أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسان الجودي - سوق القصاصين














المزيد.....

سوق القصاصين


حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)


الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 9 - 14:44
المحور: الادب والفن
    


خلوت بنفسي لأكتب نصاً عن دمية غريبة موجودة في متحف المدينة. أسدلت ستائر الغرفة، أغلقت الموبايل ، وجلست إلى طاولة الكمبيوتر. فتحت ملف الصور ، واستخرجت منه صورةً لتلك الدمية التي التقطتها قبل أسابيع.
كانت الدمية ذات ملامح وجه مشوهة ، ويبدو أن أحداً قد استخدم سكيناً لذلك. أما جسدها فكان مغطى بأسلاك رقيقة مذهبة تظهر حشوتها الداخلية ، فقد أصاب البلى كساءها الخارجي.
حين سألت أمين المتحف عن معلومات تتعلق بتلك الدمية. أخبر بفقدان بيانات تلك الدمية. وهذا ما دفعني إلى محاولة كتابة قصة متخيلة عنها.
بدأت باختيار الحقبة الزمنية المناسبة، ورأيت أن عام 700 ميلادي سيكون مناسباً. واخترت المكان سوقاً في دمشق يعرف بسوق القصّاصين . تجولت بأفكاري في ذلك السوق حتى وصلت إلى دكان صغير ، يعمل فيه محروس في صناعة المقاعد الخشبية الصغيرة . رأيت محروساً، يعالج قطع الأخشاب بمنشاره ، ثم يشكلها بمبرده الحاد وإزمليه الدقيق حتى تصبح أربعة سيقان خشبية جميلة، يقوم بعدها بتثبيت قاعدة خشبية أنيقة فوقها.
وقفت بفضول مراقباً إياه. نادى بائع مرطبات ، واشترى كوباً من العصير . ثم عاد إلى عمله. لكنه هذه المرة أخرج هيكل تلك الدمية ، وباشر العمل عليه.
كان من الواضح شغفه بإنجاز تلك الدمية . قلت لنفسي :ربما تخص ابنة له.
لم أقتنع بصوتي الداخلي ، فمحروس يبدو فقيراً، ودمية المتحف مشغولة بخيوط الذهب.
هممت بالاقتراب من محروس ، لأبادله الحديث.. فسمعت طرقاً عنيفاً على باب غرفتي. وسمعت ضجيجاً ولغطاً يشبه ما سمعته في سوق القصّاصين. أسرعت إلى فتح الباب، فتدفق جمع من الرجال . كان واضحاً انتماؤهم إلى تلك الحقبة القديمة، واكتشفت بعد لحظة ، أنهم جميعاً كانوا من العاملين في سوق القصاصين.
نهرهم رجل وقور ، فالتزموا الصمت. وقال الرجل لي بلهجة تهديد:
-ماذا كنت تفعل قرب دكان محروس؟
أجبت وأنا أرتعش من المفاجأة:
-أريد كتابة قصة عن تلك الدمية التي يصنعها.
-وهل تعرف يا فهمان أي شيء عن محروس، هل تعرف لمن يصنع تلك الدمية، وهل تعرف سبب صناعتها؟
كانت تلك أسئلة مخيفة ، ترافقت مع إشعاعات غضب خرجت من عشرات العيون المحدقة بي.
أعلنت لهم استسلامي الكامل. لكنني حاولت الدفاع عن نفسي فقلت:
-أنا كاتب صناعتي الخيال.
تقدم أحدهم مني بسرعة وهمَّ بعصاه . غير أني تجنبت ضربته ببراعة.
صرخ الرجل الوقور محذراً من جديد. ساد الصمت لهنيهات . ثم قال:
-لا يمكنك تأليف حكاية عن سوق القصاصين دون موافقتنا
تنهدت بارتياح، وقلت لنفسي " لقد انتهت الأمور بسلام"
وطلبت منه الموافقة على كتابة قصة عن تلك الدمية.
سمعت قهقهة عالية ، ورأيت محروساً يتقدم نحوي مهدداً ، وفي يده ذلك المبرد الطويل. ثم قال بسخرية :
-ستكتب القصة التي سأمليها عليك.
رأيت الوجوه الغاضبة تحدق بي من جديد، وشعرت بمبرد محروس قرب حلقي. فأعلنت موافقتي دون تردد.
كانت قصة محروس تافهة وزائفة كما توقعت. فقد أخبرني أنه يواظب على صناعة دمية ذهبية كل عام لابنة شيخ الكار.
هممت بسؤاله عن سبب تشويه وجه الدمية ، غير أني تراجعت، بعد أن شعرت أن مبرد محروس بدأ يخترق جلدي. فاستسلمت لمصيري الغامض، ورضيت بقدري ككاتب معاصر زار سوق القصّاصين. ولم يجرؤ حتى اللحظة على كتابة قصة تخالف وصايا حرّاس السّوق



#حسان_الجودي (هاشتاغ)       Hassan_Al_Joudi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كود لغوي
- السياق والخلاصة
- قصة تنبؤية
- ماري ومالك
- الصابون
- الكلمة
- من منكم؟
- صيّاد الشعراء
- الشيخ ترامب
- ريح موت
- ورق التوت
- من كتاب الحيوان
- مقامات


المزيد.....




- دينيس فيلنوف يُخرج فيلم -جيمس بوند- القادم
- افتتاح معرض -قفطان الأمس، نظرة اليوم- في -ليلة المتاحف- بالر ...
- -نملة تحفر في الصخر-ـ مسرحية تعيد ملف المفقودين اللبنانيين إ ...
- ذاكرة الألم والإبداع في أدب -أفريقيا المدهشة- بعين كتّابها
- “361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة ...
- -أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف ...
- بإسرائيل.. رفع صورة محمد بن سلمان والسيسي مع ترامب و8 قادة ع ...
- الخرّوبة سيرة المكان والهويّة في ررواية رشيد النجّاب
- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسان الجودي - سوق القصاصين