أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - الإستبداد العربي بين علمانية غائبة وتاريخ مقدس طاغي















المزيد.....

الإستبداد العربي بين علمانية غائبة وتاريخ مقدس طاغي


عبدالعزيز عبدالله القناعي

الحوار المتمدن-العدد: 6728 - 2020 / 11 / 10 - 15:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإستبداد العربي: بين علمانية غائبة وتاريخ مقدس طاغي
المصيبة التي ابتليت بها المجتمعات العربية ليست استبدادية في المقام الأول، وإن كان الاستبداد نتيجة طبيعية لإخفاق ما سوف نتكلم عنه لاحقا. فالمصيبة الحقيقية في مجتمعاتنا العربية وحتى الاسلامية هي عوائق تحقيق الحداثة والتنوير وشروط إخفاقهما في مجتمعات فشلت في عقلنة الحاضر وأنسنة الشعوب، وذلك في ظل غياب قوى علمانية مدنية فاعلة، وحضور تاريخ دائري مغلق من الثقافة الدينية. هنا، عندما نتكلم عن الحداثة، لا نقصد بها التحولات الاقتصادية والتنموية البنائية، بل الحداثة الفكرية الإنتاجية لمضامين الحضارة والتطور والعلوم. فالحداثة ليست مجرد مفهوم مادي خارجي، بل هي تحول تاريخي وفكري وفلسفي ينقل الدول والمجتمعات والشعوب، من حال سيء الي حال أفضل قابل للنقد والاصلاح والتطور والتغيير.
ان مشاريع الحداثة والتنوير في الوطن العربي غائبة منذ زمن محمد علي باشا، وما تجارب التحديث والعلمنة الصورية اليوم إلا تغطية شكلية يقابلها تبعية غربية وطغيان القبلية والطائفية والمكبوت الديني في المؤسسات الحكومية وديمقراطية بعض الدول، وهو ما يفقدنا كشعوب شروط التغيير الذاتية، وهي الغائبة فعلا وواقعا عن منظومة العقل العربي. لقد كان لغياب التواصل العربي مع الحداثة الفكرية الغربية دورا بارزا في إبقاء منظومات التخلف والتبعية في العالم العربي فاعلة، ولم تصل الشعوب العربية الي الوعي التاريخي بضرورة الانتقال الي الحداثة وصنع تاريخها ونموذجها العربي المتفرد، وهذا الانتقال، الفكري والصناعي، هو ما نقصد فيه غياب الشروط الذاتية العربية للتحول، بسبب عدم رغبة الشعوب بإحداث مثل هذا التغيير، إما خوفا من أنظمة استبدادية، أو للتمسك بالعادات والتقاليد والدين، وهي المنظومات الأشد منعا لإحداث التغيير في الوعي والدولة والمجتمع.
تعاني بعض النخب العربية المثقفة من ضمور فلسفي في اللاوعي التاريخي، مما يجعلها، تعيد الحفاظ على الوعي القائم، أو محاولة ايجاد الوسطية، وفق مفاهيم تبسط أزمات العقل العربي وفشل التنوير والتحول الديمقراطي، دون قدرتهم على نقد العادات والتقاليد والدين، التي تشرعن وتبقي على التراجع العربي والفشل والعجز على الانتقال الي عصر الحداثة وعلمنة الدول والمجتمعات العربية. فلا يمكن الحديث اليوم، بعد فشل الأنظمة العربية الحالية في التحول الي الدولة الديمقراطية، وعجز الثورات العربية من إحداث التغيير المطلوب في الدول العربية، عن مشروع الحداثة والتنوير والعلمانية، إلا داخل مفهوم الدولة والمواطنة والتراث الديني والعادات والتقاليد، فالمسألة في جوهرها هي الوعي بالزمان المتغير والرغبة في تملكه على أسس علمية عقلانية تقطع مع الماضي لتؤسس حضارة عربية جديدة تتماهي مع الإنسانية العالمية، وتبتعد عن أزمة تداخل الأزمنة كما يعيشها العرب، حيث أصبحت الرجعية هي التقدم والماضي الديني هو التحضر والتراث هو الحداثة، مع إضافة بعض الرتوش والإصلاحات الشكلية للكذب على الوعي العربي.
إن فلسفة العصر الحديث تقتضي نقد المنظومة الدينية بما تحويه من نصوص مقدسة وتراث ديني، والبدء بإحداث القطيعة التاريخية مع الزمن الماضي ومن ثم تأصيل الحاضر والمستقبل داخل مفاهيم الواقع والتجربة والعلم والفلسفة. إن أزمتنا الشاملة في مجتمعاتنا قاطبة تجلت في مرور تاريخ طويل من الهزائم العسكرية والثقافية والفكرية والاقتصادية، غاب عنها الالتزام بالمعارك الهامة للبنية المجتمعية، وهي معارك التنوير والديمقراطية وتكوين مؤسسات المجتمع المدني. ومع كل هذه الإخفاقات سكن العقل العربي في بنية الماضي الديني، خائفا ومذعورا ومهزوزا من التطورات الإنسانية، فانكمش في هوية ماضوية خلقت له أزمات عاطفية وإرهابية نتيجة التمسك بمحددات غير قابلة للتطور وتتصادم تلقائيا مع حضارة وعقلانية الفكر البشري. فالشخصية العربية حين حملت بذور التأخر والتراجع، افتقدت تاليا لشروط ميلاد جديدة ضمن مجال التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
فالحداثة في جانب آخر، هي تغيير جذري في الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتكمن غاياتها وتجلياتها في الحداثة السياسية باختيار العلمانية كمنهج ونظام يساهم في تعزيز المدنية والحكم الرشيد للمجتمعات. ولكي نستكمل هذا التحول في مجتمعاتنا العربية، علينا في البداية أن نمتلك الجرأة والمصداقية والشفافية في النقد التاريخي الفعلي لمسار التجربة العربية الاسلامية على مر تاريخها، فهذا هو السبيل لإبراز معوقات الحداثة، وبالتالي محاولة بناء فضاءات ثقافية وفكرية تعيد انتاج فلسفة عربية حديثة تأخذ بها السياسات والأنظمة العربية إن أرادت اللحاق بالحضارة وإنقاذ شعوبها من التردي والانحطاط التاريخي. فلا يمكن لوم العوامل الخارجية دائما في إخفاق الشعوب وتراجعها الحضاري، فالغرب لا يتعامل بفوقية إلا مع الضعفاء أصلا وليس الأقوياء، والقوة تصنعها الحداثة والعلم والعقلانية، وهي ليست حكرا على الغرب، بل هي متاحة لمن يريد فعلا التقدم ويؤمن بأن التاريخ يتحرك وليس واقفا منذ 1400 سنة، بينما التاريخ العربي والاسلامي في حقيقته وقف أمام المتغيرات كصنم مقدس يرفض التجديد. لهذا كان دمار العقل العربي والدول العربية شأنا داخليا، وليس خارجيا كما يريد البعض ايهامنا بفكرة المؤامرات الدولية الغربية ضد مجتمعات وشعوب متخلفة اساسا. مجتمعات وشعوب تعتمد على الحفظ والتلقين، وتبتعد عن العقل والعلم بحجج واهية وضعف ثقافي وغياب دور العلم والفلسفة والفنون في تكوينهم الفكري.
إن فكرة الدولة العلمانية التى نسعى اليها بكل قوة، هي نتاج التطور التاريخي، الذي ارتبط بمرحلة الرومانسية في بداياتها الفلسفية، التي هيأت السبل، لاندلاع الثورة الصناعية. وهي جزء من سيرورة عصر الأنوار الأوروبي وأساسه التبشير بنشوء دول حديثة ديمقراطية تقوم على مبادئ المساواة ورعاية الحقوق والحريات، وتنطلق من قيم وضوابط في الحكم والسيادة أساسها حكم الشعب وتداول السلطة. وتبلورت فكرة الدولة العلمانية بعدها عبر إسهامات متعددة من مصادر مختلفة في العلوم الاجتماعية والسياسية والإنسانية، حتى تشكلت بعدها فلسفة العقد الاجتماعي وفصل الدين عن الدولة ومفاهيم المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية.
إن تأسيس الدولة العلمانية في مجتمعاتنا العربية، كبديل عن الأنظمة الحالية، هو الذي يتكفل بلجم نزعات القوة والسيطرة والاستبداد، ويصد الشعوب العربية عن الاعتداء على بعضهم باسم الطائفة والقبيلة والعرق والدين. وشرط تحقق ذلك، هو تدشين فكر عربي جديد، وفلسفة تغييرية ومراحل تنويرية ضخمة، بعيدة عن هيمنة النزعات الفردية أو الفئوية أو الدينية أو السياسية. ويكون من المهام التي تضطلع بها نخب القيادة لهذا التحول، تنظيم الحياة العامة وحماية الحريات الفردية والدفاع عن الافكار الحداثية، والإنخراط في مؤسسات المجتمع المدني لمواجهة التغول السياسي والديني.
إن الأهم في الدولة العلمانية، هو تمثيلها لإرادة الشعب، كونها تنبع من إجماع العقل ومن إرادة الحرية. فذلك يعني أنها دولة ديمقراطية قانونية متحضرة. دولة تستطيع أن تنهي الاستبداد السياسي والديني، وأن تضع الإنسان على طريق التقدم والتنمية والحضارة.



#عبدالعزيز_عبدالله_القناعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسومات شارلي إبدو وعالم المسلمين المنغلق
- الأمية الحضارية في العقل العربي
- لن يرجم خطايانا أحد
- في الحاجة إلى فولتير ولد بطنها وحنة آرندنت بدوية
- ثمن (الله لا يغير علينا) في الكويت
- -وأنت كذلك-.. مغالطة المتطرف الإسلامي ضد العلمانية
- النسوية العربية.. قراءة في اشكالية الواقع الاجتماعي
- الإمارات العربية المتحدة.. فارس التطور والسلام
- الإسلام والسيف .. العثمانيون الجدد
- حركة الإخوان المسلمين.. بدأت مع الله وانتهت بالإنقلاب عليه
- آفاق اليسار العربي وعطالة الأيديولوجية
- ذكرى مرور عامين على سجني.. فهل انتصر الإسلام
- حقوق مجتمع الميم
- التنوير .. في فهم أدوات العلمانية
- كأس العالم ومظاهرات أمريكا
- طرد الكورونا أفضل من طرد الوافدين في الكويت
- الإخوان المسلمين والماسونية .. مقارنة باطلة
- صفقة القرن .. النداء الأخير للسلام
- اسقاط الولاية عن النساء مطلب حضاري وانساني
- في رثاء وهجاء شيمون بيريز


المزيد.....




- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى ويرفعون علم إسرائيل في ...
- قائد الثورة الاسلامية.. بلّغوا السيّد عبد الملك الحوثي سلامي ...
- -المقاومة الإسلامية العراقية- تعلن قصفها هدفا في إسرائيل بمس ...
- إسرائيل تحتج لدى الفاتيكان على تصريحات توكل كرمان بشأن غزة
- بحضور زعيم اليونان.. إردوغان يحسم قضية -الكنيسة التي تحولت م ...
- بعد إطلاق -تكوين- في مصر.. هل رد شيخ الأزهر؟
- ماما جابت بيبي يا أولاد..ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- الأهالي يرممون الجامع الكبير في مالي.. درّة العمارة التقليدي ...
- استئناف التصويت في الانتخابات الهندية والمسلمون في مرمى مودي ...
- الهجرة اليهودية لفلسطين.. شجعها نابليون وقاومها السلطان عبد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - الإستبداد العربي بين علمانية غائبة وتاريخ مقدس طاغي