أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي شاكر العبيدي - (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)















المزيد.....

(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)


مهدي شاكر العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6733 - 2020 / 11 / 15 - 09:45
المحور: الادب والفن
    


صدر عن دار الهلال في منتصف ستينيات القرن الفائت عدد خاص من مجلتها الشَّهرية بأدب طه حسين ، احتوى مقالات ودراسات مطنبة في كفاحه الذي أوصله إلى حال يحسد عليها وهو الكفيف المزدرى ، فغدا موضع التجلة والتوقير ، تناولتْ صراعه مع مجتمعه المتخلف ومقته لعاداته ومواضعاته إلى أنْ قـُيِّض له أنْ يتجاوزها ويبدِّل منها حالا ً أيسر وأسمح ، ودواعي إصدار العدد ذاك تنحصر في أنْ تنتقي من الوسط الأدبي تلك القولة الرَّائجة عن تسارع الناس في إكبار منزلة الأديب وإعظام نتاجاته ، وربَّما تحميلها فوق ما تستحق من النبوغ والأصالة بعد أنْ تطوى حياته ويغادر هذا العالم ونفسه تمتلئ بالغـُصَّة والحسرات جرَّاء ما لقيه بين الأحياء من حيف وكنود ، وامتحن به من زراية وإهمال ، فبادرَتْ لتكليف نخبة من الدَّارسين والباحثين واستحثاثهم على تحليل كتاباته وتفسيرها وشرح ما تنطوي عليه من فلسفات وآراء ، وتجلية ما تحتويه من رموز ودلائل فنية لتقر بها عينه ، ويستقر في خلده ووجدانه ، أنـَّه حيي وسط مجتمع لا عهد له بالجحود والإنكار أبدا ً ، وأنـَّه ابتدر لتكريمه قبل أنْ يبين عنه وتنفصم آصرته به .

وقد أسهم الأستاذ أنور الجندي وهو كاتب مصري نزح من الرِّيف إلى القاهرة واشتغل موظفا ً في بعض المؤسسات والدَّوائر إلى أنْ أحلَّ نفسه منها وعوَّل على جهده الشَّخصي في صقل ملكته الأدبية حين لمس واكتنه استعداده للكتابة وتمكنه منها ، وكذا أعدَّ كتبا ً هي أشبه بالدَّوريات والموسوعات تدل على استغراق مضن ٍ في القراءة الموصولة وحسن استيعاب لما تشتمل عليه المؤلفات والمصنفات التي انتهتْ إليه وتصفحها ، ومنها التي ترصد للمعارك والمساجلات الأدبية التي دارَتْ خلال مائة عام ، ومنها التي تفيض في الدَّوافع التي تختلج في وجدان المستعربين ودعاة التغريب وطمس أيِّ أثر للثقافة العربية ، فلا غرو أنْ كان زكي مبارك أحبَّ الأدباء الرُّواد إلى نفسه وأملكهم لاستهوائه وإعجابه ، لأنـَّه لم يدَّخر وسعا ً في مصاولتهم ودحض مفترياتهم وأباطيلهم ، قلتُ بعد هذا الاستطراد إنَّ أنور الجندي من محرري عدد ( الهلال ) المكرَّسة موضوعاته لإعلاء عميد الأدب العربي إبَّان حياته ، ولندرته وكثرة الطلب عليه طبعته ثانية وصيَّرته كتابا ً يتداوله القرَّاء لاسِيَّما أنـَّها سجَّلتْ سبقا ً هذه المرَّة في الإخراج الطباعي المشوق إذا جاز التعبير ، وكانتْ مقالته المعنونة ( صفحات مجهولة من حياة طه حسين ) تأتي في الترتيب الرَّابع من مواد هذا العدد ، ربَّما يجيء ذلك نزولا ً ومسايرة لما يسميه المطبعيون أسبابا ً فنيا ً ، وليس لأنـَّها ترجح على سائر المواد والموضوعات بالنفاسة ، وتفوقها من ناحية الاستنتاج الطائل والرَّأي الجديد المفيد والتحليل النافذ والبيان الفصيح المتين والقطع النهائي بالحكم الذي يصيب كبد الحقيقة بشأن دور طه حسين في تنوير الأفهام وحماية العالم العربي والإسلامي وتجنبه الرُّكود والخمود والاستسلام .

ويصير القارئ إلى دراية بصلة أنور الجندي وعلاقته بشكل ما أو وجهٍ من الوجوه بطه حسين في طور من حياته ، بدليل قوله في استهلالة مقالته الضَّافية :ـ " وقد ذكر لي أنَّ اتصاله بالجامعة كان مقدِّمة لسفره إلى أوربا عام 1914م " ، ثمَّ أنـَّه يحيط علما ً بإكباره لما أوفى عليه صاحب ( الأيَّام ) من براعة تصوير وسمو فني وبلغه من نضج وأسارة وجمال في لغته وأدائه من وراء استطراده بعد إلى :ـ " إنَّ هذه المرحلة التي امتدَّتْ من دخوله الأزهر ودخوله الجامعة المصرية القديمة قد صوِّرت أروع تصوير في الجزء الثاني من كتاب ( الأيَّام ) ، ولا يهمُّنا منها أنْ نسجِّل بذور اتجاهه الأدبي والشِّعري واتصاله بالصَّحافة وولادة شخصيته الناقدة المفكرة " .

نجتلي في التعابير السَّابقة زيادة على ما يكنه أنور الجندي من إعجابه بفنِّ طه حسين ووقوعه مأسورا ً لما يميِّز بيانه من أسر وبداعة ، إنَّ شخصيته مفكرة ناقدة حقا ً ، وما بعد هذا الثناء والإطراء أو فوقه حدُّ يفوقه ويربو عليه ، والصَّفحات المجهولة في حياة طه حسين دوَّنتْ أو فصَّلتْ في تمرُّسه بكتابة الشِّعر في الرِّثاء والغزل والتهنئة وغيرها ، وتوقه لانفتاحه على القضايا العامة والواقع الاجتماعي المأزوم نتيجة سيطرة الأجنبي على البلاد ، وتعسف أذنابه وصنائعه ، ثمَّ تسلله إلى الصَّحافة واتصاله بأقطابها وتمرُّده على مشايخه في الأزهر ومعاركه التي خاضها والمفتعلة مع لداته وأصفيائه ، أو الحقيقية مع مناقضيه في توجهاته ومقاصده الفنية ، بالغا ً ـ أي الجندي ـ غاية الدِّقة في التصوير والتشخيص عن تأرجح طه حسين وأبناء جيله بين مدرسة التعقيل والبرهان ومدرسة العواطف والحماسة ، أي بين تعاطفه ومبادئ مصطفى كامل في الحزب الوطني ، وبين تأييده مرامي لطفي السَّيد في حزب الأمة ، وأخيرا ً ما دمنا بصدد تطور طه حسين الفكري ، لنا أنْ نسوق عبارته الدَّالة من المقال الموسوعي بعض الشَّيء ذاك :ـ " وقد حدَّثني الدكتور طه حسين في مراجعة واسعة لتطور فكره عام 1953م ، فقال :ـ إنَّ أهم أساتذته في هذه الفترة مَنْ يرى لهم فضلا ً لايقدَّر :ـ لطفي السيد ، وسيد المرصفي ، وأحمد زكي باشا " .

ولعلَّ من متمِّمات هذا الحديث المصحوب بشيءٍ من الأناوية إذا جاز التعبير تنفجا ً وازدهاءً بمجالسة صاحب ( الأيام ) قبل أكثر من نصف قرن والأنس بحديثه الشَّائق هذا ، أنْ يفضي الأستاذ العميد ببعض مكنونه وما يطوي عليه في دخيلته من أسرار ، وكذا عرف القرَّاء العرب عموما ً بواسطة كتابات أنور الجندي التي يخصُّ بها بعض الدَّوريات والمجلات ، إنَّ بطل قصة ( أديب ) التي ألفها طه حسين شخص حقيقي ومن رفقائه ورصفائه في البعثة إلى فرنسا وتلقي العلم في جامعتها ، لولا أنـَّه صُدِمَ بالحضارة الغربية وقعدَتْ به أحواله النفسية عن مجاراتها والتلاؤم معها ، واسمه كامل شعيب وهو مشروع أديب كامل ومثقف مؤهل للإتيان بالجديد والإسهام في نهضة بلاده وتقدمها حسبما استكنه أنور الجندي هذه الحقيقة عبر مقاله المنشور بمجلة ( المعارف ) اللبنانية المحتجبة ، وأنَّ الصَّديق الذي رماه بالجحود واتهمه بالتخلي عنه في أوقات الشَّدائد والمحن ليس غير الدكتور محمد حسين هيكل وذلك عبر مقالته الأخرى المنشورة في أحد أعداد مجلة ( العلوم ) البيروتية المحتجبة أيضا ً .

وتعدُّ رسالة أنور الجندي إلى مجلة ( الكتاب ) العراقية في سبعينيات القرن الفائت بداية التحول في مشاعره وعواطفه حيال العميد ، فقد هلل للكلمة التي ألقاها الدكتور ناصر الدِّين الأسد في حفل تأبينه وخالها تتضمَّن قدحا ً وانتقاصا ً منه وتهوينا ً من دوره في نهضة الثقافة العربية وانتعاشها ، وشفعها بمؤلـَّفٍ عنه طبعته ليبيا يفيض في سيرته ويتقصى ظروفه ومعاركه ومشاحناته مع أعلام عصره ويحيط بتآليفه في تاريخ العرب والمسلمين ويعطي رأيا ً مباينا ً لنظيره المعهود لدى معاشر القرَّاء من ناحية توخيه الإنصاف والعدل والموضوعية ، وتحاشيه الافتئات والتجريح والطعن بسائر رجاله ودخائلهم ، وقد أسماه أحد الدَّارسين ( الكتاب المذبحة ) لفرط ما شحن به من الشَّتم المنكر والذم القبيح ، إنـَّه كتاب أملاه الحسد اللئيم وأوحَتْ به الضَّغينة المقيتة ، وسجَّل تهافتا ً وانقيادا ً لدواعي العصبية والغضب والحقد ، وتماديا ً في تجريد معلم الأجيال ومنشئ الجامعات ومنور العقول ورائد الدِّراسات الموضوعية المنصفة ومطوع اللسان العربي للإفصاح عن أدق المشاعر والخلجات وأرقها بأيسر عبارة تخالها أوَّل وهلة سهلة قريبة من المتناول ، لكن سرعان ما يفطن المرء لعجزه عن الإتيان بمثلها أو محاكاتها ، قلتُ انصبَّ وكده على تجريده من كلِّ عارفةٍ أو مأثرة ، واستلاب أيِّ صنيعةٍ أو معروف .

بقي أنْ يعرف القارئ ردَّ طه حسين على هاته التخرُّصات المتغرِّضة ومبلغ ما أبقته في نفسه من حردٍ وسخطٍ ، وأودعته من غيظ وحنق ، وأهابَتْ به لأنْ يدفع عن نفسه ويذود عنها ويسلك بذويها في عداد المتجنينَ والخرَّاصينَ ومن يعوزهم الدَّليل والبرهان على صدق ما يزعمون أو ينتحلون ، ممَّا قرأ بعضه في الصُّحف أو بلغ سمعه أثناء حياته ، والحقيقة أنـَّه لم يغرَ بتبكيتهم ويعجل إلى دحضهم ، بل تركهم جميعا ً لضمائرهم فهي وحدها الكفيلة بمحاسبتهم والاقتصاص منهم ، متعللا ً بالآية الكريمة :ـ " وعباد الرَّحمن الذين يمشون على الأرض هونا ً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " .



1- سورة الفرقان ـ الآية ( 63 ) .



#مهدي_شاكر_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤسسو مصر الحديثة
- تعريف روفائيل بطِّي بعبد القادر البرَّاك
- عن الآداب العربية في شبه القارة الهندية
- مجموعتان شعريتان لخالد الحلي: لا أحد يعرف أسمي – مدن غائمة
- المدرسون والشعر والخطابة والتأليف
- عن الشعر العربي الفصيح الذي قيل في مدح الانكليز
- حارة كل من إيدو إلو
- مختارات سياسية من مجلة المنار
- استحضار المجتمع المدني في عمل روائي( غابة الحق)
- أشجان النخيل
- لويس عوض في الثقافة العربية
- أسرار فتاة قاعة التشريح رواية من تأليف الدكتور جاسم محمد عبو ...
- علي جواد الطاهر القلم والقلب والوجدان
- ذاكرة
- فلسفيات
- ذكريات باريس
- عبد الرحمن مجيد الربيعي وترشيحه كتبا للقراءة
- من قضايا تعليم اللغة العربية (رؤية جديدة)
- عودة الى معالم قديمة
- صراع الأجيال


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي شاكر العبيدي - (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)