عليهم أمثال ( جاك فيرجيس ، رولان دومأ ، جيزيل حليمي ) وقد استفادت الجبهة من تجارب المصري من أصل يهودي (هنر كوريل Henri Curiel)) في تحويل الأموال دون مخاطر نقلها في حقائب خارج فرنسا ، وقد سعت الفدرالية إلى إغراق السوق الفرنسية بالعملة المزورة .
°° الرد الفرنسي كان قويا بواسطة مصالحها للمخابرات DSTو الشرطة وتشريع قوانين ضبطية لكبح أعمال الجبهة بفيدراليتها ، فقد تمت مداهمات وتوقيفات في المناظق المؤهولة بالمغتربين ، وتم تفكيك الكثير من التنظيمات و سجن أعضائها ، فقد وصل بهم الأمر إلى تكوين منظمة سرية OAS تنتهج أساليب غير قانونية لمحارية ومقاومة o .S التابعة لجبهة التحرير ، وهو ما انتج اكتضاض السجون الفرنسية بمناضلي الجبهة .
°°°النضال لم يتوقف ولو داخل السجون !
.
لم يتوقف النضال حتى داخل السجون ، فقد استمرت المقاومة بتكوين تنظيم متواز لنظام السجون ، عبر الإحتجاجات و الإعتصامات ورفع وتيرة حقوق المسجونين، و الإمتناع عن الأكل ، وأهم المطالب التي تحققت نسبيا حق التعليم والزيارة ، وهو ما أثرى الرصيد المعرفي والسياسي للمساجين . كما وقعت محاولة هروب عبر الأسوار والأسلاك ، وحفر نفق يمتد من الزنزانة إلى خارج السجن لهروب المساجين في سجن فرين ، وهو ما أدى إلى قرار تحريك المساجين ونقلهم دوريا إلى سجون أخرى ، وهو ما فعلوه تطبيقيا مع الزعماء التاريخين الخمسة نقلهم من مكان لآخر ، فكل ما يجري في السجون يخضع لإرادة الجبهة ، فالمساجين يخضعون حرفيا لإملاءاتها في كل ما يتعلق بالإكل و العبادة و حتى أداء النشيد الوطني مدويا في ساحات السجن وقاعاته أو تسريب الأسلحة البيضاء أو النارية مفككة إليهم ، وهو ما جعل حافظ الأختام (ادمون ميشلي) يصرح بأن [ قوانين الجبهة مطبقة في سجوننا ؟ !] .
رد الفعل الفرنسي كان سريا و عنيفا ودمويا عبر تخطيط واستراتيجية لا غتيالات مناضلي الجبهة والمتعاونين معها عبر وسائل تؤديها منظمة اليد الحمراء MAIN ROUGEمثل اغتيال المحامي [ولد عودية ] بأمر مباشر من الوزير الأول الفرنسي . وتكوين فرق من الحركى لضرب الثورة في المناطق الساخنة في الدائرتين 13 و 18 حيث كثافة المهاجرين ، فقد كانت أقبية شارع (لا قوت دور LA GOUTE D °OR
مراكز لاستنطاق المناضلين بالقوة الجهنمية ، مصحوبة بفرض حجر التجوال لخنق الثورة ، وردت الجبهة برد عنيف على هؤلاء الحركى ، ودعت إلى مظاهرات سلمية يشارك فيها كل الجزائريين المهاجرين .
°°°مظاهرات باريس 17 أكتوبر 61 .
°بدأ من 1960 تحولت شوارع باريس إلى صدامات بين كومندوس جبهة التحرير و قوات الأمن الفرنسية ، تُوجت بصدام مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس التي قادها (موريس بابون) بدموية ، فقد سجلت وسائل الإعلام تجاوزات مدمية ضد المهاجرين العزل ، فقد سجلت الإحصائيات الرسمية 11538موقوف بعضُهم طُرد نحو الجزائر ، 200 شهيد في باريس وحدها كثيرهم رمي في نهر السين رحمهم الله ، في وقت كانت المفاوضات جارية بين الحكومة المؤقتة و الحكومة الفرنسية والتي تُوجت بوقف القتال 19 مارس 1962 .
كلمة الختم :
مفصول القول أن فيدرالية فرنسا منذ نشأتها لعبت دورا ايجابيا وحاسما في مسار الثورة ، فهي التي كانت تمول المجهود الثوري عبر اشتراكات المهاجرين في شراء السلاح والمؤن التي كانت توجه لثوار الداخل عبر الحدود ، فكانت قاعدة خلفية للمقاومة وسرعان ما حولتها الظروف خاصة بعد وصول ديغول للسلطة وتطبيق خطط ( موريس /شال) إلى تحول الفيدرالية إلى قوة ضاربة في تنظيمها وضربها لفرنسا في عمقها الإستراتيجي ، فأصبحت فرنسا نفسها ساحة للمواجهات بين كوماندوس الثورة وقوات الأمن ، هذه الحالة هي التي أقنعت فرنسا بضرورة التخلي عن الجزائر لأبنائها عبر مفاوضات ايفيان وتقرير المصير المتوج بالإستقلال في 5 جويلية 1962 .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟