|
رينيه ديكارت ( 1596 م. _ 1650 م. )
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 6739 - 2020 / 11 / 21 - 19:40
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
فيلسوف فرنسي وعالم رياضيات وفيزيائي وعالم فسيولوجيا؛ كان فيلسوفاً عقلياً وليس تجريبياً، كما كان عبقرياً في الرياضيات، وأهم أعماله أنه وضع أسس الهندسة التحليلية، وهو –كما يقول المفكر الراحل صادق العظم- "أبو الفلسفة الحديثة، بمعنى أنه أول من شيد اونطولوجيا روحية – مادية تصالحية أثرت إشكاليتها الأساسية تأثيراً عميقاً ومستمراً على التيار الرئيسي المهيمن في الفكر الفلسفي الحديث والممتد من ديكارت إلى هيجل على اقل تقدير، فقد حقق ديكارت، للمرة الأولى منذ نهاية العصور الوسطى، توازناً فلسفياً صريحاً ومدعماً بين الروح والمادة بحيث أصبح بالإمكان تفسير جميع الظواهر الطبيعية بصورة آلية ورياضية ودون الرجوع إلى أية قوى خارقة أو علل غائية، ولا شك أن إنجازه هذا كان كسباً مرحلياً عظيماً للعلم والمادية والتقدم"([1]). في هذا الجانب أشير إلى أن ديكارت جاء في مرحلة انتقالية بين عصرين: الأول: فترة العصور الوسطى التي استبد فيها الفكر الديني ، ثم العصر الثاني: وهو عصر الحداثة أو العقل أو عصر النهضة وما سبقه من أفكار، خاصةً ظهور النزعة الانسانية والفردية، في إطار حركة الاصلاح البروتستانتي التي قادها لوثر، وكالفن، وكل ذلك ترك أثراً واضحاً على فلسفة ديكارت ونزعته الشكيه المعرفية العقلانية، ومن ثم سؤاله عن الحقيقة، وحرصه على البحث عن منهج عقلاني واضح للوصول إلى الحقائق، وكان هذا المنهج موضوع كتابه "مقال في المنهج"، الذي ترك أثراً بالغ الأهمية في عالم الفكر في تلك المرحلة. أما في كتابه "تأملات في الفلسفة" فقد بدأ بالشك في كل شيء، بما في ذلك حواسه التي يمكن ان تخدع كمثال: انكسار الملعقة حينما تضعها في كأس الماء، ولذلك اعتبر ان الحواس مصدر غير موثوق في المعرفة، وهو أيضاً مصدر قابل للشك، ولما اكتشف أن وجوده الشخصي كذات مفكره قابلة للشك، فهذا يعني أنه يشك ويفكر وانه موجود، وهنا تيقن ديكارت من وجوده، وقال جملته المشهورة: أنا أشك إذن أنا أفكر، وطالما انني أفكر اذن أنا موجود، هكذا توصل إلى اليقين الأول، وهو الوعي بذاته أو اليقين الذاتي بوجوده. يقول جون لويس "كان ديكارت أول من طور المنهج العلمي الجديد من ماضيه الأفلاطوني المحدث، وأقام التصور الجديد للكون بوصفه محكوماً بواسطة القوانين الطبيعية، الميكانيكية، وقد تجرد تماماً من الرمزية الأرسطورية والدينية التي حملت الناس فيما مضى إلى البحث عن الكمال الإلهي والقصد الإلهي، دون الوصف المتزن والقانون الرياضي"([2]). كما كان أيضاً "مؤسس المذهب العقلاني([3])، هذا المذهب الذي يرتكز عنده على مبدأ الشك المنهجي أو الشك العقلي "الشك الذي يرمي إلى تحرير العقل من المسبقات وسائر السلطات المرجعية" ومن سلطة السلف، الشك الذي يؤدي إلى الحقيقة عن طريق البداهة العقلية كالحدس_ التحليل_ التركيب"([4]) . لقد أقام "ديكارت" وفق أسس الشك المنهجي والبداهة العقلية؛ يقينه الأول من مبدأه البسيط الذي عرفناه من خلاله "أنا أفكر.. أنا موجود"، هذا المبدأ الأول هو بداية كل فكر عقلاني وهو ما سنجده مضمراً وصريحاً في الفلسفة العقلانية من ديكارت إلى ماركس، إنه المبدأ الذي وضع الذات والموضوع في علاقة ضرورية عقلية ديالكتيكية، وأسس مبدأ وحدة الفكر والوجود.. لكن "ديكارت" رغم ذلك كله فصل بين العقل والطبيعة بإرجاعها إلى ماهيتين مختلفتين هما: الفكر والامتداد، ولجأ إلى الإرادة الإلهية للربط بينهما. الأفكار الأساسية في فلسفة "ديكارت" : ترتبط فلسفة "ديكارت" بنظريته في الرياضيات وعلم نشأة الكون([5]) "الكوسموجونيا" والفيزياء؛ وهو أحد مؤسسي الهندسة التحليلية([6])، وقد رغب في أن يبدأ من جديد، ويشيد الفلسفة على أساس جديد ومتين، إلا أن جذوره كانت، في الوقت ذاته، عميقة في التقليد المدرسي كما ظهر في برهانه على وجود الله من بين أمور أخرى. لاحظ ديكارت وجود نزاعات لا نهاية لها في الفلسفة، فرأى أن المنهج الوحيد هو منهج الرياضيات الاستنباطي، لذا، اتخذ ديكارت نظام الاستنباط مثاله العلمي الأعلى، وأصبح هذا النظام عامل القرار في فلسفته. وإذا كان لابد من أن تكون الفلسفة نظاماً استنباطياً، مثل هندسة إقليدس، يجب ان نجد مقدمات (بديهيات) ذات صدق ويقين كاملين، لان قيمة النتائج (النظريات)، في النظام الاستنباطي تكون ضعيفة إذا كانت المقدمات غير يقينية، ونصف صادقة. ينطلق في فلسفته من أثينية DUALISM الروح والجسد، ويسلم بوجود جوهرين مستقلين هما: مادي وغير مادي، يتمتع الجوهر غير المادي بصفة أساسية هي التفكير، بينما يتميز الجوهر المادي بالامتداد، إنه كما يقول ماركس : يفصل فصلاً تاماً بين فيزيائه وميتافيزيقاه، ففي إطار الفيزياء تُشَكِّل المادة الجوهر والأساس الوحيد للوجود والوعي"([7])، لكن الميتافيزيقا حَدَّت من منهج ديكارت، وكانت من بين أهم الملاحظات السلبية في فلسفته التي باتت في النهاية فلسفة مثالية رغم جوهرها الحداثي التقدمي الجريء. لقد بدأ "ديكارت" من "التشكيك بيقينية جميع المعارف التي كانت تعتبر حقيقة لا يرقى إليها الشك" إنه ينطلق من الشك المطلق الكلي والراديكالي لكنه لم يكن لا إدرياً AGNOSTIC ولا ريبياً، (إنه ينتقد المعرفة الموجودة بهدف البحث عن معرفة أكثر يقينية)، يدفعه في ذلك الإيمان بوجود مثل هذه المعرفة، فالشك عنده وسيلة لامتحان معارفنا ومنهجاً للوصول إلى اليقين، فمهما اتسعت دائرة الشكوك يبقى هناك في النشاط المعرفي شيء لا يرقى إليه الشك (الشك ذاته)، وفي كل الحالات يبقى وجود الشك ذاته، وبما أنني أشك فإنني أفكر وبما أنني أفكر إذن أنا موجود..([8]). ولكن إذا كان الشك هو الوسيلة العقلية الوحيدة التي استخدمها "ديكارت" في البرهان على التفكير، فما هي الكيفية التي بدأ بها شكوكه ؟ يجيب "ديكارت" أن من الممكن ألاَ يكون جسمي موجوداً فمن الجائز أن تكون هناك روح خبيثة أوجدتني على حالة أظن بها أن لي جسماً، بينما لا أملكه في الواقع، ولكني أعلم يقيناً بأنني أنا الذات المفكرة والشاكة لست وهماً بل موجوداً أنا أفكر إذن أنا موجود. تمثل عبارة أنا أفكر، إذاً أنا موجود عند من يقولها، رؤية لا يمكن أن يرفضها هو أو هي، فهذه رؤية فكرية داخلية لا يمكن رفضها: فالذي يشك لا يستطيع، بوصفه شاكاً، أن يشك (أو ينكر) أنه يشك، وبالتالي أنه موجود، هذا ليس استدلالاً منطقياً (من مقدمة إلى نتيجة)، بل رؤية لا يتمكن الشاك من رفضها. الغاية من الشك المنهجي ليست تحديد ما هو معقول أو غير معقول الشك فيه، وإنما ما هو ممكن الشك فيه منطقياً([9])، غير ان الشك المنهجي عند ديكارت له افتراضات محددة، الفرد هو الذات المفكرة الوحيدة التي تثير الأسئلة، وليس مثلاً مجموعة من البحاثة تقوم بذلك. ومنه نستنتج، ومن دون مفاجأة مذهلة، أن الجواب، أي اليقين الذي يقطع الشك، كان عند ديكارت يقين الفرد المفكر، والحاصل، أي النهاية الأكيدة للشك هي بطريقة ما متمثلة في طريقة إثارته السؤال. ناقش ديكارت أنواعاً مختلفة من المعرفة واختبرها بالشك المنهجي كما يلي"([10]): 1. أول ما ناقش كان التقليد الفلسفي: هل يمكن الشك، من حيث المبدأ، بما قاله الفلاسفة؟ وأجاب ديكارت بنعم، لأن الفلاسفة كانوا ولايزالون على خلافٍ حول نقاط عديدة. 2. ماذا عن حواسنا؟ هل يمكن الشك بها منطقياً؟ "نعم، قال ديكارت، وجرت حجته على النحو الآتي. هناك حقيقة وهي أننا نخضع أحياناً لأوهام وهلوسات. فقد يبدو برج، على سبيل المثال، بأنه مدور، لكن يتبين، فيما بعد، أنه مربع. فلدينا انطباعان حسيان متعارضان عن الشيء ذاته. هذا المثال يبين أن حواسنا يمكن أن تخطئ، وليس لدينا أي وسيلة أخرى للتحقق من انطباع حسي واحد إلا بواسطة انطباع حسي آخر. لذلك، يمكن من الوجهة المنطقية الشك بجميع الانطباعات الحسية، والحاصل هو أن حواسنا عاجزة عن أن تقدم لنا مقدمات يقينية بشكل مطلق لنظام فلسفي استنباطي. 3. وكحجة خاصة، ذكر ديكارت أنه لا يملك أي معيار لتحديد ما إذا كان يقظاً أو حالماً، وأنه لذلك ولهذا السبب أيضاً يمكنه أن يشك فيما يبدو بوضوح أنه انطباع حسي يقيني. كان ديكارت يبحث عن معيار يقين مطلق، وفي الحالتين استنتج أنه عاجز عن إيجاد مثل ذلك المعيار: المعيار الذي لدينا لتحديد ما إذا كان انطباع حسي صحيحاً هو نفسه انطباع حسي آخر، لكن إذا كان واحد من الانطباعات الحسية خاطئاً، فإن المعيار، أي الانطباعات الحسية الأخرى، يمكن أن تكون خاطئة أيضاً. والمعيار الذي لدينا لتحديد ما إذا كنا في حالة يقظة هو أننا نعتقد أننا في حالة يقظة، ولكن يمكن أن نحلم أيضاً معتقدين أننا في حالة يقظة. 4. وأخيراً، يناقش ديكارت المنطق. ومن جديد، يطبق الشك المنهجي على المعيار. قال: ليس لدينا وسيلة للتحقق من خط برهاني سوى خطوط برهانية أخرى، وإذا كان خط البرهان الأول هو خاطئاً بصورة مبدئية، فيمكن بصورة مبدئية، أيضاً، أن تكون خطوط البرهان الأخرى خاطئة. مشكلة المنهج عند ديكارت: نستنتج مما سبق أن معيار اليقين عند ديكارت لا يوجد في الممارسة، بل في الوعي الإنساني "الوعي بأنني أفكر.. إذن فأنا موجود" وبالرغم من أهمية هذا المعيار، إلاَ أنه يؤشر على النزعة المثالية عند "ديكارت" التي تتعمق بالمنطلقات الدينية التي وضعها أساساً لمذهبه الفلسفي، فالبرهان على وجود العالم يوجب أولاً البرهان على وجود اللــه، إذ "أن فكرة الله تتميز عنده بأنها وجود كامل لامتناه، فهو العلة الأولى وبما أننا موجودون ومعلولون للعلة الأولى التي هي الله كان الله موجوداً؛ ورغم تأكيده على عدم ارتباط الفكر بالمدركات الحسية إلاَ أنه قال بوجوب تسلح العقل بالحدس والاستنباط للوصول إلى المعرفة اليقينية، وحدد لذلك منهجاً يستند إلى أربع قواعد([11]) هي:- - التسليم بيقينية المبادئ التي تبدو للعقل بسيطة واضحة لا تثير يقينيتها أي شك "ادراك الحقائق البديهية_ قاعدة البداهة. - تقسيم كل مشكلة إلى أجزائها "قاعدة التحليل عبر خبرة الحواس" - الانتقال المنظم من المعروف والمبرهن عليه إلى المجهول الذي يتطلب البرهان "قاعدة التركيب أو المعرفة التي تُكتَسب عن طريق الحوار مع الآخرين" - عدم إغفال أي من مراحل البحث المنطقية والإحصاء والاهتمام بقراءة الكتب الجيدة. وبموجب تفسير ديكارت، فان حل مشكلة الإنسان لا يقف عند حدود تحريره من الخوف ومن أسر القوى الخفية التي كان يتوهم أن الطبيعة مسكونة بها، ومن تبعيته لاصحاب الكرامات الذين يدعون حمايته من خطر تلك القوى، وانما يتعدى ذلك ليشمل فتح الطريق لارتقاء ذلك الإنسان الروحي والبدني على السواء. ذلك أن الباب الذي فتحه ديكارت لكي يلج منه الإنسان على الطبيعة لاكتشاف قوانينها، والسيطرة عليها، والتحكم بمجرى حوادثها بغية تسخيرها لتحقيق سعادته، انما هو قبل كل شيء المدخل الاساسي الذي لا غنى عنه لكي يكون في مقدور الإنسان السير في طريق الابداع، وهو الشرط الوحيد للتحقق الإنساني. بيد أننا نقول ان حذر ديكارت الشديد في تفسيره لنظام الطبيعة كان سلاحاً ذا حدين، فبقدر ما أفاد في تحرير الإنسان من قبضة أصحاب الكرامات، ترك الباب مفتوحاً لعودة التفسيرات اللاهوتية لكي تلعب الدور الذي لعبته في السابق من جديد، فحاجة المنهج الاستنباطي إلى اللجوء إلى الله، تركت ثغرات في مذهب ديكارت أمكن النفاذ منها بمنتهى السهولة، وخاصة في مسألة الخلق الحر للعالم الذي قال به ديكارت. وهذا يعني أن الباب أصبح مفتوحاً لدخول التفسير الغائي، وتفسيرات أخرى اخلاقية، إلى الطبيعة من جديد، وإلى أن يصبح التفسير الآلي مهددا في اكثر من زاوية، وهو ما حدث بالفعل على أيدي من أتوا بعد ديكارت مثل "مالبرانش" وغيره. ولذلك أتى اسبينوزا ليسد تلك الثغرات، ويوصد الباب في وجه أصحاب التفسير اللاهوتي، ويحول دون ارتماء الإنسان في هاوية التبعية من جديد. وتعزيزاً منه لآلية ديكارت، قطع اسبينوزا الطريق على أولئك الذين استطاعوا النفاذ إلى مذهب ديكارت انطلاقاً من مقولته القائلة بان الله هو المصدر الأول للحركة([12]). أخيراً، "لقد كان لأفكار ديكارت العلمية والفلسفية أثرها الكبير على التطور اللاحق للفلسفة، فعلى الرغم من محاولات الفلسفة البورجوازية إبراز الفجوات المثالية في فلسفته، إلا أن الفكر التقدمي رأى في هذا الفيلسوف مفكراً عبقرياً وعالماً مجدداً في ميادين الرياضيات والكون والفيزياء"([13]). وفاته المأساوية: بعد أن أدى ديكارت فترة تجنيده العسكرية، استقر في هولندا، الدولة الرأسمالية الأولى في عصره، وبسبب آراءه اضطهده اللاهوتيون الهولنديون مما اضطره إلى قبول دعوة ملكة السويد كاترينا التي اقترحت عليه تدريسها في علوم الفلسفة والرياضيات، وعند وصوله فرضت عليه أن يقوم بتدريسها في الخامسه صباحاً من كل يوم (بسبب انشغالها الشديد في القراءة) وقد وافق ديكارت مكرهاً على ذلك، لكنه لم يتحمل الاستمرار، فبسبب البرد الشديد الذي عانى منه في كل صباح أصيب بالتهاب رئوي ومات وعمره 52 عاماً، ولفظ ديكارت نفسه الأخير في 11 فبراير عام 1650. أهم كتاباته المركزية الكتاب المشهور "مقالة في المنهج" (1637)، و "مبادئ الفلسفة" عام 1644، والكتاب البحثي العالي "تأملات ميتافيزيقية" (1647). قالوا عنه([14]): - "ديكارت هو الذي نظم الانتفاضة العلمية؛ هو الذي رسم خط الفصل بين العلوم القديمة والحديثة ؛ هو الذي غرس الراية التي انضوى تحت لوائها الطبيعيون ليهاجموا اللاهوتيين؛ هو الذي انتزع صولجان العالم من يدي الخيال ليضعه بين يدي العقل؛ هو الذي وضع المبدأ الشهر: "لا يجوز للإنسان أن يصدق سوى الأشياء التي يقرها العقل وتؤكدها التجربة"، ذلك المبدأ الذي صعق الخرافة وغير الوجه الخلقي لكوكبنا". (سان – سيمون) - "ديكارت هو، في الواقع، المؤسس الحقيقي للفلسفة الحديثة، من حيث أنها تتخذ من الفكر مبدأها، وفِعْل هذا الإنسان في عصره وفي الأزمنة الجديدة لن يكون أبداً مغالي فيه. إنه البطل؛ فقد استعاد الأشياء من البدايات، واهتدى من جديد إلى الأرض الحقيقة الفلسفية، بعد أن خلت عنها ألف سنة ". (هيغل) - "إن تاريخ الفلسفة الأوروبية الحديثة يبدأ مع رينيه ديكارت الذي جاء فعله الثوري مطابقاً تماماً لروح أمته: فقد بدأ بتحطيم كل اتصالية بالفلسفة القديمة، وعفا على كل ما فعل قبله في هذا العلم، وشرع بإعادة تحديده بتمامه منذ البداية وكأن أحداً ما تفلسف قبله قط. وقد كانت النتيجة الحتمية لهذه القطيعة التامة أن الفلسفة بدت وكأنها تسقط في طفولة ثانية وتعود إلى حالة القصور التي كانت الفلسفة اليونانية خرجت منها من خطاها الأولى تقريباً. ولكن من المرجح أن العلم أفاد من رجوعه على هذا النحو إلى حالة البراءة ". (شلينغ) - "ديكارت واحد من اعظم النوابغ الذين أعطتهم فرنسا للإنسانية.. وديكارت لم ينجز فقط كشوفاً علمية عبقرية. بل شرع بالإصلاح الجذري لكل بنيان العلم. وقد فهم أن العلم الحديث هو نفي العلم الكتبي والعديم الفعالية الموروث عن العصر الوسيط، وقد عَبَّر عن هذا النفي على نحو قاطع ومتماسك بانتباذه دفعة واحدة السكولائية وسلطة أرسطو التي كانت هذه تحتج بها، وعلى هذا النحو أنجز العمل النقدي الكبير لعصر النهضة.. بيد أن ما يجعل لعمل ديكارت قيمة كلية شاملة كل الشمول، وما يجعل تاثيره فاصلاً كل الفصل، وما يضفي على نتاجه، بالإضافة إلى عمله الطبيعي الرياضي، طابعاً حياً كل الحيوية، هو أن ديكارت لم يحد نفي السكولائية ومنهج السلطة بمشكلات العلوم الجزئية والخاصة، بل أنكر منهج السلطة والسكولائية في جملتهما، مُعلناً في مواجهتهما عن حقوق الروح النقدي والعقل، ساعياً إلى أن يستخلص من العلوم الأكثر تطوراً، نظير الرياضيات، منهجاً كلياً". (جورج بوليتزر).
([1]) د. صادق جلال العظم – دفاعاً عن المادية والتاريخ – دار الفكر الجديد – بيروت – الطبعة الأولى 1990 –ص 50+51 ([2]) جون لويس – ترجمة: انور عبد الملك - مدخل إلى الفلسفة – دار الحقيقة – بيروت - الطبعة الثانية – 1973– ص 114 ([3]) المذهب العقلاني: تعاليم في نظرية المعرفة، تذهب إلى أنه لا يمكن إستنباط الكلية والضروره – وهما الصفتان الملازمتان المنطقيتان للمعرفة الحقة – من التجربة وتعميمها، إنما يمكن استنباطهما فقط من العقل نفسه: إما من مفاهيم فطرية في العقل (نظرية الأفكار الفطرية عند ديكارت، أو من مفاهيم لا توجد إلا في شكل إستعدادات مسبقة في العقل. المذهب العقلاني قد ظهر كمحاولة لتعليل الخصائص المنطقية للصدق الرياضي والعلم الطبيعي الرياضي. وكان ممثلوه في القرن السابع عشر ديكارت وسبينوزا ولايبنتز، وفي القرن الثامن عشر كانط وفيخته وشلنغ وهيغل. ويكمن قصور المذهب العقلاني في انكاره للقضية القائلة بأن الكلية والضرورة ظهرتا عن طريق الخبرة. ويضفي المذهب العقلاني صفة المطلق على الطبيعة التي لا تنازع لهاتين الصفتين المنطقيتين، ولا يعترف بجدل إنتقال المعرفة من الكلية والضرورة الأدنى إلى الكلية والضرورة الأعلى والمطلقة، وقد تغلبت على هذا التصور في المذهب العقلاني الفلسفة الماركسية التي تبحث المعرفة في وضعها مع الممارسة. (م. روزنتال و ب. يودين -الموسوعة الفلسفية –دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص 472+473) ([4]) الموسوعة الفلسفية - دار الطليعة - بيروت 1981 - ص 135 ([5]) علم نشأة الكون: فرع من فروع علم الفلك يتناول أصل وتطور الاجرام السماوية وأنظمتها. ويمكن للإنسان أن يتحدث نظرياً عن علم نشأة الكون المتعلق بالنجوم، وعلم نشاة الكون المتعلق بالكواكب، بالرغم من أنهما من الناحية العملية مرتبطان ارتباطاً تبادلياً. وتقوم مبادئ علم نشاة الكون على معطيات تزودنا بها الفروع الأخرى لعلم الفلك وتزودنا بها الفيزياء والجيولوجيا والفروع الأخرى للعلم التي تتناول الأرض. وعلم نشاة الكون، شأنه شأن علم الكونيات ، ترتبط للغاية بالفلسفة، وكان ساحة للصراع العنيف بين المادية والمثالية ، بين العلم والدين. (م.روزنتال و ب. يودين - الموسوعة الفلسفية –دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص 311) ([6]) الموسوعة الفلسفية - دار الطليعة - بيروت 1981 - ص 209 /210 ([7]) موجز تاريخ الفلسفة – جماعه من الاساتذه السوفيات - ترجمة وتقديم: الدكتور توفيق سلوم- دار الفارابي – الطبعة الأولى 1989– 245. ([8]) المرجع نفسه- ص246. ([9]) اعتبار الفرد المفكر هو نقطة البداية الإبستيمولوجية ميزة تخص الكثير من الفلسفة في الأزمنة الحديثة الأولى بما في ذلك الفلاسفة العقلانيين والفلاسفة التجريبيين، الحسيين. أما الفكرة المفيدة أن المعرفة يمكن أن تكون بينية (Intersubjective) فقد ظهرت على المسرح لأول مرة في مرحلة متأخرة، كما كان عند الفيلسوف البراجماتي بيرس (Peirce) الذي كان مهتماً بتقدم المعرفة العلمية، وفي الوقت ذاته يقول إن الفكرة المفيدة هي المعرفة التي يمكن أن ترتبط مع الأفعال، أي بما نقوم به. ([10]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – تاريخ الفكر الغربي .. من اليونان القديمة إلى القرن العشرين – ترجمة: د.حيدر حاج إسماعيل – مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الأولى ، بيروت، نيسان (ابريل) 2012- ص 411 / 413 ([11]) موجز تاريخ الفلسفة – جماعه من الاساتذه السوفيات - ترجمة وتقديم: الدكتور توفيق سلوم- دار الفارابي – الطبعة الأولى 1989– ص 250-251. ([12]) حامد خليل – مشكلات فلسفية – الطبعة الثالثة – دار الكتاب – دمشق – 1989/1990 م - ص 124 ([13]) جماعة من الأساتذة السوفيات – موجز تاريخ الفلسفة - تعريب: توفيق ابراهيم سلوم - دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) –ص252 ([14]) جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987- ص 303
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب :الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية
-
توماس هوبز (1588 – 1679 )
-
المسألة اليهودية والصراع العربي الصهيوني
-
كلام في السياسة
-
جاليليو ( 1564 م. _ 1642 م. )
-
عن انتشار الاسلام السياسي و دور جماعة الاخوان المسلمين......
-
فرنسيس بيكون ( 1561 م _ 1626 م )
-
ليوناردو دافنشي ( 1452 م. - 1519 م.)
-
جوردانو برونو ( 1548 م. _ 1600 م. )
-
جان كالفن (1509 - 1564)
-
مارتن لوثر (1483 - 1546)
-
توماس مور (1478 – 1535)
-
نيكولاس كوبرنيكس ( 1473 م. _ 1532 م. )
-
نيقولا ميكافيلي ( 1469 م. _ 1527 م. )
-
الفلسفة الأوروبية نهاية القرون الوسطى
-
فلسفة عصر الاقطاع في أوروبا منذ القرن السادس حتى الرابع عشر
-
شروحات ختامية حول تأثير الفلسفة الإسلامية في العصور الوسطى
-
ابن خلدون ( 1332 م. _ 1406 م. )
-
ابن تيمية (1263 م– 1328م)
-
ابن عربي ( 1165 - 1240)
المزيد.....
-
اختفاء غامض لفتاة عمرها 13 عامًا منذ شهرين تقريبًا.. وعمليات
...
-
الناتو يفتح ذراعيه لأوكرانيا: ”خطوات ملموسة“ قريباً بشأن انض
...
-
ماكرون يدعو إلى وقف تسليم الأسلحة لإسرائيل
-
عشية ذكرى 7 أكتوبر: مظاهرات بألمانيا وشولتس يدعو لوقف إطلاق
...
-
هل تكرر إسرائيل سيناريو غزة في لبنان؟
-
كبير مفاوضي -حماس-: إسرائيل لا تزال تعرقل مساعي التوصل لوقف
...
-
هاريس: سنواصل الضغط على إسرائيل والقادة العرب من أجل وقف إطل
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن عدة مناطق حدودية مع لبنان -مناطق عسكري
...
-
-الإمارات معك يا لبنان-.. 6 طائرات من أبو ظبي تحط في بيروت ب
...
-
وزير الدفاع الهولندي يعلن تسليم أوكرانيا الدفعة الأولى من مق
...
المزيد.....
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
المزيد.....
|