أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الطيب آيت حمودة - ميثولوجية [ أنزار] الأمازيغية .















المزيد.....

ميثولوجية [ أنزار] الأمازيغية .


الطيب آيت حمودة

الحوار المتمدن-العدد: 6737 - 2020 / 11 / 19 - 13:06
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قصة [أنزار] التي هي من أساطير الأولين .

°°°الأمم ذات الأثالة والأصالة هي التي تملك رصيدا من الإشارات الدالة على قدمها في هذه الأرض ، والأمة الأمازيغية لها من الأساطير الميثولوجية ما يشير إلى ذلك كأسطورة الإله أمون وقصة الأطلنطيد ، و [تاكمارت نيسمضال] ، أي بغلة القبور ، و[Gورزيل إله الحرب ، وأسطورة أطلس ، و المازونيات ، و أسطورة أغريبة التي أداها الفنان ايدير باقتدار ، وقصة حمو أونامير ، و أسطورة [ أنزار ] وغيرها كثير .....

°°°ومع تأخر سقوط المطر هذه السنة وجفاف الأودية وتناقص مياه السدود إلى الحد المخبف ، تذكرت طفولتي التي عايشتُ فيها طقوس الإستسقاء ، التي نسميها عندنا ( ثسليث) ويسميها آخرون في مناطق أخرى [بوغنجا] أو[ تلغنجا] أو [ أنزار ] وهو ميث قديم متوارث ينشط أيام الجفاف والقحط تضرعا لقوى عليا ايمانا بقدرتها على استمطار يعود بالنفع على البلاد والعباد والحيوان، وقد عايشت نفس الظاهرة في بدايات الإستقلال في أحياء برج بوعريريج الشعبية المستعربة وهو ما يعني أن استحضار ميتولوجيا [ أنزار ] مرتبط بكل الفضاء الشمال إفريقي الأمازيغي من جبال انفوسن بليبيا إلى شواطيء الأطلسي مرورا بتونس والجزائر .

°°° أ كثر الذين اهتموا بطقوس الأمازيغ فيما قبل إسلامهم هم الفرنسيون ....، فغايتهم في ذلك فهم ُ البنيات الفكرية والعقدية وطقوسهم الحياتية ومعتقداتهم لتسهيل عملية كبح جماحهم ، فقد أفرد المستمزغ الفرنسي إميل لاووست Emile laoust في كتابه كلمات وأشياء بربرية Mots et choses berberes الشيء الكثير عن طقوس الممارسة لشعائر الإستمطار [ أنزار ] ، فقد طاف المتمزغ (لاووست lAOUST ببقاع شمال افريقيا وسجل لنا ملاحظاته حول الظاهرة التي تبدأ بشعور العامة بمظهر الجفاف المتواصل الذي يدفع الفلاحين وعائلاتهم الإستنجاد بالقوى الخفية التي يعتقدونها ، ولا شك وأن هذه القوة هي [ الله] الواحد القهار ، فقد أسلم [ أنزار] بدخول الأمازيغ الإسلام ، فإله المطر يأتي مقرونا باسم [ ربي ] في الأهازيج والأدعية التي يؤديها الأطفال والعجائز خلال تنقلهم بين الأحياء والدور لجمع الزيت ، والدقيق ، والسكر ، والقهوة، .... وكل ما يفيد في إعداد وجبة سخية توزع على العامة في المناطق المتشوفة العالية ، أو المقبرة، أو عند ضريح ولي صالح معترف ببركته ، وذاك ما يُرسخ فكرة مساهمة التصوف المغاربي الذي ترسخ بفعل تعاليم الحلاج ومحي الدين بن عربي في استمرار تلك الطقوس المهذبة عقديا ، خاصة في المناطق المرتبطة بالحاجة إلى الماء ( الفلاحة ) .
ففي (ايث باعمران) بجنوب المغرب تُعد دمية يسمونها ( تلغنجا ) مكسوة بما يشبه لباس العروس ، تحملها فتاة متبوعة بأخريات وهن ينشُدن بابتهاج باللسان الأمازيغي ( أتلغنجا نومن س ربي والّي ازكان أد غي اغيث ) ومعناها بالعربي [ يا تلغنجا نؤمن بالله القادر على إغاثتنا ] فتُرشُّ الدمية والموكب بالماء الطهور من أعلى الدور تيمنا ببركة الإله ، وهي الظاهرة التي تتكرر في كثير من المناطق منها منطقة زواوة ، التي تُصنع فيها دمية بإلباس أغنجا بلباس العروس وتزينه بالكحل ترفعه إمرأة مُسنة ويسير وراءها جمع من الأطفال ذكورا وإناثا وهم يرددون ابتهالات وأدعية استعطافا لله في إرواء زراعتهم فقد تسمع جهارا [ أنزار أنزار أربي ا سويت أرازار، أنزار أنزار أريي أرزد أغورار] ومعناه[ يا إلهي أسقيها حتى العروق ، يا إلهي أقضي على الجفاف ] ، ويُسمي القبائلُ تلك الدمية ( تسليث) أو ( أنزار ) أو ( تلغنجا ) تتعدد التسميات والشيء واحد ، وفي منطقة الريف وأحوازها يُلبسون المسحاة على شكل عروس وتُحمل إلى حيث نبع الماء لتُسقى والجميع يردد ابتهالا [ أربي أرحماغ اس وامان وانزار] بمعنى [ ياربي ارحمنا بغيثك ] أما في البلاد التونسية وبلاد ميزاب الإباضيين فقد يستبدلون المغرفة (تلغنجا) بعمود من القصب أو ما يفيد في عرض الدمية التي تبقى محتفظة بتسميتها المطابقة للمناطق الأخرى .

°°°ميثولوجيا [ أنزار ] .
كثيرٌ من الباحثين لم يستقر رأيه على اعتبار الظاهرة ميث حقيقي لأنهم لم يعثروا على تفسير مؤسس لها ، غير أن أبحاث ( جونوفوا GENEVOIS ) في ايث زكي ببلاد القبائل كشفت عن رواية ميثولوجية قديمة مهمة ، عبارة عن وجود شخص إسمه [ أنزار] وهو ملك المطر ، أراد الزواج من فتاة بارعة الجمال كاملة الأوصاف اعتادت الإستحمام في نهر فضي براق ، فكلما حاول أنزار التقرب منها عند هبوطه إلا وهربت منه عائدة إلى السماء وبعد تجارب فاشلة معها خاطبها بقوله : [ها أنا أشق عنان السماء من أجلك يا نجمة النجوم ، فامنحيني من الكنز الذي وهبته ، وإلا حرمتك من الماء ؟
فردت عليه الفتاة : أتوسل إليك يا ملك المياه ، يا مرصع جبهته بالمرجان ، إني نذرت نفسي لك بيد أني أخشى الأقاويل .] بسماعه جملة الرفض الأخيرة ابتعد عنها رويدا فأدار خاتمه فنضب ماء النهر على الفور وجفت قطراته ، ففزعت الفتاة وانهمرت عيناها دمعًا ، فالماءُ هو روحها وحياتها، فخلعت ثوبها الحريري وبقيت عارية مخاطبة ملك المطر بقولها :

(أنزار ، يا أنزار ، يا زهر السهول ، أعد للنهر جريانه وتعالى خذ بثأرك ) وفي تلك الأثناء لمحت [ أنزار] وقد تحول إلى شرارة برق ضخمة فضم إليه الفتاة ، فعاد النهر إلى جريانه ، واكتست الأرض حلتها من صنوف النبات والأزهار فعادت الحياة لمجرها الطبيعي الأخاذ.
°°°يبد و أن أسطورة أنزار الوحيدة التي استمر استحضارها كلما حضر الجفاف ، وهي قد تكيفت وأسلمت بإدخال تعابير قيمية عقدية تحيل إلى وجود قوة خارقة أقوى من أنزار هي القوة الإلهية العليا التي نسميها نحن معشر المسلمين [ الرب] سبحانه وتعالى ، ويرى لاووست من خلال معايشته لتطبيقات الميث بأنها مصبوغة بطابع إسلامي وكأنه أسلم بإسلام الأمازيغ ، كما أن استحضار هذه الأساطير ليس من باب الإيمان بها وإنما من أجل العبرة و فهم بنيات التفكير وتفسير الظواهر الطبيعية التي تعتبر هاجس الإنسان الأول .

و أساطير إسلامية ....

فبين دفتي كتاب الله القرآن الكريم أكثر من 15 أسطورة سماها العلي القدير ب(أساطير الأولين ) كالأرض المحمولة على ظهر ثور ، والشمس التي تدور كل يوم يجرها الملائكة ، والجن الذين سكنوا الأرض قبل آدم ، وقصة إرم ذات العماد ، وهاروت وماروت اللذان لازالا في بابل يعلمان السحر ، والعنقاء ، وقصة الخضر ، وذو القرنين ، و قصة النبي سليمان الذي سرق الشيطان ملكه أربعين يوما ثم استرده وقصته مع بلقيس ملكة سبأ .... الخ [1] ، فقد أبدعت كتب التراث في تفسيراتها لهذه الأساطير وأعطتها أبعادا تصورية خيالية صعبٌ على أصحاب العقول قَبولها ، وإن ترسخت بقوة في ألباب العامة التي لم تدرك المغزى الرباني من ذكرها .
كثير من الأساطير العربية أبطلها الإسلام وعدها من الإسرائليات ، وبعضها رسّخها وأسلمها وأدخلها في معتقده كالطقوس المتعلقة بالحج والطواف بالكعبة ورجم الشيطان والسعي بين الصفا والمروة التي غدت من شعائر الله .
°°°فباحث التاريخ ليس همه تنقية الموروث لتصحيح المعتقد ، وإنما هو فهمُ كيفية تحول تلك الأساطير الخارقة إلى قصص مقدسة تلوكها الألسن وهي راسخة في ضمائر الملايين من غير الملمّين بفنون تمحيص الروايات وتنقيتها من الدس والتحريف .

..... مجمل القول :
°°°كل ما أمكن الوصول إليه في هذا العرض الموجز عن [أنزار] ، هو أن الأساطير ليست حكرا على أمة دون الأخرى ، فكل الأمم لها رصيدها من الميت الأسطوري قد يكون كثيرا أو قليلا ، رواسبها لا زالت مستبطنة تقبع في سلوكات أهلها ، من طقوس وعادات متوارثة أبا عن جد ،والميثولوجية الأمازيغية لم تشذ عن ذلك كله - وإن هي لم تدون كتابيا من أهلها إلا أن تداولها الشفاهي بقي مستمرا يقاوم الإندثار- ، و هي السبيل الأقوم لفهم نفسيات المغاربيين المأزومة على مر العصور والأعاصير .
----------------------------------------------
[1] لفهم الأسطورة في الإسلام يمكن الرجوع لكتاب : أساطير مقدسة ، أساطير الأولين في تراث المسلمين لصاحبه المصري وليد فكري .



#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنساب المرابطية و الشريفية (ج2)
- الأنساب الشريفية والمرابطية حقيقة أم زيف ؟ ( ج1)
- الخوفُ من الإنقسام !؟
- عبد الرحمن أوميرة .... نمرُ الصومام [3/3]
- عبد الرحمن أوميرة ... .... نمرُ الصُّومام [3/2]
- عبد الرحمن أوميرة .... نمرُ الصومام .[3/1]
- عميروش ....ومركز قيادته .
- الكولونيل امحمد بوقرة .
- الأمازيغية هي الأصل والفصل .
- مابعد طوفان الكورونا .
- الدرس المكيافيلي لنظام الجزائر .
- اللغة الأمازيغية. في خطر .
- رشيد بن عيسى ،غير الرشيد ؟
- أسرى عميروش .... أو قانون العينُ بالعين .
- سوكينغ soolking والحراك الشعبي الجزائري .
- يريدُونها دولة عسكرية ؟؟؟ !.
- الدولة السعودية الوهابية .
- الزواف zouaves أو الخديعة الكبرى . [ج4]
- الزواف zouaves أو الخديعة الكبرى [ ج3]
- الزواف zouaves أو الخديعة الكبرى [ ج2]


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الطيب آيت حمودة - ميثولوجية [ أنزار] الأمازيغية .