أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - في فلسفة المعري: رأيان مختلفان2 /2















المزيد.....

في فلسفة المعري: رأيان مختلفان2 /2


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 6732 - 2020 / 11 / 14 - 18:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ومنها الفلسفة الفارسية وقد عُرِفت هذه الفلسفة للمسلمين منذ بدأ اختلاط العرب بالفرس يشتدُّ في أيام بني أمية، وظهرت الكتب الفارسية مترجمةً أيام العباسيين بفضل ابن المقفع وبني نوبخت، وإنما أخذ العرب عن الفرس الأخلاق، والسياسة، والنجوم، والأقاصيص. وأبو العلاء قد قرأ الفلسفة الفارسية في الكتب، وعاشر الفرس، وخالطهم أشدَّ المخالطة حين رحل إلى بغداد، حتى دخلت ألفاظ فارسيةٌ في شعره، فقال في اللزوميات:
إذا قيل لك اخْشَ الله... مولاك فقل آرا
فهذه القافية فارسيةٌ، قالوا: إنَّ معناها نعم، وهي ممالة الألف في لغة الفرس، كما حدثنا بعض الفارسيين؛ ولذلك أمال أبو العلاء قصيدتين وردت فيهما هذه الكلمة.
ومن مصادر الفلسفة العلائية كتب الدين على اختلافه؛ فإن أبا العلاء قد درس الإسلام، واليهودية، والنصرانية، والمجوسية، وناقش هذه الديانات كلها في اللزوميات. فأما الإسلام فقد درسه في بلده منذ نشأ، وأما اليهودية والنصرانية، فقد رجحنا أنه بدأ درسهما في اللاذقية، وأما المجوسية فلا شك في أنه لم يُحسِنها إلا حين ارتحل إلى بغداد؛ وذلك لأنا لا نجد آثارها في شعره ونثره، قبل فراقه الشام".
والخولي يستكثر على ابي العلاء هذا التفلسف الذي اشار اليه الكثير من الكتاب والدارسين للمعري، ومنهم طه حسين، كما ذكرنا، ولا يقر له بذلك، ويحاول أن يفند ذلك ويعبّر الخولي عن رأيه بخصوص تفلسف المعري بخمس نقاط:
أولًا: ليس لأبي العلاء بحثٌ بالمعنى الصحيح عن الحقيقة، وليس هنالك إلا خواطر منثورة في جملة، أو فقرة قصيرة، أو منظومة في بعض شطر، أو في شطر من بيت، أو في بيت، أو بيتين، أو أكثر من ذلك قليلًا، فليس من الإنصاف لتاريخ الفلسفة ولجهد الفلاسفة أن يسمَّى مثل هذا الصنيع فلسفة وبحثًا، مهما تتناول هذه المنثورات أو المنظومات من آراء وفِكَر فلسفية، ومهما يكن نوع الفلسفة التي تشير إليها هذه الفِقَر والمعاني الإجمالية إشارات مبهمة، أو لامحة مجملة لا أكثر ولا أقل، وإنما قول أبي العلاء في كل ذلك هو أشبه شيء بالمثل العامي ينتظم فكرة، قد تكون رأس فلسفة، وخلاصة مذهب، وما هي في حساب قائلها الأول أو ضاربها الثاني إلا مغزى حكاية، وثمرة ممارسة؛ وملحظًا واقعيًّا لحادثة أو عمل كان، وذلك شيء غير البحث الفلسفي والتأمل الدارس، الذي يُجرِّد المتفلسف قواه له، ويصطنع له منهجه، ويأخذ نفسه بطريقته في المعرفة؛ ليعرف حقائق الأشياء على ما هي عليه كما يقول الأقدمون، وليفكر ويقدر، ويسبب ويعلل.
ثانيًا: أن مسألة المعرفة - وهي شطر الفلسفة - لم نستطع أن نعرف لصاحبنا فيها اتجاهًا، ولا منهج تفكير، فهو فيما عرضنا... من شعره ونثره في أدوار حياته المختلفة، ومراحل سنِّه المتباعدة، يثبت إمكان المعرفة ويذكر وسائطها، ويُنكر إمكان المعرفة، ويهدر تلك الوسائط واحدة واحدة، فهو يوقن، وهو يشك، وهو يحار، وهو يطمئن، وهو ينفي، وهو يثبت، وهو لا يثبت، ولا ينفي، فلا يسع المدقِّق إلا أن يعدَّ ما نظمه أبو العلاء في المعرفة ومذاهبها ضربًا من الشعر التعليمي يمكن اتخاذ عناوين منه لمختلف الآراء في المناهج التفكيرية الفلسفية، أو يمكن اتخاذ عناوين له من تلك المذاهب التفكيرية. وأمَّا أن يكون شيء من ذلك النظيم والنثير مذهبًا في المعرفة خاصًّا فما أحسب هذا يهون ولا يُقبَل! وكما لا نطمئن إلى أنَّ لهذا المتحدِّث عن الفلسفيات دستورًا للتفكير أو البحث.
ثالثًا: إذا ما كانت الفلسفة هي الحكمة العملية بالأدلة والأفكار كما في تعريف إيبيقور الذي احتسبوا أبا العلاء صديقًا لفلسفته، فلئن كنَّا قد نتسمَّح بأنَّه يسوق في آثاره فكرًا فإنه لا يستدل لها إلا بالتشابه اللفظي بين الكلمتين، أو بالملاحظة الساذجة، أو المناسبة المستملحة على ما يشعر به المتصل اتصالًا ما، بشعره ونثره، ولا حاجة بنا إلى الاستكثار بسَوق الشواهد المجتمعة عليه هنا؛ لأنه واضح مستبين يجده القارئ في كل ما يصيب من آثار صاحبنا، ومثل هذا من المجانسة أو المشاكلة أو المشابهة أو المناسبة وما إليها في لفظ وتعبير لن يعدَّ في حساب الفلسفة استدلالًا ولا شبيهًا به، وإلا فقل لي بربك: كيف يدل اتخاذ الكلل للنساء على أنهنَّ أذًى وكيدٌ يحبسن فيها؟ وكيف يدل اتفاق النعش والانتعاش في لفظهما على فضل الموت ووجوب التخلص من الحياة؟ وكيف وكيف مما يعرفه مَن قرأ آثار أبي العلاء؟! وهل هان الاستدلال الفلسفي إلى هذا الحد فصارت الصنعة اللفظية التي يمقتها الأدب وينكرونها أو ينكرون الكثير منها على أبي العلاء عملًا فلسفيًّا عقليًّا يسلك به الرجل في زمرة الحكماء إذا جودل في احتسابه من الشعراء؟
رابعًا: أنا إذا ما تساهلنا في كل ذلك، فعدَدْنا هذه المرسلات المتفرقة آراء فلسفية، وتركنا الأدلة والاستدلال جانبًا، ورُحنا نعرِّف مذهب أبي العلاء، والوحدة الفلسفية التي تعنون مذهبه، فماذا نجد؟ إنَّك لتجهد في أن تعرف مذهب أبي العلاء فيما عرضت عليك من كثير قوله في الشئون الإنسانية؛ كالزهد، والجد، وحب الحياة، وكرهها، والمرأة، والزواج، والنسل، والعزلة وو … إلخ، فلا تستطيع أن تخرج بشيء معين، فهو... زاهد وكادح، منكر للزهد، وحاضٌّ على التنعُّم، وهو ناسك يتحسَّر على الشباب، وهو محرم النسل، يعده أفضل ما عملت في الدنيا، وهو معتزل منفرد، لو حُبِيَ الخلد فردًا لما أحب في الخلد انفرادًا وهو … ثم هو … فأين نضع بين الفلاسفة صاحب هذه المتقابلات التي شملت كل شيء تعرض له؟ وما مذهبه من هذه المتقابلات؟.
خامسًا: إنَّ الفلسفة إنَّما تتميز بتأثيرها على سلوك الفيلسوف، وعدم اختلاف قوله عن فعله، وهي بذلك تفترق عن العلم؛ إذ تطبع فلسفة الفيلسوف سلوكه، ولا كذلك يفعل العلم؛ فالفيلسوف الذي انتهى به الدرس الباحث إلى كذا من الرأي في الخلق والعمل، لا تجده يُخالف هذا الذي ذهب إليه وانتهى به درسه، على حين ترى العالم الرياضي أو الميكانيكي مثلًا، بوهيمي السلوك، مشوَّش العمل، مضطرب التناول، رغم ما وقف عليه حياته من دقة وضبط، وتحديد ونفاذ. وإنما نعني بالفيلسوف والعالم الأصيل منهما صاحب الصفة الكاملة فيهما؛ فالفيلسوف هو المفكِّر المتأمِّل الأصيل الذي يُسخِّر قواه لمعرفة الوجود، ويُتبع عمله رأيه، وليس هو متعاطي الفلسفة قراءةً أو تعليمًا أو ترجمةً أو نحو ذلك من اتصال قد تبعث عليه أناقة، أو طرافة، أو تلهية، أو تكاثر، أو نحو ذلك مما يقع للمتصلين بالفلسفة، والواصلين أنفسهم بها، أو الذين وصلتهم ظروفُ الحياة بها، فهؤلاء هم مَن لا نعنيهم إذا أشرنا إلى تأثير التفلسف على السلوك، وطبعه له، وتوجيهه إياه، فلا يشتبه الأمر في ذلك".
لكن الخولي يصرّ على إنّ المعري ليس فيلسوفا، مخالفا مما يراه طه حسين، إذ يقول:
"أنَّ الفلسفة إنما هي فهم العالم فهمًا عقليًّا يقوم على تقرير أن المسبب يترتب على سببه، والنتيجة تتلو مقدمتها؛ لثبات النواميس الكونية، والسنن الفطرية، وارتباط المسببات بأسبابها، وإنكار التخلف، ونفي الصدفة، وما إلى ذلك. ولعل الخلاف في مسألة الأسباب والمسببات، وما يتصل بها، هو أكبر ما بين الدينيين والحكماء من خلاف؛ فالدينيون - على اختلافهم - ينكرون هذه السببية، واطراد السنن، ويقولون بلسان الغزالي - وهو من أكثرهم تنورًا - حين عرض لهذه المسألة في تهافت الفلاسفة فقرر: أن الاقتران بين ما يُعتَقد في العادة سببًا، وما يُعتَقد مسببًا ليس ضروريًّا عندهم - أي المليين - وأن مثل الري والشرب، والشبع والأكل، والاحتراق وملاقاة النار، والنور وطلوع الشمس، والموت وجز الرقبة، والشفاء وشرب الدواء، وهلم جرًّا، إلى كل المشاهدات من المقترنات في الطب والنجوم، والصناعات والحِرَف، فاقترانها لما سبق من تقدير الله سبحانه لخلقها على التساوق لا لكونها ضروريًّا في نفسه، غير قابل للفرق، بل في المقدور خلق الشبع دون الأكل، وخلق الموت دون جز الرقبة، وإدامة الحياة مع جز الرقبة، وهلم جرًّا، إلى جميع المقترنات. وفاعل الاحتراق عند ملاقاة النار هو الله تعالى، إما بواسطة الملائكة أو بغير واسطة. وأما النار فهي جماد لا فعل لها، وليس لهم - أي الفلاسفة - إلا مشاهدة حصول الاحتراق عند ملاقاة النار، والمشاهدة تدل على الحصول عنده، لا على الحصول به".
*من اين نبع اختلاف الرجلين؟
الاختلاف وان كان لا يفسد للود قضية كما يقولون، إلا إنه نابع من اهواء وامزجة خاصة. فأمين الخولي هو رجل دين، والمعري قد ذم رجال الدين ونسبهم الى الجهل وحاول أن يألب الناس عليهم، وخصوصًا رجال دين عصره، حيث رأى منهم ما رأى، فليس من المنطق في شيء أن يقف الخولي في جانب المعري ويتفق معه في ما قاله من اقوال وما صرح به من تصريحات، هي مخالفة لمعتقد ورأي الخولي، فرجال الدين هم سواسية – قديمًا وحديثا-يسيرون جنبًا الى جنب، أو قُل معظمهم وليس جميعهم.
واما الدكتور طه حسين فهو فيلسوف وكاتب وعالم ومؤرخ، وناقد متنور، وله آراء جريئة في الفكر ونقد المرويات التاريخية، وكتابه "في الشعر الجاهلي" ما زال محل اعجاب لدى المثقفين والكتاب واصحاب الفكر الحرّ. وهذا من الطبيعي أن يميل الى جانب المعري، ويقف معه ويتأثر به (اننا نعتقد أن طه حسين قد تأثر بالمعري، وإن لم نقرأ ولم نسمع من قال بهذا القول، إلا إننا استنتجنا هذا استنتاجًا)، فاذا كان المعري فعلا ابيقوريا، فأن طه حسين ديكارتيًا، درس فلسفة ديكارت ونهج نهجه، وخصوصًا في "في الشعر الجاهلي".



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رفض
- مكاشفة
- مسامير الذهول
- أغنية الفقد
- نصوص قصيرة - نصوص
- الوجودية السارترية 1 / 2
- الوجودية السارترية 2 / 2
- وجودية دوستويفسكي 1 /2
- وجودية دوستويفسكي 2 /2
- معتوه!
- خمس نصوص قصيرة
- العودة الى طه حسين!
- حين تركلنا أرجل الليل
- ابو العلا عفيفي: التصوف الثورة الروحية في الاسلام(1)
- ابو العلا عفيفي: التصوف الثورة الروحية في الاسلام(2)
- جوف الوداع
- سوق شعبي
- القصيمي و دايروش شايغان.. نكسة الامة
- مصطفى محمود.. ومأزق الكتابة
- هموم القصيدة ورسالة الشعر عند الشاعر فاضل حاتم


المزيد.....




- “يابابا سناني واوا” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ال ...
- قائد الثورة الاسلامية: العمل القرآني من أكثر الأعمال الإسلام ...
- “ماما جابت بيبي” التردد الجديد لقناة طيور الجنة 2024 على الن ...
- شاهد.. يهود الحريديم يحرقون علم -إسرائيل- أمام مقر التجنيد ف ...
- لماذا يعارض -الإخوان- جهود وقف الحرب السودانية؟
- وفاة طبيب بارز من غزة في سجن إسرائيلي
- هويتنا العربية الإسلامية.. بين الانتساب قولًا والتحقق فعلًا ...
- وفاة مراقب الإخوان المسلمين السابق بسوريا عصام العطار
- وفاة أحد كبار جراحي غزة في سجن إسرائيلي
- عبد الله الثاني يؤكد لبابا الفاتيكان استمرار الأردن بدوره ال ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - في فلسفة المعري: رأيان مختلفان2 /2